الإسلام السياسي السني في العراق

01-05-2006

الإسلام السياسي السني في العراق

تلعب قوى الاسلام السياسي اليوم في العراق دوراً كبيراً ومؤثراً، على الساحة السياسية العراقية وفي خريطة الأحداث والتطورات الجارية، وتساهم كذلك في رسم مستقبل العراق. ويطرح الواقع العراقي أمام القوى اليسارية والديمقراطية العراقية والشخصيات الديمقراطية والثقافية التقدمية العراقية مهمة كيفية التعامل مع هذه القوى بشكل عام، ومعرفة المشترك فيما بينها، والخصوصيات التي تتميز بها كل جهة على سبيل الخصوص ضمن آليات الصراع السياسي الاجتماعي في ظل منعطف سياسي كبير يتم خلاله رسم معالم الدولة العراقية، وفي ظل ظروف دولية وأقليمية تعكس آثارها على الشأن العراقي.

   وتتطلب مسألة التعامل مع هذه القوى السياسية التي تتخذ من الايديولوجية الدينية أساساً لبرامجها، معرفة الخلفية التاريخية لهذه القوى وكيفية تطورها وخطابها السياسي ودراسة آليات عملها وسبل تأثيرها على الجماهير.

   قد يكون صعبا تقديم عرض لجميع قوى الإسلام السياسي ومكوناته في العراق في هذه المادة، ولذا تعتبر هذه الورقة محاولة لطرح عرض أولي لقوى الإسلام السياسي السني في العراق، من خلال إلقاء الضوء على نشأتها وتطورها وخطابها السياسي ومواقفها من الأحداث، وأختتم الورقة بعرض رؤية ومنهجية للتعامل مع القوى السياسية الإسلامية بشكل عام.

 

أولاً/الحزب الإسلامي العراقي ....حركة الإخوان المسلمين هي الأساس

   تعتبر حركة الإخوان المسلمين في العراق أقدم تنظيم سياسي سني في العراق، وتشكل اساساً لمعظم قوى الإسلام السياسي السني. بدأ الإخوان المسلمون العمل العلني في العراق عام 1944 باسم جمعية الأخوة الإسلامية بقيادة الشيخ محمد محمود الصواف والشيخ أمجد الزهاوي.

   في عام 1960 أنشأ الإخوان المسلمون حزباً سياسيا باسم الحزب الإسلامي، وعقد الحزب الإسلامي مؤتمره الأول في 29/7/1960. واعتبر الحزب نفسه امتدادا لجماعة الإخوان المسلمين التي أسسها الشيخ حسن البنا في مصر عام 1928. رفضت وزارة الداخلية العراقية أنذاك إعطاء الترخيص لتأسيس الحزب، كما ورفضت منح الحزب ترخيصاً لإصدار صحيفته الجهاد. وفي الشهر العاشر من عام 1960 اعتقلت السلطات العراقية قيادة الحزب وجمدت نشاطه، وترك الصواف العراق ورحل الى السعودية. وبعد مجيء حزب البعث إلى السلطة عام 1968 تعرض الإخوان المسلمون للملاحقة واعتقل عدد كبير من نشطائهم، وأعدم عدد آخر مثل عبد العزيز البدري ومحمد فرج وعبد العزيز شندالة.

   بعد قيام الحرب العراقية الإيرانية، تغاضت سلطة البعث عن نشاطات القوى والشخصيات الإسلامية السنية، في حين شددت على تصفية التبار السياسي الإسلامي الشيعي. وقد أخلت سلطة البعث سراح كوادر وقيادات من المحسوبين على الإخوان وعلى التيار السياسي السني، بعد تدخلات من قيادات الإخوان العالمية من الخارج.

   نشط التيار الإسلامي السياسي السني في التسعينات. وكانت الأرضية السياسية في العراق مناسبة لنشاط هذا التيار. فقد أطلق النظام حملته الإيمانية، وانفتح على رجال الدين السنة. وأدرك النظام بعد تجربة إنتفاضة آذار 1991 بأن المخاوف الحقيقية التي تهدد مصيره لا تأتي بالدرجة الأولى من قبل هذا التيار، حيث لم تشهد المدن العراقية التي تحتوي على أغلبية سنية عربية ( الموصل، الأنبار، تكريت، ديالى)، وموالية لما يصطلح عليه بمصطلح "أهل السنة والجماعة"، تحركات معادية للنظام. وساهمت سياسات الديكتاتورية في القضاء على أي أثر عصري وحضاري من مؤسسات المجتمع المدني كالأحزاب والنقابات والجمعيات العصرية، في توجه الناس الى مؤسسة المسجد.

   مع استفحال أزمة النظام وحالة القهر السياسي والإجتماعي وعدم سقوط النظام على أثر إنتفاضة آذار 1991، والشعور بالجزع من احتمالات تغيير سياسي في البلاد، حدثت موجة من الإقبال على التدين واالإقبال على المساجد وبناء المساجد بأعداد كبيرة، ونشر الكتاب الإسلامي والأنشطة الإسلامية في المساجد والجامعات والعمل الخيري والإغاثي والاجتماعي، وتراجعت الملاحقة الأمنية بشكل معين عن نشطاء الإخوان، وسمح لهم بالعمل العام والدعوي والاجتماعي.

   في العام 1991 أعلن في بريطانيا عن إعادة إحياء الحزب الإسلامي العراقي. وأصدر الحزب صحيفته "دار السلام".وانتخب أياد السامرائي أمينا عاما للحزب.

   بعد سقوط نظام الحكم في العراق وإعادة الحياة السياسية العلنية في العراق أعلن الحزب الإسلامي عن نفسه بقيادة محسن عبد الحميد الأستاذ بجامعة بغداد وعضو المجلس الانتقالي للحكم في العراق. أما أهم الشخصيات السياسية في قيادة حركة الإخوان المسلمين في العراق، فهم أسامة التكريتي وإياد السامرائي وعبد المنعم العزي. علماً إن القوى الاسلامية السنية تشكل نطاقاً واسعاً يتجاوز الحزب المذكور فهناك رجال الدين والمفكرون والأوقاف والمساجد والمؤسسات الإسلامية إلى جانب العمل السياسي الحزبي وغيره.

   يطرح الحزب الإسلامي العراقي نفسه حزباً متبنياً للإيديولوجية الإسلامية لشكل عام، ويعتبر الحزب (الإسلام عقيدة الأمة وهويتها الثقافية ومنهاج حياتها هو الأساس الذي ينبغي أن يقام عليه نظام الدولة والمجتمع).

   يرى الحزب الإسلامي (أن الشعب العراقي بهويته الإسلامية، وتاريخه العظيم، وحضارته العريقة، قادر على أن يتجاوز جميع المحن والصعاب، وأن يبني دولة حضارية قوية ترفرف عليها راية التوحيد، يشارك فيها جميع العراقيين على اختلاف معتقداتهم وطوائفهم وقومياتهم، ويسود فيها الخير والعدل والمساواة والتعاون والمحبة).

  ويرى السامرائي أن الدولة الإسلامية التي يريدها الحزب في تصوره "دولة إسلامية حضارية ديمقراطية، حقوق المواطن فيها متاحة، حقوق الآخر فيها متاحة، مبنية على مجموعات، نتكلم عن أن الحاكمية لله، هذا صحيح باعتبار أن مصدر التشريع هو الإسلام، ولكن في نفس الوقت نتكلم على اعتبار أن السلطة هي للشعب".

   أما الديمقراطية فتعتبر نوعاً من اللعبة السياسية لبلوغ المشروع الإسلامي. ويشير محمد فاضل السامرائي عضو المكتب السياسي للحزب الاسلامي إلى هذه الوجهة، فيقول:

(لا تتنازل الأحزاب الإسلامية عن مشروعها الإسلامي تحت أي ذريعة من الذرائع لكن اللعبة الديمقراطية لها آليات ووسائل وضوابط نتبعها لنبلغ المراد الشرعي، وما لا يدرك كله لا يترك كله وهنالك أولويات تترتب بموجبها المطالب، والمرحلية منهج شرعي اعتمده القرآن الكريم وسار عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم).

  إلا أن الحزب في جوهره وتركيبته حزب للعرب السنة، وينعكس هذا الهاجس الطائفي الموجود في تركيبة الحزب على خطابه السياسي ومواقفه وخطه العام، بسبب طبيعة الصراعات السياسية الجارية في العراق وانقسام التيار الإسلامي في العراق إلى تيار إسلامي سياسي شيعي، وتيار إسلامي سياسي سني، وانعكاس الخلافات الفقهية وثقل الخلفية التاريخية والرؤى السياسية للتيارين، وطبيعة النعرات الطائفية التي حاول النظام ترسيخها في مرافق الدولة العراقية. وفي المقابل تتكون تركيبة قوى وأحزاب الإسلام السياسي الشيعي من الشيعة العرب، وبالتالي فإن مصطلح "العراقي" أو "الإسلامي" الذي تحمله أسماء الأحزاب الإسلامية في العراق يتجاوز طبيعة وتركيبة هذه الأحزاب إذا ما قارننا الإسم بالتركيبة الاجتماعية ومناطق النفوذ والتوازن بين الخصوصيات الثقافية والمحلية، واستحقاقات المواطنة العراقية. ففي مقابل حديث التيارات السياسية الإسلامية الشيعية عن الغبن التاريخي الذي لحق بالشيعة ـ رغم كونهم يشكلون الأكثرية من السكان ـ  في إدارة الدولة العراقية والمساهمة في بنيتها منذ نشأتها في القرن الماضي، تتحدث قوى الإسلام السياسي السني عن وجود أكثرية عربية سنية، ووصلت مخاوف البعض من ممثلي هذا التيار الى الحديث في الفضائيات العربية عن نسب العرب السنة في كل مدينة ومحافظة وكون هذه النسب تتجاوز نسب الشيعة.

   ويظهر هذا الهاجس في الخطاب السياسي للحزب الإسلامي العراقي. ففي البيان الذي أصدره الحزب حول موقفه من الإنتخابات، يشير الحزب في إحدى تحفظاته حول أسباب تعذر إجراء الانتخابات في الوقت الحاضر الى (دخول أعداد كبيرة من غير العراقيين إلى العراق و استقرارهم في مناطق متعددة وحصولهم على حماية من بعض الأطراف العراقية النافذة و استطاعتهم ترتيب أوضاعهم القانونية فيه وتشهد على ذلك الأعداد الكبيرة من الطلبة الغرباء الذين غزو مدارس العراق و انتظموا في الدوام فيها).

   والظاهر أن المقصود بالأعداد الكبيرة من غير العراقيين والطلبة الغرباء هم القادمون من إيران.علماً أن هذه النقطة لا تشكل معظم تحفظات الحزب الإسلامي العراقي من الإنتخابات، وسنأتي الى ذكر مجمل موقفهم من الانتخابات في مجال آخر.

   يعتمد الحزب الإسلامي العراقي في خطابه ومشروعه السياسي على الأيديولوجية الدينية، ويحرص على المشروعية الدينية لتبرير سياساته بالإعتماد على الشريعة الإسلامية والفقه الإسلامي. ففي بيان الحزب الذي أعلن فيه مشاركته في مجلس الحكم هناك إشارة واضحة الى منهجية الحزب الذي يعتمد على أصول الفقه السني. فحسب البيان (أن مشروع الحزب الإسلامي محكوم بنصوص الكتاب والسنة وهدي السلف الصالح من هذه الأمة اجتهادا وتطبيقا مع مراعاة مبدأ الموازنة بين المصالح والمفاسد التي اعتمدها علماؤنا وذلك لتحصيل أعظم المصلحتين بتفويت أدناهما والوقوع في اخف الضررين درءا لأعظمهما، وذلك أن الشريعة جاءت لتحصيل المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد أو تقليلها كما ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية ذلك في مجموعه وعز بن عبد السلام في قواعده والشاطبي في موافقاته).

   يمارس الحزب لغة السجال السياسي المعاصر الملموس في بيان الحزب حول المشاركة في مجلس الحكم، والذي قد يتطابق الى حد بعيد مع ما تطرحه أحزاب علمانية كمبررات للمشاركة في المجلس المذكور، كالحديث عن (أن المجلس لم يتشكل عن طريق التعيين المباشر لقوات الاحتلال ...)، بل (..عن طريق التشاور المستمر بين مختلف القوى والأحزاب العراقية والشخصيات العاملة في الساحة وذلك استنادا إلى قرار مجلس الأمن المرقم 1483 و الذي ينص على ضرورة تشكيل مجلس حكم انتقالي من العراقيين يدير شؤون العراق لمدة سنة واحدة أو أكثر يهيئ فيها لمجلس نيابي منتخب وحكومة منتخبة).

   وفي نفس الوقت يبحث الحزب كحامل للأيديولوجية الدينية عن الشرعية الفقهية لتبرير تلك الخطوة. ونجد لجوء الحزب المذكور الى القياس الفقهي واضحاً، كما في الفقرة أدناه من بيان الحزب:

(الأدلة الشرعية لدخولنا في المجلس:

1-إن المصلحة الشرعية العليا تستوجب وجودنا في المجلس لأنه يقوم بأمور خطيرة ترسم مستقبل العراق، وأهمها الدستور الذي لابد أن يحقق الهوية الإسلامية للشعب العراقي، والشريعة جاءت لتحصيل المصالح وتكثيرها وتعطيل المفاسد وتقليلها، وقد استطعنا في البيان السياسي أن نثبت هذه الحقيقة والحمد لله.

2-يقول تعالى (وتعاونوا على البر والتقوى….الآية) فدخولنا في المجلس يقوي الصوت الإسلامي فيه فنحن مع أربعة أحزاب لها صبغة إسلامية زيادة على بعض الأعضاء من ذوى الغيرة الإسلامية، فنحن جميعا متفقون على المطالبة بأن تكون الشريعة الإسلامية السمحة هي المصدر الأساسي للدستور، مع مراعاة حقوق الأقليات الدينية الأخرى التي كفلتها الشريعة الإسلامية على أتم وجه.

وفي مشاركة النبي صلى الله عليه وسلم في حلف الفضول في الجاهلية الذي تعهدت فيه قريش بنصرة المظلوم والذي قال عنه صلى الله وعليه وسلم في الإسلام ((لو دعيت إلى مثله في الإسلام لأجبت)) دليل على أن الجماعة الإسلامية يمكن أن تشترك مع غيرها في تحقيق أمر صحيح لصالح المجتمع.

كما أن مشاركة نبي الله يوسف عليه السلام في ولاية مصر زمن الهكسوس دليل آخر على جواز هذه الولاية.

