فاتح جاموس يدعو لمؤتمر وطني وحوار سوري-سوري داخلي

26-08-2016

فاتح جاموس يدعو لمؤتمر وطني وحوار سوري-سوري داخلي

ولد  في العام 1948 في بسنادا، إحدى قرى جبال اللاذقية، المهندس الشيوعي فاتح جاموس الذي أسس مع عبد العزيز الخير وأصلان عبد الكريم حزب العمل الشيوعي في سوريا، الذي نشط سراً في عقد الثمانينات. اعتقل بسبب افكاره لمدة 18 عامًا (1982- 2000)، وقام مع عدد من رفاقه بتأسيس تيار “طريق التغيير السلمي”، أحد مكونات “جبهة التغيير والتحرير”.

فاتح جاموس المتوشح بالأحمر القاني، والمتمسك بالماركسية فكراً، والمعارض الراقي الذي أطلق عليه مرارًا الإعلام الرسمي السوري لقب “المعارض الوطني”.

لم يغادر دمشق طيلة أعوام الحرب الخمسة، واعتبر أن الحراك الشعبي محصور في تركيبة مذهبية بعينها .

رفض ممارسات الفصائل المسلحة المنتمية إيديولوجياً وسياسياً لـ” الإسلام” ، قائلاً أن “الظرف غير ثوري، والوضع القائم وضع ثورة مضادة”، كما فكرة التواصل معها. رفض كذلك الاعتراف بوجود فعلي ملموس بالحد الأدنى لما يسمى “معارضة معتدلة” في الميدان.

في خضم الحرب الطاحنة التي تدور رحاها في سوريا، كان لـــ “روسيا الآن” لقاء مع المعارض اليساري فاتح جاموس رئيس تيار “طريق التغيير السلمي”.
 

    في السياق التاريخي، كيف تطورت فكرة تأسيس تياركم، وأين تجدون أنفسكم على الخارطة السياسية الوطنية؟

كان السياق التاريخي لإطلاق فكرة تأسيس تيار” طريق التغيير السلمي” والعديد جدا من الفعاليات المشابهة، باسم أو بدون اسم، هو قيام أزمة وطنية، وانقسام وطني سوري عميق وخطير، واضح ومحدد، ذلك بعد التطورات السريعة للأحداث التي انطلقت في سوريا  أواسط آذار 2011 ، وخاصة بعد تراجع أو توقف الالتباسات الأولى في طبيعة تلك الأحداث، واعتقاد الكثير من نخب المعارضة السورية أنها أحداث ثورة وعملية ثورية وشروط ثورة، وأن الانقسام الوطني ثنائي بين الديكتاتورية من جهة، والمجتمع والمعارضة من جهة أخرى، وأن انتصار” الثورة” حتمي قريب، وأيام النظام معدودة، ليدخل الوطن وضعية أزمة من طراز مختلف كليا عن تلك المقاربات” الثورية” المستعجلة والخاطئة، أو المشبكة بوعيها وخياراتها ووعيها مع أطراف خارجية انحازت بسرعة خيالية في الصراع، لتصبح واشنطن، والرياض، وأنقرة و..الخ في قيادة تلك”الثورة” اتضح أن الانقسام لم يكن ثنائيا، ولم يكن ثوريا، ولم تكن الشروط في أي وضعية ثورية، لا من أجل ثورة ديموقراطية، عداكم عن ثورة اجتماعية، بل جاء انقساما ثلاثيا، في كل الميادين، الديكتاتورية وحاضنتها الاجتماعية، ثم الإطلالة الفاشية عبر الأخوان المسلمين بداية، وأطراف سلفية جهادية عديدة من جهة أخرى مع حاضنتها الاجتماعية أيضا، وكتلة اجتماعية غالبية ثالثة، بصفتها أكثر القوى ضعفا، قوة كامنة غير متبلورة، غير مسموح لها التبلور والتحول لقوة فاعلة، لا مصلحة لها في ذلك الصراع بأهدافه ووسائله ومستقبله، بالتدريج التراكمي تبلورت نخب ووعي ومنظومة تفكير خاصة بتلك الكتلة ومستقبل وعيها ومطامحها في الخروج من الأزمة.

وكنا على إدراك عميق بأن ذلك الطراز من الأزمات والانقسام الوطني، تمتلك قوانين خاصة بها، تمتلك قوة الفعل الموضوعي، قادرة على اختراق كل الإطارات والقوى والأحزاب والفعاليات، بدفعها إلى أطراف ذلك الانقسام الوطني، وهكذا كنا كغيرنا ممن يشابهنا بحالة التطور نخبا من قوى وأحزاب وفعاليات عدة، وجدت نفسها مدفوعة لتعبر عن مواقف متقاربة ومنظومة تفكير سياسية وبرنامجية واحدة في الأزمة، ذلك هو سياق نشوء وتطور التيار، وهو بالتالي في صف كتلة الغالبية ومطامحها وآمالها ورغباتها في الخروج من الأزمة.لنجد أنفسنا والعديد من الفعاليات في قطب من الانقسام الوطني له المستقبل والقوة الموضوعية لكتلته الاجتماعية وقوة منظومته في مستقبل حتمي، وأكثر أمانا للخروج من الأزمة مقارنة بأي قطب آخر في الانقسام.

