حوار مع إيسيدور بطيخة عن المدرسة السورية في التعايش بين الطوائف

31-05-2006

حوار مع إيسيدور بطيخة عن المدرسة السورية في التعايش بين الطوائف

يعد المطران إيسيدور بطيخة وجه معروف من وجوه الكنيسة في سورية , وله حضور ديني وثقافي بارز , حيث يشارك في المؤتمرات والندوات والمحاضرات الدينية والثقافية .

وقد تم اختيار المطران إيسيدور بطيخة متروبوليت مناطق حمص وحماة و يبرود وما يتبعها من قبل السينودس المقدس , وقد خدم مدة أربعة عشرة سنة كنائب بطريركي عام في دمشق, وعمل كثيرا في المجال الثقافي والاجتماعي والروحي وأهمها التحضير لزيارة البابا والإشراف عليها .‏‏


وقد تحدث المطران ايسيدور بطيخة إلى جريدة الثورة عن قضايا متنوعة شملت دور علماء الدين في الوحدة الوطنية ومفهوم الوحدة المسيحية وتجديد الخطاب الديني والتعامل الإعلامي الجديد مع الوقائع الدينية , وهذا نص الحوار : * كيف تم اختياركم مترو بوليتا للمنطقة الوسطى ?‏‏

** تم انتخابي متروبوليت لمناطق حمص وحماة و يبرود وما إليها من قبل السينودس المقدس , و السينودس هو مجموعة مطارنة الطائفة يجتمعون مرة في السنة وكلما دعت الحاجة , وفي اجتماع السينودس الأخير تم انتخابي مكان سلفي المطران إبراهيم نعمة لأنه بلغ السن القانونية للأساقفة الكاثوليك وهي خمس وسبعون سنة , وقدم استقالته وتريث السينودس مدة عامين ثم قبلها.‏‏

* بمناسبة انتخابكم جرت احتفالات أعلنت للمرة الأولى إعلاميا , هل ترون أن الاحتفاء يتعلق بشخصكم أم هو تعامل جديد للإعلام لهذا الحدث ?‏‏

** سبق أن جرت احتفالات أكثر في مثل هذا الحال , وقد شعرت بالاحتفالات الأخيرة التي جرت ورأيت التغطية الإعلامية , وأعيدها إلى عدة أمور :‏‏

أولها : تغيير نهج الإعلام واهتمامه بأمور غير سياسية ولكنها مفيدة لبناء الوطن وتفي بالغرض المطلوب , ونحن نتمنى لإعلامنا في هذه الأيام أن يكون لكافة شرائح المجتمع ومنها الديني والروحي والاجتماعي ,‏


 

وأرى أن هناك نهجا متجددا في التغطية الإعلامية .‏‏

الثانية أنني لم آت من فراغ لقد خدمت في دمشق مدة أربعة عشرة سنة كنائب بطريركي عام , وعملت كثيرا في المجال الثقافي والاجتماعي والديني والروحي وأهمها التحضير لزيارة البابا والإشراف عليها .‏‏

إذن هذا العمل عمل وطني , وانتقالي من دمشق إلى المحافظة الجديدة كان له أيضا صدى في الإعلام لهذا السبب .‏‏

ثالثا المسيرة التقاربية بين المسلمين والمسيحيين , وأرى أنها رسالة أتمنى أن يسلكها كثيرون في هذا البلد لأنها تمثل الوحدة وتمثل رغبة الشعب , تمثل تاريخنا وتراثنا , وهذا جعل الإعلام يهتم .‏‏

* كان احتفال القصير لافتا للنظر , وظهر على مواقع الانترنت حيث احتفى بكم المسلمون والمسيحيون معا , ما تفسيركم بالاهتمام بهذا الاحتفال ?‏‏

** احتفال القصير كان مميزا كما كان في كفربو كما كان في ربلة ودمينة كما كان في حمص وإن شاء الله في دير عطية قريبا .‏‏

كان الاحتفال مميزا في القصير لأنه كان في المدينة أحيانا بعض الحوادث التي شوهت الحقيقة بين المسلمين والمسيحيين , وليس فقط في القصير بل في أماكن مختلفة .‏‏