كما أن بقاء النجاشي في ملكه لتحقيق المصالح الشرعية مع عجزه عن تنفيذ كثير من الأحكام الشرعية دليل ثالث على صحة اختيارنا ويمكن الإطلاع لمن أراد التفصيل على ما كتبه أئمة الإسلام في هذا الصدد لاسيما شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموعة الفتاوى).

وسعياً لتوسيع نفوذه ومحاولةً منه لكي يكون أكثر قدرةً على استيعاب القاعدة الجماهيرية لحزب البعث، يشير الحزب في معرض مشاركته أن وجوده في المجلس (قد حقق من المقاصد الشرعية الكبيرة مع المدة الوجيزة التي شاركنا فيها فقد دافعنا في الأسابيع المنصرمة في المجلس عن المظلومين وشاركنا في إمضاء القرارات المنصفة، وطالبنا بإنصاف الجيش والشرطة وإرجاع عناصرهما المخلصة من الضباط والمراتب، وعارضنا معاملة البعثيين جميعا وهم ملايين مع عوائلهم معاملة واحدة، ودعونا إلى التفريق بين من ارتكبوا الجرائم وبين الآخرين الذين لم يرتكبوا شيئا وقد فرض البعث على المجتمع، ولا يمكن أن يحرم المجتمع من طاقة مئات الألوف منهم في مرافق الدولة، وذلك يكون في رأينا بمصالحة وطنية شاملة).

   على أن الوضع الداخلي في الحزب الإسلامي العراقي، واتخاذ قرار المشاركة بالأغلبية وليس بالأجماع وموقف حركة الإخوان المسلمين العالمية من سياسات الحزب ومشاركته في المجلس، يثير الكثير من الإشكاليات الداخلية للحزب، وخاصة بالإرتباط بموقف هيئة علماء المسلمين الذي يدعو الى "المقاومة" المسلحة، ووجود نشاط للحركة السلفية (الوهابية)، إضافة الى العمليات الإنتحارية التي ينفذها إرهابيو القاعدة في العراق.

ويبدو أن الحزب الإسلامي العراقي يدخل في صراع داخلي مع قوى الإسلام السياسي السني في العراق. فالأمين العام المساعد للحزب إياد السامرائي يذكر في حديث له للجزيرة نت (أن دخول المجلس تم بناء على جملة من الحسابات والموازنات. وأضاف أنهم يقومون باستمرار بجردة حساب لميزان الربح والخسارة وأنهم مازالوا يرجحون كفة الربح على الخسارة حتى الآن، مشيرا إلى أن المشاركة عززت وضعهم في البلاد وأسمعت صوتهم للعراقيين والعالم ووفرت لهم غطاء رسميا للتواصل مع الناس، كما أنها خدمت العراقيين من خلال توفير قناة للتفاوض مع الاحتلال كما حدث في الفلوجة).

لكن الدكتور محمد بشار الفيضي الناطق باسم هيئة علماء المسلمين، كتب للجزيرة نت إن (الهيئة أصيبت بالإحباط عندما علمت بمشاركة الحزب الإسلامي في المجلس، ودعته مرارا وتكرارا للخروج من هذا المجلس الفاقد للشرعية بسبب انبثاقه عن الاحتلال وارتهانه في كل قراراته لفيتو الاحتلال... أن مشاركة الحزب أفقدته كثيرا من مؤيديه وخلخلت ثقة الشعب فيه، إذ إن نظرة الناس للمجلس تنسحب على جميع من فيه، كما أن مشاركته هزت صورته أمام الشارع الإسلامي في العالم كله).

   ولا تقتصر الخلافات في هذه النقطة على قوى الإسلام السياسي السني في العراق. فموقف الحزب الإسلامي العراقي بتناقض مع تصريحات القيادة الإخوانية من أمثال المرشد العام السابق محمد المأمون الهضيبي واللاحق محمد مهدي عاكف بأن الإخوان يدعون الأمة للجهاد والعمليات الإستشهادية لإخراج المحتل في فلسطين والعراق. ويرى بعض كوادر الإخوان في داخل العراق وبعض قادة الإخوان في الأردن ومصر بأن مشاركة الحزب الإسلامي في المجلس ناجمة عن تأثير الإخوان المسلمين الأكراد (الإتحاد الإسلامي الكردستاني) للإشارة إلى عدم وجود حساسيات تجاه التعامل مع الأميركان في الوسط الأسلامي الكردي عموماً، باستثناء حالات محدودة مثل جماعة أنصار الإسلام والجماعة الاسلامية.

   ويرى بعض قادة الإخوان بأن مشاركة الحزب الإسلامي في مجلس الحكم شكلت صدمة نفسية لجميع المنتمين إلى المدرسة «الاخوانية»، الأمر الذي دفع جميع القادة في الحركة بمختلف أقطارها إلى التنصل مما جرى، ومعارضته من حيث المبدأ.

   ويرى المختلفون مع نهج قيادة الحزب الإسلامي العراقي ـ حسب قول الزعاترة وهو من الإخوان الأردنيين ـ بأن قرار الدخول في المجلس (لم يكن شورياً بالمعنى الحقيقي للكلمة، بدليل أن الغالبية الساحقة من كوادر الحزب تعارضها معارضة واضحة، بل ان جزءاً لا بأس به من الكادر «الاخواني» انخرط في برنامج المقاومة تحت لواء ما يُعرف بحركة المقاومة الإسلامية الوطنية «كتائب ثورة العشرين»، ولم يعد معنياً بمشاركة الحزب في مجلس الحكم إلا في سياق المطالبة الدائمة بالخروج منه، من منطلق ما يرونه حفاظاً على الفكرة ونقائها في مواجهة عدو يستهدف الاسلام والمسلمين ليس في العراق فحسب وانما في العالم العربي والاسلامي برمته.

واقع الحال هو انه لو غاب الحزب عن المجلس لبقي مقعد السنة شاغراً ولما حصل الاسلاميون الشيعة على غطاء لتعاملهم مع الاحتلال امام انصارهم في الساحة الشيعية العربية الرافضة للتعامل مع الولايات المتحدة بوجهها البشع القائم.

لو غاب الحزب عن المجلس لكان استرضاء العرب السنة من قبل الاحتلال ممارسة يومية وليس موسمية تمنح لمندوب الحزب بما يكفل له العودة الى القواعد والحديث عن انجازات هي في جوهرها مجرد رشاوى سخيفة لا قيمة لها امام الفائدة المتحققة للاحتلال من المشاركة «الاسلامية» السنية في اللعبة).

   ويبدو أن التوسع الكبير للحزب الإسلامي العراقي ـ كما كان متوقعاً ـ بعد سقوط النظام في مناطق عرب السنة، وتوجه أعداد كبيرة من المحسوبين على قاعدة النظام السابق الى صفوف الحزب، في ظل ضعف نفوذ اليسار والقوى الديمقراطية في تلك المناطق، قد جعل من إمكانية سيطرة الحزب المذكور على تلك القواعد والركائز أمراً صعباً، وبالأخص في ظل المؤثرات المتنوعة السابقة الذكر، إضافة الى تدخل العامل الأقليمي، وعدم وجود ضوابط حزبية وحداثة العمل السياسي العلني المباشر للحزب، بحيث يصل الأمر الى التناقض والإزدواجية بين الخطاب السياسي المعلن للحزب ومساهمة رئيسه في مجلس الحكم، واشارة وثائقه الى أن رؤية الحزب تؤكد إيمان (الحزب الإسلامي بأن المشروع الإسلامي المستنير هو المشروع الأمثل لإنهاء معاناة شعبنا وبناء وطننا... و.. أن من مصلحة العراق وأمنه أن تعمل كل الأحزاب والجماعات على تطوير الممارسة الانتخابية السلمية حتى تكون عرفا راسخا يرفض العنف السياسي وعمليات الإرهاب)، وبين الممارسات الفعلية لكوادره وانخراط البعض منهم في عمليات الإرهاب والنشاطات الطائفية والظلامية المتطرفة، كما حدث في الفلوجة، حيث يروي شهود عيان من الفلوجة بأن كوادر من الحزب الإسلامي يتحملون المسؤولية في عملية قتل المدنيين الأمريكان والذين جرى التمثيل بجثثهم.

   ولكي تتكامل الصورة عن الحزب الإسلامي العراقي، لا بد من الإطلاع على موقف الحزب من الإنتخابات المستقبلية في العراق ومستلزماتها، ذلك الموقف الذي يقترب عملياً من موقف الأحزاب الديمقراطية واليسارية والعلمانية، على الرغم من إختلاف المنطلقات والنوايا بين الطرفين. حيث أن الهاجس الأساسي لدى الحزب الإسلامي العراقي الحد من نفوذ التيار السياسي الإسلامي الشيعي. كما انعكس هذا الهاجس في موقفه من قانون إدارة الدولة العراقية وتوقيعه عليه دون تحفظات، لأن القانون المذكور باشتراطه مبدأ التوافق يمنع استئثار الطرف الآخر بالسلطة وإدارة الدولة.

   يشير الحزب الى تعذر اجراء الإنتخابات في الوقت الحاضر بسبب الحالة الأمنية المتردية، وإمكانية التزوير في الوثائق، ودخول أعداد كبيرة من العراقيين الى العراق.

   واشار الحزب في بيانه حول هذه المسألة الى ان موقفه  من الانتخابات يقوم على ضرورة توفر الشروط التالية:

(إجراؤها تحت إشراف أو إدارة دولية معززة بدور للجامعة العربية .

تأمين مستلزمات النزاهة الكاملة ومنع التزوير وفق ضوابط تشمل كافة المراحل .

تأمين الحماية الأمنية للعملية الانتخابية وللمواطنين خلالها .

لا ينبغي أن يضطلع مجلس الحكم أو الإدارة الأمريكية بهذه العملية لعدم أهليتهما أو قدرتهما على ذلك .

ووفق هذه القواعد رفضنا إجراء الانتخابات الآن لان مستلزماتها وشروطها غير متوفرة ومن غير المتوقع أن تتوفر خلال فترة قصيرة).

ويلخص الحزب موقفه من هذه المسألة ذاكراً أن سياسته وموقفه يعتمد على الأسس  التالية :ـ

( النقل السريع للسلطة والسيادة الى العراقيين واعتبار السلطة العراقية سلطة مؤقتة غير مخولة باجراء تغييرات واسعة بل تمشية الأمور وحيازة اعتراف دولي بالعراق كدولة مستقلة وانهاء الاحتلال .

تهيئة مستلزمات الانتخابات لتكون حرة ونزيهة ومعبرة عن ارادة العراقيين وان تجري هذه الانتخابات في ظل دولة مستقلة لا في ظل وجود الاحتلال .

ان اية دعوة للتعجيل بالانتخابات دون وجود اسس صحيحة انما هي دعوة لاستمرار الاحتلال او استمرار الاوضاع الشاذة التي يعيشها العراق وتعطي مجالا و اسعا للطعن بشرعيتها كما يمكن ان تؤدي الى تفجر الصراعات المحلية على نطاق واسع).

 

ثانياً/ الحركة السلفية (الحركة الوهابية في العراق)

   لم تكن للدعوة الوهابية شعبية في العراق في العهد الملكي وحتى نهاية الثمانينات.ثم بدأت تنمو في المدن العراقية في الوسط والأماكن ذات الأغلبية السنية، بعد استفحال أزمة النظام الحاكم وسياسته التخريبية في كافة المجالات وآثار حروبه الكارثية. ولا يمكن الحديث عن فكر الحركة إلاّ بالعودة الى طروحات أقطابها وفقهائها في بيئة نشأتها الأولى أي العربية السعودية.

   كان أتباع هذه الحركة السابقون يطلقون على أنفسهم في السعودية اسم "الموحدون" أو "المسلمون" في مقابل المشركين ، في حين يطلق خصومهم عليهم اسم "الخوارج". أما أتباع هذه المدرسة المعاصرون فيفضلون استخدام اسم "السلفية" و "السلفيون" . وقد شاع أيضا استخدام اسم "الوهابيون" من الطرفين كاسم علَم عليهم من باب أنهم يشكلون تيارا فكرياً مميزاً له تاريخه وخصائصه ومصنفاته وشيوخه ، وهو يختلف عن التيار العام للسلفية في كثير من الأمور.

   تعتمد الوهابية في طروحاتها السياسية على منهج سلفي يستمد أصوله من منهج الإمام أحمد بن حنبل 164 هـ ـ 241 هـ . وقد ذاع صيت الامام أحمد بعد تعرضه للسجن في عهد المأمون والمعتصم لرفضه فكرة خلق القرآن، وابراز كتب من سمّوا انفسهم بعد ذلك بأهل السنة والجماعة لدوره ومعاناته في السجن نتيجة موقفه من الحادثة المعروفة في التاريخ وفي الفقه والعقائد الاسلامية والمسماة ب (محنة خلق القرآن) التي جرت أحداثها بين 218 هـ ـ 234 هـ في عهود كل من المأمون والمعتصم والواثق، وانتهى في زمن المتوكل بعد الهجوم على المعتزلة الذين خالفوا طريقة السلف في فهم العقائد، واعتمدوا على منهج عقلاني في طرح تصوراتهم العقائدية.

    وارتبطت سلفية الامام أحمد في العقائد الاسلامية بسلفيته في مجال السياسة والسير على نهج ما اتبعه أكثر الصحابة والتابعين وفي مجال القضية الخلافية الأساسية في الإسلام ( قضية الخلافة والسلطة الإسلامية)، رأى جواز إمامة من تغلب في الحرب ورضيه الناس، والأكثر من هذا يرى أن من تغلب وإن كان فاجراً تجب طاعته، حتى لا تكون الفتن، ومن حق الخليفة أن يعهد بالخلافة لمن يراه صالحاً من بعده.

    وإضافة الى ابن حنبل، تعتمد الوهابية على أفكار ابن تيمية (728هـ ـ 1328م)، الذي قال في كتابه المشهور "السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية" أن ستين سنة من إمام جائر أصلح من ليلة واحدة بلا سلطان.