 
    في أخطر اتهام من نوعه يسجل لمعارض سوري، اتهمتم ما سمي لاحقا بالثورة السورية بـ”السمة الطائفية شكلا ومضمونا”، ورفضتم المظاهر المسلحة. كذلك رفضتم السكوت عن “الممارسات الطائفية” لمن سموا أنفسهم “ثوارا”. لماذا اتخذتم هذا الموقف؟ وهل ما زلتم عند رأيكم؟

كانت الأحداث في بداياتها، اتسمت فعليا بوجود حراك شعبي واسع تدحرج متسارعا من مدينة لأخرى، متضامنا مع ما سمي بأحداث درعا، الآف في الشارع، هذا لافت جدا، وفي سياق ما سمي بالربيع العربي، أخذ بسرعة منه، بعض سماته ومفرداته وخطابه وشعاراته، ليصبح الوضع أكثر التباسا في سوريا، حراك شعبي واسع، سياق ربيع عربي”ثوري” ، شعارات ثورية” إسقاط النظام”، بالنسبة لي وبالمتابعة الشديدة لحدث يمنعك من النوم، هناك ضرورة تاريخية ومنهجية وشخصية تتعلق بي وتاريخ تجربتنا الحزبية في المعارضة والعمل الثوري، وموقفنا من النظام، والقمع الشديد الذي تعرضنا له..الخ يفترض ذلك موقفا دقيقا، سريعا، واضحا ومحددا، قادرا على تجاوز الالتباسات، وكل الديماغوجيات الخارجية بإكساب الأحداث طابعا محددا، وأخذها إلى أهداف محددة.

أول ما لفتني في ذلك الحراك الشعبي أنه كان منحصرا في تركيبة مذهبية بعينها، وعلى مدى أسابيع لم يتمكن أبدا، أو لم يرد، أو لم يكن مهيئا أبدا لضم فئات اجتماعية من مذاهب أخرى، اقتصر الأمر على عدد محدود جدا من نخب تلك المذاهب، التي ضاعت في حقيقة ذلك الحراك، أي لاحظت أن ذلك الحراك الشعبي غير متوازن من زوايا التركيبة الديموغرافية( السكانية السورية) كما كان بدون أي سمة طبقية، أو سمة اجتماعية خاصة، كان جسدا ذا طابع وبنية مذهبية، وكان حكمي ومقاربتي أنه بذلك يستحيل عليه أن يكون حاضنة ثورية لأي فعل ثوري، ولن يكون إلا حاضنة لفعل غير ثوري، بل لثورة مضادة، وهو جسد مهيأ ليحتضن أصوليات إسلامية حصرا، أي فاشية بإيديولوجيا دينية مذهبية أصولية، وعندما تكون كما تعتبر نفسك من النخبة الريادية، عليك أن تصرح بموقفك مهما كنت تعرف وتقدر ردود الفعل عليك والاتهامات التي ستصلك، وبعد مرور تلك السنوات أعتقد بصلابة شديدة أنني قاربت الأحداث باكرا بصورة صائبة وشجاعة ضروريتين، ولست نادما أبدا على ذلك، واتضح أن الصف الذي سمى نفسه بصف الثورة قد فلترته التطورات( صفته) سريعا إلى جبهة فاشية واسعة، وأنه صف مذهبي وطائفي بكل صفاء.

 
    اعتبرتم خلال عملكم في قيادة رابطة العمل الشيوعي (فيما بعد حزب العمل الشيوعي) أن برنامجكم الانتقالي والاستراتيجي صعب تحقيقه دون انتفاضة شعبية، ولكنكم رفضتم الحل المسلح، مع إصراركم على الخيار الثوري للشعب.. هل ترون في الحراك الذي بدأ في سوريا عام 2011 خيارا يصب في فكرة الخيار الثوري الذي طرحتموه؟