أراد أهل البلد أن يظهروا حقيقتهم أمام الناس أن يظهروا اتحادهم , وكانت المناسبة قدوم المطران , وخاصة أن المطران من دعاة الوحدة , لذلك لفت النظر منظر إخواننا المسلمين وهم قادمون إلى الكنيسة , وهذه المرة للصلاة بود وفرح واستقبال جميل .‏‏

وكان منظرا مشجعا للمسيحيين ولفت انتباههم هذا اللقاء المميز وأظهروا في أحاديثهم جميعا التراث الحقيقي الذي يجمعهم في بناء القصير تاريخيا ًقبل المسيحية وقبل الإسلام وبعد المسيحية والإسلام وإلى الآن , وهذا ما جعلني أشهد في القصير مشهدا مشجعا .‏‏

وعادة عندما نصلي في الكنيسة يحضر أخوتنا المسلمون الجزء الأول من الصلاة جزء الكلمة والعظة , ثم يتركوننا لتكملة الصلاة .‏‏

في هذه المرة رايتهم مصرون أن يبقوا في الكنيسة , وبقي مفتي القصير وتكلم كلاما جميلا وشجعنا على المحبة والسلام , وهذا ما دعاني بدوري أن أدعوا المسيحيين إلى أن يكملوا الصلاة مع إخوانهم المسلمين في الجامع .‏‏

وأزيد معلومة أحب أن يعرفها كثيرون وهي أن هناك واقعا مميزا في القصير فالجامع الكبير والكنيسة بناهما شخص واحد ومن حجارة مأخوذة من مقلع واحد , وهذا ما أكده لي أبناء القصير فهم يعتبرون أن الجامع الكبير والكنيسة هما رمزان متحابان ومتآلفان في الهندسة والبناء والحجارة , لذلك كان إصرارنا أن نذهب إلى المسجد , وفي المسجد فوجئت أن أخي مفتي القصير طلب مني أن القي كلمة في الجامع , وطبعا تشجعت وطلبت من أخي مفتي القصير أن يهتم بالمسلمين والمسيحيين وان نعمل معا على المحبة والتسامح وبناء الوطن .‏‏

وليست هذه هي المرة الأولى التي تحدث فيها مثل هذه الواقعة كما جاء في الإعلام , فقد حدثت مرات ومرات وأكبرها عند زيارة قداسة البابا للجامع الأموي , وكم مرة ذهب بطاركتنا إلى جوامع في دمشق وألقوا كلمات فيها .‏‏

وطبعا هذا شيء جديد بالنسبة لأهل القصير في البلدة , وظنوا أنها المرة الأولى في سورية لكنها حدثت كثيرا من قبل بعيدا عن الأضواء الإعلامية .‏‏

* كيف ترون دور الكنيسة والمسجد في بناء الوحدة الوطنية ?‏‏

** لهما دور كبير , والدعوة إلى تجديد الخطاب الديني مهم جدا , وأملنا أن لا يكون التجديد فقط في المساجد وإنما في المعاهد والمدارس الدينية حيث يتدرب الكهنة والمشايخ ليتحضروا لهذا الخطاب .‏‏

وعندما أتحدث عن تجديد الخطاب الديني لا أتكلم عن شيء فاسد نريد إصلاحه , فالمقصود أن يواكب الخطاب الديني أحداث العالم والمستجدات فيه , وأن ينظروا كيف يمكن أن يستفيدوا من وسائل الإعلام ليقولوا الحقيقة ويظهروها , وكم من حقيقة في سورية نتمنى أن تظهر للملأ .‏‏

* برز اسمكم في فعاليات ثقافية وحوارية هل هذا الأمر مبادرة شخصية أو توجه ?‏‏

** هناك توجه عام للكنيسة منذ المجمع الفاتيكاني الثاني ومواقف الباباوات والبطاركة الشرقيين وأيضا الأرثوذكس في الحوار , هو توجيه كان دائما في الإنجيل المقدس , ولكن الإعلام ساهم اليوم على بسط رؤية واقعية للعالم , والعالم بحاجة إلى هذه المدرسة التي نبعت من سورية في التلاحم والتآخي .‏‏