وفكرة القبول بالحاكم الظالم على أساس قبول الأمر الواقع فكرة أقدم من طروحات أحمد بن حنبل. فهذه الفكرة تنسب الى السياسي النفعي العربي عمرو بن العاص القائل "سلطان عادل خير من سلطان ظالم، وسلطان غشوم خير من فتنة تدوم"، حسب ما أورد اليعقوبي في تاريخه.وللمفارقة أذكر في هذا السياق قولاً مشابهاً لهذا الرأي، ولكن من سياق حضاري آخر. يذكر أولريك هارمان في مقالة له بعنوان "نظرات مقارنة في الفكرين السياسيين الوسيطين الاسلامي الأوروبي" المنشورة في العددالثالث عشر 1991 من مجلة الاجتهاد، قولاً للقانوني الفرنسي الكاثوليكي المحافظ فرانسوا لوجاي عام 1589م، في كتابه المسمى كرامة الملك والأمراء السادة، "إن مائة عام تحت حكم طاغية، أهون من مقاساة يوم واحد في ظل حرب أهلية".

   وقد انعكست هذه الفكرة في موقف الكثير من الإسلاميين من نظام صدام حسين، حيث اعتبروا بقاءه أفضل من الفتنة التي يجلبها الأمريكان. و هذا ما نلمسه في موقف مجموعة علماء المسلمين السنة الذين أصدروا بياناً خارج العراق، ودون ضغوطات من النظام العراقي آنذاك، ضد إحتمالات الغزو الأمريكي ودعوا الناس للجهاد ضد الأمريكان، دون أن يشيروا بأي شكل من الأشكال الى مسؤولية النظام العراقي وجرائمه بحق الشعب العراقي، وسنشير الى جوهر ذلك البيان في مجال آخر من هذه المطالعة.

   تعتمد الوهابية على فكرة "الفرقة الناجية"، وهي فكرة مطروحة من قبل ابن تيمية، ويعبر عنها أحد الوهابيين الجدد بفكرة" الطائفة المنصورة" والتي تجد صدىً لها في فتاوى عدد كبير من الوهابيين في السعودية من ذوي الإتجاه الجهادي.

    يعتقد ابن تيمية أن الأمة الاسلامية ليست كلها على الحق ولا هي مضمونة النجاة، و انما بعض منها وهم  (أهل الحديث) الذين كانوا يشكلون (الفرقة الناجية). و يقول:" ان الله لم يكن ليجمع هذه الأمة على ضلالة، و إنه لا يزال فيها طائفة ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم و لا من خذلهم ، و لا يزال الله يغرس في هذا الدين غرسا يستعملهم فيه بطاعة الله".

   أما حول منهج الوهابيين في أصول الفقه، فيعتبر منهج الامام أحمد وطريقته في الأصول والمقصود هنا أصول الفقه أي العلم بالقواعد والأدلة الإجمالية التي يتوصل بها الى استنباط الفقه أي الحكم الشرعي، منهجاً لدى الوهابيين. وهو منهج سلفي يعتمد بالدرجة الأولى على النصوص (القرآن، السنة) فإذا وجد النص أفتي به ولا يجوز الالتفات الى ما ومن خالفه. ثم يجري الاعتماد بالدرجة الثانية على فتاوي الصحابة. واذا ما اختلف الصحابة يجري اختيار القول الأقرب الى الكتاب والسنة. كما يأخذ بالحديث المرسل والضعيف. وأخيراً بالقياس عند الضرورة.

  لم تصطدم الدعوة الوهابية بالسلطة الحاكمة بسبب موقفها الفكري من مسألة السلطة والتي أشرنا اليها في بداية هذه الورقة، واستطاعت التكييف حتى من خلال العمل داخل حزب البعث الحاكم. وركزت في دعوتها ونشاطها على مجال العبادات ( عدم زيارة القبور، عدم التشفع بالأولياء، النهي عن الاستعاذة بغير الله ، معاداة التيار السياسي الشيعي، ونعتهم بالرافضة والمارقين ، الحجاب الاسلامي) اضافة الى معاداة التصوف والمتصوفة وشيوخ الطرائق. فعلى سبيل المثال قام جند الاسلام بهدم ضرائح الأولياء في بيارة، وهي قصبة تقع شمال حلبجة على الحدود مع ايران.

  وفي كردستان العراق اتخذت الدعوة الوهابية أشكالا متطرفة، (حزب التوحيد، جند الاسلام وغيرها)، وسنشير الى كيفية نشوئهما لاحقاً في هذه المطالعة أيضاً. والجدير بالذكر إن هذه التسميات سبق وان استخدمت من قبل القوات العسكرية للحركة الوهابية في الجزيرة العربية في حملاتها العسكرية الداخلية والخارجية.

  علاقة الوهابيين بحركة  الإخوان المسلمين ليست على مايرام دوما. ويرجع السبب في ذلك الى تدهور العلاقات بين الحكام السعوديين وحركة الاخوان بعد تطور نشاط حركة الإخوان. إلا أن هذا الأمر لا يمنع الطرفيين من إقامة تحالفات فيما بينهم عند الضرورة. ووتتهم أقطاب من الحركة الوهابية التقليدية المقربة من السلطة في السعودية حركةَ الإخوان المسلمين بكونها السبب الرئيسي في توجه مجاميع من الوهابيين الى الفكر الجهادي ضد  السلطة السعودية، إلاّ أن تلك الأقطاب تشجع ما تسميه بالجهاد ضد الأمريكان وضد السلطات العراقية التي هي في طور النشوء، والمعدة لاستلام السيادة العراقية بعد انتهاء الإحتلال.

   هناك عدة فصائل للحركة الوهابية  لا تتمكن السلطة السعودية من السيطرة عليها. وتقييم هذه الفصائل التي تعمل باسم السلفية علاقات وثيقة فيما بينها ومع منظمة القاعدة. وقد اضطرت السعودية في أواخر آيار 2003 ، الى فصل عدد كبير من رجال الدين وخطباء الجوامع وأدخلت مجاميع منهم في دورات إعادة تأهيل.

   بعد زيادة نشاط منظمات القاعدة والأعمال الإرهابية التي قاموا بها مؤخراً في السعودية، حدث نوع من التمايز بين الحركة السلفية (الوهابية) وبين القاعدة. ويشير قادة الحركة السلفية بأن حركة الإخوان المسلمين هي التي سببت في بروز القاعدة وممارساتها الإرهابية .

   أثرت الخلافات الموجودة في الحركة السلفية داخل السعودية على توجهات الحركة الوهابية في العراق، ويبدو أن قسماً من الحركة، وارتباطاً بالتفجيرات والعمليات الإنتحارية التي جرت في العربية السعودية، تتبنى الموقف الرسمي للإفتاء في العربية السعودية، في حين ميزت أوساط من الحركة نفسها بتبنيها خط الجهاد، وأسمت نفسها بكتائب مجاهدي الجماعة السـلفية المجاهدة في العراق، ويظهر من طروحاتهم أنهم جزء من القاعدة.

   وقد نشرت هذه الحركة (قيادة كتائب مجاهدي الجماعة السـلفية المجاهدة في العراق) أول بيان لها في موقع من أبي دجانة العراقي، أمير كتائب الجماعة السلفية المجاهدة بتاريخ 1/7/2003، وقد حدد البيان التوجهات السياسية "الشرعية" للحركة. وبين البيان معاداته للعلمانية والإشتراكية والشيوعية والقومية،وسمَّى الهجوم الإرهابي في 11 سبتمبر بغزوة نيويورك وواشنطن، وأشار الى وجود تحالف وهجوم صليبي ـ صهيوني ضد الإسلام.

   وقد عرفت الحركة نفسها بأنها (جماعة موحدة سنية سلفية الراية و العقيدة و المنهج ، دستورها و مصدر تلقيها كتاب الله و سنة رسوله بفهم السلف الصالح تؤمن إيمانا يقينيا جازما أن الجهاد في سبيل الله هو الحل الوحيد والطريق الصحيح لإعادة ما سُلب من هذه الأمة العظيمة من مجد وعزة وكرامة وانه السبيل الوحيد الذي يمكن من خلاله للأمة أن تستأنف حياتها الإسلامية الصحيحة وتقيم الخلافة الراشدة على منهاج النبوة،  فالجهاد وصف ملازم للجماعة لا تقوم إلا به  والجهاد يكون بالقتال في سبيل الله وبالدعوة إليه بالحكمة والموعظة الحسنة جنباً إلى جنب فلا دعوة بلا قتال ولا قتال بلا دعوة).

   وتظهر الامتدادات العالمية لهذه الحركة في قولها (فلتعلموا إخواننا الموحدين أننا حينما نرفع راية الجهاد على هذه الأرض لن نكتفي بإخراج قوى الكفر الصليبية الحاقدة من العراق ولكننا نسعى إلى إقامة دولة الخلافة الراشدة على سائر بلاد المسلمين ومن ثم استكمال سير الفتوحات الإسلامية المباركة استجابة لنداء الحق (جل في علاه)، ولو كلفنا ذلك مقاتلة كل قوى الكفر الكبرى والصغرى الأصلية والمرتدة (حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله).

   وقد بيَّنت الحركة توجهاتها القاعدية من خلال تمجيدها لإسامة بن لادن، حيث أشار البيان الى الدعاء ل(شيخ المجاهدين عبدالله عزام تقبله الله في الشهداء وشيخ المجاهدين أسامة ابن لادن حفظه الله بمنه و أبقاه ذخرا للمسلمين وشوكة نكاية في أعين الكافرين).

   وتظهر الدعوة والحث الى القيام بالعمليات الإنتحارية "الإستشهادية" في البيان الأول لهذه الحركة بشكل يعبر عن وجود إختلالات نفسية وفقدان للتوازن، وذلك عبر دعوتها (( اللهم خذ من دمائنا حتى ترضى … اللهم خذ من دمائنا حتى ترضى … اللهم خذ من دمائنا حتى ترضى )).

   نشرت الحركة بلاغات عسكرية عن قيامها بعمليات عسكرية متعددة باسم كتائب "جند الله وأسد التوحيد". وأصدرت بياناً عن "الهيئة الشرعية في الجماعة السلفية ألمجاهده/العراق" تبين فيه الجهات والأطراف المستهدفة بالعمليات "الجهادية"، على اساس الموقف الشرعي من " المتعاونيين والمناصرين لاعداء الله الأمريكان من شرطة أو جيش أو أعضاء المجالس والحكومات العميلة المرتدة وغيرهم من المترجمين والمتعاونين معهم".

   وبعد ذكر آيات قرآنية وأحاديث للنبي، من الممكن تأويلها، بما ينسجم ووجهتهم السياسية، تذكر تلك الهيئة مجموعة من أقوال الفقهاء المتشددين وأغلبهم من الحنابلة الوهابيين من السعوديين، لتبرير تكفير وقتل العناصر المذكورة في الفقرة أعلاه.

   ومن ضمن تلك الأقوال لتاويل الآية التالية: {{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}، نذكر الأسطر التالية الواردة في بيان الهيئة الشرعية:

   ( ـ قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في النواقض العشر المجمع عليها قال الناقض الثامن : مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين والدليل قوله تعالى ( ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين).

ـ قال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ رحمهم الله ( الدرر8/326) : فيمن أعان الكفار أو جرّهم إلى بلاد أهل الإسلام أنها ردة صريحة بالاتفاق .

ـ وقال الشيخ عبد الله بن حميد رحمه الله ( الدرر15/479) : فيمن تولى الكفار ونصرهم وأعانهم على المسلمين أن هذه ردة من فاعله يجب أن تجرى عليه أحكام المرتدين , كما دل على ذلك الكتاب والسنة وإجماع الأمة المقتدى بهم

ـ وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله في ( فتاويه1/274) : وقد أجمع علماء الإسلام على أن من ظاهر الكفار على المسلمين وساعدهم بأي نوع من المساعدة فهو كافر مثلهم .)

   كما خاطبت هذه الحركة مجموعة من رجال الدين السعوديين للحصول على فتاوى لتبرير العمليات الإنتحارية، ومنهم (حامد العلي، ناصر العمر، أبوبصير الطرطوسي، سليمان بن ناصر بن عبدالله العلوان).

   وفي جواب ل(حامد العلي) حول الموقف من الشرطة العراقية ومجالس الإدارة، يقول:

(كل من كان في صف العدو عونا وجزءا من معسكره في القتال ، يكون حكمه حكمهم ، ولكن على المجاهدين أن يكونوا واعين لعدم تشتيت القوة الجهادية في غير الضربات النوعية لنقاط قوة العــدو ، والجواسيس ضررهم كبير ربما يكون أكبر من العدو نفسه ، و لهذا فالجاسوس يقتل في قول عامة الفقهاء ، وعلى أية حال ، الحكم العام معلوم لايخفى عليكم كما أفتى شيخ الاسلام فيمن يلتحق بمعسكر التتار وأنه مباح الدم ، ولكن تقدير توجيه العمليات بحيث تحدث اكبر الاثر في المحتل وتوفير قوة الجهاد ، بحيث لاتستهلك في صراع مع الذين يتمترس بهم العدو من أهل البلد ، على حساب العدو الاصلي المحتل ـ الذي يلتف الشعب حول من يجاهده ويكون الشعب درءا له وعونا ـ تقدير ذلك كله متروك للمجاهدين في الموضع ، ومن اعتصم بالله هداه ، ومن توكل على الله فهو حسبه ، وإنما المعونة على قدر صلاح النية ، وهذا جواب عام يصلح لكل مكان ، لانعني به موضعا مخصوصا ، والله اعلم).

   أما حول العمليات "الإستشهادية" فقد أفتى الشيخ علي بن خضير الخضير للحركة كاتباً لهم:

 [العمليات الإستشهادية من الجهاد ، بل هي اليوم من أفضل  الجهاد في سبيل الله ، ويدل على ذلك أدلة منها :

1 ـ قوله تعالى : ( ومن الناس من يشرى نفسه ابتغاء مرضاة الله والله رؤوف بالعباد )

2 ـ ما رواه مسلم رحمه الله عن النبي صلى الله عليه وسلم في قصة الغلام وأصحاب الأخدود وفيها  أن الغلام أمر بقتل نفسه لأجل مصلحة ظهور الدين  ، قال ابن تيمية في الفتاوى  (28 /540) قال : إن الغلام أمر بقتل نفسه لأجل مصلحة ظهور الدين،

3 ـ  ثم قال ابن تيمية : ( ولهذا جوّز الأئمة الأربعة أن ينغمس المسلم في صف الكفار وإن غلب على ظنه أنهم يقتلونه إذا كان في ذلك مصلحة للمسلمين ) اهـ

4ـ وللحديث المتفق عليه ( إنما الأعمال بالنيات ....الحديث ) ،

5 ـ  قصة البراء بن مالك في معركة اليمامة ، فإنه اُحتمل في تُرس على الرماح والقوه على العدو فقاتل حتى فتح الباب ، ولم ينكر عليه أحد من الصحابة ، وقصته مذكورة في سنن البيهقي في كتاب السير باب التبرع بالتعرض للقتل ( 9 / 44 ) وفي تفسير القرطبي ( 2 / 364 ) أسد الغابة ( 1 / 206 ) تاريخ الطبري .