لا شك بأن إنتاج حزبنا (حزب العمل الشيوعي) كان غنيا جدا في الحقل النظري- الفكري، كما السياسي – البرنامجي، كان انتاجا على مستوى غنى التجربة نفسها في ميادين أخرى عديدة، مواجهة نظام الاستثناء الديكتاتوري القمعي وحملات الاعتقالات الأبدية، والحقل التنظيمي في شروط شديدة الصعوبة، يغيب فيها أي توازن، وكذلك تجربة الاعتقال الطويل في السجون والمعتقلات، وكان طبيعيا جدا بعد إطلاق سراحي وتمكني بداية مع عدد محدود من أكثر الرفاق شجاعة بإعادة بناء الحزب، طبيعيا أن نكون على درجة عالية جدا من الارتباط، إن لم أقل الارتهان أحيانا لتلك التجربة في مختلف ميادينها، وذلك مهما كنا متنبهين للوقائع وضرورة لحظها وتطوير منظومتنا، وكلما كانت التطورات كبيرة، أو مفاجئة، اكتشفنا أننا بالحد الأدنى سنعود للإستعانة بالمنظومة، والمقارنة، أليس العقل البشري مقارنا؟

بعد أحداث الصراع في بداية الثمانينات، بين الأخوان المسلمين كتنظيم فاشي، والسلطة السورية كنظام استثناء ديكتاتوري قمعي، جرت مياه كثيرة جدا جدا في النهر، أو تحت الجسر، وقامت الشروط الموضوعية بحد ذاتها كعامل حاسم، خاصة بعد سقوط الاتحاد السوفياتي والاشتراكية المتحققة، قامت وفرضت على برنامجنا الانتقالي نفسه بالتغاضي عن إرادتنا ووعينا، ضرورة التغير العميق إن لم يكن التام تماما، وفرضت علينا وعلى برنامجنا الاستراتيجي انتظار أطول في نفاد قدرات الرأسمالية التكيفية، وكفاح أعلى في مواجهتها لانتصار استراتيجي ضدها، في مكان ما مناسب من بلدان العالم يمثل حلقة ضعيفة في السلسلة، وأعتقد أن دور بلادنا غدا بعيدا في تلك السلسلة.

مع التحول الفعلي لأحداث آذار 2011 إلى أزمة وطنية والاختراق العميق والخلافات التي فرضتها قوانين الأزمة، التي أصابتنا كغيرنا، وعندما لم نستطع كفريق قيادي إدراك ذلك وهضمه والاستمرار بتماسكنا التنظيمي، اختلفنا بشدة حول طبيعة الحدث ومستقبله والرنامج الخاص به، وهكذا اعتقد فريق قيادي أن الشروط الآن هي ثورية، لم يدرك أن الانقسام أكثر خطورة وتعقيدا من الثمانينات، لم يدرك مستوى الخطر الفاشي، ومستوى الدعم اللوجستي والتدخل الخارجي لما سمي “بصف الثورة”اعتقد أن المهمة المركزية هي بشعار إسقاط النظام والالتحاق بأكبر إطار تحالفي فعال، الذي أوصله أن يكون في صف الهيئة العليا للتفاوض وكل ما يعنيه ذلك من تخبط، وذلك بصورة غير مبدئية أبدا وبصورة خاطئة كليا، ولا يزال موقف هذا الفريق الرفاقي مرتهن لذلك التحالف، مرتهن بصورة أو بأخرى لتلك التحليلات الخاطئة والمتسرعة ، في كل ذلك أنت محق إذ يستطيع المرء أن يتلمس تأثرا بشئ من شكليات برنامجنا الانتقالي، بشئ من التفكير “الثوري” الفج والخاطئ، بل ربما اعتقد البعض أن السياق التاريخي لبرنامجنا الانتقالي قد فتح على مداه، وأن الحراك ثوري، وأن بعض تركيبته في حينه تمثل نموذجا لانتفاضة شعبية مسلحة، لأنها أجبرت على الدفاع عن نفسها بحكم نهج النظام ومجمل سياساته وممارساته العنيفة؟! إلى درجة استمرار وجود البعض النادر خارج التاريخ، إذ لا يزال معتقدا أنها ثورة وأن الشرط ثوري، و”يخون” أمريكا لأنها دخلت العملية السياسية في جنيف، يخون كل من دخلها، وترك الثورة وشعاراتها ووسائلها، وفي المقابل كنا فريقا بوجهة نظر أخرى مختلفة كليا تقوم أساسا على اعتبار أن الأحداث قد تسارعت باتجاه أزمة وطنية وانقسام وطني ثلاثي عميق، وأن الفاشية غدت الخطر المركزي، وأن الشرط غير ثوري ، بل ومن سوء الحظ فهو شرط ثورة مضادة.

