علاقة الأب بابنته تحدد شخصيتها

02-12-2006

علاقة الأب بابنته تحدد شخصيتها

ليست الأم وحدها المسئولة عن تربية الأبناء ، إنها مهمة مشتركة بينها وبين الأب ، ولأن البنت تتميز بحساسة مفرطة تجاه لجنس الآخر فوجود أبيها في حياتها يؤثر إما بالسلب أو بالإيجاب على شخصيتها .

"أنت مريضة بأبيك"، جملة لا تزعج لينا البالغة 25 عاما، بل على العكس تضحكها وتشعرها بفرح كبير يبدو جليا على تعابير وجهها حين تسمعها من أصدقائها بمجرد أن تتكلم عن أبيها وعلاقتها المتينة به.

وترى أن تأثرها بأبيها لا يقتصر على أمور محددة، بل ينسحب على الترابط الفكري والعاطفي، وأنه ساهم إلى حد كبير في تكوين شخصيتها وثقتها بنفسها وفي توجّهاتها العلمية والعملية. تقول: "علاقتي المميزة بأبي بدأت منذ كنت طفلة صغيرة، وتوطدت أكثر حين ابتعدت عن أهلي وسكنت وحدي في منزل مستقل لأتابع دراستي الجامعية، حتى أننا أصبحنا نشكل حزبا متّحدا في الآراء والأفكار والقرارات التي تتخذ في ما يتعلق بالأمور العائلية، وذلك في مواجهة أمي المقربة من أختي، أحب أمي كثيرا لكنها تمتلك صفات في شخصيتها لا أتقبلها، وفي المقابل هناك علاقة روحية تربطني بأبي". وتعترف لينا بصعوبة شخصية أبيها وميله إلى التسلط في تصرفاته، لكنها تجد نفسها تبرّر له دائما كل ما يقوم به رغم انزعاجها منه في بعض الأحيان، وتستطرد قائلة: "مفتاحه في يدي، وأنا من يقنعه بكل الأمور".

هذه العلاقة الوطيدة التي تربط لينا بوالدها تضعها في موقع المسؤولية كما تقول، "بالنسبة إليه، أنا الشخص الذي لا يخطئ، وغلطة الشاطر بألف، لذا يستاء كثيرا ويبدي انزعاجه إذا ارتكبت أي خطأ".

ولكن تعلق لينا الشديد بأبيها وتقبلها لبعض الأمور السيئة في شخصيته، لا ينسحب بالنسبة إليها على صفات رجل المستقبل، "الصفات المزعجة التي أتقبلها في شخصية أبي لا أرضى بها إذا ما صدرت من غيره، لذا أحاول قدر الامكان أن أتعلم منها وأختار شريكا خاليا من هذه العيوب، طبعا شرط أن يرضى عنه والدي".

تؤكد المتخصصة في علم النفس في الجامعة الأميركية في بيروت مارجيت باسيل في ما يتعلق بغياب الأب عن الأسرة وعدم وجوده الدائم بجانب ابنته منذ مرحلة الطفولة، أن له آثاره السلبية التي تظهر على شخصية الطفلة في سنواتها المدرسية وعلى علاماتها المتدنية كما في حياتها الاجتماعية في ما بعد، موضحة أن "الدراسات أثبتت أن وجود الأب الايجابي في حياة الفتاة يساهم في تفوقها في المواد العلمية على عكس تلك التي تعاني من غياب والدها".

وتضيف باسيل أن غياب صورة الرجل المتمثلة بوجود الأب في حياة الفتاة ينعكس أيضا سلبا على تعاملها مع الجنس الآخر، إذ ستجد نفسها مرتبطة بأي شاب أو رجل تشعر بالأمان معه، وقد تتعلق به بدرجة غير طبيعية، محاولة بذلك التعويض عن صورة الأب المفقودة، متوهمة أنه يوفر لها الأمان والحماية اللازمة وكأنها لا تستطيع العيش من دونه، كما أنها قد تقبل بالخضوع لعلاقة تسيء إليها وإلى شخصيتها وتقبل الواقع من دون أي تمرد أو رفض.

استنادا إلى دراسات دقيقة ، تؤكد باسيل - حسب ما ورد بصحيفة الشرق الأوسط - ضعف شخصية الفتاة وفشلها في التعامل مع مديريها في العمل إذا ما كانت تعاني غياب الأب واحتضانه لها منذ صغرها، خاصة أن الأم مهما بذلت من جهد لن تعوض مكانة الأب ودوره الطبيعي.

من جهة أخرى، لا ترى سمر (20 عاما) أي تأثير ملحوظ، أو ذي أهمية في علاقتها مع أبيها، ساهم بشكل مباشر في تكوين شخصيتها، "بل على العكس ربما شخصية أبي التقليدية التي جعلته يظن أن دوره يقتصر على وجوده إلى جانبنا لتأمين ما نحتاجه بعيدا عن أي علاقة حميمة تذكر، ساهمت إلى حد كبير في مواجهتي الصعاب في علاقاتي الاجتماعية، لاسيما مع أصدقائي من الجنس الآخر إلى أن استدركت الأمر وعرفت مكمن الضعف وتمكنت من تخطي المشكلة".