هذا على وجه الاختصار نظرا لطلبكم ،

 وتجدون برفقته فتوى شيخنا العلامة حمود بن عقلاء الشعيبي في جواز العمليات الإستشهادية وأنها مشروعة ومن الجهاد في سبيل الله ، فقد أجاد وأفاد وأطال في ذكر الأدلة ، ورد على أدلة المخالفين ،فجزاه الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء، وأبلغ سلامنا للإخوان عندكم ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أخوكم

علي بن خضير الخضير 

5/3/1422هـ]

   من جهة أخرى تبنت الحركة الفتوى الشرعية التي حملت توقيع اسماء متعددة ومختلفة وهي كالتالي: (هيئة علماء الرابطة العراقية / رابطة المسلمين العراقيين في الخارج، المركز الإعلامي الإسلامي العالمي).

   وسنذكر جوهر هذا الفتوى في معرض الحديث عن هيئة علماء المسلمين، لمشاركة أعضاء من تلك الهيئة في إصدار تلك الفتوى، هذا إذا لم تكن الفتوى من إصدار الهيئة أساساً.

   ولا يمكن معرفة جوهر الحركة السلفية الجهادية العراقية، إلاً من خلال الإطلاع على التوجهات السياسية الشرعية للحركة والتي أجمعتها الحركة في باب "عقيدتنا ومنهجنا"، والذي يتكون من 41 فقرة، وفيما يلي بعض الفقرات المختارة من ذلك الباب:

(ـ  نؤمن أن الحكم والتشريع من خصائص الله وحده , وان حكمه هو العدل المطلق وكل ما خالفه فظلم مردود .وان من لوازم الأيمان وشروط صحته رد الأمور إلى حكم الله وتشريعه , وان كل من رد أمرا إلى غير حكم الله وحكم بغير ما انزل الله اتبع تشريعا حادثا لم يأذن به الله فهو كافر خارج عن ملة الإسلام متبع حكم الجاهلية .

ـ نؤمن أن محمدا صلى الله عليه وسلم رسول الله إلى كافة الخلق انسهم وجنهم , يجب إتباعه وطاعته في جميع ما أمر به وتصديقه والتسليم له في جميع ما اخبر به , وان ذلك من لوازم صحة إيمان المرء , ومن طاعته صلى الله عليه وسلم التحاكم إليه والى سنته فمن رد حكمه فقد رد حكم الله ومن رد حكم الله فقد كفر .

ـ نؤمن أن التكفير حكم شرعي مرده ُ إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم والإجماع.

ـ نؤمن أن الكفر يكون بالقلب واللسان والعمل.

ـ نؤمن أن تارك الصلاة كافر كفرا اكبر مخرج من الملة.

ـ نؤمن أن الحاكم بغير ما انزل الله وطائفته المبدلين للشريعة هم كفار مرتدون والخروج عليهم بالسلاح والقوة فرض عين على كل مسلم.

ـ نؤمن أن من صرف شيئا من وجوه العبادة كالطاعة والمحبة والخوف والرجاء و الاستعانة والدعاء و الاستغاثة بغير الله انه كافر كفرا اكبر مخرج من الملة.

ـ  نؤمن أن العلمانية  على اختلاف راياتها ومسمياتها وأحزابها هي كفر بواح مخرج من الملة، فمن اعتقدها أو دعا إليها أو ناصرها أو حكم بها فهو كافر مشرك مهما تسمى بالإسلام وزعم انه من المسلمين.

ـ نؤمن أن من ظاهر المشركين على المسلمين بأي نوع من أنواع المظاهرة انه كافر كفرا.

ـ نؤمن أن الديمقراطية فتنة العصر تكرس ألوهية المخلوق وحاكميته وترد له خاصية الحكم والتشريع من دون الله، فهي كفر اكبر مخرج من الملة فمن اعتقدها بمفهومها هذا أو دعا إليها أو ناصرها أو حكم بها فهو مرتد مهما انتسب إلى الإسلام وزعم انه من المسلمين.

ـ نؤمن أن أي طائفة من الناس اجتمعوا على مبدأ غير الإسلام هي طائفة ردة وكفر كالأحزاب القومية والوطنية والشيوعية والبعثية.

ـ نؤمن أن الشيعة الروافض طائفة كفر وردة وهم شر الخلق تحت أديم السماء.

ـ نؤمن أن الجماعات الإسلامية التي تدخل الانتخابات والمجالس التشريعية هي جماعات بدعية نبرأ إلى الله من أفعالها.

ـ  نؤمن أن الجهاد ماض إلى يوم القيامة مع كل بر وفاجر وفي كل زمان ومكان وبإمام ومن دون إمام ويمضي بفرد واحد فما فوق لا يوقفه جور الجائرين ولا إرجاف المثبطين .

ـ نؤمن  أن الجهاد في سبيل الله هو الطريق الشرعي الصحيح الذي يمكن الأمة من استئناف حياة إسلامية وقيام خلافة راشدة على منهاج النبوة.)

 

   ونستنتج من تلك الفقرات أن الأسس التي يتكون منها فكر هذه الجماعة مبنية على الإلتزام بمنهج الوهابية في مسائل العبادات، مع التأكيد على العقلية التكفيرية التي تعتبر أساساً لمفهوم "الطائفة المنصورة"، واعتبار معظم المسلمين مرتدين عن الإسلام في حالة عدم إيمانهم بمنهج وعقيدة الجماعة، وكذلك مشروعية الجهاد والتي عبروا عنها بممارسة العمليات الانتحارية بغض النظر عن إحتمال وقوع الضحايا من المسلمين الأبرياء سواء كانوا من النساء او من الشيوخ والأطفال.

 

ثالثاً/ هيئة علماء المسلمين

   أنشئت هذه التشكيلة باسم هيئة العلماء المسلمين فى 14/4/2003 بعد احتلال العراق باسبوع واحد، حسب إدعائها. في حين تعتبر نفسها إستمراراً لتنظيم رابطة العلماء المسلمين. وتدعي الهيئة بأن الرابطة المذكورة  كانت شبه متوقفة قبل ذلك لوفاة روؤسائها، وأن هذه الهيئة شكلت بعد احتلال بغداد لتعويض الفراغ الذى حدث بسقوط الدولة، للقيام بأعمال اغاثة وحماية المؤسسات والافراد، وتتألف الهيئة من أمانة عامة ومجلس شورى و تتألف من 45 من رجال الدين السنة. أما الامانة العامة فتتألف من 13 رجل دين منتخب من مجلس الشورى والذي يقوم أيضا بانتخاب الامين العام.

   وفي الواقع أن عمل هذه المجموعة من رجال الدين السنة كان مستمراً قبل تشكيل هذه الهيئة. وقد أصدر مجموعة من هؤلاء بياناً قبل بدء عمليات غزو العراق. كما أصدرت المجموعة العاملة من هؤلاء في الخارج فتوىً دينية حول الوضع الراهن في العراق، يعكس بشكل واضح  مواقف الهيئة في الداخل.

   أما البيان الصادر في الخارج قبل الغزو فقد حمل توقيع مجموعة من رجال الدين السنة ومن ضمنهم حارث الضاري رئيس هيئة علماء المسلمين الحالي. أما بقية الموقعين الآخرين فهم: د. عبد الكريم زيدان، د. احمد عبيد الكبيسي، د. هاشم جميل، د. حارث سليمان الضاري، د. علي محي الدين القرداغي، د. مصطفى البنجويني، د. أكرم ضياء العمري، الشيخ احمد حسن الطه، د. عبد القهار العاني، د.مساعد مسلم آل جعفر، د. طايس الجميلي، د. عبد القادر السعدي، د. محمد عياش الكبيسي.

   ولهذه المجموعة ميول سياسية متنوعة، فالبعض منهم قريبون من حركة الإخوان المسلمين، في حين يتناقض البعض مع توجهات الإخوان العراقيين المتمثل بالحزب الإسلامي العراقي.

   يؤكد البيان الصادر من هذه المجموعة على ضرورة الجهاد ضد الغزو الأمريكي، ويدعو الشعوب العربية والإسلامية والحكام العرب إلى الوقوف الى جانب العراق. ويتناول البيان الكثير من الحجج الفقهية لتبرير هذا الموقف المناقض لموقف الإخوان المسلمين العراقيين. كما أن البيان يخلو من كل إشارة الى معاناة الشعب العراقي، ومسؤولية نظام البعث الحاكم عن المآسي التي لحقت بالعراق وشعبه وبالمنطقة. وبعد إحتلال العراق ظهر من خلال الوثائق الاستخباراتية المنشورة في الصحافة الكردية أن أحد الموقعين على البيان المذكور وهو د. علي محي الدين القرداغي، كان يتردد على السفارة العراقية في قطر، وقد التقى بالسفير العراقي مرات عديدة. واعترف المذكور بزياراته للسفارة قائلاً: أن الهدف من زياراته كان صالح الشعب العراقي.

   أما الحجج الشرعية التي وردت في البيان المذكور فنقتبس منها هذه الفقرات:

(أولاُ / من كتاب الله العزيز

1- قال ربنا تبارك وتعالى : " وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين " .ووجه الدلالة بهذه الآية الكريمة أنها توجب على المسلمين قتال من يقاتلهم من الكفار ، والأمريكان جاءوا بجنودهم من وراء البحار وحشدوا قواتهم ليقاتلونا في ديارنا فواجب علينا قتالهم استجابة لأمر الله الصريح بهذا الوجوب لأنه جاء بصيغة الأمر الدالة على الوجوب من غير قرينة تصرفه عن هذا الوجوب .

2- وقال ربنا جلّ جلاله " يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة …. إلخ " وهذه الآية نزلت في حاطب بن أبي بلتعة حيث كتب إلى أناس من المشركين في مكة يخبرهم بعزم رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوهم وفتح مكة لما نقضوا العهد .. ووجه الدلالة بهذه الآية أنها تنهى عن مناصرة أعداء الإسلام ولو بإخبارهم عما يعزم عليه المسلمون ، فيكون نهي المسلمين عن مناصرتهم بما هو أخطر من مجرد الأخبار أولى بالمنع والتحريم كتقديم المعونة الفعلية المادية لهم. ولا يقال ان هذه الآية تتعلق بتلك الحادثة فقط لأن القاعدة الأصولية تقول " العبرة بعموم اللفظ وليس بخصوص السبب " .

3- وقال ربنا تعالى :" لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة … " وقد جاء في تفسير هذه الآية الكريمة : " الولي هو المحب المناصر … " وعلى هذا لا يجوز للمسلم أن ينصر الأمريكان المعتدين على إخوانهم المسلمين في العراق .

ثانياً / من السنة النبوية المطهرة

1- جاء في حديث أخرجه الإمام الجليل شيخ المحدثين البخاري يرحمه الله " … المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه … " ومعنى لا يسلمه: " أي يحميه من عدوه ولا يتركه مع من يؤذيه ولا فيما يؤذيه ، بل ينصره ويدافع عنه " فواجب على كل مسلم أن ينصر شعب العراق المسلم في محنته وفي الكارثة التي ستحلّ فيه بكل ما يستطيع من وسائل النصرة حتى يندفع شر الأمريكان المعتدين ومن يواليهم عن العراق وأهله.

2- وفي الحديث النبوي الشريف " انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً قيل :يا رسول الله ننصره مظلوما فكيف ننصره ظالماً ؟ قال تمنعه من الظلم " أو كما جاء في حديث رسول الله صلى الله عليه فعلى المسلمين واجبان " ( الأول ) منع الظالم من ظلمه بما يمنعه من الظلم بكل وسيلة ممكنة ومن ذلك عدم معاونته على ظلمه وهذا أقل أنواع منعه من الظلم (الثاني) أن يقف المسلمون بجانب المظلوم يدافعون معه ضد الظالم .

 وعلى هذا يجب على المسلمين نصرة شعب العراق المسلم في دفع عدوان الأمريكان عليه بكل وسيلة ممكنة ، والامتناع التام من نصرة الأمريكان المعتدين .

ثالثاً : من أقوال الفقهاء

1- قال فقهاؤنا يرحمهم الله تعالى : إن جهاد (الدفع ) هو قتال الكفار المعتدين إذا احتلوا بلدا ً من دار الإسلام أو عزموا على ذلك وباشروا مقدماته ، ففي هذه الحالة يجب هذا الجهاد – جهاد الدفع – على كل مسلم قادر على قتال الكفار لأن قتالهم في هذه الحالة فرض عيني قال الفقهاء فيه : " تخرج المرأة القادرة على القتال بدون إذن زوجها ، ويخرج الولد بدون إذن والديه ، ويخرج العبد بدون إذن سيده " وحيث أن الأمريكان قد عزموا على احتلال العراق المسلم وباشروا مقدماته فعلى جميع المسلمين في العراق قتالهم والاستعداد لهذا القتال ، لأن قتالهم صار فرض عين على المسلمين في العراق .

 2- وقال فقهاؤنا يرحمهم الله تعالى ، وإذا لم تحصل الكفاية بأهل البلد المسلم المحتل من قبل الكفار ، في دفعهم وإخراجهم من هذا البلد فإن الوجوب الشرعي العيني ينتقل إلى الأقربين فالأقربين من هذا البلد . وحيث أن أهل العراق لا يقدرون وحدهم على دفع عدوان الأمريكيين المعتدين ولا يقدرون على إخراجهم من العراق إذا دخلوه نظراً للقوة المادية الهائلة عند الأمريكيين المعتدين ، فإن الواجب الشرعي العيني ينتقل إلى المسلمين في البلاد المجاورة للعراق وعلى المسلمين من هذه البلاد المجاورة ان يقوموا بواجبهم الشرعي في قتال الأمريكيين المعتدين نصرة لإخوانهم في العراق ، وعلى حكام هذه البلاد المجاورة تمكينهم من ذلك. وأن يمتنعوا امتناعاً تاماً من معاونة الأمريكيين المعتدين .

 3- قال بعض الفقهاء كما جاء في تفسير القاسمي المسمى محاسن التأويل " إن مناصرة الكفار على المسلمين توجب الكفر " فليحذر المسلمون من هذه المناصرة للأمريكيين المعتدين.)

