الضغوط الراهنة والمحتملة ضد سوريا: أسبابها وبنية عملها وتأثيرها

03-02-2007

الضغوط الراهنة والمحتملة ضد سوريا: أسبابها وبنية عملها وتأثيرها

الجمل:   تتعرض كل الكيانات السياسية الموجودة في النظام المعاصر إلى الضغوط،وذلك بشكل لا استثناء فيه، وفقط يكمن الفرق في طبيعة ومصدر الضغوط، التي تتمثل في ضغوط ناشئة بشكل طبيعي ترتبط بظروف الكيان الدولي، وضغوط يتم فرضها على الكيان بواسطة القوى والأطراف الأخرى.
الضغط في حد ذاته يعبر عن طاقة جهد لعملية متراكمة متعددة المصادر ومختلفة الجوانب والأبعاد، إضافة إلى كونها ممتدة التأثير والتداعيات.
لذلك، فإن أهمية دراسة ومعرفة الضغوط التي تواجهها سوريا في البيئة الدولية الراهنة، تهدف إلى الآتي:
- إدراك وفهم طبيعة الضغوط يعزز القدرة الذاتية لسوريا والسوريين في احتواء وامتصاص كل أنواع الضغوط أياً كان حجمها ونوعها.
- فهم وإدراك العلاقات المتشابكة والأطراف المعلنة والخفية التي تعمل من أجل فرض وتوليد الضغوط المستهدفة لسوريا.
- تحليل طبيعة الضغوط الراهنة والمحتملة الموجهة ضد سوريا، والتعرف على أسبابها، وبنية وطريقة عملها، وكيف تؤثر وتتأثر هذه الضغوط.
- التعرف على نقاط الجمود والضعف في مواجهة الضغوط لتحديد كيفية معالجة جوانب القصور في التعامل مع الضغوط واحتوائها.
الضغوط الراهنة ضد سوريا، أصبحت مثل الموجات المتلاحقة المتلاطمة، بعضها عنيف وبعضها الآخر أقل عنفاً... ولكنها أياً كانت، فهي بالنتيجة تهدف إلى كسر الإرادة، ودفع سوريا إلى دائرة الإحباط واليأس، ثم الانحدار في هاوية الصراعات والنزاعات والتفكك والانهيار الوطني.
معطيات الخبرة التاريخية تشير إلى معاناة الكثير من الدول العربية الضغوط وتأثيراتها السلبية، ومن أبرز الكيانات السياسية العربية التي تعرضت إلى الضغوط المعلنة.
* العراق: بعد فترة حرب الخليج الأولى وحتى الآن.
* ليبيا: بعد حادثة لوكربي وحتى العام الماضي.
* السودان: بعد حادثة محاولة اغتيال الرئيس المصري حسني مبارك في العاصمة الأثيوبية أديس أبابا وحتى الآن.
كذلك تقول معطيات الخبرة السياسية، بأن الضغوط يمكن أن تؤدي إلى تحطيم الكيان السياسي المستهدف، كما في حالة العراق ، وقد لا تؤدي إلى ذلك إذا استطاع الكيان المستهدف الإفلات من تأثير الضغوط، بسبب تماسك جبهته الداخلية وقدرة قيادته على المناورة الواسعة بحيث تكتسب المزيد من الحلفاء والأصدقاء الجدد الرافضين لعملية استهداف الكيان بالضغوط، وفي هذا الصدد فقد لعبت بعض دول العالم الكبرى مثل الصين وروسيا دوراً كبيراً في تنفيس تأثيرات الضغوط التي سبق أن فرضتها أمريكا ومن ورائها إسرائيل على الكثير من دول المنطقة العربية.
تم وضع العديد من التصنيفات لأنواع الضغوط، والتصنيف الأكثر شيوعاً واستخداماً، يقسم الضغوط إلى نوعين:
- ضغوط خارجية المصدر: وتتمثل في الضغوط التي تأتي من الخارج مثل العقوبات الدولية، وغير  ذلك من الاستهدافات الخارجية.