 
    من خلال قراءة سريعة لنهج حزبكم القديم (رابطة العمل الشيوعي) نجد أنكم كنتم تقولون أن النظام هو الأشد خطورة حتى عام 1980 وبداية أحداث الأخوان في حماه.. فهل تظنون في التيار الجديد، تيار”التغيير السلمي” أن تاريخ سوريا يعيد نفسه بفارق استبدال الأخوان بداعش وأخواتها؟

في كل الأحوال تيار” طريق التغيير السلمي” شئ ، وحزب العمل الشيوعي شئ آخر، حتى ولو تواجد عدد مهم من كوادر الحزب داخل التيار، ونحن في التيار لسنا حزبا، ولا نعتقد أن للعمل الحزبي الآن، أو في شروط الأزمة السورية الدور الأهم، ونعتقد إضافة أن الشروط الموضوعية تدفع بأهمية العمل التحالفي الواسع وليس العمل الحزبي، الأزمة اخترقت حتى الأحزاب وقسمتها بشدة، اخترقت الإيديولوجيات الكبرى، والخلافات العميقة قائمة داخل إطارات الأمس الرفاقية في الحزب الواحد،( * ) وهكذا من اعتقد من الطواقم الحزبية بأن هناك ثورة وشروط ثورية، وطرح المهمة المركزية باسقاط النظام، بداهة اعتبر ويعتبر النظام أكثر خطورة، أما نحن في التيار فمن البداية اعتبرنا الشرط غير ثوري، والوضع القائم وضع ثورة مضادة، والصراع العنيف بين سلطة ديكتاتورية، وقوى تبلورت سريعا إلى فاشية، والأمر لا علاقة له بالثمانينات، بل له بالمنطق التاريخي المقارن بين ديكتاورية استثنائية، وفاشية استثنائية، ونعتقد أن أكبر خطر يمكن أن تواجهه الشعوب هي الفاشية، صحيح أن هذا يمت بصلة عميقة للفكر الشيوعي، وتنبه الشيوعيين لخطر الفاشية، لكنه من جهتنا ليس نسخا لشروط الثمانينات، والتاريخ الآن يعيد نفسه بطريقة مأساوية وكارثية، الفرق شاسع بين الشروط في حينه وهي الآن بين الفاشية الأخوانية الحزبية وضعف تأثيرها الشعبي، وتمكن السلطة من هزيمتها، والفاشية التي تمكنت من قيادة الحراك الشعبي الواسع، الذي كان بدوره جاهزا لها فحسب ، بكامل الاعتبار لدور النظام ونهجه ووسائله في معالجة موضوع الصراع مع الأخوان سابقا في كل ذلك، لكنها الآن فاشية أكثر خطورة بما لا يقارن، أكثر اتساعا وعمقا بعلاقتها بالحاضنة الاجتماعية، والصف الأمريكي أكثر جاهزية لدعمها واللعب عليها، بحيث بدا قائدا” للعملية الثورية السورية مع السعودية” كما أن الدولة ومؤسساتها قد فقدت الكثير من لياقتها القديمة، كل ذلك يجعل من فاشية هذه الأيام خطرا كارثيا، والمقارنة لا تفيد بأكثر من عملية تشابه ذهني عابر.

من على منبركم اليساري أود القول أنه ربما بدأت تبرز بعض شروط تدفع باتجاه وضع عيوننا بعيون بعض نحن أهل تجربة حزب العمل الشيوعي، نعيد الحوار بالوقائع والنتائج والمقاربات المختلفة، ندير خلف ظهرنا السخافات التنظيمية غير الحمييمية، والمتخلفة، والعجز عن التعايش مع الخلاف، تكاد الأزمة تشطبنا من الفعل، تجربة تستحق كل العقلانية، كل الجرأة في إعادة الحوار والتنسيق في إطار واحد استعدادا لشروط جديدة أكثر تعقيدا وخطورة، تعيدنا لمنظومتنا وخطنا وقدراتنا، بدلا من التسكع حول كل ما تضمه الهيئة العليا للتفاوض بدءا من هيئة التنسيق ومنظومتها، وقيادتها.

 
    أين أنتم كتيار مما يحدث في سوريا؟ وما هو موقفكم من النظام ومن المعارضات؟

نحن كما ذكرت في خط كتلة الغالبية الاجتماعية التي تتزايد يوما بعد يوم على حساب كتلة الحضن الاجتماعي للنظام (السلطة) ،وكذلك كتلة الحاضن الاجتماعي للفاشية، نحن جزء مهم من النخب الطليعية لهذه الكتلة ومطامحها ورغباتها وآمالها في الخروج الآمن من الأزمة، نحن على خط متميز جدا عن منظومة ونهج الديكتاتورية، وبداهة عن خط الفاشية، اعتقادنا أن هناك أزمة وطنية ، وشروط ثورة مضادة  يفترض بنا البحث عن أوسع تحالف قادر على قيادة الكتلة الغالبية بمجموعة مهمات، تمثل حزمة مهمات وتحديات وطنية، على رأسها وأكثرها أهمية مواجهة وهزيمة الفاشية بجبهة واسعة ،يجب أن تضم كل الأطراف التي ترى ذلك، أو تقاتل الفاشية، حتى ولو اختلف نهجها عن نهجنا، مثل حالة النظام، والمهمة الأخرى الهامة في الحزمة هي حتمية الانتقال الديموقراطي التدريجي الآمن، أي حتمية تغيير النظام بعملية حوار داخلي غير مشروط، توافقي، يأتي بسلطة سياسية مختلفة جذريا عن النظام، ليست ديكتاتورية، لا علاقة لها باحتكار السلطة، والمهام الأخرى تتعلق أساسا بمجموع الملفات الانسانية والمعيشية وغيرها،الخطرة والحساسة والمستعجلة أولا التي فرضتها الأزمة وتطوراتها.

