اليونيسيف تنشر دراسة حول تأثير الإعلام على الأسرة السورية

15-01-2007

اليونيسيف تنشر دراسة حول تأثير الإعلام على الأسرة السورية

جزء كبير من حنيننا لطفولتنا البعيدة يعود لتعلقنا بشخصيات كرتونية وبرامج ارتبطت بتلك الأيام، تنتابنا الرغبة بين حين وآخر لاستعادة مشاهد منها تلامس فينا ذاك الحنين، وتجعلنا نشعر كم كنا محظوظين بالمسلسلات والبرامج التي تابعناها والتي حملت طابعاً إنسانياً وقيماً نبيلة وقصصاً قريبة من الواقع، في حين يضطر أطفالنا وعائلاتنا اليوم لمشاهدة نماذج غريبة من البرامج المحملة بقيم غربية ومظاهر عنف وأشخاص قادمين من كواكب أخرى بمواصفات عجائبية تحت مسميات الخيال العلمي.. كل ذلك وسط حالة من عدم رضا الأهل والتسليم بالأمر الواقع لسيطرة التلفزيون وتراجع دور الأسرة، واعترافهم  بالعجز عن ضبط إيقاع مشاهدة أطفالهم لبرامج التلفزيون، وعدم وجود بدائل أفضل.
واقع يثير مخاوف الأهل حول القيم التي يتعلمها الجيل الجديد والدور الذي يلعبه التلفزيون في التنشئة الاجتماعية كشريك أساسي ومؤثر للأسرة والمؤسسة التربوية.
دراسة أجرتها مؤخراً مديرية الإعلام التنموي في وزارة الإعلام بالتعاون مع اليونيسف حول تأثير الإعلام التلفزيوني والإذاعي في عملية التنشئة الاجتماعية في المجتمع السوري، حملت الكثير من المؤشرات التي يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار عند إعداد البرامج الموجهة للأسرة واختيار الموضوعات التي تهم الأسرة، حيث أظهرت الدراسة انه لا توجد برامج مشتركة تحظى بمتابعة جميع أفراد الأسرة مما يدل على انه ليس هناك ما يسمى بـ (برامج الأسرة)، وان الغالبية العظمى من الأهل لا يشجعون أبناءهم على متابعة برامج التلفزيون، لأنهم يعتقدون انها لا تقدم مضامين تربوية هامة، ولا يثقون بوسائل الإعلام، فهي تؤثر بصورة سلبية على الأطفال ويخافون من أن يبدأ أولادهم بتقليد النماذج التي تعرض في هذه البرامج، ورغم أن الغالبية العظمى من الأهل كانوا مقتنعين بالدور الذي أصبحت تأخذه وسائل الإعلام كشريك في عملية التنشئة الاجتماعية، إلا انهم وجدوا أن وسائل الإعلام المحلية لا تلعب هذا الدور، وانها تعاني من ضعف في المضمون وتقدم أفكاراً نظرية لا تنطبق على الواقع وتعالج المشاكل التربوية بسطحية، لذلك فهي لا تحظى بالثقة أو المتابعة.
الدراسة التي أجريت على 1000 أسرة مؤلفة من 4 أشخاص، الأب والأم إضافة لولدين، من الشريحة العمرية (6- 15) سنة، حاولت أن ترصد بالأرقام تأثير البرامج التلفزيونية على الأطفال والأهل في الوقت ذاته، وتقييم الأهل لما يقدمه التلفزيون، فتبين ان الآباء يتابعون التلفزيون بنسبة 66٪ أكثر من الأمهات 53٪، والفتيات 57٪ أكثر من الصبيان 47٪، ولاحظت الدراسة وجود فجوة في العلاقة بين الأم ووسائل الإعلام، و12٪ فقط يتابعن هذه البرامج بشكل منتظم، في حين ان النمط الغالب للمتابعة هي المتابعة المتقطعة حتى بالنسبة للأطفال بمختلف شرائحهم العمرية.
وحول الفترة المفضلة لمتابعة التلفزيون، كانت فترة السهرة هي المفضلة بالنسبة للآباء 76٪ والأمهات 68٪، بينما يفضل الأبناء فترة المساء، وهذا يشير إلى غياب الأب عن الفترات التي يتابع فيها الأبناء التلفزيون، وانه لا توجد هناك فترات مشتركة للمتابعة، ورغم ان الأم تشترك مع أبنائها بين 9 - 16 عاماً في المتابعة أثناء الفترة المسائية، لكن متابعتها المتقطعة تظهر أن تواجدها مع أبنائها ليس له فاعلية كبيرة.

