المرأة الريفية في إدلب .. عمل شاق... وتقاليد خانقة

10-03-2006

المرأة الريفية في إدلب .. عمل شاق... وتقاليد خانقة

لعل صورة المرأة في الريف أكثر مأساوية في شريط معاناة المرأة السورية لاسيما في المناطق النائية منه، فقد يكون الحديث عن الجهل والتخلف السائد، والعادات والتقاليد المجحفة بحق الفتيات هي أول صورة في هذا الشريط التي ستتبعها صور كثيرة لا تنتهي، كالتعليم والتسرب الحاصل في المدارس، وواقع عملها المجهد في الأرض والزراعة، والذي يضاف إلى  واجباتها الأساسية ضمن المنزل كامرأة.
ففي إحدى قرى إدلب الخضراء حيث  تنتشر حقول الزيتون والمشمش والكرز والخوخ والتفاح وغيرها...ويعمل غالبية أهلها في الزراعة وتربية المواشي، كانت لنا محطة سريعة عند حياة "بنات البلد" وعملهن في الأرض والزراعة.
وكان علي أن أرتدي قميصاً واسعاً وطويلاً يستر جسدي، وأن أضع لدى وصولي حجاباً يغطي شعري، هذه شروط الرحلة التي زادت من دوافعي للزيارة، فوافقت عليها...
  الحجاب ... عائق في وجه دراستها


كان الموسم قطاف المشمش والكرز والخوخ والدراق، وأول وقفة بين الحقول كانت عند صورة  (هيام – 20 عاماً) التي استخدمت سلماً للصعود إلى شجرة المشمش، وبدأت بعملية القطاف، وقد حملت وعاء لجمع ما يُقطف من حبات المشمش.


ولأنه لم يتسنّ لنا الوقت للحديث معها أخبرتنا نوفة عن أختها قائلة: لم تتمكن هيام من الدراسة سوى للصف السادس الابتدائي مع أنها كانت مجتهدة، لأن الفتاة في عمر الثانية عشرة يفرض عليها ارتداء الحجاب، وكان على طالبات المدارس نزعه، فمنعت من الذهاب إلى المدرسة، ليقف الحجاب عائقاً في وجه دراستها.
الظلم الذي تلاقيه من زوجها
تتابع نوفة قائلة: تزوجت أختي في عمر السادسة عشرة، وهي حالياً أم لثلاثة أطفال، لكن نهارها تمضيه بالعمل في الأرض من السادسة صباحاً حتى الثانية عشرة ظهراً، ومن الثالثة حتى السابعة مساء، وفي الوقت المتبقي هي زوجة وأم، ومسؤولة عن كل الالتزامات المترتبة عليها في المنزل، ومع ذلك قصتها معروفة في كل القرية من كثرة الظلم الذي تلاقيه من زوجها، فهو الذي يؤمن الأرض لتعمل فيها بالأجرة، إذ تُدخل يومياً ما يقارب 200 ليرة سورية، تذهب مصروفاً للبيت، ولا تلقى منه سوى المعاملة السيئة، فحتى إلى بيت أهلها لا يسمح لها بالخروج.
قبل طلوع الشمس... خبز التنور جاهزٌ


أما (رقية – 50 عاماً ) التي جلست على الأرض وأخذت تفرز حبات المشمش، الرديء منها تضعه جانباً، وتعبئ الجيد في الصندوق قالت: الفتاة هنا تعمل مثلها مثل الرجل، تخرج معه إلى الفلاحة، تنكش وتسوّد الأرض، وترش السماد، وتزرع وتحصد، عداك عن العمل الذي تقوم به في البيت الذي يعتبر من  واجباتها الأساسية كربة منزل، فأنا مثلاً قبل طلوع الشمس أنتهي من الخبز على التنور، كحال الكثيرات من النساء في القرية، ليكون جاهزاً للفطور، ثم  ننطلق للعمل في الأرض.
المدرسة مختلطة...شباب وبنات !!
وجدت غالبية الفتيات فرص عمل لهن في شركة( إيلاف الخير للاستيراد والتصدير المحدود التي أحدث لها فرع في القرية، سواء ضمن الشركة في تعبئة الفواكه وتغليفها، أو في ورشات القطاف في الحقول التابعة لها، إذ تقول (روعة – 16 عاماً): أسرتي مؤلفة من أربع بنات وثمانية شباب، لم يسمح لي والدي ولأخواتي البنات بمتابعة الدراسة بعد الصف السادس لأنها مختلطة...شباب وبنات.
وكما ترين أعمل مع أختي في تعبئة وتغليف الفواكه من الساعة الثالثة حتى التاسعة مساء، وقديماً  كنا نعمل في الأراضي في مواسم الحصاد، وقطاف الزيتون والمشمش والكرز والخوخ وغيرها...فوقتنا نمضيه بين البيت والعمل في الأرض.
أبي... (ع الدقة القديمة)
أما (عائشة – 17 سنة) التي قالت: تركت المدرسة بعد السادس لأن أبي (ع الدقة القديمة) لا يسمح لي ولأخواتي بالدراسة، وحتى بالخروج من المنزل، بينما في خروجنا للعمل، ليس لديه أية مشكلة، فالوضع هنا يختلف، وهذا هو حالنا، الشباب (بيطلعوا وبروحوا وبيجوا) أما البنات (باركات عم يشتغلوا بالبيت والأرض)
الوحيدة المدللة...ولكن !
وكذلك ( وئام 32 سنة) التي تعتبر نفسها مدللة في أسرتها فهي الوحيدة على ستة شباب كما ذكرت لكن ذلك لم يغير في واقع الحال شيئاً إذ تقول: من عمر  الرابعة عشرة  أعمل في مواسم الحصاد والقطاف في الحقول، وحالياً في تعبئة الفواكه، كحال جميع الفتيات في القرية، وأساهم مثلي مثل أخوتي الشباب في مصروف البيت.
 يرافقها شاب
وعن العادات والتقاليد السائدة، ومشاكل الفتاة في القرية تضيف وئام: إذا أرادت الفتاة الخروج يجب أن يرافقها أحد من أفراد أسرتها الشباب، كما لا توجد حرية في اختيار اللباس فهو يكاد يكون موحداً بين جميع الفتيات، التنورة الطويلة والقميص الواسع الطويل، وعندما تكمل الفتاة الثانية عشرة يجب أن ترتدي الحجاب،فلا يوجد في كل الضيعة فتاة غير محجبة، حتى التي تخرج إلى المدينة لمتابعة الدراسة  تبقى ملتزمة بهذه العادات.
موضة جديدة
ولدى الزواج يحرص غالبية الشباب على الارتباط بفتاة من بنات القرية، لأنها تعرف عادات القرية وتقاليدها جيداً، إذ تقول وئام: شباب الضيعة عادة ما يتزوجون من بنات الضيعة لأن العادات والتقاليد واحدة، فلا يجد الشاب مشكلة في تأقلم زوجته معها، لكن  "موضة جديدة" درجت حديثاً فبعض الشباب أخذوا يأتون بفتيات من الضيع المجاورة، لكنهن يلتزمن بنفس عاداتنا التي لا تختلف عن عاداتهن كثيراً .
لمستها ألطف