أما تجاه المعارضات السورية، فنحن جزء عضوي من تحالف جبهة “التغيير والتحرير”، مررنا بفترة حاولنا فيها تطوير الحوار والتنسيق وتثبيت تفاهمات مع هيئة التنسيق، وفشلنا كليا، بقيت الهيئة مصرة على الالتصاق بفريق ائتلاف الدوحة وصولا الى الرياض، بقيت تعمل بمنطق الاحتضان، في محاولة وضع الجميع في الداخل تحت إبطها لتسويق نفسها مع أهل الرياض كطرف فعال، تابعت فهمها في مربعاتها الأولى للأزمة، وتصرفت على أساسها في مختلف محافل ومسارات المعارضة، من القاهرة إلى موسكو1-2 إلى جنيف..الخ لم نتمكن أبدا من إجراء أي اختراق فعلي لتفاهمات ندية بيننا، على الرغم من الدمار التنظيمي- السياسي الذي حصل ويحصل يوميا في صفوف هيئة التنسيق، وترك مجموعات واسعة جدا، وفعاليات هامة وشهيرة( محمود مرعي، ميس كريدي،وهيئة العمل الوطني، هيثم العودات وتيار قمح..الخ). ولا نزال حريصين على دعوة هيئة التنسيق لتعود إلى منطق التركيز على المعارضة الداخلية وبناء مركز قوي لها، وفي ذلك الإطار هناك ضرورة ملحة لفتح حوار بيننا  وبين تلك الفعاليات التي تركت هيئة التنسيق، وهذا قائم في حدود غير كافية أبدا، وفي الجبهة، وكذلك تيارنا نتحمل مسؤولية غير بسيطة في ذلك، بالطبع هناك فعاليات معارضة داخلية عديدة، باسم أو بدون اسم، حان الوقت لجمعها على طاولة حوار وطني، وتشكيل نواة للجبهة الواسعة التي ندعو إليها.

 
    هل تتواصلون مع الغرب وحلفائه من الفصائل المسلحة العاملة في الميدان السوري؟

نحن في تيارنا بالمعنى المنهجي، وفهمنا ومنظومتنا التي نعتمدها، نرفض فكرة التواصل، عدا عن ممارستها مع أي من الفصائل المسلحة المنتمية إيديولوجيا وسياسيا للإسلام، وتقف في صف الفاشية، وتقاتل معها الجيش العربي السوري ، وتدمر الدولة، وتمثل أدوات للخارج الأمريكي وصفه، وفي نفس الوقت لسنا تطهريين أبدا، فمن حق أي فريق أن يراجع نفسه، ويغير موقفه، وعندما نعتقد أن هناك أي فصيل أو فعالية قد غدت في إطار هذا التوجه، المراجعة، والاعتقاد بوقف القتال والانخراط بالعملية السياسية، فنحن على استعداد أكبر من التواصل، على استعداد للحوار والتنسيق على نفس برنامجنا وأولوياتنا، ولا نعتقد إطلاقا بوجود أي فصيل مسلح غير فاشي، أو لا يقف في صف الجبهة الفاشية، لم نسمع بأي فصيل مسلح خارج ذلك النسق، حتى الجيش الحر، فقد دمر واستقطب وتحول إلى مجموعات تابعة لهذا الفصيل الفاشي أو ذاك.

وفي تيارنا أيضا، لا وجود لنا لأي تواصل مع الغرب حليف الفاشية بشتى أطرافها، لكن نرغب حقا بتحقيق إمكانية الوصول إلى المجالس النيابية لتلك القوى( المؤسسات التشريعية) وطرح وجهة نظرنا هناك، إذ نعتقد أن هذا شئ هام خاصة فيما يتعلق بقضية الفاشية، وضرورة تحفيز وجدان الشعوب الغربية في ذلك، لتتنبه وتمارس الضغوط الجدية على سلطاتها فيما يتعلق بمواقفها في الأزمة السورية، على الأقل وقف العقوبات من جهة واحدة، وعمليات الحصار، باسم معاقبة وحصار النظام، بينما الطرف الوحيد المتضرر هو الشعب السوري.
 