أنني أعتبر نفسي تلميذا في كنيستي , واستعمل كل قواي وكل ثقافتي ومحبتي وكل عواطفي في خدمة المسار الذي أؤمن به , ولا أتصرف لا عشوائيا ولا إفراديا ولا ظاهريا , هذا شيء شربته من ينابيع الدين المسيحي , وطبعا مشهود له في القرآن أيضا .‏‏

والحوار الحضاري من تراث بلدي سورية التي كانت دوما كذلك , وكم من الأساقفة الكبار في تاريخنا الأرثوذوكسي والكاثوليكي ساروا أكثر مني بكثير في هذا المجال .‏‏

* ما يدفعنا للسؤال إن جاءت المشاركات بمبادرة ذاتية أننا نجدها عند شخص أكثر من آخر ?‏‏

** ليست مبادرة ذاتية بقدر ما هي شخصيات تتفاعل أحيانا في مبادرات عامة , ولست طائرا يغرد خارج سربه , ولكني ربما طائر له تغريد خاص في صوت خاص ولكن لا يغرد خارج سربه , فالكنيسة هي التي تسير هذا المسار , وهذا تطبيق لكلام الإنجيل , وتطبيق لإرادة الشعب السوري , وشعرت بهذا في كل القرى والبلدات التي دخلت إليها , هذه ارادة شعبنا أن نعيش معا مسلمين ومسيحيين .‏‏

* وهل تغريد خاص عندما ذكرتم في ندوة حوار الحضارات أنكم تنتمون إلى حضارة عربية إسلامية ?‏‏

** حتى في هذا الجانب كانت هناك تصريحات من هذا النوع قبلي , ولكن ربما لم تنل الإعلام الكافي .‏‏

نعم نحن ننتمي إلى حضارة عربية , فنحن عرب مسيحيون تكلمنا دائما بالعربية ولسنا قادمين من مكان ما في العالم , بل نحن من جذور هذه الأرض والبلاد العربية هي أوطاننا .‏‏

وأقولها بصراحة نحن نشعر أننا غرباء في كل الأرض ماعدا هذه الأرض , هذا وطننا وهذه أرضنا , والعروبة هي جزء من معتقداتنا ومن تاريخنا .‏‏

أما الحضارة الإسلامية العربية , فإن الحضارة الإسلامية قد تفاعلت ككل الحضارات مع واقع تاريخي موجود قبل الإسلام في سورية , كما تفاعل اليونان مع السريان من قبل , وفيما بعد تفاعل العرب في أرض سورية ليظهروا الثقافة والحضارة الإسلامية العربية مجددا .‏‏

نحن نعلم أن كل من جاء إلى سورية قبلا أتاها محتلا , ووضع بصمات مختلفة في حضارتنا , وكل هذه الامتزاجات والبصمات الموجودة انصهرت في حضارة تسمى الحضارة العربية الإسلامية , و فيها جزء من التاريخ السرياني , وحلب كعاصمة للثقافة أظهرت هذا في ندواتها عن الحضارة والثقافة السريانية .‏‏

إذن الثقافة السريانية ساهمت في بناء الحضارة العربية الإسلامية وكذلك اليونانية قبلها , ونحن نعلم أنه في القرن العاشر تمت ترجمات من السريانية واليونانية إلى اللغة العربية , وسمي العصر الذهبي للعلوم العربية , وبدورها أفادت الغرب ونقلت العلوم إليهم .‏‏

إذن لنا دور كبير في الحضارة التي تدعى اليوم عربية إسلامية , ومن حقنا أن نفتخر ليس بدورنا فقط بل بهذه الحضارة .‏‏

* هل تقصد ما نعرفه من مساهمة المسيحيين في العلوم والبناء ?‏‏

** المسيحيون لم يساهموا فقط كأفراد بل ككنيسة سورية وكنيسة عربية ساهمت في بناء ما نسميه اليوم الحضارة العربية الإسلامية , ولذلك أشدد على أن أقول هذا لأوضح أن العروبة هي أوسع من الإسلام , وأوسع من الجزيرة العربية .‏‏

هناك واقع عربي خاصة اليوم ومن واجبنا اليوم أن نستظل بفيئه , وهناك حضارة وثقافة إسلامية واضحة للملأ ساهم فيها المسيحيون أيضا وأنا أفتخر بالانتماء إليها .‏‏