- تبيّن ان الآباء يفضلون متابعة البرامج الاخبارية بنسبة 58.5٪، ويتابع 53.8٪ البرامج الثقافية، أما غالبية الأمهات فيفضلن متابعة المسلسلات 78.6٪، تليها البرامج الصحية والأغاني بنسبة 69٪.
أما الأبناء من (6- 9) سنوات اقتصرت متابعتهم على برامج الأطفال، في حين ارتفعت متابعة الأطفال بين (9 - 12) سنة لبرامج الرياضة 47٪ إلى جانب برامج الأطفال التي اعتادوا متابعتها.
أما الأطفـــــال بين (12 - 16) ســنة تتنوع البرامج التي يتابعونها، فتأتي الرياضة أولاً 76٪، تليها الأغاني 66٪، ثم المسابقات 60.9٪، ثم الأفلام الأجنبـيــة 52٪، ويـلاحظ هنا ان البـــــرامج التعـــــليمية لا تحظى بمتابعة أحد من أفراد العائلة، ولا توجد برامج تحظى بمتابعة جميع أفراد الأسرة، فالعمر يؤثر على الأطفال والبرامج التي يفضلون متابعتها فيزداد تعلق الطفل ببرامج الإذاعة والتلفـــــــزيون في مرحلة المراهقـــة ، وتكون متابعته متنوعة.

- ما تظهره الدراسة أن الأم تتولى هذه المهمة بالنسبة للأطفال بين (6- 9) سنوات بنسبة 67٪، والأب للمرحلة العمرية (12 - 16) سنة بنسبة 43٪، في حين يغيب النظام التربوي (المدرس أو الموجه التربوي) في توجيه الأطفال وتنظيم علاقتهم مع وسائل الإعلام، بل ان 69٪ من الأطفال بين (6 - 9) سنوات يتابعون البرامج أثناء تأدية واجباتهم المدرسية، بينما الشرائح من (12 - 16) تعطي الأولوية لمتابعة البرامج قبل البدء بتأدية الواجبات المدرسية، مما يدل على تأثيرها الكبير عليهم.
- يظهر التأثير الكبير لوسائل الإعلام إلى درجة انه يضعف دور الأسرة في مرحلة المراهقة، حيث يختار المراهق بمفرده المحطات والبرامج التي يرغب بمتابعتها، وهي نقطة سلبية بسبب حساسية هذه المرحلة في تكوين شخصية الفرد، ويعترف الأهل بعجزهم في هذه المرحلة عن تحديد المحطات والبرامج التي يتابعها أبناؤهم بنسبة 65٪، وهذا الاعتراف يدل على التأثير الذي تمارسه وسائل الإعلام المرئية والمسموعة على الأبناء، ويميل الأهل إلى منع أولادهم من متابعة برامج التلفزيون، حيث بلغت النسبة 59٪ للأطفال بين (6 - 9) سنوات، و65٪ للأطفال بين (9 - 12) سنة، وأهم الأسباب التي تدفع الأهل لذلك هو تقليد الأبناء لما يرونه في التلفزيون، حيث يميل الطفل إلى اتخاذ نماذج وتبنّي تصرفات وأفعال الآخرين، فقد بدأ التلفزيون يصدر للأطفال شخصيات كرتونية يقتدي بها، حيث لم يعد يتخذ من أحد أبويه أو مدرسيه هذا النموذج، بل يميل إلى تقليد ما يراه في وسائل الإعلام وهي في الغالب تتعارض مع قيمنا وتقاليدنا، كما ان خوف الأهل على التحصيل الدراسي لأبنائهم يجعلهم يمنعون أبناءهم من مشاهدة البرامج إلا بعد إنهاء دروسهم بنسبة 71٪، و69٪ من أجل النوم في وقت مبكر.
أما البرامج التي تثير قلق الأهل ويتشددون في منع أطفالهم من متابعتها، فتأتي الأفلام الأجنبية في المرتبة الأولى 71٪، ثم الأفلام العربية 65٪، وقد أظهرت الدراسة ان برامج التلفزيون لا تحظى برضا واهتمام الأهل من حيث موضوعاتها وطريقة معالجتها، فهم يرون انها لا تطرح قضايا تربوية جدية، ويرى 62٪ من الأهل المستطلع ان البرامج الأسرية التي تقدمها وسائل الإعلام في مجملها نظرية ولا تنطبق على الواقع، فهي تقدم حالات وتجارب مثالية تقدم نصائح وإرشادات من منظور ما يجب أن يكون عليه الأمر، ولا تقدم صورة حقيقية للمشاكل والصعوبات التي يواجهها الأهل في تربيتهم لأبنائهم والتعامل مع هذه القضايا بسطحية.