    ما رأيكم بالخطوة التي اتخذتها روسيا ببدء العملية العسكرية من طرف واحد؟ وهل ترون وجود لما يسمى معارضة معتدلة في الميدان؟

قبل شهر أيلول 2015 وبدء العملية العسكرية الروسية، قدمنا في عدة مذكرات لهم، وجهة نظرنا بضرورة تلك العملية، وعلى الرغم من التاخر الكبير في العملية، إلا أنها جاءت بمثابة عملية إنقاذية فعلية في مواجهة الجبهة الفاشية وحلفائها، وفي صالح الدولة السورية في هذا الصراع، إنها أيضا في صالح الكتلة الكبيرة من الشعب السوري، وحسنت جدا في الوضع الجغرافي والعسكري والنفسي والتفاوضي لذلك الصف، أيدنا تلك العملية، نتمنى أن تتطور أكثر فأكثر، وأن تبدأ عملية التعبير العلني الجاد عن المشروع السياسي الذي تحمله، على الأقل في فتح مسار حوار سوري- سوري داخلي، وتشكيل جبهة واسعة تشاركية وديموقراطية في أهم قضية، وهي القرار السياسي وطابع السلطة.

نحن لا نعتقد أبدا بأي وجود فعلي ملموس بالحد الأدنى لما يسمى “معارضة معتدلة” في الميدان، أي هدف أو توجه في القتال ضد الجيش العربي السوري، لا يسمح بوجود معارضة معتدلة، أي ارتباط لوجستي مع أي فصيل أصولي فاشي لا يسمح بذلك أبدا، وأي ارتباط من أي شكل  بالصف السعودي- التركي لا يسمح بذلك. المعارضة المعتدلة منظومة عقلانية يرفض أصحابها الاستمرار بالنهج القديم، عليهم تأكيد أنهم انتقلوا فقط وفقط إلى الاهتمام بالعملية السياسية، وأنهم أوقفوا القتال ضد الجيش السوري، وأنهم خارج التحالف السعودي التركي الأمريكي، وأنهم ضد الفاشية، وأنهم بطبيعة الحال مع التغيير الديموقراطي الجذري، الشامل والآمن وما يفترضه من تغيير على النظام …الخ

 
    نعلم أنكم على تواصل وعلاقة وطيدة مع روسيا، وأنكم بصدد إعداد وثيقة هامة، فماذا تريدون بالفعل من روسيا؟ وما الذي تريده روسيا منكم؟

كل فترة كنا نرى ولا نزال أن هناك ضرورة لمتابعة الحوار مع الأصدقاء الروس، وعلى الرغم من معرفتنا وتقديرنا واعتبارنا لتجربتهم، وما يمثلونه كأحد مراكز الفعل السياسي الأولى في العالم، بأنهم مركز تطور رأسمالي، وأنهم جزء من المنظومة الرأسمالية، إلا أن سياق وجود الطاقم القيادي الروسي القائم، ونهجه والصعود القومي الخاص، جعل لتطورهم وتجربتهم قيمة مختلفة في علاقات الاستقطاب الدولي، والصراعات والوسائل لإدارة تناقضاته، فهم قطب آخر هام جدا على صعيد الاختلاف والخلاف مع الأمريكيين، وبالتالي لموقفهم من النقاط الحامية ، وفي الأولوية من الأهمية ساحتنا الوطنية السورية، لديهم قيم سياسية ودبلوماسية وأخلاقية، مختلفة عن المراكز الأخرى في العالم الرأسمالي، حيث الصف الأمريكي، ونستخدم في تفاعلنا وتواصل الحوارات الزيارات لهم، وبشكل خاصة كتابة مذكرات علنية تشرح تصوراتنا حول أهم موضوعات الأزمة السورية، ونحاول إقناعهم بذلك، وهكذا ما نريد منهم  هو تطور موقفهم المسؤول جدا في الأزمة السورية، ولحظ منظومتنا في المحتوى والشكل، وبشكل خاص ألا تكون كل بيوضهم في سلة النظام، أن يهتموا أكثر بكثير مما يفعلون بقوى المعارضة الوطنية الداخلية، وقوى المجتمع المدني، وأن يجدوا طرقا فعالة في التأثير على النظام السوري،إقناعا أو ضغطا، لفتح مسار حوار داخلي، وقيام جبهة واسعة، والمساعدة في مشروع سياسي جديد كليا أساسه مقاربتنا في منظومتنا، وأساسه تصوراتنا البرنامجية، وإن كنا نطمح إلى كل ذلك ونعمل لأجله، معتقدين أنهم يقدرون عاليا منظومتنا وممارستنا، إلا أننا نأخذ جيدا بعين الاعتبار قرائتهم ، والمسؤوليات الأممية الواقعة على عاتقهم، وقضية تحالفهم مع النظام السوري ،باعتباره  أهم طرف في مواجهة الفاشية وحلفها الخارجي، وأهمية ذلك بالنسبة اليهم .