وقد ساهموا بالعمران والطب والهندسة الرياضية والترجمات , وساهموا في كل العلوم وكانت لهم مساهمة في الفقه و الحوارات التي كانت تتم في قصور الأمراء وقصور الأمويين والعباسيين حيث كان هناك جدال كما نتمناه اليوم جدال قبول الأخر والاحتكاك بالأخر لنبلغ في الاتصال مع الله بطريقة أوسع .‏‏

* ماذا تقصد بالمساهمة في الفقه ?‏‏

** أقصد الفقه المسيحي والإسلامي , نحن نعلم أنه ينتج حوار حضاري ثقافي عندما يكون هناك جدال ودي بين فريقين وجدال ثقافي وجدال بين أناس مليئين بالحكمة والفهم والثقافة , وهذا الاحتكاك يكون بمثابة حوار حتى في الفقه الديني الإسلامي والمسيحي , لأنه لا أحد يستطيع أن يدعي معرفة الله معرفة كاملة , والاحتكاك من هذا النوع يعلمنا أكثر وأكثر حتى نبلغ هدفنا الروحي .‏‏

* أود التعليق على مسألة هامة , وهو أن المسيحيين موجودون في سورية وباحترام كبير على الرغم من كل الأحداث التاريخية , بدءا ًمن زوال الإمبراطورية الرومانية بالفتح العربي ومرورا ً بحروب الفرنجة والوجود العثماني وحتى الاستعمار الأوروبي ?‏‏

** نحن قلنا للعالم عندما جاء قداسة البابا إلى سورية أن سورية مهد المسيحية , ويتذكر العالم بأن مسيحنا هو من بلاد الشام , ولد في بيت لحم , ولم يولد في واشنطن .‏‏

نحن في أرض أرادتها السماء مهدا للمسيحية , ومنها انطلق بولس لينشر المسيحية في كل أنحاء العالم .‏‏

والتلميذ الأول القديس بطرس مدعاة فخر لنا في روما , وكان أسقفنا الأول في إنطاكية حيث الكرسي البطريركي أولا , وانتقل بعد ذلك في القرن الثالث عشر إلى دمشق , أورد كل هذا لأقول بوضوح أن مهد المسيحية كان في سورية .‏‏

عايشت المسيحية في سورية الإسلام وهنا أتكلم عن ديانة , وديانة الإسلام هي ديانة منفتحة على المسيحية وأعيد مقولة مفتي سورية ما من مؤمن إلا ويؤمن بأن السيد المسيح هو كلمة الله ومن روحه , وهذا الإيمان شرط لإسلامه وهذا ما ورد في القرآن .‏‏

إذن المشكلة ليست مشكلة دينية , المشكلة في تطبيق الدين وتطبيق الدين يكون في المسيحية وفي الإسلام , يعني تطبيق الدين من جهة الصليبيين كان ويلات على الكنيسة المشرقية , ولذلك لم يطلق المؤرخون المسلمون على تلك الحروب حروبا صليبية , لأنهم فهموا أنها ليست دينية بل سموها حروب إفرنج , ولأنهم عرفوا أن وراءها سياسية بغطاء ديني , كما نرى اليوم سياسات بغطاء ديني , مثلا بوش استعمل الكلمة ذاتها حرب صليبية وكأنه يعيدنا إلى الوراء .‏‏

لنقل نحن مجددا بأنها ليست حربا دينية , وعندما يستعمل الدين غطاء للسياسية تكون هناك ويلات على المسيحيين وعلى المسلمين أحيانا حسب الشعوب الآتية .‏‏

إذن تم اضطهاد مؤمني الكنيسة من قبل مسلمين ومسيحيين , لكن هذا ليست مرجعيته القرآن الكريم أو الإنجيل المقدس , هذه سياسات .‏‏

ولأجل الصدف في كل مرة كانت تهتز فيها الكنيسة في تاريخها في سورية كان القادمون إليها ليسوا عربا , كالعثمانيين والمغول والتتار والمماليك , ومررنا بفترات سوداء في تاريخ سورية لأنها كانت تحت الغطاء الديني , ونقول هذا أيضا عن حروب الإفرنج والاستعمار الفرنسي واليوم الأمريكي .‏‏