   ويطالب البيان من رجال الدين المسلمين في كل الدول العربية والإسلامية دعوة الحكام لنصرة العراق، حيث يقول:

وإننا نأمل ونرجو من إخواننا علماء الإسلام أن يقوموا بواجبهم الشرعي في هذا النازلة العظيمة التي توشك أن تقع على العراق وما سيعقبها من كوارث ومصائب ، فيقوم سادتنا العلماء بتوعية الأمة وتبصيرها بالواجب الشرعي عليها إزاء هذه الهجمة الشرسة التي تعد لها أمريكا لضرب العراق واحتلال أرضه ، وأن يتصل سادتنا العلماء بالحكام المسلمين ويذكرونهم بواجبهم الشرعي نحو العراق ونصرته باعتبارهم حكاماً وبأيديهم الأمر والنهي وأن يكون هذا التذكير بالبلاغ الواضح الصريح وهو المطلوب في كل تبليغ لشرع الله.

    والسؤال المطروح هنا: لماذا لم تكن هناك أية إشارة الى نصرة الشعب العراقي ضد نظام صدام حسين؟

   أعتقد إن الأمر لا يخلو من تصورات وحجج شرعية مبنية أساساً على قبول الحاكم في البلدان الإسلامية والإكتفاء بتقديم النصيحة له وهذا ما نلمسه في فتاوى الحنابلة المتشددين خلال التجرة التاريحية الإسلامية في الحكم.

   لقد اعتمد ابن تيمية في تحليله التاريخي لمسألة السلطة على حديث منسوب الى الرسول الأعظم يقول فيه:

    "تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها اذا شاء أن يرفعها.  ثم تكون خلافة على منهاج النبوة فتكون ما شاء الله أن تكون ، ثم يرفعها اذا شاء الله أن يرفعها. ثم تكون ملكاً عضوضا فتكون ما شاء الله أن تكون ، ثم يرفعها اذا شاء الله أن يرفعها. ثم تكون ملكاً جبريا، فتكون ما شاء الله أن تكون ، ثم يرفعها اذا شاء أن يرفعها. ثم تكون خلافة على منهاج النبوة " ثم سكت.

   وقال ابن تيمية : "إن " انتقال الأمر عن خلافة النبوة الى الملك إما ان يكون لعجز العباد عن خلافة النبوة ، أو اجتهاد سائغ ، أو مع القدرة على ذلك علماً وعملاً ، فان كان مع العجز كان ذو الملك معذوراً في ذلك... وان كان مع القدرة علما وعملا ، وقدّر أن خلافة النبوة مستحبة ليست واجبة و ان اختيار الملك جائز في شريعتنا كجوازه في غير شريعتنا ، فهذا التقدير اذا فرض أنه حق فلا إثم على الملك العادل أيضا".

    لم يذكر ابن تيمية في (السياسة الشرعية) مسألة تنصيب الامام ، لأن الخلافة الراشدة انتهت في نظره خلال السنوات الثلاثين الاولى بعد وفاة الرسول ، ولن تعود ثانية ، و أنها كانت تستند الى نصوص ولم تقم على أساس الشورى.

     إضافة الى أنه كان يعتقد ان امامة الراشدين ذاتها كانت قائمة على الغلبة و السيطرة ، إذ يقول : إن " الامام هو من يقتدى به ، وصاحب يد وسيف يطاع طوعا وكرها... و هذان الوصفان كانا كاملين في الخلفاء الراشدين". ويقول: " إن الامام الذي يطاع هو من كان له سلطان ، سواء كان عادلاً أو ظالما". 

   وقد توصل ابن تيمية من خلال ذلك التحليل الى جواز قيام الأنظمة السياسية على أساس القوة والقهر و الغلبة، و قال: ان الامامة " تثبت بموافقة أهل الشوكة عليها، و لا يصير الرجل اماما حتى يوافقه أهل الشوكة الذين يحصل بطاعتهم له مقصود الامامة، فان المقصود من الامامة انما يحصل بالقدرة و السلطان...  و أما نفس الولاية والسلطان فهو عبارة عن القدرة الحاصلة ، ثم قد تحصل على وجه يحبه الله ورسوله كسلطان الخلفاء الراشدين ، و قد تحصل على وجه فيه معصية كسلطان الظالمين".

   لقد كان ابن تيمية يعتقد ان  الامامة تقوم على أساسين هما: (القوة والأمانة) بناء على نصوص قرآنية و رد فيها ذكر القوة قبل الأمانة مثل قوله تعالى (إن خير من استأجرت القوي الأمين) وقول صاحب مصر ليوسف (ع): (انك اليوم  لدينا مكين أمين)  و قول أحمد ابن حنبل: (أما الفاجر القوي ، فقوته للمسلمين ، و فجوره على نفسه ، وأما الصالح الضعيف فصلاحه لنفسه و ضعفه على المسلمين). ومن هنا فقد جمع ابن تيمية صفات الولاية في صفتين رئيسيتين هما القوة والأمانة ، وقد اختلف في هذا عن فقهاء أهل السنة وغيرهم من الذين اشترطوا صفات عديدة في الامام أو عينوا طرقا محددة لتولي السلطة ، حيث كانت القوة عنده أهم وأكثر ضرورة ولا بد منها ، و الأمانة تابع للقدرة ، فهي حينئذ مكملة لها أو هي التي تضفي عليها المثالية ، وبتعبير آخر فان القدرة هي أساس الولاية الواقعي ، بينما الامانة هي مطلوب الولاية الشرعي.

   وإذا تركنا التصورات والححج الفقهية جانباً وعدنا الى الأولويات والطروحات السياسية لهيئة علماء المسلمين، نجد أن الهيئة ـ وعلى لسان رئيسها حارث الضاري في الندوات التلفزيونية ـ يعتبر التحرير بشكل تجريدي المهمة الأولى، دون أن يعطي الأبعاد والتصورات السياسية لمستقبل نظام الحكم في العراق. لذا نجده يقول: "نريد التحرير اولا وقبل كل شي، قبل الانتخابات وقبل تشكيل الحكومة وقبل أي شكل من أشكال السعي نحو السلطة". وأتصور بأن هذا الطرح التجريدي لمسألة التحرير من قبل الهيئة أمر مقصود. فتحت هذا الشعار يمكن إخماد الطروحات السياسية الخلافية داخل البيت الأسلامي السياسي السني الرافض للتعاون مع الأمريكان في الظاهر. كما يراعي التنوع السياسي الموجود داخل الهيئة، بوصفها تجمعاً لرجال الدين السنة واعتبارها مركزاً سنياً في مقابل الحوزة العلمية الشيعية التي دخلت المعترك السياسي العراقي بكل قوتها، رغم إدعائها بأنها لا تمارس النشاط السياسي الحزبي.

   ورغم تقاطع الهيئة المذكورة مع الحزب الإسلامي العراقي في الموقف من المشاركة في مجلس الحكم العراقي فأن الهيئة تتفق مع الحزب المذكور في الموقف من  مسألة الأنتخابات ودعوة مراجع الشيعة ومنهم السيستاني الى نقل السيادة الى العراقيين من خلال الإنتخابات.

 

مجمل المواقف السياسية لهيئة علماء المسلمين

   في الحوار الذي أجري مع د.حارث الضاري رئيس الهيئة من قبل صحيفة القدس العربي، تحدث المذكور باسم أهل السنة، المصطلح الذي استخدمه بشكل تجريدي ليجمع تحت تلك المظلة العراقيين من المذاهب السنية، دون الإلتفات الى رؤاهم ومواقفهم وانتماءاتهم السياسية والفكرية، في مقابل مصطلح الشيعة المستخدم من قبل الحوزة العلمية والأحزاب السياسية الشيعية بنفس الشاكلة، وعلى ضوء المنهج ذاته. وهذا المنحى الطائفي في طروحات الطرفين تعامل مع الخصوصيات المذهبية والطائفية والثقافية التي لها خلفية تاريخية بشكل جامد صواني، وجعل الناس تكتلات بشرية في مواجهة البعض على أساس التوارث لا على أساس التفاعل والحوار الديمقراطي بين الخيارات السياسية والفكرية الحرة للأفراد، والقابلة للتغيير والتدقيق والتطور الإجتماعي. وفي ظل تلك التقسيمات الطائفية يبرز دور رجال الدين كمتحدثين باسم جمهور الطائفة وكمنظرين وراسمين لتوجهات الناس، وكحريصيين على مصالح الطائفة ونقاوتها.

   لقد حدد د. الضاري التوجهات السياسية للهيئة و"لأهل السنة" في العراق من خلال إشارته الى أن (الشعب العراقي هو بين مؤيد لهذا الاحتلال ومستفيد منه لتحقيق رغباته الفئوية علي حساب البلد واستقلاله ومصلحته وبين من رفض الاحتلال وأعرض عن المشاركة في أي عمل من الأعمال التي تمت للاحتلال بصلة علي اعتبار أنها سلطة احتلال غير شرعية احتلت البلد بالقوة ودمرته وتريد أن تستغله لمصالحها علي المدى البعيد. لذلك عزف الكثيرون من أبناء العراق وفي مقدمتهم أهل السنة عن المشاركة بالحكم. ان إعراضهم هذا يعتبر عزوفا عن المشاركة بالحكم ومد يد العون للمحتل وليس هزيمة او تقهقرا كما يسمي ذلك البعض).

   تأخذ مسألة الحديث باسم "الطائفة السنية" والمخاوف تجاه الآخر في الطائفة الأخرى مجالاً واضحاً في ذلك اللقاء، وبالأخص في الوقت الذي كانت الحوزة العلمية الشيعية وفتاوى السيستاني تتحدث عن إجراء الأنتخابات التي توفر "حظاً أكبر للشيعة" في حكم العراق لكونهم يمثلون الأغلبية، وكأن الإنتماء الشيعي المبني على أساس التوارث هو البديل عن الخيارات السياسية والفكرية للأفراد.

ولمعرفة الأفكار الأساسية الواردة في ذلك اللقاء، أدناه بعض إجابات رئيس الهيئة على القدس العربي معه:

س /اسم الهيئة هو هيئة علماء المسلمين، فهل هي عامة لكل المسلمين؟ أم الانتساب لها يقتصر علي أبناء السنة؟

الشيخ حارث : بالتأكيد هي مفتوحة لجميع المسلمين سنة وشيعة، ولكن إلي الآن الممثلون فيها هم من السنة العرب والاكراد.

س/هل يمكن القول ان هيئة علماء المسلمين الآن تعتبر المرجعية السٌنّية في مقابل المرجعية الشيعية الموجودة في النجف؟

 الشيخ حارث: هي أُنشئت لتكون مرجعية، لكن هي تختلف من حيث التشكيل، فهي مرجعية جماعية وليست مرجعية فردية بمعني ان القرار لا ينفرد به شخص واحد وإنما يعود إلي مجلس شوري الهيئة، ثم إذا صدر القرار يكون قرارا جماعيا ومن هنا نقول إنها هيئة.

س /كيف تنظرون إلي مطلب السيستاني بتنظيم انتخابات مبكرة؟

الشيخ حارث: كما أسلفنا التحرير هو مطلبنا الأول قبل كل شيء. نحن مع الانتخابات من حيث المبدأ؛ لا شك في ذلك، ولكننا نري بانها يجب ان تتم والعراق حر ولا توجد عليه وصاية من أحد. ما جدوي الانتخابات في بلد يفتقر إلي السيادة.

س/ ما مدي صحة الرقم الذي تتداوله وسائل الإعلام حول نسبة الشيعة في العراق والتي تفوق 60%؟ (علما ان الموسوعة العلمية البريطانية في اصدارها لعام 2003 تقول ان نسبة الشيعة في العراق 53%) ؟

الشيخ حارث:  غير صحيحة، ولكني هنا أود ان استغل مناسبة الحديث لأوضح امرا مهما، قبيل الاحتلال وفي الفترة التي تلت سقوط عاصمتنا الحبيبة بغداد بيد المحتلين الامريكان واعوانهم، كنا نتجنب الخوض في هذا الحديث وظللنا نتهرب من مناقشته حفاظا علي الوحدة الوطنية، ولكن بعض وأشدد هنا علي كلمة بعض إخواننا من القيادات الشيعية اسرفوا في الحديث عن هذا الموضوع حتي وصل الأمر إلي حد لا يمكننا السكوت عليه لانه أصبح خطرا علي وحدة وتماسك أبناء شعبنا الذين عاشوا بمختلف منابتهم واديانهم بسلام علي مر العصور ولا يوجد في تاريخ العراق أي ذكر لحرب اهلية او طائفية، ونريد الحفاظ علي هذه الصفحة ناصعة البياض كما كانت دوما. نؤكد هنا ان أهل السنة في العراق ليس اقل من الشيعة ونسبتهم تزيد علي النصف.

س/ كم تقـدرون عدد أهــل السنة من العرب في العراق؟

الشيخ حارث:  بين سبعة وثمانية ملايين نسمة واهل السنة من الاكراد نحو خمسة ملايين نسمة.

   بعد صدور قانون إدارة الدولة العراقية، عبرت هيئة علماء المسلمين عن موقفها الرافض للقانون المذكور. وقبل أن نذكر حجج الهيئة حول القانون المذكور، من الضروري عرض التصور الفقهي المنشور تحت عنوان "فتوى شرعية بشأن أوضاع العراق"، بإسم (هيئة علماء الرابطة العراقية / رابطة المسلمين العراقيين في الخارج، المركز الإعلامي الإسلامي العالمي)، والذي تتبناه الحركة السلفية العراقية المجاهدة التي أشرنا إليها مسبقاً، لكون البيان المنشور بمثابة فتوى، وتشكل الأساس الفقهي للتحليلات السياسية لهيئة علماء المسلمين. وحسب تصوري أعتقد بأن مجموعة رجال الدين السنة في الخارج والذين هم جزء من الهيئة في الداخل هم المصدر الأساس للفتوى.

   أدناه مقتطفات من البيان المذكور:

(الحكم الشرعي في موقف المسلم من هؤلاء الكفرة المحتلين

أولاً : الحكم الشرعي في موقف المسلم من هؤلاء الكفرة المحتلين هو وجوب قتالهم لأن قتالهم – وقد احتلوا العراق وهو بلد مسلم – صار واجباً عينياً على كل مسلم قادر على قتالهم، وعلى هذا اتفاق علماء الإسلام، فمن أقوالهم:

 1 ـ  جاء في الشرح الكبير في فقه الحنابلة "إذا نزل الكفار ببلد تعيّن على أهله قتالهم ودفعهم" وجاء فيه أيضاً: " هو، أي قتال الكفار، فرض عين في موضعين (أحدهما) إذا التقى الزحفان – أي الجيشان- وهو حاضر. (والثاني) إذا نزل الكفار بلد المسلمين تعيّن على أهله النفير إليهم إلا أحد رجلين : من تدعوا الحاجة إلى تخلفه لحفظ الأهل أو المكان أو المال ، والآخر من يمنعه الأمير من الخروج" .