- ضغوط داخلية المصدر: وتتمثل في الضغوط التي تأتي من داخل الدولة مثل الخلافات المذهبية، أو الاثنية، أو الأزمات الاقتصادية الداخلية.
إن فهم طبيعة عمل هذين النوعين من الضغوط وإدراك علاقة التأثير المتبادلة القائمة بينهما، هو أمر في غاية الأهمية، فأحياناً لا تكون هناك ضغوط داخلية، ومن ثم تلجأ القوى الكبرى وحلفاؤها إلى فرض ضغوط خارجية تستهدف الكيان بما يؤدي لاحقاً إلى نشوء أزمات داخلية تؤدي بدورها إلى خلق الضغوط الداخلية، ومن أبرز الأمثلة على ذلك الحالة العراقية، فقد كان العراق أكثر استقراراً، ولكن بعد عملية فرض العقوبات الدولية ضده، أصبح العراق يواجه ضغوطاً خارجية، أدت تأثيراتها المتراكمة إلى خلق أزمات اقتصادية واجتماعية وسياسية.. على النحو الذي ولد ضغوطاً داخلية هائلة، وبرغم محاولة النظام العراقي السابق التكيف مع هذه الضغوط، إلا أن استمرار الضغوط الخارجية وما نتج عنها من ضغوط داخلية أدى في النهاية إلى إضعاف قدرة النظام في المقاومة والبقاء على سدة الحكم.
إن إسرائيل والإدارة الأمريكية تسعيان بشكل حثيث من أجل استخدام خبرة الضغوط الخارجية التي استهدفت العراق في الفترة من عام 1991 وحتى عام 2003م، نموذجاً يتوجب احتذاءه وتعميمه في التعامل مع الدول العربية الرافضة للمشروع الإسرائيلي، وبالتأكيد فإن إسرائيل وأمريكا سوف تحاولان تطبيق واستخدام هذا النموذج ضد سوريا.
وحالياً ينصبّ الجهد الإسرائيلي- الأمريكي في بناء وإعداد وتركيب الذرائع والمبررات لذلك، والتي من أبرزها اتهام سوريا بالآتي:
* اغتيال الحريري وغيره من اللبنانيين.
* زعزعة استقرار لبنان والتدخل في شؤونه.
* عدم تطبيق القرارات الدولية.
* دعم تطبيق القرارات الدولية.
* دعم التمرد العراقي.
* عدم التعاون مع المحكمة الدولية.
* دعم وإيواء ورعاية الحركات الإرهابية مثل حماس وحزب الله اللبناني.
* انتهاك حقوق الإنسان.
* السعي لامتلاك أسلحة الدمار الشامل.
وحالياً تحاول الإدارة الأمريكية ومن ورائها إسرائيل باستخدام هذه الاتهامات في إدارة الصراع الدولي والإقليمي على النحو الذي يوفر المبررات والفرص السانحة لعملية إدانة سوريا وفرض العقوبات الدولية ضدها بشكل يسمح باستهداف سوريا بالضغوط الخارجية، والتي سوف يؤدي إحكامها إلى تشديد الخناق على سوريا وبالذات في الجانب الاقتصادي، على النحو الذي يؤدي إلى نشوء أزمات اقتصادية داخلية تؤدي إلى أزمات اجتماعية وسياسية.. بما يؤدي إلى جعل سوريا تواجه ضغوطاً داخلية بجانب الضغوط الخارجية وذلك على النحو الذي يؤدي إلى دفع سوريا إلى مواجهة ما يعرف بـ(الحلقة الشريرة) التي واجهها العراق في الفترة الماضية، أي ضغط مزدوج داخلي خارجي، يعملان بشكل تصعيدي دائري.. بحيث يدفع الضغط الخارجي الضغط الداخلي باتجاه التصاعد، وفي الوقت نفسه يدفع الضغط الداخلي الضغط الخارجي باتجاه التصاعد.