إن الخسارة الكبرى التي تحملتها كنيسة العراق اليوم كانت بسبب سياسية بوش , وليس مسلمو العراق الذين يهجرون المسيحيين , بل تلك الحرب التي غطاؤها ديني وداخلها سياسي محض .‏‏

لذلك علينا أن نقرأ الأمور بشكل واضح , وهذا ما يجعلنا عندما نقرأ تاريخنا وتراثنا نتمسك بوحدتنا مسيحيين ومسلمين وأن نرى الوقائع على حقيقتها , فالصفحات السوداء في العلاقة بين المسلمين والمسيحيين , لكن لم يكن مسببها ولا هدفها هو الدين , بل تمت بغطاء الدين لخدمة السياسة كما هو الواقع اليوم في إدارة بوش .‏‏

ولم تأت محاولات التفرقة من أهل الوطن , بل أهل الوطن الواحد بنوا الوطن معا , وكانوا دائما يدافعون عن بعضهم وأحيانا يتخذون مواقف في إخفاء الحقيقة بغية الدفاع عن الأخ المسيحي أو الأخ المسلم , وأنا لا أحب أن أقول الأخر لأنني حذفت حرف الراء منذ زمن وأصبحنا أخوة .‏‏

وقد عمل إخواننا المسلمون عجائب في تصرفاتهم ليدافعوا عن المسيحيين , كما ظهرت مواقف أيضا من المسيحيين في العهد الفرنسي هذا كله ساهم في بناء الوطن .‏‏

ألا ترى أننا ننتمي إلى وطن واحد وإلى حضارة وثقافة واحدة , لا أدعي الوطنية وحدي ولكن أتمنى من كل المواطنين أن يدافعوا بهذه الطريقة عن مقدساتهم , وأنا بنيت كما بنى كل أبناء الوطن حضارة سورية التي ننتمي إليها .‏‏

* وجود المسيحيين في سورية عبر تاريخ طويل دليل على أن المواطنين السوريين باقون بجميع عقائدهم ولا يلغي أحدهم الأخر ?‏‏

** لا يستطيع أحدهم أن يلغي الأخر , بإمكان أخر من الخارج أن يلغي أحدنا بدسائس وهذا ما يدعونا اليوم لاتخاذ مواقف لندافع عن مخاوف نراها حولنا في العراق وفلسطين وفي لبنان وأماكن أخرى , ونتمنى أن يكون الشعب السوري شعبا واعيا كفاية حتى لا يصغي إلى الغرب ولا إلى الشرق ولا إلى خارج الحدود , دعونا نرسم حدودنا بهذه الطريقة الوقائية ( أقصد الحدود المعنوية ) وأن لا نسمح لأي رأي خارجي أن يدخل إليها, لأننا كما نحن بألف خير .‏‏

* هناك حوادث في دمشق أيام الفرنسيين قام فيها المسيحيون بحماية بيوت المسلمين من القصف الفرنسي , لماذا يتم التركيز الآن على مسألة الإخاء الديني ?‏‏

** دفاع المسيحيين لم يكن في دمشق وحدها حدث في يبرود والنبك والقصير وكلمني المشايخ عن ذلك , والأهم من ذلك الرضاعة من مرضعة واحدة كما شهدوا لي في الكنيسة , محمد وجان يرضعان من أم واحدة وهذه أشياء مهمة كثيرا من واقع حالنا ولا نتحدث جزافا .‏‏

* منذ أيام كنت أتحدث في التلفزيون ببرنامج ( نوافذ ) تسألني إحداهن من ألمانيا يا سيادة المطران أنني تركت سورية منذ ثلاثين سنة واعرف سورية هكذا , هل تغير شيء , لماذا تتحدثون بهذا الموضوع ?‏‏

** قلت : لم يتغير شيء , نتحدث عن هذا الموضوع لأننا نشعر أن أحدا يريد أن يتبلانا نحن نريد أن نتحدث بهذه المواضيع لأن شبيبتنا اليوم صارت تفتقد إلى مناسبات لتعيش مع بعضها .‏‏

