“منتدى سان بطرسبورغ”: نموذج إقتصادي عالمي بدون الدولار؟!

10-06-2019

“منتدى سان بطرسبورغ”: نموذج إقتصادي عالمي بدون الدولار؟!

يارا انبيعة: إنطلق منتدى سان بطرسبورغ الإقتصادي الروسي بنسخته الـ 23، ما بين 6 و8 يونيو/حزيران 2019، حاملاً معه الكثير من المتغييرات التراكمية من دوراته في الأعوام السابقة حيث تتميز سلسلة الملتقيات بشكل عام بقدرتها العالية على ربط مخرجاتها ببعضها البعض، والتحول نحو البناء الجديد على المخرجات السابقة، ليكون بذلك الملتقى جسماً من التعاون الإقتصادي يتطور على مراحل ثابتة ومستقرة، حيث تستمر أعداد الدول والشركات المشاركة فيه بالإزدياد، ويتحول شيئاً فشيء إلى ملتقى يوجه دفة الإقتصاد العالمي ليواجه تحدياته بالمعنيين السياسي والإقتصادي.


هذا العام، حمل الملتقى عنوان “تطوير أجندة التنمية المستدامة” كإعلان رسمي عن البدء بإطلاق سلسلة من الإتفاقيات والتفاهمات الدولية، التي ستشكل بدورها هيكلاً إقتصادياً موازياً تتمتع فيه الأطراف المشاركة بمساحة أوسع من العمل والتطوير بعيداً عن الحروب التجارية.


بيئة استثمارية آمنة


شارك في المنتدى ما يقارب على الـ 140 دولة، وأكثر من 15 ألف مشارك، والكثير من مدراء الشركات الكبرى في روسيا والدول الأجنبية، إضافة إلى 40 وزيراً، وحضور رؤساء كبار الصناديق الإستثمارية في العالم، والذين يديرون أصولا بالمليارات، ويتضمن المنتدى أكثر من 90 فعالية ونشاط، كما تم إنشاء مساحة خاصة للأعمال الحرة الصغرى والمتوسطة.


أما أهم ما يميز هذا المنتدى فيكمن في إطلاقه لآليات عمل جديدة تركز على فصل الإقتصاد عن السياسة، وتجاوز سلاح العقوبات الإقتصادية، كسلطة سياسية على مسار التنمية والنمو المستدام، من أجل خلق بيئة آمنة لا تخضع للتهديد، ولا تعاني من فقاعات استثمارية مهدد بالفقع في أية مواجهة سياسية – تجارية، إضافة إلى إيلاء الأهمية الكبيرة نحو الإقتصاد الرقمي وعولمة الإقتصاد لكسر القيود أمام التبادل التجاري بين الأمم.

هذا وقد اعتبر الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، أن ما يحدث في العالم اليوم هو عبارة عن مهزلة تكمن بسيطرة دولة أو مجموعة من الدول على العولمة الإقتصادية، في إشارة واضحة إلى الولايات المتحدة وبسط نفوذها من خلال سلاح العقوبات. كما اعتبر الرئيس بوتين أيضاً أن سياسة “الأنانية” الاقتصادية التي تنتهجها واشنطن، بإستخدام القوة تؤدي إلى تفتيت الإقتصاد العالمي لمصلحة اقتصادها، تؤدي إلى نزاعات دائمة وحروب تجارية مؤذية.

إلى ذلك، قام الرئيس الصيني، شي جين بينغ، بالإفصاح عن النوايا الصينية بالشراكة الفعالة مع جميع الدول وتأمين بيئة آمنة للتنمية المستدامة، على عكس ما تشيع الدول المتربصة بالصين بأنها تريد فرض سيطرتها الإقتصادية على العالم، مؤكداً أن مشروع “حزام واحد طريق واحد” ليس للصين وحدها وإنما سيعود بالمنفعة على الجميع بلا استثناء.

بدوره حث الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، على تجنب الإنزلاق نحو “حرب باردة” جديدة بين أكبر كتلتين عسكريتين واقتصادييتين وتجاريتين، داعياً المجتمع الدولي إلى انتهاج التوافقات سبيلاً لحل المشاكل البينية، والأهم من كل هذا هو استعادة الثقة بين الأطراف بالقانون الدولي.


