الدر المنثور لنائب الشعب المقهور في التلفزيون المسحور

02-05-2006

الدر المنثور لنائب الشعب المقهور في التلفزيون المسحور


الذي تابع برنامج نوافذ صباح يوم أمس الاثنين على شاشة تلفزنوننا الأشم، احتار كيف يلملم الدرر التي هرّت وتهرهرت من فم ضيف البرنامج النائب في مجلس الشعب، ولن تذكر اسمه لأنه بغنى عن التعريف، ولأنه عينة من مجلسنا الموقور الجانب، فقد أبدع في تحليلاته السياسية المعمقة، التي أفادت مشاهد الفضائية في أرجاء العالم، وأنارت عقله ونورت بصيرته، ونام قرير العين على مستقبل أمة لن تضيع عقلها مادام هذا النائب محللها الرؤيوي.
 بدأ النائب حديثه من تمنين الشعب الفلسطيني بحملة التبرعات، ولم ينته بتمنين لبنان بالتضحيات الجسام، وكأنه هو بالذات من سفك دمه وطلعت روحه هناك، فكان يقول نحن الذين قدمنا التضحيات الجسام، وينشف ريقه ... ونحن الذين قدمنا دمنا، ونحن الذين لبسنا البحر مايوه وركبناه بالشختورة....
 أما الاتصالات فجاءت زائدة ومزايدة من زميلة نائبة، ذكرته أنهما كانا معاً في جمع التبرعات بالنبلاء أمس، إلى سوري مقيم في السعودية رأى أنه حين كان التلفزيون السوري يغطي حملة التبرعات، كان التلفزيون الفلسطيني يبث أخبار عن هبوط حاد في شعبية حماس، وكأنه "شمتان"!! لذا رجع الى مشاهدة التلفزيون السوري. وهكذا توالت الاتصالات التي استلهمت خطابها من خطابة الضيف، فأسدت إليه التحية مع كمشة أسئلة رغبة في الاستزادة من آرائه الحكيمة في السياسات اللئيمة، فسئل عن رأيه بتصريحات زهير الصديق ومواقف جنبلاط المتقلبة كل يوم وجماعة 14 آذار التي انقلبت على نفسها؟
أجاب النائب وأفاض من علمه الوقاد، وحلل وشرح بهدوء يحسد عليه، حيث عرّف هذا الصّديق  بكلمة واحدة - لأنه كلما اتسع المعنى ضاقت العبارة - والكلمة الفلتة هي "اللارجل"، ورأى أن ربط المتصل بين «الجنبلاط والصديق شيء مهم جداً وحقيقي وصحيح، وهذا الجنبلاط  فقاعة هواء في سماء لبنان». أما جوابه على: لماذا انقلبت جماعة 14 آذار على نفسها؟ فذلك لأن عون عندما عاد من باريس، وكان ما يزال على درج الطائرة، قال لهم «سأفتح ملفات الفساد وهي ستطال كل المجتمعين تحت 14 آذار»!!
على ما يبدو أن حضرة النائب لا يعلم أن عون كان من ضمن جماعة 14 آذار قبل أن يتفق مع حسن نصر الله زعيم حزب الله.
طبعاً كل تلك التصريحات ومحور الحلقة ما زال عن «حملة التبرعات للشعب الفلسطيني»، التي لم تذهب بركتها بعد.
المذيعة السورية، التي بدأت البرنامج مبتسمة متألقة، راح وجهها يكفهر وبدأت شموسها تأفل، وهي تشحط ضيفها والمتصلين الى الموضوع الفلسطيني، وليتها لم تفعل، لأنها كشفت ما أخفاه صمت التلفزيون السوري طيلة عمره من جهل الناطقين باسم الشعب. المهم، سألت ضيفها سؤالاً غايته طمأنة المتبرعين إلى أن تبرعاتهم ستصل إلى أصحابها.. والسؤال كيف سيتم إيصال التبرعات في ظل الحصار الأمريكي لحكومة حماس؟ فتنبأ النائب أنه لا بد أن يكون عن طريق الجامعة العربية. وقد فاته أن الجامعة العربية متفركشة بخيالها من هذا الموضوع؛ فالتبرعات التي قدمتها دولتان عربيتان متجمدتان لدى الجامعة بانتظار حل، لأنه لا يمكن التحويل بالدولار إلى الفلسطينيين، نتيجة الحصار الأمريكي ـ الإسرائيلي. وجاءت النجدة بالسؤال التالي عن سبب تأجيل الحوار، فسارع للإجابة قبل إتمام السؤال، ظناً منه أن المقصود هو الحوار اللبناني كونه ضليعاً بهذا الموضوع، فصوبت له المذيعة، وقالت بأن المقصود هو الحوار الفلسطيني، ما أصمته برهة، ليستدرك متابعاً فضح قلة متابعته ودرايته، التي لم تحد من ثقة العليم ببواطن الأمور القابع في عقله الباطن، وقال:«أنا لن أتكلم عن التأجيل والتعجيل. الأمور واضحة كيف يتم التآمر على الشعب الفلسطيني»، ومع ورود ذكر المؤامرة، انطلقت الخطابة، وظن نفسه تحت قبة البرلمان، يشاهده السيد محمود الأبرش فراح يجود: «إنها مؤامرة على ديموقراطية الشعب الفلسطيني، مؤامرة على استفتاء الشعب الفلسطيني، مؤامرة على انتخابات الشعب... إنه التواطؤ الأمريكي الصهيوني الأوروبي..».