يريدون منا تفهم كل ذلك، وأن نتحول إلى قوة فعلية بعلاقتنا مع الكتلة الاجتماعية الغالبة، ومع قوى المعارضة الوطنية، بالرغم من كل الصعوبات والقمع لمنع ذلك من جهة النظام والفاشية، ويساعد الروس فعليا في ذلك، خاصة بعد التطورات اللافتة في مركز حميميم ودوره، وتقديرنا ومعرفتنا لذلك الدور.

ومن جديد تقدمنا بمذكرة أخرى ضرورية في شرح تصوراتنا والموقف المطلوب تجاه الوضع الراهن السوري، وربما عدد المذكرات  التي صغناها ووجهناها للأصدقاء الروس تجاوز العشرة، في كل الموضوعات الهامة في الأزمة السورية، وفي المذكرة الأخيرة مقاربة للتطورات، واقتراحات عملية حول مؤتمر حوار وطني، وفتح مسار حوار سوري- سوري داخلي، وتشكيل جبهة واسعة، وتقييم دور مركز حميميم والدور الإضافي المطلوب في تطوير فعاليته، وعلاقتنا بكل ذلك، واعتقد أنه حان الوقت لنشر هذه المذكرات بعد استئذان الأصدقاء مع أن محتواها علني بالمطلق، وهذا ما يجري العمل عليه- أي لنشرها قريبا.
 

    هناك جماعات وأحزاب يسارية أخرى (هيئة التنسيق، جبهة التغيير والتحرير، قمح” هيثم مناع” والكثير من الشخصيات الوطنية الوطنية معارضة بشكل منفرد وغيرهم..) تعمل على الساحة السورية.. هل هناك وجهات نظر تتقاطعون فيها معهم في مواجهة الموجة الإرهابية التي تخنق سوريا؟ وبماذا تختلفون؟

بالتأكيد هناك وجهات نظر نتقاطع فيها بتفاوت في السويات مع كل تلك المسميات والفعاليات، أضعفها مع هيئة التنسيق، وحان الوقت لنلعب دورا كبيرا في الحوار والتقاطع والتنسيق بيننا، ليس فقط لمواجهة الموجة الإرهابية (والأصح دائما الفاشية)، بل أيضا في مجمل حزمة المهام الأخرى المتعلق منها بالتغيير الديموقراطي، ومجموع ملفات الأزمة في الميادين المختلفة، ومواجهة التدخل الخارجي والنفوذ الذي يعمل عليه في الوطن السوري.

نحن كتيار ” طريق التغيير السلمي”  قمنا بجهد كبير لتحقيق تصورنا في ضرورة قيام تحالف خاص بكتلة الغالبية الاجتماعية، كما أننا منتمون إلى إطار جبهة التغيير والتحرير، بالتالي متعايشين مع بعض الخلافات، لا قيمة كبيرة لها، وهي طبيعية حتى في الأطر الحزبية، فكيف الحال في الأطر التحالفية، وخلافاتنا هي على العموم مع الفعاليات الأخرى، خاصة هيئة التنسيق، على كل موقفها في أساسيات قضايا الأزمة لسورية (موضوع الثورة، دور العامل الخارجي، التحالفات ووجودهم في صفوف الهيئة العليا، ضعف ثقتهم بالطرف الروسي، وثقتهم الأعلى بالصف الأمريكي..الخ) أما خلافاتنا فهي أقل بكثير مع بقية الأطراف، لا تسمح ولا تفترض بوجودنا الممزق في إطارات مختلفة، وبشكل خاص مع تيار قمح نعتقد أن الشروط وتطور موقفهم من قضية الفيدرالية، وربما التعلم من دروس موسكو1-2 وجولات جنيف وموقفهم الخاطئ والسلبي سابقا، كله يخفف من الاختلافات ويقرب إمكانية التنسيق الأعلى. وهناك الآن فعاليات عديدة تحاول التوجه لتكون معارضات أيضا، هو حقها في ذلك، وإمكانية التطور والانتقال إلى مواقع أخرى معارضة هو ممكن ومتاح أيضا، وخلافنا مع هذه الأطراف أنها تدعي لنفسها  انها قوى معارضة، بينما لا نزال نعتبرها موالاة وفي صف النظام، وبعضها كهيئة العمل الوطني ، وهي في خط المعارضة، لكن نختلف معها في تقديرها العالي لدور النظام وأجهزته، وحول موقفها واشتراكها في وفد حميميم.