- أبدت العينة ثقة ضعيفة بوسائل الإعلام، المرئية والمسموعة، فقد كانت هناك نسبة محايدة وصلت 43٪، بينما 29٪ يثقون بوسائل الإعلام، يقابلها 38٪ يتعاملون مع المضمون الذي تقدمه بنظرة يشوبها الشك، والعلاقة التي تشوبها عدم الثقة لا يمكن التعويل عليها في تكوين هوية ثقافية تربوية.
وجواباً على سؤال الدراسة الأساسي: هل وسائل الإعلام شريك في عملية التنشئة الاجتماعية..؟.
رأى 76٪ من الأهل انها أصبحت شريكاً في عملية التنشئة، بينما وجد 24٪ بأنها لا تعتبر شريكاً.
فما الذي يمنع وسائل الإعلام من أن تقوم بدورها المفترض في التنشئة الاجتماعية..؟.
أسباب كثيرة وجدها الأهل تقف حائلاً دون ذلك يأتي في مقدمتها انه لا توجد كوادر مؤهلة تمتلكها وسائل الإعلام لتشرف على عملية التنشئة بنسبة 73٪، إضافة إلى قناعة سائدة لدى 24٪ من الأهل بأن الوظيفة الأساسية لوسائل الإعلام هي الترفيه، ويرى 39٪ ان غرض البرامج التلفزيونية تجاري يهدف للربح ولا يمكن أن يحمل أي دور تربوي، بينما يعولون على مساعدة أهل الزوج أو الزوجة في تنشئة أبنائهم 81٪ وجاء الإعلام بالمرتبة الثانية 74٪، والأطباء في المرتبة الثالثة 67٪.
وتوصي الدراسة بإعادة بناء جسور الثقة مع الأهل عن طريق تقديم برامج تقترب من الجمهور وتنطلق من الواقع الحياتي وتعالج مشكلات المجتمع بعمق وجدية، ويمكن للدراما أن تلعب دوراً مهماً في بناء الثقة بوسائل الإعلام وطرح الأفكار الحديثة وتغيير بعض السلوكيات والمفاهيم.
كما تنصح الدراسة بالابتعاد عن تقديم برامج الأطفال الأجنبية المدبلجة للغة العربية، وإخضاعها لرقابة تهتم بدراسة المضمون والقيم التي تنقلها، والعمل على إنتاج شخصيات كرتونية عربية كبديل عنها، وتوصي بمشاركة الأطفال في تقديم برامجهم والاهتمام بمسارح الأطفال والأنشطة المدرسية، وضرورة التنسيق بين المدرسة والقائمين على وسائل الإعلام لتقديم برامج تكمل الدور التربوي والتعليمي الذي تقوم به المدرسة.

سهام طالب

المصدر: البعث

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...