2 ـ وقال الإمام القرطبي في تفسيره "إذا تعين الجهاد بغلبة العدو على قطر من الأقطار – أي الإسلامية- وجب على جميع أهل تلك الدار أن ينفروا ويخرجوا إليه خفافاً وثقالاً ، شباناً وشيوخاً، كلاً على قدر طاقته، من كان له أب بغير أذنه، ومن لا أب له، ولا يتخلف أحدٌ يقدر على الخروج من مقاتل أو مكثرّ- أي يكثر عدد المقاتلين أن لم يقدر هو على القتال – فإن عجز أهل تلك البلدة عن القيام بعدوهم كان على من قاربهم وجاورهم أن يخرجوا على حسب ما لزم أهل تلك البلدة . ثم قال رحمه الله : ولو قارب العدو دار الإسلام ولم يدخلوها لزمهم أيضاً الخروج إليه حتى يظهر دين الله وتحمى البيضة وتحفظ الحوزة ويخزى العدو ولا خلاف في هذا."

وبعد أن قال الحنفية أن الكفار إذا دخلوا بلداً إسلامياً صار قتالهم فرض عين على أهل هذا البلد قالوا : وكذلك الغلمان الذين لم يبلغوا إذا أطاقوا القتال فلا بأس أن يخرجوا ويقاتلوا وإن كره ذلك الآباء والأمهات.)

وإذا ما تمعنا البيان واستشهاداته بالفقه المالكي والحنبلي والحنفي، نستبعد صدوره من الوهابيين فقط، بل يؤكد الطابع الجماعي لصياغته بحيث يلائم جميع مذاهب السنة.

   كما يدعو البيان الى مناصرة مجموعات "المقاومة" على أساس كون "قتال الكفرة المحتلين واجب عيني". ويقول البيان:

(رجال المقاومة المسلحة يقومون بتنفيذ هذا الواجب العيني فلا يجوز مطلقاً تنقيصهم أو ذمهم أو التجسس عليهم ومن يفعل ذلك يكن بمنزلة الكفرة المحتلين. لأن هؤلاء المقاومين مجاهدون في سبيل نصرة ألإسلام بإخراج الكفرة من بلد مسلم وقتيلهم شهيد ، وجهادهم يرهب العدو ويلقي الرعب في قلوب أفراده ، وهو الذي سيؤدي إن شاء الله تعالى لخروجهم من العراق. وعلى جميع المسلمين نصرهم وإعانتهم وتحريض القادرين على القتال بالإنضمام إليهم لأن التحريض على الجهاد جهاد قال تعالى (فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك وحرض المؤمنين … الآية) وقال تعالى (يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال) ولنا برسول الله أسوة حسنة في تحريض المؤمنين على القتال – قتال الكفرة المحتلين).

 والظاهر أن جهاد الهيئة يتلخص في هذه المرحلة بتحريض الناس على القتال ضد الإحتلال.

كما بينت هذا الفتوى الموقف من مجلس الحكم والذي يعتبر أساساً لموقف الهيئة من المجلس المذكور. وبهذا الصدد تذكر الفتوى بأن "هذا المجلس اختير أعضاؤه من قبل الكافر الذي نصب نفسه أو نصبه الكفرة المحتلون وجعلوا له الولاية على العراق وأهله المسلمين ، ومن مظاهر ولايته تعيينه أعضاء هذا المجلس ، والمسلم يرفض ولاية الكافر عليه قال تعالى " ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنيين سبيلاً " فيجب على المسلم رفض هذا التعيين في عضويه هذا المجلس". كما أن أعضاء هذا المجلس لا يحملون "معاني اسلامية ولا موازين اسلامية" ، و لا يقبلون" بمرجعية" الشريعة الإسلامية، حسب تلك الفتوى.

   لذا فإن الحكم الشرعي بالنسبة لهذا المجلس حسب هذا الفتوى هو (عدم الاشتراك في عضويته، وعلى من اشترك في عضويته من المسلمين الإنسحاب منه حالاً مع بيان أسباب الإنسحاب وهي أسباب شرعية).

  وقد عبرت هيئة علماء المسلمين في بيانها رقم 25 عن رفضها لقانون إدارة الدولة العراقية بالقول: انه يفتقر إلى الشرعية، وان الجهة التي أصدرته لا تملك هذه الشرعية لإصداره، فضلاً عن أنه عني بمصالح الأطراف التي أعلنته بعيداً عن المصالح الوطنية لكل فئات الشعب.

   وشدد البيان المذكور ملاحظاته الإنتقادية على كل الفقرات التي تضمن الديمقراطية والفيدرالية وحقوق الشعب الكردي والحريات العامة الموجودة في القانون المذكور.

   ويبدو أن موقف هيئة علماء المسلمين في كل تلك القضايا المرتبطة بمستقبل العراق، هو موقف قومي عربي شوفيني بذرائع وتبريرات دينية وفقهية.

 

رابعاً/ حزب التحرير

   حزب التحرير حزب سياسي إسلامي يدعو إلى تبني مفاهيم الإسلام وأنظمته وتثقيف الناس به والدعوة إليه والسعي جدياً لإقامة الخلافة الإسلامية معتمداً الفكر أداة رئيسية في التغيير. وقد أسسه الشيخ تقي الدين النبهاني 1326-1397هـ ، 1908-1977م وهو فلسطيني.

   ويسعى الحزب إلى استئناف الحياة الإسلامية عن طريق إقامة الدولة الإسلامية في البلدان العربية أولاً ثم الخلافة الإسلامية ، ويتم حمل الدعوة بعد ذلك إلى البلدان غير الإسلامية عن طريق الأمة المسلمة.

    وجاء في برنامج الحزب المنشور في كتيب حزب التحرير أن  (غاية حزب التحرير هي استئناف الحياة الإسلامية، وحمل الدعوة الإسلامية إلى العالم.

 وهذه الغاية تعني إعادة المسلمين إلى العيش عيشاً إسلامياً في دار إسلام، وفي مجتمع إسلامي، بحيث تكون جميع شؤون الحياة فيه مسيره وفق الأحكام الشرعية، وتكون وجهة النظر فيه هي الحلال والحرام في ظل دولة إسلامية، التي هي دولة الخلافة، والتي ينصب المسلمون فيها خليفة يبايعونه على السمع والطاعة على الحكم بكتاب الله وسنة رسوله، وعلى أن يحمل الإسلام رسالة إلى العالم بالدعوة والجهاد).

   يوقع الحزب أدبياته وبياناته الحزبية الصادرة حول الوضع في العراق تحت إسم (حزب التحرير ولآية العراق). وللحزب نفوذ في لبنان وتركيا والأردن،وبعض البلدان العربية والإسلامية الأخرى. إلاّ أن نفوذه في العراق محدود الى حد ما.

   أصدر حزب التحرير ولاية العراق خلال العام المنصرم عدة بيانات ومواقف حول الشأن العراقي. وأهم هذه المواقف البيان المنشور بعنوان "دستور كفر واستعمار... يأباه الله ورسوله والمؤمنون" الصادر في 15/3/2004، والذي يتضمن أحكام وفتاوى فقهية، إضافةً الى موقف حزب التحرير من قانون إدارة الدولة العراقية.أما النداءات والمواقف الصادرة من الحرب خلال الفترة الماضية، فهي كالتالي:

ـ حزب التحرير في العراق يستصرخ أهـل العراق،  بتاريخ 01/05/2003.

ـ القبول بدسـتور للعـراق بأمر الكافر المحـتل جـريمـة نكـراء، بتاريخ 10/07/2003.

ـ لا تقعوا أيها المسلمون في شَرَكِ مجلس الحكم الخياني في العراق، بتاريخ 19/07/2003.

ـ جريمة نكراء منكرة، ويتعلق بجريمة إغتيال السيد محمد باقر الحكيم.

ـ مجلس الحكم في العراق يعمل على تكريس الإحتلال وتقسيم العراق، بتاريخ 18/11/2003.

ـ أبها المسلمون يا أهل العراق إتقوا الفتنة، بتاريخ 6/12/2003.

وأخيراً البيان الصادر بتاريخ 15/3/2004 حول الموقف من قانون إدارة الدولة العراقية، والذي يبين جوهر موقف حزب التحرير المناوئ للديمقراطية والفيدرالية والحقوق القومية للشعب الكردي.

   يرفض حزب التحرير ويستنكر إصدار قانون إدارة الدولة العراقية، ويعتبر القانون المذكور "دستور كفر وإحتلال". ويورد الحزب المذكور الذرائع التالية:

ـ يساوى هذا الدستور بين "الإسلام والكفر" لأن المادة السابعة منه فقرة (أ) على: (الإسلام دين الدولة الرسمي، ويعد مصدراً للتشريع، ولا يجوز سن قانون خلال المرحلة الانتقالية يتعارض مع ثوابت الإسلام المجمع عليها ولا مع مبادئ الديمقراطية والحقوق الواردة في الباب الثاني من هذا القانون). لقد ساوى القانون بين الإسلام ومبادئ الديمقراطية، التي تعني حق البشر –الشعب- في التشريع, سواء وافق تشريعهم حكم الإسلام أو ناقضه.

ـ إن هذا الدستور –الجريمة- علاوة على فقدانه للشرعية، يعتبر مؤامرة سياسية من أفظع المؤامرات على العراق بخاصة، وعلى المسلمين بعامة, ويهدد العراق، والمسلمين في العراق بأخطار ثلاث، وهي: وضع العراق تحت الاستعمار من جديد، العبث بعقيدة الأمة، خطر التقسيم تحت مسمى الفدرالية.

 

خامساً/ الإتحاد الإسلامي الكردستاني

   الاتحاد الإسلامي الكردستاني حزب سياسي وهو أحد مكونات الحركة الإسلامية ، وهو الفصيل الذي يمثل جماعة الإخوان المسلمين في كردستان العراق، ولا يزال معترفا به تنظيميا من قبل الجماعة، على الرغم من الخلافات الموجودة في الوقت الحاضر بين قيادة الإخوان العالمية وقيادات الإخوان المسلمين في العراق عموماً وكردستان العراق خصوصاً. ويعتبر الأتحاد الإسلامي إمتداداً تنظيمياً للحزب الإسلامي العراقي في كردستان.

   نشط الأخوان المسلمون الكرد بعد إنتفاضة آذار 1991، وبدايات تجربة أقليم كردستان المحرر من الديكتاتورية. وأعلن عن تأسيس الاتحاد الإسلامي الكردستاني في 6 فبراير/ شباط 1994، إلا أن المشاركة السياسية لهذه الجماعة سبقت ذلك بعامين وذلك في أول انتخابات نيابية جرت في كردستان عام 1992، حيث شارك الإتحاد الى جانب الحركة الإسلامية في خوض الإنتخابات البرلمانية الكردستانية بقائمة موحدة.

   ويتكون الهيكل القيادي للحزب من المؤتمر العام، وهو أعلى سلطة في الحزب، ويعقد كل أربع سنوات لانتخاب أعضاء مجلس الشورى والأمين العام للحزب، ومجلس الشورى، والمكتب السياسي، وهو أعلى سلطة تنفيذية، ومهمته الإشراف على تنفيذ الخطط ومتابعة شؤون المكاتب والمؤسسات التابعة للحزب ويرأسه الأمين العام للحزب صلاح الدين محمد بهاء الدين عضو المجلس الانتقالي للحكم.

    ورغم أن الاتحاد أحدث نسبياً من الحركة الإسلامية، إلا أنه أكثر شعبية من الحركة وبالأخص في كسب جماهير المدن.

وعلى العكس من الحركة التي تتبنى الجهاد يشير الاتحاد الإسلامي في المادة الأولى من منهاجه إلى كون الاتحاد (حزب سياسي إصلاحي يجاهد لحل جميع القضايا السياسية والاجتماعية والثقافية من منظور إسلامي).

وهنا يحاول الاتحاد صياغة منهاجه بشكل مرن لاستمالة أكبر عدد ممكن من الإسلاميين. فمن جهة يشير إلى كونه حزباً سياسياً إصلاحياً، ذلك لكسب الإسلاميين المعتدلين، ومن جهة أخرى يشير إلى كونه (يجاهد) لحل جميع القضايا. وكلمة الجهاد المستخدمة هنا الغرض منها كسب العناصر المتطرفة الإسلامية والإشارة إلى عدم تخلي الاتحاد عن فكرة الجهاد.

وللاتحاد الإسلامي في كردستان العراق صلات وثيقة مع الإخوان المسلمين في تركيا وحركة الإخوان المسلمين في مصر.

أما شعار الاتحاد الإسلامي فيتكون من هلال يحتضن يدين متصافحتين مع جبل يغطي الثلج قمته. ويشير منهاج الاتحاد إلى أن الهلال يرمز إلى الشرق الإسلامي واليدين المتصافحتين ترمزان إلى الأخوة الإيمانية والاتحاد الإسلامي والجبل إلى أرض كردستان.

أما كلمات الشعار: الحرية، الأخوة، العدالة، فإن المقصود بالحرية، الأمنية الكبرى التي حرم الإسلاميون منها منذ نهوضهم المعاصر، والأخوة هي الأخوة بين الإسلاميين الكردستانيين وبين المؤمنين الصادقين. والعدالة مطلوبة لكل فرد وفق المنظور الإسلامي لمفهوم العدالة.

وعلى الرغم من الاختلافات الموجود بين الحركة الإسلامية التي يتمركز نفوذها بين الناس ذوي الأصول القروية، والاتحاد الإسلامي الذي يتمركز نفوذه بالأساس بين سكنة المدن، تلك الاختلافات التي سنشير إليها لاحقاً، فإن الحزبين دخلا في قائمة انتخابية موحدة في الانتخابات البرلمانية التي جرت في كردستان العراق عام 1992. أما في الانتخابات البلدية التي جرت في مناطق نفوذ الاتحاد الوطني عام 2000 فقد شارك كل من الحزبين بقائمة مستقلة.

