الحكم السايب يعلم السفراء الحرام

28-12-2006

الحكم السايب يعلم السفراء الحرام

مع تفسخ «السلطة المركزية» وتوزعها معسكرات متواجهة، اتسعت المساحة أمام «السفراء الكبار»، وتحديداً أمام سفيري الإدارة الأميركية والرئاسة الفرنسية للعب أدوار تتجاوز الإطار الدبلوماسي المحكوم بضوابط هي غاية في الدقة إلى التدخل المباشر والفج في أدق الشؤون الداخلية: سياسياً ودبلوماسياً وقضائياً وعسكرياً وأمنياً فضلاً عن الاقتصاد وما اتصل به حاضراً ومستقبلاً، حتى لا ننسى باريس ـ .3
وصحيح أن «الحكم السايب يعلّم السفراء الحرام»، ولكن التدخل «الدبلوماسي» المتواصل بل الملحاح يكاد يذهب بآخر ما تبقى من ادعاءات «ثورة الأرز» حول السيادة والاستقلال والقرار الحر ورفض الوصاية والهيمنة.
يقول «سياسي عتيق» إن أحداث هذه الفترة تذكّره بصراع المندوب السامي الفرنسي كاترو مع القنصل البريطاني سبيرز عشية إعلان استقلال لبنان في خريف العام ,1943 وهو «صراع في إطار التحالف» لكنه تحكّم في ولادة «دولة الاستقلال» بمواقع الحكم فيها: رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة والحكومة الاستقلالية الأولى والقضاء وقيادة الجيش والدرك والأمن العام والسفراء إلخ.. ولقد انتصر فيها «الأقوى» وقالت بريطانيا كلمتها الفصل!
ويروي بعض السياسيين في مجالسهم الخاصة «نوادر» وحكايات يصعب تصديقها عن «السفير» الذي يصل متنكراً، وبسيارة رسمية لبنانية، لزيارة مسؤول كبير، وعن «السفير» الآخر الذي «خاصم» «قطباً سياسياً» لأنه رفض طلبه الملح بأن يعلن موقفاً مخالفاً لقناعاته ولموقعه ولحسابات الربح والخسارة في مستقبله... وقيل إن هذا «السفير» قد «هدّد» القطب المشار إليه بأنه يغامر بموقعه «فدورك محفوظ إن وافقت أما إن بقيت على عنادك فعليك أن تتحمّل مسؤولية الخسارة».
يروي سياسي آخر أن واحداً من السفيرين الكبيرين أرسل إليه موفداً يبلغه ما مفاده «إن الحرب هي بين السنّة والشيعة، وأنت لست من السنّة ولا من الشيعة، فما دخلك في هذا كله... ابتعد، ودعهم لصراعهم، فالمهم أن تحفظ رأسك»!!
ويروي سياسي ثالث أن أحد السفيرين قد قاطعه وبعث إليه برسالة قاسية لأنه عرف أنه قد تلقى رسالة من دمشق ولم يبلغه بمضمونها، وحين رد السياسي بأن السفير كان غائباً جاءه الجواب: لكن السفارة موجودة، وكان عليك أن تبلغ من فيها وهم يتصرفون!
ويقول بعض الكبار من السفراء السابقين إنهم يعرفون أدق ما يدور من المناقشات في السرايا وهم في بيوتهم. ويؤكد واحد من هؤلاء أنه يملك ما يشبه «المحاضر» للقاءات واحد من السفيرين الكبيرين مع كبار المسؤولين «فإلى مائدة عشاء واحدة أعرف ما يكفيني من المعلومات.. حتى العشاء التالي».
وتؤكد سيدة من نجوم المجتمع أنها باتت تخاف مما تسمعه حول مستقبل لبنان... وتقول إنها برغم شعورها بود عميق تجاه «سعادة السفير» إلا أنها في لحظات تستشعر شيئاً من الإهانة، لأنها تنتبه أن سعادته يلهو بأمعاء بلادها، وبما يجب أن يبقى من أسرارها لأنها تتصل بسيادة وطنها..
خلاصة الأمر أن صاحبي السعادة السفيرين لا يبشّران بالحرب فحسب، بل يؤكدان لمن يعتبرانهم «من الحلفاء الكبار» أن النصر سيكون حليفهم، بغض النظر عن الكلفة التي سيدفعها لبنان واللبنانيون من دمائهم وأسباب حياتهم ومن حقهم في غدهم في مثل هذه «الحرب» التي يروّجان لها «لاستخلاص آخر مقومات السيادة والاستقلال» ولتسليم الحكم للمخلصين لثورة الأرز وأهدافها..
أما «حزب الله» فله حيز دائم في أحاديث السفيرين الكبيرين: تحريضاً واستعداءً، ونشر شائعات عمّا يعدّه وما يدبّره من «مؤامرات لإسقاط الاستقلال الوليد والسيادة المستعادة واسترهان لبنان للقرار الإيراني ولو بغطاء سوري»!
آخر ما تتداوله «سيدات العشاءات الدبلوماسية» كلام طريف سمعنه، بالتواتر، نقلاً عن لسان السفيرين الكبيرين أو بعض مساعديهما، مفاده: لا داعي للاهتمام بمبادرة عمرو موسى. إنها «حركة» كان مضطراً لأن يقوم بها بحكم منصبه، ولكنها ستنتهي حيث بدأت وستكون النتيجة «صفراً»، (وأحد السفيرين يحب استخدام إصبعيه الإبهام والسبابة في رسم الصفر».
- في أيام الأمير فخر الدين، كما تخبرنا المسرحية الرحبانية الممتعة، كان «القناصل» مرجعاً أساسياً يستعين بهم «مؤسس الدولة المستقلة والحديثة» كما تقدمه المسرحية، في مواجهاته مع «والي دمشق» أو «الصدر الأعظم» أو «الباب العالي» و«سيف السلطنة الطويل».
لكن الأمير كان «يستدعي» القناصل فيسمع منهم مواقف بلادهم لكي يتخذ القرار وهو يعرف من يقف مسانداً له ومن يعارضه حتى لا يتهوّر، أو يندفع في مغامرة غير مضمونة..
مع ذلك فإن تلك «النصائح» لم تنفعه في شيء ساعة حان موعد «الصفقة»، بل تركه القناصل جميعاً ليموت مختنقاً في مغارة في بعض جبال لبنان..
وقديماً قال بعض الحكماء: «عند اختلاف الدول احفظ رأسك»، فكيف إذاً عند اتفاقها؟!

طلال سلمان

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...