جوزف سماحة يكتب عن «رجال الدولة» بكل معنى الكلمة

28-12-2006

جوزف سماحة يكتب عن «رجال الدولة» بكل معنى الكلمة

اللقاء الذي عقده، في السرايا، عدد من «رجال الدولة» مع عدد من رجال الصحافة كان، بحقّ، ثريّاً. حضر من حضر وغُيّب من غُيّب. والواضح أن الانتقاء أدى دوراً في جعل التباسط سيداً. أتحفنا «رجال الدولة» بعدد من المفاهيم تستحق التوقّف عندها.
1 ـــ الناعمة مقابل المطار. نأخذ علماً بالتوضيح الصادر عن المكتب الإعلامي لرئيس الحكومة. فهو لم يقل إنه سيدعو إلى قفل طريق الجنوب إلى بيروت في الناعمة رداً على إغلاق محتمل لطريق المطار. لم يقل ذلك لكن ما قاله فعلاً يستبطن تماثلاً بين حالتين: احتجاج شعبي يعطّل العمل في مرفق عام، وتحرّك شعبي ذو طابع مذهبي موجّه ضد عابرين من مذهب آخر حتى لو كان بينهم من ينتمي إلى مدينة رئيس الحكومة. تعطيل المرفق العام يمكن أن يحصل عبر إضراب، وهذه حالة تعرفها مطارات العالم، أما طريق الناعمة فتذكير، ولو بعيداً، بما يشبه حواجز الحرب وما صاحبها من خطف على الهوية.
2 ـــ استقالة النواب. «إذا استقال 127 نائباً فسنجري انتخابات فرعية» قال فؤاد السنيورة. أما أحمد فتفت فأفتى بأنه إذا استقال نواب المعارضة يصبح لدى الموالاة أكثرية الثلثين فتتصرف كما تريد. وقع الأول في فخ. فمطلب المعارضة هو، بالضبط، إجراء انتخابات نيابية لـ128 نائباً والأرجح أنه في وسعها التساهل والارتضاء بانتخابات مبكرة لـ127 إذا كان هناك من يصرّ على «النائب ـــ الملك». أما الثاني فلا يمكنه الوقوع في فخ لم يغادره أصلاً. القصد من القولين أن السلطة صمّاء وأن حلمها الدفين هو بلد لا معارضة فيه ولا مشاركة. هذه مدرسة في التفكير ترى أن الوضع النموذجي هو قطاع عام بلا موظفين، وعمال بلا أجور، وأرباب عمل بلا نقابات، وضرائب بلا خدمات، إلخ...
3 ـــ الانكسار. تدخل وزير في الحوار فأتحف الزملاء بما يلي في معرض حديثه عن المعترضين «إنهم لا يريدون لبنان. ليس أمامنا إلا الصمود حتى نكسرهم». انكسار نصف اللبنانيين هو الهدف ما دام انكساراً للنصف الذي لا يريد لبنان! هذه أحجية يدّعي صاحبها، في معرض آخر، حرصه على وحدة لبنان واللبنانيين.
4 ـــ جالية. «للأسف هناك في لبنان من يتصرف كأنه جالية فيه». توضح هذه العبارة للسنيورة الكلام السابق لوزيره. إن المعرَّضين للانكسار هم أفراد جالية أجنبية، أو، هم لبنانيون طردوا من فردوس المواطنية. نفهم من هذه الجملة معنى الاستهتار باستقالة النواب. فالأخيرون لا يمثّلون ناخبين يتمتعون بحقوقهم المدنية بل يمثلون جالية أجنبية يجب التساؤل عن الذي منح أفرادها حق التصويت أصلاً. لم تعد التهمة هي أن لبنانيين يتصرفون كأنهم أداة في محور إقليمي، لقد باتت أن لبنانيتهم هي، في حد ذاتها، موضع شبهة. إن أبناء هذه الجالية الأجنبية هم، في ذهن بعض السلطة، أبناء جارية لبنانية!
5 ـــ وفاق أقلّ، أموال أكثر. «سيحصل باريس ـــ 3» يؤكد وزير «وستأتي الأموال أكثر مما لو كان هناك وفاق. هناك رسالة من المجتمع الدولي بأن البلد شرعي ومستمر وعليه ستأتي الأموال». هذه هي المعادلة الجوهرية. كلما عاندت الحكومة، ومنعت المشاركة، وأبعدت فئات بكاملها، ازداد الدعم الدولي المخصص لها، وارتفعت حظوتها لدى الرُعاة الجدد. ثمة خطوة صغيرة يجب علينا أن نقطعها من أجل أن نصل إلى فلسفة السلطة الحالية: يدفعون لنا من أجل عدم إشراككم ومن أجل استبعادكم. وهكذا تصبح حكومة الوحدة الوطنية مصدر خطر على الدخل الوطني لأنها، في الحقيقة، مصدر خطر على الدعم الدولي المشروط بانكسار فئة من اللبنانيين. التهديد الأكبر الذي يواجه باريس ـــ 3 ليس ذلك الذي يعتقده العامة (الفوضى) بل الخطر هو ذلك غير المنظور والذي تعرفه الخاصة فقط (الاستقرار).
