باريس تعتمد «مواقع التواصل» لتأكيد الهجوم الكيميائي !

17-04-2018

باريس تعتمد «مواقع التواصل» لتأكيد الهجوم الكيميائي !

لا شكّ أنّ فرنسا سعت من خلال تقييمٍ أجرته بشأن الهجوم الكيميائي المُفترض على مدينة دوما السوريّة، لإقناع العالم «الحرّ» بـ«شرعية» العدوان ضدّ سوريا. تقييمُ «دولة عُظمى» استند، حصراً، إلى صورٍ ومقاطع مصوّرة نُشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، قامت الأجهزة الأمنية الفرنسية بـ«تحليلها» لتكتشف أنَّ النظام السوري شنّ تلك الهجمات الكيميائية، وأنّها «على ثقة» ممّا تقول، خصوصاً أنها التقطت «إشارات» مصوّرة تدلّ على «انبعاث رائحة الكلور» (!!)، فيما هي نفسها تؤكّد غياب أيّ عيّنات كيميائية (أو أي دليل مادّي) من موقع الهجوم.

في التالي الرواية، كما نقلتها مواقع التواصل الاجتماعي، فكتبتها الأجهزة الأمنية الفرنسية، ثم عمّمتها وزارة خارجية البلد المذكور:

بالشكل، تتوزّع الوثيقة التي رُفعت عنها السرية، غداة العدوان الثلاثي (الولايات المتحدة، فرنسا، وبريطانيا) على سوريا، أول من أمس، على خمسِ صفحات، مقسّمة إلى نقطتين رئيستَين؛ الأولى تفيد بأنّ هجمات عدّة نُفّذت في دوما عصر السابع من نيسان/ أبريل الحالي، و«(إننا) على ثقة بأنّ النظام السوري شنّ هذه الهجمات»، والنقطة الثانية في الصفحة الرابعة، تشير إلى أنّ «النظام استخدم، منذ نيسان/ أبريل 2017، أسلحة كيميائية ومواد سامة مراتٍ عدّة في أثناء العمليات العسكرية».
الوثيقة التي أُميط عنها اللثام، استندت فيها الأجهزة الأمنية الفرنسية، وفق النص الحرفيّ، إلى «مصادر مفتوحة»، وأخرى استخباراتية «رُفعت عنها السرية، صادرة عن مصادر خاصة فرنسية»، لم تُحدّد طبعاً.
تفيد الإشارة هنا إلى أنّ الوثيقة - نُشرت على موقع وزارة الخارجية الفرنسية الإلكتروني - تؤكّد أنّ المعلومات التي استقتها فرنسا وحلفاؤها، تُعتبر بالنسبة إلى الفرنسيين «أدلةً كافية تُثبت تورّط النظام السوري في الهجمات الكيميائية التي وقعت في 7 نيسان».

وعليه، أتَى التحرّك الفرنسي سريعاً بعدما أَبلغ «المجتمع المدني ووسائل إعلام محلية ودولية» عن وقوع «هجمتين جديدتين اعتباراً من عصر يوم السبت 7 نيسان/ أبريل»، ما استدعى تدخّل الأجهزة الأمنية الفرنسية التي استندت في تقييمها إلى «المنظمات الطبية غير الحكومية الناشطة في الغوطة الشرقية وذات المصداقية المعهودة (الجمعية الطبية السورية الأميركية، واتحاد منظمات الإغاثة والرعاية الطبية)».

تشير الوثيقة إلى أنّه «لوحظ» توافد عدد كبير (حوالى 100) من المصابين الذين «ظهرت عليهم عوارض التعرّض لعاملٍ كيميائي»؛ إذ أفادت «مصادر عدة»، لم تسمّها، بأنّ 40 شخصاً قُتلوا نتيجة تعرّضهم لمواد كيميائية.

تقول صراحةً، إنّ الأجهزة الأمنية الفرنسيّة أجرت تحليلاتها بناءً على «شهادات وصور وتسجيلات مصوّرة نشرت عفوياً على مواقع إلكترونية متخصّصة وفي الصحافة، وعلى شبكات التواصل الاجتماعي في الساعات والأيام التي تلت وقوع الهجوم». ولتبرير مصادر معلوماتها، تؤكّد أنّ استعراض الصور والتسجيلات المصورة للضحايا، التي نُشرت على الإنترنت، تبيّن أنّ «غالبيتها صور وتسجيلات حديثة وغير مفبركة». لماذا؟ لأنّ «التبادل العفوي لهذه الصور على شبكات التواصل الاجتماعي يُثبت أنه لم يجرِ التلاعب بالصور وبالتسجيلات المصورة»، هكذا تقول الوثيقة حرفياً. ثمّ تبرّر ركونها إلى تلك الوسائط، بالقول إنّ بعضها «مشهودٌ له بمصداقيته المعهودة». كما «تعتقد» الأجهرة الأمنية الفرنسية أنّ «موضوع التحكّم بالصور المنتشرة بكثافة منذ يوم السبت 7 نيسان، يفتقد إلى المصداقية، نظراً إلى أن المجموعات الموجودة في الغوطة لا تملك الوسائل للقيام بعمليات اتصال واسعة النطاق».