المذيعة المسكينة حاولت إسكاته بتدخل أي كلام، وحين وصل الموضوع إلى العراق بدأ يجود بالدر الثمين، خاصة لدى ذكر أنباء انسحاب القوات الدانماركية والألمانية من العراق وتراجع شعبية بوش ومطالبة الشعب الأمريكي بالانسحاب من العراق، هنا قال النائب النافذ البصيرة:
«أنا أقول إن أوروبا من زمان كانت مجبرة، لأن كان فيه..». تلخبطت الأفكار وبدأ يبحث عن كلمة مناسبة وسرعان ما وجدها.. «كان فيه عقد إذعان»، ـ هذه هي الكلمة التي يبحث عنها ـ كررها «عقد إذعان»، كررها ثانية وسأل المذيعة هل سمعت بـ «عقد إذعان كان فيه عقد إذعان وإلا هنن ـ ويقصد الأوروبيين ـ ليسوا بهذا الوارد خاصة جماعة الدنمارك.. هدول بيفهموا بالرقص وبالأكل وبالأشياء الناعمة وما بيفهموا بإرسال قوات بيكونوا باعتين شي 100 واحد».!!
وبالطريق، وبمعرض الحديث عن «التبرعات للشعب الفلسطيني» أيضاً رشق كم درة مكنونة باتجاه المطالبين بحقوق الإنسان ومن ينشر كل يوم خبر اعتقال فلان وعلتان، فوصفهم بالمتحذلقين المتفلسفين البرجوازيين، فحقوق الإنسان ليست كما يرونها بل كما يراها هو في «لقمة الفقير وبارودة المقاومة!!».
وعاد الحديث نحو العراق وحكومة جواد المالكي، فوصفه بـ «المطبخ السياسي»، وتوجه إليه مخاطباً: «لكي تكون مطبخاً سياسياً، عليك التخلي عن أفكارك السياسية، وأن تقف على الحياد»!! بالتأكيد إنها الوصفة الناجعة، حسب تجربة النائب السياسية في مجلس شعبنا العتيد. ولم تقتصر نصيحته على المالكي، بل عممها على سائر أعضاء الحكومة العراقية، فطلب منها أيضاً أن «تدع أفكارها السياسية خارج القبة، ومن ثم تتحاور تحتها» لكن على ماذا؟  العلم عند صاحب هذه الوصفة السحرية لتعلم فنون السياسة بدون معلم.
وصلنا إلى الموضوع الايراني، فسألته المذيعة عن توقع فرض عقوبات على ايران، وهنا ابتسم الراوي الضيف وقال بكل اعتزاز وثقة "أنا" التي كان يرددها مطلع كل إجابة «أنا أقول للإيرانيين أنتجوا ذرة ونووي قد ما فيكم ما حدا أحسن من حدا». 
فسألت المذيعة بكل براءة عن سبب تخوف دول الخليج من برنامج إيران النووي؟ وهنا طلع حليب السباع عند النائب المحنك، وقال مستنكراً «خليجنا العربي كله محتل من أمريكا، قواعدها موجودة بقلب الكويت والقوات الأمريكية بالإمارات وجانب الكعبة» ثم تساءل «يعني إخواننا في الخليج من شو خايفيين» !! وبدورنا نسأل صحيح من شو خائفين؟
استطرد شارحاً لماذا يجب استبعاد مشاعر الخوف: «يعني واحد عم يهدد بدو يضربني كفين لشو بدي خاف منو، إذا كان هو ضاربني هالكفين وخالص».
المذيعة التي بلغ سيلها الزبى، تابعت أسئلتها المحضرة بعناية فائقة، وأشارت إلى موقف الصين وروسيا الداعم لإيران. وهنا امتشق  النائب المغوار كلمات الفخار: «أنا لن أتحدث عن مواقفهما المشرفة والعظيمة، سأقول شيء مختلف، وهو أن روسيا والصين تشعران أن الدور سيأتي عليهما لذلك تأخذان مواقف نصف شجاعة وليست شجاعة».
ذكرته المحاورة بمواقف الأوروبيين أيضاً، فقال بارتياح العارف: «الباقي فرقة طبالين كل ما طلع قرار بيطبلولوا، وخاصة فرنسا، شو هاي فرنسا ما قدرت تأمن احتياجات عمالها، هي دولة ضعيفة، أوروبا ضعيفة وين قوتها».
عددت المذيعة الدول الاسكندنافية: الدانمارك، السويد... إلخ
فقال والحكمة في عينية يتأمل وجه محاورته المدحور: «وين قوة هذه الدول اللي ما فيها ولا شرطي!!».
وهكذا أعزائي المشاهدين في نهاية حلقة "نوافذ" التي أغلقت في وجهنا كل نوافذ الأمل بأن يصلح حال الناطقين باسم الشعب، سنكتشف سر تأكيد وتكرار مسؤولينا الأكارم قولهم  بأن «سوريا قوية»، بل ربما أقوى دولة في العالم، ليس لكثرة شرطتها وحسب، بل ولكثرة مخبريها ومشتقاتهم من المنظرين السياسيين الناطقين باسم الشعب لا "النظام ولا السلطة"، حسب تأكيد النائب المذكور حفظه الله ورعاه ذخراً لهذا الشعب المقهور.
وما زال الحديث عن التبرع للشعب الفلسطيني مستمراً...

الجمل

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...