6 ـــ الطلاق. يحب «رجل الدولة» أن يكرّر «إن الطلاق بين اللبنانيين ممنوع». قد يشكل بعضهم جالية. قد يستقيل نواب. قد تُقطع عليهم طريق الناعمة. قد يجلب إبعادهم مالاً أكثر ولكن، مع ذلك، «الطلاق ممنوع». نميل إلى تصديق «رجل الدولة». ليس الطلاق رغبته. رغبته هي فرض نوع من الإقامة الجبرية على مواطنين في بيت الطاعة. يريدهم كما يتصوّرهم وحسب الموقع الذي يختاره لهم. دونيّتهم هي المبرّر الوحيد لرفض طلاقهم. استقرارهم في هذه الدونية يسمح لمنظومة الأفكار التي عرضت في اللقاء الصحافي نفسه بأن تكون متماسكة كما يسمح بفهم السبب الذي جعل رئيس حكومة كل لبنان يستبعد صحفاً معيّنة عن «الدردشة» وهو ما لاحظه، باهتمام نبيل، الزميل واصف عواضة.
7 ـــ الاعتصام ضرر. التحرك الشعبي في وسط بيروت «يؤثر سلباً»، يقول رئيس الحكومة. ويردف آخرون بأن كل ما يمسّ الملكية الخاصة أو العامة مرفوض. نضع جانباً أن هذا الكلام ممجوج إذ يطاول «سوليدير» التي تمثّل واحدة من أكبر عمليات نقل الملكيات الخاصة إلى ملكيات... خاصة. نضع ذلك جانباً، لنلفت نظر البطريرك صفير إلى أن الدقة خانته عند التعرّض لكلفة الاعتصام في وسط بيروت. من أين جاء برقم السبعين مليون دولار يومياً؟ الرقم فلكي وهو يتجاوز الدخل الوطني الإجمالي السنوي (كان في إمكانه الترفّع عن ذكر الخمسين دولاراً لكل معتصم). أما إذا تجاوزنا المبالغة البطريركية فلا بأس من التذكير بأن الاعتصام ليس وسيلة تعبير عن الرأي فحسب بل أيضاً، وأساساً، وسيلة ضغط. وأيّ اعتصام ضاغط في العالم مكلف، وقد يكون الحل، بعد دوام التحرك واشتراك حشود هائلة في التظاهرات، دعوةَ السلطة إلى إنهاء «الكلفة» بالتجاوب مع تطلّب مواطنين لا يريدون سوى المشاركة أي، بين أمور أخرى، سوى تحمّل أعباء الحلول الممكنة للدين العام!
8 ـــ ذو الحدين. «إذا كانوا يظنون أنهم يضغطون علينا بالاقتصاد، فهذا الأمر سيف ذو حدين» (السنيورة). يريد رئيس الحكومة أن يقول إن الآثار السلبية لأيّ تراجع اقتصادي تطاول الجميع. صحيح، مع العلم بأن آثار «الازدهار» الاقتصادي لم تطاول الجميع بالتساوي. كان هناك البعض ممن هو «أكثر مساواة» من الآخرين. لكن دعنا من ذلك. ثمة قدر من الديماغوجيا في هذا الرأي. ومكمن الديماغوجيا هو أنه ليس جائزاً لمن يقاتل لاحتكار السلطة أن يوزّع الأعباء والمسؤوليات على نفسه وعلى من يقاتل لدخول السلطة. إن الحكومة هي المسؤولة أساساً وخاصة في هذا الظرف اللبناني المحدّد.
9 ـــ الهاتف والكهرباء. وزير في تلك الجلسة أطلق الشعار التالي: «إن كل ما نحصّله من الهاتف ندفعه في الكهرباء». اعتبر، بالتأكيد، أنه وصل إلى ذروة العقلانية الاقتصادية في اكتشافه هذه المفارقة. لم يكن ناقصاً إلا أن يصرخ بأن كل ما يجنيه مروان حمادة (وزير الاتصالات، من الموالاة) يبدّده محمد فنيش (وزير الطاقة، من المعارضة). نسي الوزير المشار إليه عدداً من الأمور. الأول أن وضع الكهرباء مسؤولية حكومات متعاقبة كان عضواً فيها منذ سنوات. الثاني أن الهاتف اختياري أما الكهرباء فإلزامية. الثالث، والأهم، هو أن هذه هي بالضبط وظيفة الدولة: تجمع أموالاً بطريقة وتعيد إنفاقها بطريقة. هل يجب علينا ألاّ ندفع لفوج الإطفاء لأننا لا نجني منه مالاً؟! ما يجدر قوله هو أن الوزير ليس اشتراكياً بالضبط لكنه «رفيق درب» لحزب ينتحل هذه الصفة.
10 ـــ حدّاد. المقصود سامي حداد. وسامي حداد وزير. وقد ضرب به السنيورة المثل معتبراً أن استقالته ممثلاً للأقليات لا تعني استقالة الطوائف بكاملها ولا تعني، بالتالي، فقدان الحكومة شرعيتها. ندع القرّاء، خاصة من أبناء الأقليات، يتأمّلون هذه الحكمة... بمثلها يُدار البلد اليوم ويقال عن الذي يقولها، من غير أن يكون متندّراً، إنه «رجل دولة».

جوزف سماحة

المصدر: الأخبار

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...