في الماضي كانت عندنا مناسبات , الآن لم تعد هناك مناسبات لشبيبتنا ليتعرفوا على بعضهم ويعيشوا مع بعضهم , سابقا كانت القرى صغيرة ويحتفلون معا وكانت المدرسة تجمعهم , الآن لا تجمعهم المدرسة , يصلون إلى المدرسة فيتفرق كل في طرف .‏‏

* ألا ترى أن التلفزيون له تأثير أيضا في استلاب الشباب ?‏‏

** التلفزيون فيه شيء إيجابي , ويمكن أن نعمل من خلاله أشياء إيجابية كثيرة , كم جميل أن يظهر على التلفزيون مطران وشيخ معا ويعم الفرح البيوت عندنا في سورية هناك تعطش لهذا النوع من البرامج لأنه يشعرهم أنه حقق رغبتهم .‏‏

* تكمن المشكلة في الكم الهائل من القنوات الفضائية العربية وليس في تلفزيوننا ?‏‏

** هذا صحيح , إن تلفزيوننا يعمل بوعي ومسؤولية , لكن هناك منافسة غير مسؤولة في الفضائيات , فالقنوات الخاصة منها الجيد ومنها الرديء لا ننكر هذا , و لكن هناك من يعمل دون مسؤولية .‏‏

* هناك أصوات في الولايات المتحدة تدعي أن المسيحيين في الشرق مضطهدون ويحرضون على الحكومات والمجتمع , كيف نرد على الأصوات الخارجية ?‏‏

** ما دمنا نتحدث عن حالة عامة وليس عن سورية نقول بصراحة هناك أحيانا مجموعات في بعض الدول العربية تمنع المسيحي أن يرمم كنيسته بأحكام عرفية , هذا يعطي شعورا غير محبب لأحد , بينما نحن في سورية نقولها على الملأ حكومتنا تعطينا أرضا لنبني كنيسة , هذا تشجيع للوجود , وهذا الوضع يعرفه كل المثقفين والمتابعين العرب .‏‏

اليوم يجب أن يتمتع المواطن بالحقوق والواجبات في كل شيء , وعندما تكون هناك مجموعة هضمت بعض حقوقها ليس بمقدورنا بعد ذلك أن نطلب منها كثيرا من الواجبات .‏‏

يجب أن توجد للشباب قناعة داخلية بعشق أرضه , وأن يتعلم من القيم السورية حب الوطن حتى يستطيع أن يكون مندرجا على المناعة اللازمة , لأن الويلات والأذى دائما يأتي من الخارج .‏‏

* المشكلة أن فئات في الخارج تستثمر بعض المشكلات العربية بطريقة خبيثة تضر بالوطن ?‏‏

** الوطنية تتطلب التضحية , واستذكر هنا مقولة أحد الأساقفة الحلبيين رحمه الله يقول : وطني ليس أجمل وطن , وطني ليس أوسع وطن , وطني ليس أغنى وطن , لكنه وطني ألا يكفي ? !.‏‏

كل وطن له حدود وميزات , لذلك نتمنى على إخواننا المغتربين أن لا يستعملوا ضد أوطانهم في أي موقف من المواقف بل ندعوهم للبناء الفعال من الداخل بدل النقد الخارجي المؤذي , وخاصة في أيام الخطر لأنه الوطن .‏‏

أما الذين يشعرون أنهم مواطنو العالم فهذه فلسفات غريبة عجيبة نحن لا ننتمي إليها , لأننا نؤمن بالمحبة ونشعر بها فقط بالعمل , والقناعة الإيمانية تترجم بالأعمال سواء في الإسلام أو المسيحية , ولا يفيدنا أن نتغنى بالإيمان بالله أن كنا نكره الأخ والإنسانية والوطن .‏‏

في المسيحية هناك مقولة واضحة وشديدة اللهجة جاءت على لسان يوحنا الحبيب الرسول يقول : إن كنت تحب الله وتبغض أخاك فأنت كاذب .‏‏

لذلك نحن نتمنى أن تترجم هذه المحبة وهذه الوطنية الصادقة في أعمال البناء , والكل في سورية جاهزون للبناء , وعلينا ألا نتفرج على المسؤولين ونطالبهم بالبناء ونحن متقاعسون , علينا جميعا أن نعمل لهذا الوطن متطلعين لما فيه خير شبيبتنا ومستقبلنا , ونحن والحمد لله بألف خير .‏‏

