الحرب تضيف معنى آخر للون الأخضر

29-08-2016

الحرب تضيف معنى آخر للون الأخضر

بدأت حكاية الباصات الخضراء في حمص القديمة، حين فتح باب التسويات هناك ونُقل يومها نحو 300 مسلح إلى ريف حماه، وراحت الحكاية لتكمل فصولها مع تسويات الزبداني والقزحل وأم القصب بريف حمص، حيث خرج المسلحون من تلك المناطق بحافلات خضراء أيضاً.
أخيراً حطت تلك الحافلات رحالها في بلدة داريا بريف دمشق، التي سيطر عليها المسلحون لحوالي أربع سنوات من عمر الحرب. وطالما أن الحكاية لما تنته بعد، فمن الواضح أن داريا ليست آخر من يركب الباصات الخضراء.
خلال اليومين الماضيين توجهت عشرات من الحافلات الخضراء إلى بلدة داريا في ريف دمشق لتنقل ما يقارب سبعمئة مسلح، رفضوا تسوية أوضاعهم، إلى مدينة إدلب الملقّبة بالـ «خضراء» أيضاً، فيما تستمر تلك الباصات بالتوجه إلى البلدة لنقل المدنيين إلى مراكز إيواء مؤقتة في دمشق.
في علم الألوان ودلالتها يقال أن اللون الأخضر يرمز إلى التفاؤل والحياة والنمو، والربيع، والتجديد فهو لون النهضة. يرى علماء النفس أن اللون الأخضر يُعيد ويُجدد الطاقة المستنفدة، لكن مهلاً، فكما غيّرت الحرب السورية الكثير من البديهيات والمسلّمات استطاعت أيضاً أن تضيف معان أخرى للون الأخضر لعل أهمها ثنائية النصر والهزيمة.
لطالما حملت الباصات الخضراء معاناة المواطنين في سوريا خاصة في السنوات الأخيرة حيث ازداد الطلب عليها نظراً للارتفاع المستمر في أسعار المحروقات وبالتالي غلاء أجرة السيارات العمومية. يعبّـر عن هذه الحالة الموظف الحكومي أبو طارق، قائلاً: ولا مرة حدث أن حظيت بمقعد داخل الباص كنت دائماً أصعد إليه وأبقى واقفاً حتى وصولي». فيما تهكّم صديقه الواقف بجانبه، قائلاً بلهجة محلية: «ولك صير مسلّح ولك أبو حميد بتركب بالباص ببلاش مع أم العيال وعلى المقعد كمان».
هكذا تحولت باصات النقل العامة ذات اللون الأخضر من كونها رمزاً للكد والشقاء، «المحتكرين» من قبل الطبقتين الفقيرة والمتوسطة، إلى أيقونة للنصر عند بعض السوريين أو عنواناً للذل والهزيمة عند البعض الآخر منهم. فعندما حصلت تسوية حمص أطلق بعض المناهضين للدولة السورية مصطلح «الباصات الخضراء المشؤومة» تعبيراً عن «الهزيمة» التي مُنيوا بها، فيما اعتبرها الطرف الآخر رمزاً لبداية حياة جديدة بعيدة عن الدمار والقتل. لطالما تنقّل الطالب الجامعي محمد في تلك الحافلات العامة غير آبهٍ للونها إلاّ أنه اليوم لا يمكن أن يصعد إليها من دون أن يذكر ما تعنيه، ويقول : «أذكر جيداً كيف كانت تلك الباصات تشكّل باب فرج عند أهالي حي الوعر عندما أقلّت المسلّحين».
الشتات أيضاً أحد المعاني التي حملها الباص الأخضر. فعندما رفض كثير من المسلحين التسوية قبلت بها عائلاتهم، وهي حالة رصدتها كاميرا «بي بي سي عربية» في تقرير لها عن «تسوية داريا»، إذ عرضت قصة أبي أحمد أحد سكان البلدة، الذي فضّل البقاء مع بعض أفراد عائلته في مركز إيواء حرجلة بينما غادر ابنه مع المسلحين إلى إدلب.
لم تتوقف مهمة الباصات عند النقل والتسويات، بل كان لها الحصة الأكبر في كلّ المناسبات الوطنية إذ كانت تنقل المواطنين في الانتخابات البرلمانية إلى مراكز الانتخاب. وكان لها دور في نقل السوريين الخارجين في مظاهرات مؤيدة للدولة السورية ورئيسها. وبعد كل هذا لاقت تلك الحافلات تسمية رائجة عند الشعب السوري هي «الراعي الرسمي للمناسبات الوطنية».
لم تنته رمزية اللون الأخضر في سوريا عند هذا الحد بل انسحبت أيضاً إلى العلم السوري المكّون من أربعة ألوان الأحمر، الأبيض، الأسود، وتتوسط تلك الخطوط الملوّنة نجمتان بلونٍ أخضر. وبات معروفاً عند كل مراقب للحرب السورية والحملة الإعلامية المرافقة لها أن اللون الأخضر للنجمتين بات يشكل رمزاً للمناطق المحررة، إذ بات السوريون يطلقون مصطلح «سوريا عيونها خضر» على كل منطقة يتم تحرريها أو استعادتها من قبل الجيش السوري.
ارتبطت صورة الحافلات العامة بالازدحام الشديد والانسدادات المرورية، والحر، والانتظار الطويل على المواقف، لكنها اليوم باتت بشكلٍ ما تعبر عن انفراجات أمنية ومصالحات وطنية قد يسعى لها الجميع.

ريما نعيسة

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...