أهالي القرى الحدودية : لانستطيع أن نعيش من دون سوريا

30-04-2006

أهالي القرى الحدودية : لانستطيع أن نعيش من دون سوريا

كنا قد تلقينا العديد من الاتصالات من بعض أبناء قريتي عسال الورد السورية وتوأمتها الطفيل اللبنانية يشتكون فيها من سوء ما يعانون منه نتيجة تردي الأوضاع السياسية بشكل عام وانعكاس ذلك على الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية لكليهما.

 

بتاريخ 23/4/2006 وبعد تجاوزنا لبلدة يبرود وصلنا إلى قرية عسال الورد حيث استقبلنا مختارها (أبوأحمد) بشخصيته الرصينة ووجهه الهادئ لنستمع منه لشرح عن قريته التي قال عنها : "تمتد (عسال الورد) على مسافة 60 كم على طول الحدود اللبنانية وتبعد عن مدينة بعلبك ما يقارب 14 كم , وهذه الحدود هي عبارة عن حدود طبيعية (جبل) جهة منه لبنانية وأخرى سورية"

 

وتنقسم عسال الورد عقاريا إلى سبعة مناطق يملك العديد من اللبنانيين عقارات فيها فالمختار يعيش في حي أكثرقاطنيه  لبنانيين

وتربط أهالي القريتين علاقات اجتماعية حميمة وصلات قربى وثيقة  وبينهما زيارات بشكل مستمر وخاصة في المناسبات  وحدث ولا حرج عن العائلات التي قابلناها وهي تتألف من قسمين لبناني وسوري مثل عائلة (الشوم ودقو)

 

يبلغ عدد سكان قرية عسال الورد السورية (10500 نسمة) يحمل 800 منهم الجنسية اللبنانية ويبلغ عدد بيوت الأشقاء اللبنانيين فيها أربعين بيتا ً بينما يبلغ عدد سكان قرية الطفيل اللبنانية (2500 نسمة) نصفهم يحملون الجنسية السورية

 

في عام 1942  قام لبنان بتحديد وترسيم أراضي وقعت نتيجته الطفيل داخل الحدود اللبنانية , إلا أنه ومنذ ذلك الوقت لم تخرج تلك القرية من حدود عزلة التاريخ.

 

انتقلنا إلى الطفيل برفقة مختار عسال الورد (أبو أحمد) لنكون شهودا على معاناة أهلها حيث استقبلنا مختارها (محمد فوزي دقو) الذي اخبرنا أن "أكل وشرب ومعيشة أهل الطفيل هو حصرا ً من سوريا, وأنا شخصيا ً مقيم في الشام منذ 30 سنة مع زوجتي وأولادي التسعة الذين يرتادون المدارس السورية إلى اليوم, لأن الدولة اللبنانية لم تقدم لنا شيئا ًسوى جواز السفر والنفوس, وأخواتي الأربعة متزوجون في قرية عسال الورد".

وكانتشار النار في الهشيم وصل خبر وجودنا فمالبث أهالي القرية اللبنانيين والسوريين أن توافدو إلى دارة المختار ليبثوا لنا همومهم .

      استبقنا أحد الأهالي بالقول : أهلا بكم في أرضنا التي لا نملكها ... بادرناه بالسؤال قبل رد التحية كيف لا تملكونها فقال : نحن هنا في قرية يملك أرضها مصرف لبنان نتيجة لعبة اقطاعية قديمة وقد حاول البنك مراراً إخراجنا منها ولم نقبل بذلك فكانت النتيجة ان تركونا بلا أي شيء .... بلا ماء ولا كهرباء ولاهواتف ولا خدمات طبية ولا حتى أبسط ماتوفره حكومات بعض دول أفريقيا الأكثر فقراً لأبناءها, ببساطة لقد (تم تناسينا).

 

أردنا أن نعرف اكثر نتيجة فضولنا عن سبب استخدام شقيقنا اللبناني لكلمة (تم تناسينا) فكان سؤالنا عن وجود ممثلين للقرية في البرلمان اللبناني.