ويبدو لافتاً أنّ الوثيقة تقول إنها التقطت «إشارات» تدلّ على «انبعاث روائح الكلور» (!) ووجود دخان أخضر، استناداً إلى الصور التي نقلتها عن المصادر «المشهود لها بمصداقيتها».


«المناورة» السورية

تشير «معلومات موثوقة» (دائماً بحسب معدّي الوثيقة)، حصلت عليها الأجهزة الأمنية الفرنسية، إلى أنّ «مسؤولين عسكريين سوريين نسّقوا هجمات دوما»؛ بعدما رفض الجزء الأكبر من مقاتلي «جيش الإسلام» (بين 4500 و5500 مقاتل متمركزين في دوما) التفاوض مع الحكومة السورية للخروج من المدينة. كان ذلك، بحسب الوثيقة، بتاريخ الرابع من نيسان/ أبريل؛ لذلك استأنف النظام السوري عمليات القصف اعتباراً من السادس من نيسان (بعدما كانت توقّفت منتصف آذار/ مارس حين بدأت المفاوضات). في هذا السياق، أيّ سياق الرفض، «شُنت الهجمات الكيميائية». وللدلالة على «مصداقية» الرواية الآنفة، تشير الوثيقة - في الصفحة 5 - إلى أنّ «جيش الإسلام» وافق على التفاوض مع النظام وروسيا للخروج من مدينة دوما، «ما يشهد على نجاح المناورة المستخدمة».

وتفسّر الوثيقة استخدام الأسلحة الكيميائية من منظورين، الأول تكتيكي؛ إذ «يتيح استخدام الكيميائي إخراج المقاتلين من المنازل بغية شن المعارك الميدانية في ظل ظروف تناسب النظام»، والثاني استراتيجي «فاستخدام الأسلحة الكيميائية، ولا سيما غاز الكلور، يهدف إلى الانتقام من السكان المدنيين، ودفعهم إلى الاستسلام».


برنامج كيميائي خفي

في الصفحة الرابعة، يفيد «التقييم الوطني» الفرنسي بأنّ النظام السوري «احتفظ منذ عام 2013 ببرنامج كيميائي خفيّ»، وبأنّ سوريا «لم تصرّح عن كامل مخزونها وقدراتها لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية لدى انضمامها المتأخّر والمتحفّظ إلى اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية في تشرين الأول/ أكتوبر 2013». ويقول إن الحكومة السورية «أغفلت في البداية التصريح بموقعي برزة وجمرايا اللذين صُرّح عنهما في عام 2018».

استناداً إلى هذا «التقييم الشامل»، و«اعتماداً على المعلومات التي جمعتها أجهزتنا الأمنية، وفي ظلّ غياب عيّنات كيميائية جرى تحليلها في مختبرات أجهزتنا الأمنية في هذه المرحلة»، ترى فرنسا: أنه لا شك في وقوع اعتداء كيميائي على المدنيين في دوما في 7 نيسان/ أبريل. أنّه لا يوجد سيناريو آخر معقول سوى أن القوى المسلّحة السورية نفّذت الاعتداء في إطار الهجوم الشامل الذي تقوده في الغوطة الشرقية.

رائحة الكلور تصل إلى واشنطن!

في المضمون، لا تختلف الرواية الأميركية عن نظيرتها الفرنسية؛ إذ أشار مسؤولون في الإدارة الأميركية، في مؤتمر عبر الهاتف مع الصحافيين، أول من أمس، إلى أنّ لديهم كمّاً ضخماً من المعلومات الواضحة والمُقنعة عن استخدام الأسلحة الكيميائية في دوما، والتي تحمل بصمات الحكومة السورية.بحسب مسؤول أميركي، فإنّ «المعلومات التي لدينا، تشير إلى استخدام غاز الكلور والسارين».ولدى المسؤولين، بحسب ما قالوا، لقطات مصوّرة بـ«الفيديو» و«صور لبقايا قنبلتين برميليتين على الأقل لغاز الكلور بخصائص تتّفق مع قنابل الكلور البرميلية من اعتداءات سابقة».

هؤلاء أوضحوا، نقلاً عن «شهود عيان»، قولهم إنّ عدّة «طوافات حكوميّة» حلّقت فوق دوما في السابع من نيسان، وإنّ هذه الطوافات ألقت قنابل برميلية، لأنّ «القوات الوحيدة التي لديها طوافات في سوريا هي الحكومة السورية».

كذلك، وصلت رائحة الكلور إلى واشنطن عن طريق أطباء ومنظّمات إغاثة على الأرض، وصفوا للمسؤولين الروائح والعوارض التي تبعتها. كما أكدوا أن لديهم معلومات «ليست هيّنة» تشير إلى استخدام غاز السارين، مستندين في ذلك إلى تقارير عن «سقوط عشرات القتلى ومئات المصابين».أما مسؤولو وزارة الدفاع الأميركية، فـ«قدّروا» وجود مواد كيميائية وغازات أعصاب «على الأرجح» في الأهداف التي قصفتها القوات الأميركية ونظيرتاها الفرنسية والبريطانية.

 

الأخبار

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...