ضوء أخضر لحجب القراء عن القراءة و تنفيس جماهير لا تتنفس

14-01-2007

ضوء أخضر لحجب القراء عن القراءة و تنفيس جماهير لا تتنفس

الجمل: مصطفى علوش:ثمة غيظ متراكم يتسع يوماً بعد يوم في أرواح الصحفيين والكتّاب السوريين وذلك بسبب سماعهم تعليقات العديد من القراء وهم يقضون بالضربة القاضية على مقالات معينة لبعض الكتّاب بقولهم (فلان أو فلانة معها ضوء أخضر).
ولأن إدارة المرور لا تحمل كميات إضافية من الأضواء الخضراء، ولأن التخلف الممزوج بالخوف الذي عممته السلطة لن ينتج التوازن المطلوب لقراءات هادئة لمجمل ما تكتبه الصحافة الالكترونية والصحافة المحلية بمختلف أشكالها، فإننا نود الدخول على التفسيرات الممكنة لهذا الضوء الأخضر الذي يمنحه القرّاء لفلان أو فلانة.
بالطبع هناك كتّاب وصحافيون رهنوا أقلامهم وضمائرهم لخدمة مصالحهم الشخصية فاختصروا كل الطرق عبر مديح الحكومات أو مديح بعض الوزارات أو الوزراء أو رجال المال والأعمال، فحصّلوا مالياً ومعنوياً، وامتلكوا الجاه والسلطة، وهؤلاء صاروا معروفين للقارئ السوري جيداً، ومنذ السطر الأول يكتشف هذا القارئ حجم النفاق الذي يسيّر هؤلاء.
وثمة صحافيون بدؤوا الآن في السير بطريق النفاق، لكنهم آثروا اللعب (الذكي)، فتارة يثورون ببعض مقالاتهم وتارة يمدحون، وكأنهم في سلوكهم هذا يشبهون اللص الذي يدرس المنزل الذي يود سرقته، فإذا شعر أن الظلام دامس والمنزل خاو من أصحابه انقضّ على فريسته.. ونستطيع تصنيف العديد من الأشكال والكتابات التي تقع (بين بين) فهناك من كتب في الماضي الكثير ويعتقد أن ضميره مرتاح تجاه ما كتب، وهناك من يعتقد أن الشمس لن تشرق إذا لم تُنشر مقالته مع صورته في الصفحة الأخيرة، لاسيما إذا حملت هذه المقالة أو تلك بعض (الإضافات) حول عنصرية إسرائيل وتوسعيتها، (يا الله كم صار هذا الاكتشاف مملاً). إذاً أمام هذه الأشكال لابدّ للقارئ من فسحة للصبر والصمت وربما للشتم وهذا حقه، ولكن توجد الكثير من الكفاءات والأقلام الصحفية التي أثبتت مصداقيتها وحفرت بأظافرها النظيفة تاريخها مع الحبر فكتبت وعوقبت أحياناً، وفي أحيان أخرى مضغت المرارة والحرمان، وبعضها سكن في بيوت المخالفات ومازالت، لتحافظ على ضميرها مرتاحاً وعلى قلمها حراً رغم كل الألغام التي تحيط بحياة الضمير الحرّ النقي.
ومع ذلك فإن كتابات هؤلاء تلقى ذلك الرد العجائبي من قارئ لا يكلّف خاطره عناء التدقيق أو التفكير، ويقول (فلان معه ضوء أخضر) طبعاً المقصود من جهة السلطة.
إن الجذر السيكولوجي لهذا التعليق والتفسير يعود إلى مرحلة هيمنة الأيديولوجية كحالة متحجرة على التفكير الجمعي والفردي بآن، وقد دفع الضريبة مثلاً الراحل محمد الماغوط وممدوح عدوان، وقد سمعت شخصياً خلال سنوات طويلة هذا التعليق (الماغوط معه ضوء أخضر) وكذلك عدوان، ومن سار على طريقهما من الكتّاب والصحفيين وترافق تفسير (الضوء الأخضر) مع تفسير (هذه الكتابة للتنفيس!! على أساس أن الجماهير إذا لم تنفس ستنفجر غاضبة ثائرة)، واتضح لاحقاً أن هذه الجماهير قادرة على الصبر طويلاً أكثر من (الجمل) وقد تصمت وتصبر على الذل والهوان لمدة مئة عام قادمة، ولا يهمها أولئك الذين يصارعون السلطة ويعاركون الحكومة بأقلامهم الحرة وضمائرهم النقية.
عجيب أمر هؤلاء الذين يفسّرون كل شيء بالضوء الاخضر، وهم غير مستعدين حتى للوقوف في وجه سائق تكسي يريد سرقتهم، ولا حتى للرد على سائق سرفيس يخالف جهاراً نهاراً، وهم مثل النعاج يرددون (ما الفائدة) وكأن هذا البلد ليس بلدهم.
قد يقول قائل: (فقدت الناس الأمل بالإصلاح) وربما معهم بعض الحق ولكن نقول: إن الأمم التي سارت وحققت حضارتها وتتابع تطورها، لم تبن مجدها انطلاقاً من اليأس والاستسلام، إنما كافحت ومازالت تكافح، وتصدّت للغلط والخطأ والكوارث، وصارعت التخلّف والفساد ودفعت الضريبة.
أما تفسير (الضوء الأخضر) فإنه يصح على أولئك الكتّاب الذين رهنوا أقلامهم لخدمة بعض الجهات والمؤسسات والشخصيات الفاسدة، ولا يمكن أن يصح تفسير الضوء الأخضر إياه على كتابات تلك الأقلام التي صمدت أمام كل عوامل الخوف والإحباط ولم تنحن أمام مدير عام أو أمام وزير، ولم ترتش ولا يمكن أن تفكّر بهذه الطريقة.
والضوء الوحيد الذي يحرك هذه الكتابات هو الضمير والصدق، ورؤية الواقع كما هو دون تزييف.
طبعاً انا هنا لا أزعم أن هناك من هو خيّر على الدوام أو شرير على الدوام، فالأكيد أن الانتقال إلى صف الصدق والمصداقية مستمر من بعض الأقلام التي احتارت بداية لكنها حسمت أمرها، وتوجهت نحو كشف الحقائق أمام الرأي العام، ولكن الأكيد أيضاً أن صف الذين يفضلون (عدم الإزعاج) كبير، ويكفي أن نقرأ ونتابع لنعرف كم عدد هؤلاء.
أما ذلك القارئ الذي فقد الثقة ويتساءل (ما الفائدة) كلما قرأ مقالاً، فنقول له: إن مهمة الإعلام التنوير وكشف الحقائق والدفاع عن مصالح الناس، والباقي على السلطة التنفيذية، ولكن ماذا نفعل إذا كان رئيس بلدية مدعوم لا تنفع إزاحته عشرات التحقيقات؟.
هل نتحمل نحن السبب؟ بالتأكيد على هذا القارئ الذي صنع لنفسه جداراً من الصقيع حتى لا يكلّف نفسه عناء التفكير والتوجه نحو أماكن الخلل الحقيقية.. فالكتابات الحقيقية وأصحابها يعانون مع بقية الناس المعاناة ذاتها، وذلك الضوء الأخضر يبقى ملكاً لإدارة المرور والسائقين والعابرين، وبين التخلف والحضارة مسافة لا يمكن اجتيازها لمن اختار الخوف والصمت والنوم في جحور الذي والنسيان.


الجمل

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...