يجيب لبناني آخر:  "المسؤولون اللبنانييون لا يتعرفون علينا إلا عندما يكون هناك حاجة لأصواتنا في الانتخابات البرلمانية, وعدونا كثيرا ً بحل لمشاكلنا والتي من أبرزها أننا نريد طريقا ً يربطنا بوطننا لبنان ولكن لا جدوى (عل الوعد ياكمون), هكذا هي القصة كل اربع سنوات يأتي نائب يطبل ويزمر ويرمي الوعود يمينا ويساراً ثم تنقضي السنوات النيابية بانتظار اخرى" 

ويضيف المواطن نفسه : "لقد بلغت القضية مع أحد المرشحين أنه وعدنا بكورنيش على البحر في حال نجاحه وهو ما أضحكنا وأبكانا .. المضحك كان أن الطفيل تبعد عن البحر عرض لبنان من الكيلومترات , والمبكي أن السياسيين في لبنان لا يعرفون موقع الطفيل على الخريطة اللبنانية, باختصار لم تقدم لنا الدولة اللبنانية شيئا ً سوى ان نفوسنا في لبنان".

 

كان الطريق الوحيد الذي يربط القرية بالداخل اللبناني قد أغلق بساتر ترابي يمنع المرور فيه كما تبين لنا من خلال جولتنا في القرية برفقة"ابو حسن" الذي اعتبر ان من يطالب بترسيم الحدود السورية اللبنانية على اساس انها حدود دولية يجب أن يدرك ما نواجهه نحن سكان القرى الحدودية, حيث ان تداخل الأراضي بين البلدين يجعل ترسيم الحدود امرا ً صعباً , فبعد الأزمة السياسية التي طالت البلدين تم وضع بعض السواتر الغير مدروسة بحجة الأمن مما تسبب بانقسام الأراضي الزراعية باكثر من عشرين ساترا ً دون مراعاة ملكية الاراضي فارضي مثلا اصبحت خلف الساتر وعمليا تبعد عن منزلي 1كم والان انا اضطر ان اقطع مسافة 52كم لاصل لارضي وطبعا بعد اخذ تصريح امني من الحاجزوفي ارض ابن عمي وضعوا الساتر الترابي بمنتصف بستانه فقسمت الارض لجزأين وقبل الازمة كان اهل عسال الورد يزورونا بشكل دائم دون ان يوقفهم احد لان اغلبهم اولاد عمنا وتربطنا بهم صلات قربى ومصاهرة والان كل واحد يريد زيارتنا يلزمه تصريح مع اننا نحن اهل طفيل ندخل عسال الورد للان بطريقة عادية جدا .

      

ويضيف أبو حسن قائلا ً "سوريا كانت الأم التي لم تبخل برعايتنا قدمت لنا كل ما يساعدنا على متابعة حياتنا, مشروع المياه متوقف منذ خمس سنوات بسبب الميزانية اللبنانية , الكهرباء نستجرها من سوريا , بالاضافة إلى تجهيز 70 خط هاتفي للربط  تم ايقافها من قبل وزير الاتصالات "مروان حمادة" بحجة أنه لا يريد شيء من سوريا ,ولكن بالمقابل فهو لم يقدم اي حل, حتى الطريق فقد تم رصد ميزانية له ولكنها (تبخرت)".

        

كان النهار قد انتصف عندما أحسسنا ببعض التعب مما جعلنا نميل إلى إحدى دكاكين القرية لنشتري شيئا ً فكانت دهشتنا عندما وجدنا أن جميع ما في الدكان من سلع لم يحتوي على اي مادة لبنانية , حتى بعد أن طلبنا شيئا وقدمنا نقودا لبنانية اعتذر صاحب المحل منا بأدب قائلا ً "عذرا ً.. أين أصرفها؟" .

 

   سألنا صاحب الدكان "فؤاد عثمان" عن سبب اعتذاره طالما نحن في أراضي لبنانية فقال:

"المشكلة أنه لا يوجد طريق يربطنا ببلدنا لبنان حتى نتعامل بالليرة اللبنانية, فالطريق الوحيد الذي يصلنا بالعالم الخارجي هو طريق سوريا , ومات أبي ومن قبله جدي وهم يحلمون بطريق يربطنا بلبنان وأنا أعيش إلى اليوم على هذا الحلم, كل يوم أذهب إلى قرية عسال الورد لأحضر 50 ربطة خبز وإلى يبرود لأحضر أغراض السمانة لذلك تجدون كل ما في دكاني منتجات سورية".

ويضيف عثمان "أولادي يدرسون بمدارس عسال الورد ... حتى جراري سوري وعندي سيارة سورية عند الحاجز, لايوجد لدي اي شيء لبناني سوى الهوية...  صار عمري أربعين سنة ولم البس للآن بنطال لبناني... حتى عندما أريد تسجيل أولادي في النفوس فأنا بحاجة لأن أذهب من الطفيل إلى سوريا ومنها إلى لبنان لأسجلهم.