إتفاقيات تريليونية


أعلن مستشار الرئيس الروسي، أنطون كوبياكوف، أن 650 إتفاقا تجارياً بقيمة تتجاوز 3 تريليونات روبل قد أبرمت خلال المنتدى، وقال كوبياكوف “لقد حطمنا الرقم القياسي من حيث حجم الإتفاقات الموقع عليها خلال المنتدى، والإتفاقات المبرمة حتى اليوم والتي لا تعتبر سراً تجارياً عددها 650 وبلغت قيمتها 3 تريليونات و100 مليار روبل.” (ما يعادل حوالي 46 مليار دولار)


هذا وقد وقعت الصين، على هامش المنتدى، عدة اتفاقيات تعاونية في المجالات الإقتصادية والمالية والتقينة أهمها توقيع شركة “هواوي” الصينية مع شركة MTS الروسية، اتفاقية شراكة لتطوير وإطلاق شبكات الجيل الخامس من الإنترنت “5G” في روسيا، حيث اتفقت الشركتان على تطوير وإطلاق الجيل الخامس من الإنترنت عبر مخدمات وشبكات MTS في روسيا، ما بين عامي 2019 و2020، كما ستتعاون الشركتان في مجال التقنيات المتطورة، وتحديث شبكات LTE إلى مستوى 5G-ready، لتكون قادرة على نقل البيانات بسرعة أكبر.


وقال رئيس شركة MTS الروسية، أليكسي كورين “مع توقيع اتفاقية الشراكة في مجال 5G، انتقلنا إلى مستويات جديدة من التعاون الإستراتيجي بين شركتينا، وهذه الشراكة ستخلق أسس الإستخدام التجاري لشبكات الجيل الخامس، وتساهم في تطوير العلاقات الإقتصادية بين روسيا والصين.”

الثقة تتراجع


يحمل المنتدى الكثير من المتغييرات والقرارات الإقتصادية السياسية على المستوى الدولي، حيث يظهر بشكل واضح اتفاق جميع المشاركين على إنهاء السيادة السياسية المركزية على الأنظمة المالية والتجارية العالمي، حيث يشكل المنتدى اعلاناً لـ “العصيان” الدولي ضد الدولار، ورفض الخضوع للأنظمة المالية والمصرفية المالية بصيغتها الحالية. وبغض النظر عن نتائج المؤتمر التي حملت اتفاقيات بالمليارات الدولارات، فإن توجه هذا المنتدى والمشاركين فيه نحو التخلي عن الدولار أرضية تنتطلق منها جميع الأطراف المشاركة، سواء على مستوى الدولة أم على مستوى الشركات. كما يسعى المنتدى إلى الحفاظ على ثلاث ركائز أساسية وهي استقرار اسواق الطاقة، وخطط التنمية المستدامة، والمنافسة الشريفة.

يرى بعض المراقبين بأن هذا المنتدى أتى كـ “صفعة” مؤلمة للسياسات الأمريكية ضد اقتصاديات العالم الكبرى أمام مصالح الدول وجميع الشركات التي تهتم بالنمو والتنمية المستدامة، إذ دعا الرئيس بوتين إلى إعادة النظر بدور الدولار في النظام المالي العالمي، وهذا الأمر ليس بجديد فقد سبق له وأن أعلن عن هذه المبادرة مرات عديدة، معتبرا أن العملة الأميركية أصبحت “أداة ضغط” تستخدمها واشنطن.

من هنا، قال الرئيس بوتين “من الواضح أن هذه التغيرات العميقة في النظام المالي تتطلب تكييف المؤسسات المالية الدولية وإعادة النظر في دور الدولار، الذي تحول أداة ضغط بيد الدولة التي تصدره على باقي العالم”، معتبراً أن ذلك بمثابة “خطأ فادح”، فالثقة “بالدولار” تتراجع فحسب، فهذا النموذج “لا يناقض فحسب منطق الإتصالات الدولية الطبيعية، فالمسألة الرئيسية هي أنه لا يخدم مصالح المستقبل.”

 



المصدر: الجمل بالتعاون مع مركز سيتا للدراسات

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...