هذا الوضع جعل سمر تأخذ موقفا قاسيا من أبيها في مرحلة المراهقة إلا أن طبيعته الطيبة وإدراكها في ما بعد أنه لا يتصرف بهذا الشكل عن قصد أو عن سابق تخطيط إنما ربما نتيجة مجتمع اعتاد عليه، جعلها تتأقلم مع واقعها بشكل ايجابي بعيدا عن الحقد أو الجفاء.

وتقول سمر : "ولكن لا يغيب هنا دور أمي الفاعل، فعلاقتي بها منذ الطفولة توطدت أكثر في مرحلة البلوغ، وتميزت بخصوصية ساعدتني على الاستعاضة، ولو بدرجة محدودة، عما فقدته في علاقتي مع أبي. فهي حاولت منذ البداية أن تكون قريبة مني ونجحت في ذلك في جميع مراحل حياتي حتى أنني أعتبرها اليوم صديقتي التي لا أخفي عنها شيئا، وتتقاطع أفكاري وآرائي معها في أمور عدة، وان اختلفنا في بعض الأحيان نتصالح بعد دقائق، ونصل إلى نتيجة مرضية بسرعة، فلا تتحمل إحدانا استياء الأخرى".

وهنا تؤكد الدكتورة الهام شعراني، المتخصصة في علم النفس، أنه في حين لا توجد قواعد ثابتة في ما يتعلق بأسس العلاقة بين الفتاة ووالديها نظرا لاختلاف المحيط الاجتماعي، تبقى العلاقة الثلاثية بين الفتاة والأم والأب هي الأمثل لجميع الأطراف ولدينامية الأسرة السليمة التي تساعد الطفلة لتكون في ما بعد في عالم الوعي والمسؤولية. فالأم التي تتسم علاقتها بابنتها بخصوصية لأنها مبنية على تجارب شخصية، تمنح الفتاة هويتها الجنسية لتهيئها كي تكون امرأة وأمّا في المستقبل، ويشكل الأب من جهة ثانية نواة صورة الرجل، وأول مشاعر الحب الحقيقي للجنس الآخر في ذهن الفتاة والمرجع أو السلطة لها ولعائلتها بشكل عام.

وترى شعراني أن تقرب الفتاة الشديد من أبيها لدرجة توليه دور الأم يؤدي إلى نتائج سلبية وغير صحية اجتماعيا كما في حالة تقرب الصبي من والدته. "لذا على الطفلة أن تتماهى بأمها وتتعلق عاطفيا بوالدها، والعكس صحيح في حالة الطفل".

وتشير شعراني إلى أهمية وعي الأم كي تقوم بدورها على أكمل وجه، تاركة للفتاة هامش بناء شخصية مستقلة، "من الضروري أن لا تصبح الفتاة ممتلئة بمشاريع والدتها وفارغة من مشاريعها الخاصة، وأن لا تتجاهل الأم دور الأب أو تحاول أن تلعب دوره فتغيب بذلك صورة الجنس الذكوري، المفترض أن تبنى بموازاة صورة الأم والأنثى، مما قد يؤدي إلى خلل في حياتها الاجتماعية وفي علاقاتها مع الجنس الآخر في ما بعد. كما أن وجود الأب ووظيفته الفاعلة في صلب العملية التربوية هو عامل فصل بين الأم وابنتها كي يحد من إمكانية ذوبان الفتاة بأمها، فترى من خلاله صورة كاملة وسليمة للرجال بشكل عام وأسس اختيارها لزوجها في المستقبل بشكل خاص".

من ناحية أخرى أظهرت دراسة أجريت في جامعة فاندربيلت بولاية تينيسي عام 1999، ونشرت في مطبوعة "جورنال أوف برسوناليتي آند سوشال سايكولوجي" ، أن طبيعة علاقة البنت إبان مرحلة الطفولة مع أبيها يمكن أن تحدد معالم شخصيتها مع دخولها مرحلة المراهقة ومن ثم النضج.
ولحظت الدراسة أن البنات اللواتي تمتعن بسند عائلي قوي وحميم من آبائهن وأمهاتهن يتأخر نضج شخصياتهن، بينما تنضج في مرحلة مبكرة أكثر اللواتي يعشن مع أب وأم علاقة عائلية باردة أو متباعدة عاطفياً.

العينة المسحية لهذه الدراسة شملت 173 فتاة من عائلات تعيش في مدينتي ناشفيل ونوكسفيل بولاية تينيسي ومدينة بلومينغتون بولاية إنديانا ورصدت أوضاعهن من صف الحضانة (الروضة) إلى السنة الدراسية السابعة (في المرحلة المتوسطة). وما لاحظته هذه الدراسة أيضاً أن تطور شخصيات الفتيات تأثر تأثراً عظيماً بنوعية الدور الأبوي في تربيتهن مع دخولهن مرحلة النضج. فالفتيات اللواتي تربين في عائلات ينقصها الأب أو عائلات مشتتة ضعيفة التضامن بلغن مرحلة النضج ـ مع كل مشاكلها ـ في وقت أقصر من الفتيات اللواتي نشأن في كنف عائلات عطوفة وحادبة ومتماسكة. ومع أن دور الأم كان مهماً في الحالتين كان لافتاً جداً إسهام الأب أو غيابه في خلق الجو العائلي المحيط بالفتاة وبتبلور شخصيتها.

المصدر: محيط

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...