وإضافة إلى هذين التيارين الرئيسين، فإن هناك فصائل إسلامية تظهر بين آونة وأخرى ولديها نشاطات محدودة منها حركة النهضة الإسلامية التي انشقت عن الاتحاد الإسلامي وانضمت في أواخر عام 1999 إلى الحركة الإسلامية. وكذلك حزب الله الثوري الكردي وهو حزب صغير من صنع إيران، ويرأسه أحد البارزانيين وهو أدهم البارزاني ابن أخ الشيخ محمد خالد البارزاني الشخصية الدينية العشائرية الأبرز لدى البارزانيين.

 

سادساً/ الحركة الإسلامية في كردستان العراق

   هو الاسم القديم للتيار الإسلامي المسلح بمختلف تكويناته الحالية، أسسها الشيخ عثمان عبد العزيز أحد أهم وأبرز رموز التيار الإسلامي في كردستان.

دخلت الحركة في معركة مسلحة مع الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة جلال الطالباني عام 1993، مما أدى إلى اعتقال زعيم الحركة عثمان عبد العزيز وانسحاب قواتها إلى إيران التي قامت بدور وساطة بين الطرفين عاد بموجبها مقاتلو الحركة إلى كردستان.

وفي عام 1995 شاركت الحركة الإسلامية في القتال الدائر بين الاتحاد الوطني والحزب الديمقراطي إلى جانب الأخير. وتجددت معاركها مع الاتحاد الوطني عام 1997، وانتهت مرة أخرى بوساطة إيرانية تم الاتفاق بموجبها على تعيين وزراء ووكلاء وزراء من الحركة في حكومة الاتحاد الوطني بالسليمانية مما أفقد الحركة مشاركتها في حكومة الحزب الديمقراطي في أربيل، فانحصر وجود الحركة في منطقة حلبجة بعد أن كان لها انتشار في كل كردستان.

وبعد وفاة عثمان عبد العزيز خلفه شقيقه علي في قيادة الحركة، وفي 21 أغسطس/ آب 1999 توحدت الحركة الإسلامية وحركة النهضة الإسلامية لتشكلا حركة الوحدة الإسلامية في كردستان تحت زعامة علي عبد العزيز.

وبعد قرابة عامين وتحديدا في 30 مايو/ أيار 2001 اصطدم القائد الجديد بمجموعة من شباب الحركة لأسباب تنظيمية تتعلق بانتخابات مجلس شورى الحركة، فانتهى الخلاف بانفصال هذه المجموعة تحت اسم الجماعة الإسلامية مما أضعف الحركة الإسلامية بشكل واضح وأفقدها عددا غير قليل من رموزها وكوادرها، وباتت أضعف تنظيميا وحركيا من الحركة الوليدة وهي الجماعة الإسلامية.

تشير مقدمة برنامج الحركة إلى التخلي عن حديث المنابر وإبداء المواعظ وتبني مسألة الجهاد لإنقاذ البلد من قوى الكفر والإتيان بحكم القرآن والاعتماد في برنامج الحركة على القرآن والسنة النبوية.

يعبر شعار الحركة المتكون من (القرآن، البندقية، الخنجر، راية لا إله إلا الله، محمد رسول الله) عن التوجهات الرئيسية المتجسدة في "فرض حكم الله على الأرض والاعتماد على القرآن عن طريق البندقية والخنجر".

وتشير الحركة في أكثر من مكان ومناسبة إلى مسألة الجهاد والاعتماد على القرآن والسنة النبوية، وبالاستفادة من تاريخ الإسلام والأئمة والمجاهدين المسلمين وتجارب الحركة الإسلامية في العالم في خوض النضال من أجل انتصار الإسلام على الكفر والإلحاد.

وهنا يمكن أن نتلمس الصراع الرئيسي الذي تشخصه الحركة بالصراع بين الكفر والإلحاد من جهة والإسلام من جهة أخرى، ولا يمكن حسمه إلا من خلال الجهاد وإقامة البديل الإسلامي وإقامة "حكم الله على الأرض عن طريق النضال ضد نظام الكفر المتسلط حتى إقامة حكم الإسلام والعمل من أجل إزالة آثار الكفر والاضطهاد الذي لحق بالشعب الكردي وعموم الشعب العراقي وبالشكل الذي ترتأيه الشريعة الإسلامية" (المادة الرابعة من برنامج الحركة).

وفي الجانب السياسي تؤمن الحركة بالأممية الإسلامية وكون الشعب الكردي المسلم جزءاً من الأمة الإسلامية، وتعاون الحركة ودعمها للحركات الجهادية الإسلامية في أفغانستان وفلسطين والبوسنة والجزائر وغيرها.

تشير المادة السابعة من برنامج الحركة إلى إيمانها بالنظام الإسلامي وعلى أساس الشورى وفي إطار الشريعة الإسلامية. وتحدد الحركة مسألة الشورى بانتخاب مثلي الشعب وانتخاب أمير من قبل مجلس الشورى.

وفي مجال الحريات العامة والتعبير عن الرأي تشير الفقرة الثانية من المادة الثانية إلى إيمان الحركة بحرية العمل والتعبير عن الرأي، بشرط أن لا يتعارض ذلك مع "أسس الشريعة الإسلامية".

وفي الجانب الاجتماعي يشير برنامج الحركة إلى حق الأمومة والإشراف الصحي مع إغفال حقوق المرأة بشكل واضح.

أما في المجالات الاقتصادية فإن البرنامج يفتقد الوجهة الواضحة في مجال السياسة والاقتصاد ويشير البرنامج إلى اتباع الأساليب الملائمة لإصلاح القطاع الزراعي والصناعي والتجاري. أما وجهة الإصلاح وكيفية المعالجات فهي مفقودة في البرنامج.

أما النظام الداخلي للحركة الإسلامية في كردستان العراق فقد تمت صياغته على أسس تشكيلة الدولة الحديثة. أي أن الحركة تشكل دولتها وهي خارج إطار السلطة. فهناك المرشد العام الذي يكون رئيس الدولة في حالة تسلم الحركة للسلطة، ومجلس الشورى الذي يحدد سياسة الحركة ومواقفها والمكتب السياسي الذي يمثل السلطة التنفيذية.

ويتولى المكتب التنفيذي للحركة الإشراف على المكاتب التالية:

المكتب العسكري، مكتب التنظيم، مكتب الإعلام، مكتب العلاقات الداخلية، مكتب العلاقات الخارجية، مكتب المالية، الاتصالات، القضاء، الدعوة والإرشاد، الخدمات الاجتماعية، مكتب سكرتارية القيادة.

 

الإنشقاقات داخل القوى الإسلامية الكردستانية وبروز الإتجاهات المتشددة.

   ضمت الحركة الإسلامية في كردستان العراق إتجاهات سياسية مختلفة، تأثرت بالصراعات الجارية داخل فصائل الحركة الإسلامية في البلدان العربية والإسلامية. ودخلت الحركة في معارك عسكرية خاسرة مع الإتحاد الوطني الكردستاني. واستسلم مرشد الحركة لقوات الإتحاد الوطني، ووجه نداء من خلال محطات تلفزة الأتحاد الوطني الى مسلحي الحركة لإيقاف القتال. وتوالت الخلافات واتخذت مسارات فقهية في ظل إمتلاك الحركة للمسلحين والميليشيا العسكرية. واستخدمت الدول الإقيلمية وبالأخص إيران أطراف من الحركة للتدخل في شؤون كردستان العراق والحيلولة دون تطور تجربته.

وقد ساهمت الحياة الحزبية داخل الحركة ووجود مراكز القوى والتكتلات، ونتائج إتحاد الحركة مع حركة النهضة الإسلامية وتشكيل حركة الوحدة الإسلامية، إضافةً الى العوامل السابقة، على بلورة الإنشقاقات داخل الحركة.

أما أهم الجماعات المنشقة عن الحركة الإسلامية في كردستان العراق فهي كالتالي:

1 ـ حماس: انشقت هذه المجموعة عن الحركة الإسلامية في كردستان العراق عام 1997، بسبب توقيع الحركة لإتفاقية سلام في طهران مع الإتحاد الوطني الكردستاني ومشاركتها في حكومة الإتحاد في السليمانية. وتكونت مجموعة حماس من السلفين المنحدرين من منطقة كرميان. وقد اعتبروا  الإتفاقية الموقعة مع الإتحاد الوطني مساومةً مع الكفر. وقد قاد هذه المجموعة الملا عمر بازياني الذي زار أفغانستان والتقى بجماعة طالبان وبزعيم القاعدة أسامة بن لادن.

2 ـ جماعة التوحيد الإسلامي: تشكلت هذه الجماعة بشكل سري داخل الحركة الإسلامية في كردستان العراق عام 2000. وتتكون معظم قوامها من كوادر الحركة في منطقة أربيل. وقد قامت هذه المجموعة بأعمال إرهابية داخل أربيل كرش التيزاب على الفتبات وتفحير محلات حلاقة النساء. وفي 18 شباط عام 2001 قاموا بأغتيال فرنسوا حريري. وقد قام زعيم هذه المجموعة "أبو بكر هوليري"، وأحد كوادرها المدعو "أبو قتادة" بزيارة أفغانستان والتقوا أيضاً بزعيم القاعدة أسامة بن لادن.

3 ـ جبهة التوحيد الإسلامي: وتكونت نتيجة اتفاقية الوحدة بين حماس وجماعة التوحيد، بناءً على طلب زعيم القاعدة أسامة بن لادن. وأصبح الملا أبوبكر أميراً للجماعة، والملا عمر بازياني نائباً للأمير.

4ـ القوة الثانية سوران:  وكانت القوة الأساسية في ميايشيات الحركة الإسلامية في كردستان العراق، وبأمرة المدعو " آسو هوليري"، وسمت نفسها أيضاً التكتل المركزي الإسلامي.

5ـ جند الإسلام ( أنصار الإسلام): وهي حركة إسلامية سلفية مسلحة، مارست الأرهاب والعنف تحت إسم الجهاد. وقد لعبت منظمة القاعدة دوراً رئيسياً في تشكيلها، بعد أن دعت القاعدة كل من جبهة التوحيد والقوة الثانية سوران الى الوحدة. وبعد مفاوضات جرت باشراف المدعو أبي عبدالله الشافعي كممثل لأسامة بن لادن توحدت المجموعتان  تحت إسم أنصار الإسلام أو جند الإسلام. وأصبح أبو عبدااله الشافعي أميراً للتنظيم الجديد يناءً على توصية منظمة القاعدة.

   ومن خلال الإطلاع على برنامج هذه المنظمة، نستنتج إنها منظمة تحمل مشروعاً سياسياً مبنياً على العنف وإلغاء الآخر، وقد اعلنت الحرب على العلمانية. وترتبط الحركة بمراكز خارجية تصدر الفتاوى للحركة وترسم سياسياتها. ومن الناحية الفقهية تشير هذه الحركة الى تبنيها لمنهج الإمام أحمد بن حنبل وابن الجوزي وابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب وسيد قطب. وهذا الخليط لا ينسجم مع الإرث الفقهي في كردستان، حيث أن معظم الأكراد هم على مذهب الإمام الشافعي.

   وتحولت الحركة بعد انضمام الملا كريكار الى أنصار الإسلام.

 

6 ـ الجماعة الاسلامية في كردستان/ العراق

    تعتبر هذه الجماعة امتداداً لحركة الوحدة الاسلامية  التي تأسست صيف سنة  1999 جراء اتحاد حركتين اسلاميتين هما الحركة الاسلامية في كردستان/ العراق وحركة النهضة الاسلامية. وقد نشأت الجماعة بعد فشل المؤتمر التوحيدي لحركة الوحدة الإسلامية. وأعلن عن تأسيسها في الثلاثين من ايار/ مايو سنة 2001 . وقد ذكر البيان الصادر من الجماعة الإسلامية الحالة المزرية للحركة الإسلامية الكردستانية، وورد فيه:

( منذ 11/ 8/2000 والى يومنا هذا تعاني حركتنا من ازمة عميقة ويعتريها الذبول يوما بعد يوم ويصاب اعضاؤها ومجاهدوها بالملل ويعتريهم اليأس وفقدان الثقة اكثر من ذي قبل. ولقد بذلنا محاولات صبورة بامل ان تنفرج الازمة و تزول الغمة وتعود حركتنا الى سالف مسيرتها وابدينا في هذا الصدد مرونة كبيرة وصلت الى حد أن اصبحنا عرضة لانتقاد ولوم العديد من اخواننا في حركتنا ومع ذلك فان جميع تلك المحاولات وكل هذه التنازلات التي قدمناها والمرونة التي ابديناها كانت من دون طائل والاسباب معر وفة ولانرى حاجة لسردها.

لذا وبعد ان وصلت جهودنا من اجل الصلح الى طريق مسدودة وبعد استشارة اعضاء حركة الوحدة و مجاهديها والمسلمين المتعاطفين معها والمخلصين لها خرجنا بنتيجة مفادها أننا لانملك خيارا الا الاجتماع تحت ظل جماعة مستقلة كي نتمكن من مواصلة عملنا الاسلامي و جهادنا على بصيرة و فوق ارضية الاسس الشرعية وعلى ضوء برنامج صحيح ومتقن؛ نقوم بهذا تحت قيادة جديدة وبامل اكبر وحماس اشد.)

واعتبرت الجماعة الإسلامية نفسها إستمراراً لحركة الوحدة الإسلامية، ساعيةً الى" الفوز برضاء الله تعالى والتمكين للعبودية الحقة له واقامة الدين خالصا له ولذلك نطلب منهم مساندتنا لكي نجتمع كلنا تحت راية الاسلام الخفاقة وكلمته الفصل (لا اله الا الله محمد رسول الله) شارعين بعونه تعالى بتربية انفسنا ومجتمعنا تربية اسلامية مستمدة من عقيدة سليمة صحيحة ترشدهم الى عبودية مستقيمة واخلاق عالية، اخذين في هذا بكل وسيلة شرعية مناسبة ومتاحة لتغيير واصلاح مجتمعنا و اقامة شريعة الباري تعالى في مجمل حياة ذلك المجتمع".

 

هل هناك مواقف موحدة ومتطابقة لدى قوى الإسلام السياسي السني في كردستان والعراق عموماً

  

    لا تملك الحركات والقوى الإسلامية مواقف متطابقة في الكثير من القضايا المصيرية التي تخص مستقبل العراق. وتحاول كل جماعة البحث عن المسوغ الفقهي والعودة الى النصوص الدينية، وآراء الفقهاء الذين تتعامل أطراف عديدة من هذه القوى مع إجتهاداتهم الفقهية ، وكأنها بمثابة نصوص مقدسة خارج إطار التاريخ والمجتمع الإنساني. وعلى الرغم من أن جميع هذه الحركات تتحدث عن المشروع الإسلامي المستند الى الكتاب والسنة، فأن المشاريع المطروحة من تلك القوى تتعارض وتتنافر الى حد تكفير الآخر من قبل البعض. ومن هنا بمكن الحديث عن عدة مشاريع إسلامية حزبية تعكس تعامل تلك الأطراف مع الأيديولوجية الدينية.