      وعتب عثمان على الدولة اللبنانية وخاصة على بعض المسؤولين أصحاب الثروات الذين يبنون مدينة في العقبة الأردنية وشعبهم (ميت من الجوع) ولا يمتلك أي خدمات حتى مستوصف للعلاج,وقال: "عندما احتاجت ابنتي لعملية لوزات اضطررت أن آخذها إلى مشفى دير عطية ولم اتكلف إلا ثمن بنزين سيارتي, واسترسل قائلا ً إذا حان وقت الولادة عند إحدى النساء فإن أهل القرية يأخذونها إلى يـبرود خلال عشرين دقيقة بينما إذا اردنا أخذها إلى داخل لبنان فإننا نحتاج لأربع ساعات".

 

أحد زبائن المحل الذي دخل أثناء حديثنا ويدعى محمد أمين عثمان (أبو أمين) قال:"في  عام 1999 قصفت طائرة اسرائيلية (ف16) عائلتي فقتلت زوجتي وسبعة من أولادي الثمانية ولم يتمكن أحد من جلب جثث أفراد عائلتي لأدفنهم في مسقط رأسهم الطفيل بل الجميع جاء ليتصور معي بعد تسميتي بأبي الشهداء , لكن بفضل الرئيس حافظ الأسد رحمه الله استطعت أن أجلبهم عن طريق سوريا".

كان لا بد لنا قبل أن نغادر الطفيل أن نعرج على مدرستها فالتقينا بمديرها ( الأستاذ محمود الشوم) الذي قال : أنا موظف لبناني في الحكومة ومدير المدرسة الابتدائية (والوحيدة) في الطفيل , اسكن في سوريا مع عائلتي حيث يدرس أولادي العشرة في المدارس والجامعات السورية ومن أجل ان أقبض راتبي اضطر في كل شهر أن أقطع مسافة 200 كم من الطفيل إلى سوريا ومن ثم إلى داخل لبنان ... سوريا لم تقصر في تقديم اي خدمة لنا وفضلها علينا إلى نهاية حياتنا والحكومة السورية تعترف بنا أكثر من الحكومة اللبنانية بالاضافة إلى ان جميع طلابنا بعد الصف السادس ينتقلون إلى مدارس عسال الورد لتكملة دراستهم , وفي الشتاء تعاني عسال الورد من ازمة مازوت ومع ذلك لم يقطعوا المدرسة يوماً حيث كانت دائما الأولوية لمدرستنا بحكم القرابة والجيرة .

      

ولم يكن غريبا ماسمعناه من اهالي الطفيل ( نحن لا نستطيع ان نعيش من دون سوريا) وهو ما وجدنا صدقه بالدليل الملموس فسوريا تؤمن لقرية الطفيل اللبنانية كلا ًمن:

- الدواء والسلع الغذائية وحاجات أخرى بأسعار رخيصة

- جميع الخدمات الطبية واسعاف المرضى يتم من الطفيل إلى سوريا 

- الكهرباء: حيث تصل الشبكة الكهربائية السورية إلى داخل الطفيل 

-  الهواتف تصل أيضا إلى داخل الطفيل عبر تغطية خليوية وأخرى سلكية

- طلاب الجامعات يدرسون في دمشق

- يتم تقديم المواد المدعومة للقرية من خبز و مازوت ومواد أخرى

- أيام الشتاء وعند قطع الطرقات ووصول سماكة الثلج إلى حد عزل القرية تقوم الجرافات التابعة لبلدية عسال الورد بفتح الطريق مباشرة وعلى عدة مرات وقبل أن تفتح طرق القرية السورية.

 

إن كل الحقائق التي تم رصدها  والواقع الاجتماعي الذي شاهدناه بام أعيننا , وأهالي القرى الحدودية المتداخلة ... كل ذلك يقول وبصوت صارخ : الحدود التي يطالب البعض بترسيمها لمنافع سياسية فقط هي حدود مصطنعة ووهمية وغير قادرة لا اليوم ولا غدا ً على فصل أولاد الأرض الواحدة المتجذرون فيها..... وإن استطاعوا خلق حواجز على الأرض فهل يستطيعون خلق مثلها في القلوب .... سؤال نضعه برسم الإجابة.

 

 

تحقيق : غصون أبو الذهب - المعتز بالله حسن

المصدر : صدى سوريا


إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...