وعن عمل شباب القرية في شركة إيلاف الخير يقول مديرها السيد مصطفى عبد العزيز قدور: بعد عملنا في ريف دمشق، انتقلنا حالياً إلى (اللاذقية، إدلب، حماه، حمص، حلب) لاستثمار هذه المناطق التي ما زالت بكراً، وقد أمنت الشركة الكثير من الفرص للشباب العاطل عن العمل من الجنسين، نساء ورجالاً، ومعظمهم من الطلبة خارج أوقات دوامهم، لكن عمل الفتاة في تعبئة الفواكه وتغليفها مرغوب به أكثر من الشاب لأن لمستها على الفاكهة ألطف من الشاب، حيث ترتب الفاكهة بعد قطفها في العلب لتذهب إلى بلد الاستهلاك في أفضل شكل ممكن، وهذه العملية تحتاج إلى صبر وترتيب قد لا يتوفران عند غالبية الرجال. كما أنه بلغ عدد ورديات التعبئة والتغليف ثلاثة ورديات، الفتيات تعملن في الورديتين الصباحية والمسائية، من السابعة صباحاً حتى الثالثة مساء، ومن الثالثة حتى التاسعة مساء، وعددهن 35 عاملة في كل وردية  مع 5 عناصر شابة للحمل، في حين أخذ الشباب الوردية الليلية من الثانية عشرة حتى السادسة صباحاً، ليتقاضى الجميع أجراً يتراوح بين (35 – 40) ليرة على الساعة الواحدة حسب الخبرة في التوظيب.
عنصر رئيسي في القطاف
ويضيف قدور قائلاً: كما أنه يوجد ثلاث ورشات قطاف في الحقول للبنات اللواتي لا يتسنى لهن العمل ضمن المشغل، فالاعتماد على الفتاة كعنصر رئيسي في القطاف إذ بلغ عدد العاملات خمسة عشر عاملة في كل ورشة، كما أن بعض الفتيات يأتين للعمل من الضيع المجاورة لبليون كمعراتة وكنصفرة لقربهم منها، ولأن غالبية الفتيات في هذه المناطق لا يكملن دراستهن بسبب العادات والتقاليد التي كثيراً ما تقف حاجزاً في وجه خروجهن من المنزل وانتقالهن للمدينة، فلا تجد الفتاة أمامها سوى العمل في الأرض والزراعة إضافة لعملها ضمن المنزل.
بدا واضحاً في الريف المنغلق والمحكوم بجملة عادات وتقاليد ومفاهيم سائدة منذ قرون، كيف يُنظر للمرأة على أنها ربة منزل وأم وزوجة وحسب، وهي تابعة بشكل كامل للرجل المتحكم في كل شيء، فبكلمة واحدة يتحدد مصير المرأة وحياتها، ومستقبل المجتمع أجمع الذي تقوم بتنشئته  حين يقف الأب في وجه خروج ابنه للتعلم وهو أبسط حقوقها وأهمها، لتأتي بعده وصاية الزوج، وربما الابن في المستقبل.
ولدى خروج المرأة للعمل الشاق المحصور  في الأرض والزراعة والذي تساهم بفعالية فيه، قد تنقلب بعض المفاهيم وتتغير في مسألة خروجها من المنزل، طالما أنه ضمن القرية وتحت سلطة الرجل ووصايته، وستحصل من خلاله على أجر تساهم فيه بإعالة نفسها وأسرتها في كثير من الأحيان.
يبدو أن المتغيرات التي طالت المدينة، وعالم اليوم الذي تحول إلى قرية صغيرة، بتوفر وسائل الاتصال الحديثة التي قربت المسافات بين الدول والبلدان لم تطال ريفنا النائي البعيد. ولعل شعارات تمكين المرأة ومساواتها المرفوعة في المدينة، ونداءات توعيتها وتعريفها بحقوقها تعتبر بالنسبة للمرأة الريفية حاصلة في كوكب آخر من كرتها الأرضية لم يصل صداها إلى الريف بعد، أمام قلة اهتمام الجهات الرسمية المعنية، وقصور برامج التوعية والتثقيف، ودور سائل الإعلام في نشرها.

الجمل - ليلى نصر


إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...