    تناقلت وسائل الإعلام خبرا مفاده أن السلطة في سوريا عرضت عليكم المشاركة في الوزارة الجديدة، إلا أنكم رفضتم. ما هي رؤيتكم للوضع الاقتصادي في البلاد؟ وكيف تقيمون عمل الحكومات في ظل الحرب التي أنهكت قوى الاقتصاد وزادت معاناة الشعب السوري؟

صحيح تماما أن وسائل الإعلام قد تناولت من فترة قريبة خبرا روجته واشتغلت عليه، يفيد بأن النظام قد عرض علي المشاركة في الوزارة الجديدة( لوزارة تتعلق بحقوق الإنسان)، لكن ذلك لم يكن خبرا صحيحا أبدا، ولم يكن له أي أساس في الحقيقة، كان خبرا في إطار التفكير بطريقة “بالون الاختبار” غير المباشرة، لرصد رد الفعل عليه، خاصة وكما أفهمني متابعون كثر أن مواقع قريبة من النظام هي من أطلقته بداية، وبسبب اهتمام كثيرين جدا بالخبر الإشاعة، ومحاولة البعض الاصطياد والتلطي وتوجيه الاتهامات، وكذلك لضرورة توضيح موقف من مثل هذه القضية لأنها ذات علاقة عميقة بمنظومة تفكيرنا تجاه الحوار السوري- السوري، والمرحلة الانتقالية، ومايتعلق بشكل ومحتوى الحكم أو الحكومة الانتقالية، أو حكومة الوحدة الوطنية، موسعة أو غير موسعة..الخ هكذ كان لا بد من كتابة موقفي بخصوص كل تلك القضايا، والاشاعة المنشورة بوجه خاص، وذلك برسالة مفتوحة أهم ما جاء بها: أن الخبر ليس صحيحا، ولا أساس له، هو إشاعة عبر بالون اختبار، وفي كل الأحوال غير وارد أبد أن أشترك في أي وزارة أو موقع حكومي مع صف السلطة القائمة، قبل حصول حوار وطني جدي، وخاصة داخلي، وقطع أشواط فعلية في عملية الحوار التوافقي وخطواته العملية، مع نصوص ووثائق ملزمة للأطراف المتحاورة والمتوافقة، وسيكون النظام حتما قد دخل عملية التخلي عن نهج احتكار السلطة، وهذه ليست عملية ذاتية، تحصل بإرادة السلطة، بل نتاج ضغط شروط موضوعية وذاتية لا رجعة فيها، ما عدا ذلك وكما كنت سابقا أعتبر أي اشتراك نهجا وسلوكا انتهازيا، وعندما يتقدم الحوار الوطني الجاد، علينا واجب أنا وأمثالي أن نشجع عملية المشاركة في مثل تلك الحكومات، سواء استطعنا المشاركة  أم لا، وحقوق الانسان هو أخطر ملف وطني في الأزمة السورية، والأكثر حساسية، ويحتاج لشجاعة عالية جدا من قبل هيئة أو وزارة في الاهتمام به وتحقيق نتائج فعلية ستكون بمجملها مريحة جدا للكثير من الفعاليات الاجتماعية والسياسية، ولا توجد لدي أي مشكلة في إمكانية طرح الموضوع مباشرة من الجهات المعنية، وسأقدم نفس الجواب مع حتمية نشر تلك الواقعة لو وقعت.+

وعلى الرغم من الكثير جدا من الملاحظات التي يمكن سوقها على حكومات السلطة خلال الأزمة ، إلا أنها فعليا بكل نهجها الذي تستوحيه من السلطة، وتلقيها للأوامر بأصغر التفاصيل، وأنها ستكون جزءا من الفساد القائم وتركيبة السلطة وبنيتها، إلا أنها اشتغلت على مشاكل كثيرة وملفات، لكن عملها في المحصلة كان مقصرا جدا تجاه الملفات والمشاكل، كان بيروقراطيا، وغير متوافق مع متطلبات الأزمة، بل تسبب أحيانا بخلق مشاكل معيشية واجتماعية للشعب، مع أن هناك إمكانية في ألا يحصل ذلك، بشكل خاص في قضية الدولار والليرة، والأسعار والغلاء، والكهرباء والوقود، ولولا  عمليات الدعم العالية والمتواترة والدائمة من أصدقاء الدولة السورية والسلطة وقسم كبير من الشعب السوري، مع معرفتهم بالكثير جدا من طبيعة السلطة وحكوماتها، لولا ذلك، لكان الوضع اكثر كارثية بما لا يقارن حاليا.

حاوره: فادي نصار

المصدر: روسيا اليوم

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...