   وبالملموس تتعارض أطراف القوى الإسلامية السنية فيما بينها في مواقف عديدة، ومنها الموقف من كيفية التعامل مع الإحتلال وأشكال المقاومة، والمشاركة في مجلس الحكم، والموقف من الديمقراطية والفيدرالية، والمشاركة والتعامل مع القوى العلمانية، وكذلك الموقف من الطائفة الإسلامية الأخرى، وتيارات الإسلام السياسي الشيعي. وقد أشرنا إلى النقاط الجوهرية المتعلقة بهذه الخلافات البرنامجية والمسوغات الفقهية لكل طرف في عرضنا وتحليلنا لبرامج وسياسات تلك القوى.

   وفيما يخص القوى الإسلامية الكردستانية، يمكن ملاحظة هذا التنوع في أطروحاتها وممارساتها. فعلى سبيل المثال لا تمتلك تلك القوى موقفاً موحداً أو واضحاً من الديمقراطية ويميل أكثر المواقف إلى الجانب السلبي رغم التباين النسبي في المواقف إزاء هذه الموضوعة، ويبقى هذا التباين شكلياً في بعض الأحيان.

   يميل الفكر السياسي للحركة الإسلامية في كردستان العراق والجماعات المنشقة عنها، إلى إقامة دكتاتورية دينية تعتمد على أساس فكرة المستبد العادل كتصور لنظام الحكم. وقد نشرت الحركة الإسلامية العديد من الكتب والكراسات التي تتناول وجهة نظر الإسلام حول الديمقراطية على أساس اعتبارها (أي الديمقراطية) شكلاً من أشكال عدم الإيمان بالخالق كما يذكر علي بابير أحد قياديي الحركةسابقاً وأمير الجماعة الإسلامية حالياً، في كتابه "حل القضية الكردية بين الإيمان والبرلمان".

فالكاتب يؤكد عدم صلاحية وقدرة الإنسان على رسم منهاج حياته مهما بلغ من العلم والمعارف (ص36-37 من الكتاب المذكور).

ويعيد بابير ما كتبه سائر منظري الإسلام السياسي في مصر والسعودية وغيرها حول تحريم الديمقراطية على أساس:

1 - الديمقراطية تعني عدم الإيمان بالخالق.

2 - الديمقراطية بديل للدين وقرارات البرلمان المنتخب ديمقراطياً لها صفة الإلزام وتكون بديلة عن الشرع الإسلامي.

3 - إلزامية قرار البرلمان تعني تحويل البرلمان إلى صنم وعبادته من خلال تنفيذ تلك القرارات بديلاً عن الخالق.

4 - يذكر الكاتب بعض الآيات القرآنية حول تحريم الديمقراطية. ويبدو أنه يستخدم هذه الآيات في غير محلها ولأسباب سياسية الغرض منها تحريم الديمقراطية دون مراعاة أسس تأويل النص الديني والارتباط بأسباب النزول.

ويعيد السيد كاكه محمود عضو المكتب السياسي للحركة في كراسته حول الإسلاميين والبرلمان والوزارة، فكرة كون الحكم المطلق لله وحده وفي حالة عدم تطابق القوانين الوضعية مع الشريعة الإسلامية، فإن المشرعين يعتبرون كفرة ويهدر دمهم ومالهم (ص12 من الكراسة).

ويذكر في مجال آخر، أن الديمقراطية تعني عدم قبول الإسلام كبرنامج وكقانون للبلاد ولهذا السبب فإن الإرادة الإلهية حاقدة على كردستان وأقحمت البلاد في اقتتال دموي. وإن الديمقراطية هي التي سببت مشاكل كردستان.

تطرح الحركة الإسلامية مفهوم الشورى بديلاً عن الديمقراطية، علماً أن الشورى حسب فهم الكثيرين من الإسلاميين غير ملزمة وهي حق لأهل الحل والعقد فقط وليس للعامة.

ورغم العداء الكبير الذي تبديه الحركة الإسلامية للديمقراطية، فإن الحركة شاركت في الانتخابات البرلمانية التي جرت في عام 1992.

ويبرر علي بابير أحد قادة الحركة الإسلامية مشاركة الحركة في الانتخابات البرلمانية كما يلي:

ـ إن مشاركة المسلمين في البرلمان حرام، وبالأخص في حالة الإيمان بشرعية البرلمان.

ـ رغم هذا التحريم، من الجائز أحياناً المشاركة على أساس القاعدة الفقهية (الضرورات تبيح المحظورات). ويورد أحمد كاكه محمود مثالاً حول مفهوم الضرورات تبيح المحظورات قائلاً: إن شرب الخمر حرام، ولكن في حالة تعثر لقمة أكل في بلعوم أحدهم، من الجائز الاستعانة بالخمر في حالة عدم توفر الماء.

ـ المشاركة في البرلمان وسيلة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والسعي من أجل استلام السلطة.

والخلاصة إن القاعدة العامة هي تكفير الديمقراطية وعدم جواز المشاركة في البرلمان والاستثناء هو المشاركة. وحتى في حالة تواجد الإسلاميين في البرلمان فإنهم سوف لا يلتزمون بالقوانين والتشريعات التي تتناقض مع الشريعة الإسلامية.

ويعود السبب الأساسي في ذلك إلى أن القضية الأساسية عند الإسلاميين هي صراع الكفر والإلحاد من جهة والإيمان من جهة أخرى. وهذه القضية الأساسية هي التي تشكل أساساً موقف الإسلاميين من الديمقراطية. أما الاتحاد الإسلامي في كردستان العراق فيتعامل بصورة أكثر مرونة مع صيغة الديمقراطية على الرغم من عدم الإيمان بها في الجوهر.

فالاتحاد الإسلامي يشير في منهاجه إلى حق الشعب في اتخاذ السلطة السياسية بطريقة ديمقراطية دون الإشارة إلى السلطة التشريعية.

ويشير الاتحاد إلى حرية الاعتقاد في الإسلام التي تقتضي التعددية السياسية والفكرية ويورد الاتحاد شرطاً على ذلك وهو (إطار القيم العليا).

ومن خلال متابعة منهاج الاتحاد وخطابه السياسي يمكن ملاحظة عدم تعامل الاتحاد بشكل حساس مع مصطلح الديمقراطية، في حين أن الحركة الإسلامية لا تستخدم هذا المصطلح أساساً.

ولكن الاتحاد ومن جانب آخر لديه فهمه الخاص للديمقراطية التي تعني الشورى، فمنهاج الاتحاد يشير إلى "أن الشورى تحقق العدل في الحكم وتضمن الحريات العامة".

   أما حول الاشتراك في الحكومات التي لا تقاد من قبل الإسلاميين، فإن الحركة والمجموعات المنشقة عنها لا تجيز ذلك بالمطلق وتسمح بها أحياناً استناداً إلى سورة يوسف "قال اجعلني على خزائن الأرض، إني حفيظ عليم"، أي أن يوسف طلب أن يكون مسؤولاً للاقتصاد والمالية رغم كون الحكم للفراعنة.

   ثمة مجال آخر يشكل قاسماً مشتركاً للتيارات والقوى الإسلامية، وهو مجال حقوق المرأة. ففي كردستان تولي التيارات الإسلامية اهتماماً خاصاً بقضية المرأة، من أجل مناهضة الدعوات التي تطالب بحريتها ومساواتها بالحقوق مع الرجل. فمعظم الكراريس والكتب المنشورة في مصر والسعودية حول موقف الإسلاميين من قضية حقوق المرأة، تتواجد في كردستان وتعيد الحركة الإسلامية والاتحاد الإسلامي طبع البعض منها ومعظمها دعوات لمكوث المرأة في البيت وارتداء الحجاب، والدفاع عن تعدد الزوجات وإبعاد المرأة عن المشاركة في السياسة والحياة العامة، إضافة إلى البرامج التلفزيونية والإذاعية وبث الكاسيتات حول فتاوى بعض شيوخ الأزهر وشيوخ السعودية.

   وتشكل الأوضاع المأساوية التي مرت بالعراق في ظل الديكتاتورية عاملاً سلبياً في تأخر الحركة النسوية وتوفير الأرضية المناسبة لتنامي طروحات التيارات الدينية المتعلقة بالحجاب ومشاركة المرأة في الحياة العامة. وانعكست صراعات القوى الدينية في مسألة إصدار القرار 137 الخاص بإلغاء قانون الأخوال الشخصية العراقي. كما تجاوزت الصراعات في هذا المجال الجانب الديني العام، لتدخل مجال التوازنات المذهبية والطائفية المنعكسة في تشريع القانون المذكور، مما وفر الأرضية المناسبة لوقوف قوى إسلامية سنية إلى جانب بقاء قانون الأحوال الشخصية، ووقوف قوى إسلامية شيعية إلى جانب إلغائه.

    يمكن القول أن القوى الديمقراطية واليسارية والعلمانية في كردستان وعموم العراق، بصدد التعامل في الواقع مع عدة مشاريع إسلامية متناقضة ومستندة في الوقت ذاته على الإيديولوجية الدينية، مستغلة العقيدة الدينية الإسلامية لدى جمهور المتدينين بغية التأثير عليهم وتسيسهم وفق تلك المشاريع. وفي نفس الوقت يجب أن ندرك بأن ثمة ماهو مشترك بين تلك القوى الإسلامية.

   من جهة أخرى تحاول تلك الجهات جاهدةً  إحتكار كل المعارف المتعلقة بالفلسفة والحضارة العربية الإسلامية من منطلق القيّم عليها، مستغلةً الإتجاهات العدمية لدى بعض العلمانيين واليساريين أفراداً ومجموعات في موقفها من التراث والفلسفة وقيم الحضارة العربية الإسلامية.

   إن الإشكالية الموجودة لدى تلك القوى والشخصيات العلمانية إشكالية منهجية، مفادها الإنسياق الى منهجية الإسلاميين في تعاملهم المطلق مع العقيدة الدينية والفكر الديني. ومن شأن هذا المنهج قبول الفكر الديني على إطلاقه من قبل الإسلاميين بسبب مصدره الإطلاقي، ورفض كل معطيات هذا الفكر من جانب العلمانيين، بسبب ذلك المصدر الإطلاقي.

   وبامكان الديمقراطيين واليساريين والعلمانيين تجاوز هذه الإشكالية إذا ما جرى فهم العلاقة الجدلية بين الفكر والواقع، وتطبيقاتها فيما يخص الفكر الإسلامي. إن التعامل مع الفكر الديني كفكر  ونتاج بشري، يقطع صلة هذا الفكر من الناحية المعرفية بالسماء، ويكشف العلاقة الطبيعة بين هذا الفكر والواقع والجهد البشري الذي أنتجه. أن مثل هذه المنهجية تساعدنا كثيراً على التعامل المرن مع جمهور المتدينين، ومنتسبي الأحزاب الدينية، وإيجاد السبل الكفيلة للتفاعل والتأثير الإيجابي لعملية التغيير الإجتماعي. وبالتالي سيكون الديمقراطيون اليساريون العلمانيون مستلهمين حقيقيين لتراثهم ، وحاملين كل ما هو نير وإيجابي ومتطور في الحضارة والتاريخ والفلسفة والتجربة التاريخية للشعوب العربية الإسلامية. إن هذه المنهجية يجب أن تنعكس في السلوك اليومي عير التواصل فيما بين القوى الديمقراطية واليسارية، ومن خلال العلاقة اليومية بالجماهير ومطاليها اليومية.

    وضمن مفردات هذه المنهجية وتطبيقاتها، يجب أن نتوقع أيضاً وجود خلافات للقوى اليسارية والديمقراطية مع القوى والتيارات الإسلامية قد تصل إلى التقاطع مع الجهات التي تتبنى وجهات نظر ظلامية وتسعى إلى تهميش القوى الديمقراطية واليسارية.

   إن علينا أن ننظر إلى هذه القضية من وجهة نظر نضالية وصراعية، فمن مهمات القوى الديمقراطية واليسارية ترسيخ الديمقراطية والدفاع عن حرية الرأي والاعتقاد والحريات العامة السياسية وقضية المرأة. وقضية الديمقراطية لا يمكن تجزئتها. كما علينا أن نسعى في الوقت نفسه إلى عرض الخلافات مع القوى الإسلامية ضمن الأطر الديمقراطية وعبر ترسيخ ثقافة الحوار واحترام الرأي الآخر وهي مهمة صعبة بسبب طبيعة بعض القوى الإسلامية وبسبب تعقيدات الوضع في كردستان وعموم العراق والتأثيرات والتدخلات الإقليمية.

  ولا نملك طريقاً آخر غير طريق الدفاع عن الديمقراطية باعتبارها قضية متكاملة والدفاع عن حرية الاعتقاد والفكر والرأي والتعبير عنها دون اشتراطات مع التثقيف بأهمية مؤسسات المجتمع المدني وترسيخ ثقافة حقوق الإنسان وخوض صراع فكري هادف مع القوى الإسلامية عبر الرد على الكراسات والكتب المتداولة حول تشويه الديمقراطية ومعاداة الشيوعية والحط من منزلة المرأة. والاستفادة من الشخصيات الإسلامية المتنورة والبحث عن تحالفات ميدانية في هذا المجال. إضافة إلى ضرورة دراسة فكر التيار الإسلامي والاهتمام بالبحوث في هذا الجانب.

   وعلينا أن نؤكد دوماً بأننا نتعامل مع التيارات والقوى الإسلامية بصفتها أحزاب وقوى سياسية وهي ليست ممثلة لله كما تدعي. كما أن الفكر الإسلامي ليس حكراً على الإسلاميين فقط، فالجوانب المشرقة والمتنورة التي تنشر العدالة وتنحاز إلى المستضعفين في الأرض في الفكر الإسلامي والفلسفة الإسلامية، هي ملك للبشرية جمعاء، وجزء من التراث الإنساني الذي يشكل مصدراً لفكرنا وبرامجنا من أجل الديمقراطية والتغيير الإجتماعي.

 

 

هادي محمود

كاتب سياسي

عضو هيئة تحرير مجلة ( الثقافة الجديدة ) العراقية

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...