* هناك تقارب بين الكنائس في الغرب مثل ( اتحاد الكنائس العالمي ) , لماذا لا يوجد في سورية مثل هذا الاتحاد بين الطوائف المسيحية ألا تفكرون بالحوار ?‏‏

** ربما ظن البعض أن هذا شؤم أو سوء , هذه نعمة لأنها تظهر مرة أخرى أن سورية هي منشأ المسيحية في سورية , وفيها كانت الجدالات في المسيحية وبالتالي والانشقاقات , لذلك هناك فصائل تاريخية في سورية تعيش من خلال ما حدث في التاريخ , ولكنها ليست في متحف , نحن في سورية متحدون بين الطوائف المسيحية أكثر مما يظن كثيرون في العالم .‏‏

إن التسميات التي تتكلم عنها في أمريكا وأوربا كتسميات الاتحاد العالمي هي جلسات لمثقفين , بينما نحن هنا في حضرة شعب يعيش الوحدة كل يوم ويتزاوج ويتحابب ويحترم الأخر .‏‏

نحمل فقط تفريقات التاريخ لكن لسنا في متحف ولا نعيش في التاريخ , نحن نتطلع إلى وحدة كنيسة , والبرهان على ذلك في سورية فقط بالإمكان أن نبني كنائس معا , هذا لا نراه في كل العالم في الاتحادات المسيحية أو الكنائس .‏‏

يوجد في دمر وحلب كنائس مشتركة , وتكلمت مع محافظ حمص وطلب مني محافظ حمص كنيسة تضم جميع الطوائف المسيحية ولا أرى مشكلة , ما دمنا فعلنا ذلك في حلب ودمشق .‏‏

إذن الطوائف في سورية هي فقط تسميات تاريخية , أما في الواقع فهم في وحدة إيمان ووحدة عيش أكثر من كثير ممن يعيشون برتوكولات الاتحادات , والوحدة تبدأ بالاحترام وتبدأ بالمحبة قبل أن نبلغ التسميات.‏‏

* هل إيسيدور هو اسمكم الأصلي ?‏‏

** اسمي في الولادة والهوية الشخصية عبد الله , وقد اتخذت اسما جديدا عندما ترهبت , وايسيدور اسم رهباني , فنحن عادة نأخذ الاسم لنغير الفعل , يقولون حتى يترهب الإنسان يغير حياته السابقة ويتماشى مع القرارات الجديدة , ورمزها أن يتذكر أن اسمه تغير . وايسيدور اسم قديس مصري قديم من القرن السادس , وقد طلبت والدتي أن أتشبه بالاسم عندما كان في حلب مطران اسمه أيسيدور , وأرجو من الله أن أكون قد استحققت أن أكون من أولياء الله بعد الممات .‏‏

* هل لكم كلمة أخيرة توجهونها ?‏‏

** كلمتي الأخيرة دعوتي أن نكون حقيقيين مسلمين ومسيحيين , أن يبقى المسيحي مسيحيا حقيقيا , وأن يكون المسلم مسلما حقيقيا , وأن نعود إلى الجذور , أن نعود إلى أصالتنا في الدين وأصالتنا في المواطنة , و أن لا يظن أحد أنه في موقع ضعف إذا كان سوريا‏‏

نحن السوريين أقوياء في مواطنتنا وفي انتماءاتنا الدينية وفي تمازج هذه الحضارات مع بعضها البعض على أرض سورية .‏‏

إن العالم بأسره لم يعد سوى قرية صغيرة منفتح على بعضه البعض , وأرى أن العالم يحتاج إلى المدرسة السورية مجددا إلى مدرسة العيش الأخوي بين الديانات , وإلى الانتماء الوطني . إن انفتاح العالم على بعضه جعل الكثيرين من شباب العرب ينتمون إلى غير الانتماء الوطني , و أظن أن تمسكنا بعروبتنا وتمسكنا بالعدل في قضيتنا , وبما نحن عليه هذا شيء مهم ودرس أتمنى أن يقرأه كل المسيحيين وكل المسلمين في سورية .‏‏

 

محمد قاسم الخليل

المصدر: الثورة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...