أهداف الضغوط الخارجية التي تحاول أمريكا ومن ورائها إسرائيل فرضها على سوريا، هي أهداف تسعى إلى ممارسة التأثير المحرض لنشوء الضغوط الداخلية وتوليدها داخل المجتمع السوري الذي يبدو في حالة من الاستقرار والتماسك الداخلي. وأبرز أهداف الضغوط الخارجية يمكن أن تتمثل في
* إعاقة عملية التشغيل الاقتصادي في القطاعين العام والخاص السوريين، وتوضيحاً لذلك تقول: إن نظام التشغيل الاقتصادي في صيغته وشكله العام يتكون من ثلاثة جوانب: المدخلات، التشغيل، والمخرجات.. كذلك ترتبط هذه الجوانب الثلاثة بالعناصر الاقتصادية الأساسية والتي تتمثل في: الأرض، الأيدي العاملة، رأس المال، الإدارة، المواد الخام.. وغيرها. وبالتالي فإن فرض العقوبات الدولية ضد سوريا سوف يسعى إلى استهداف هذه العناصر، على النحو الذي يؤدي إلى إضعاف النشاط الاقتصادي.. وبتراكم عمليات الإضعاف، ومرور الزمن، يصل الاقتصاد إلى مرحلة الشلل.
* تقويض الهياكل المؤسسة: الهياكل المؤسسة العامة والخاصة تقوم بدورها الوظيفي في  إنتاج السلع والخدمات التي تلبي حاجة الأسواق الداخلية والخارجية، وتعتمد الهياكل المؤسسة على العناصر الوطنية ذات الكفاءة والمهارة والقدرة، وقد بينت الكثير من الشواهد أن تزايد تأثير الضغوط الخارجية والداخلية الناتجة عنها يؤديان معاً إلى إفراغ الهياكل المؤسسة العامة والخاصة من عناصر العمل، وذلك بسبب موجات الهجرة والهروب والتسرب إلى الخارج، مع ملاحظة أن الأطراف الفارضة للضغوط تقوم بإعداد الخطط المسبقة لامتصاص هذه الهجرة والتحفيز على المزيد منها، وذلك بدعم مكاتب اللاجئين في دول الجوار الإقليمي، ودفعها إلى استقبال الهاربين، ومساعدتهم بالسفر إلى كندا، وأمريكا واستراليا، على غرار ما فعلت مع العراقيين خلال السنوات العشر الأخيرة من فترة الرئيس الراحل صدام حسين.
لذلك فإن عملية إفراغ كاملة للهياكل المؤسسة الوطنية العامة والخاصة من عناصرها ذات القدرة والكفاءة تؤدي في نهاية الأمر إلى شكل هذه الهياكل عن القيام بدورها الوظيفي وأيضاً ربما إلى خرابها وتقويضها بالكامل بسبب تولي غير المؤهلين لزمام القيادة والسيطرة فيها.
* تشويه القيمة الرمزية للمؤسسات الوطنية: عندما تعجز الهياكل المؤسسية العامة والخاصة عن القيام بدورها، وعندما بعجز الاقتصاد ويصل الى مرحلة الجمود والعجز والشلل تفقد الدولة الوطنية مصداقيتها أمام المواطن، الذي يسعى إلى السخط عليها، وذلك على النحو الذي يشوّه هيبة الدولة ويقضي على القيمة الرمزية العليا لكل المؤسسات السياسية والسيادية الوطنية.

محاور التأثيرات السلبية:
الضغوط التراكمية المتتابعة تسعى إلى التأثير سلباً على الإرادة الوطنية ضمن أربعة محاور، هي:
- محور التكلفة: زيادة تكاليف وأعباء الحياة المعيشية على النحو الذي يولد ضغوطاً تدفع المواطن إلى اليأس والإحباط.
- محور الوقت: دفع دوائر صنع واتخاذ القرار والقيادات الوطنية إلى تركيز جهودهم في مكافحة الضغوط الخارجية بدلاً عن حل المشاكل الداخلية والتي سوف يؤدي إهمالها وتجاهلها إلى المزيد من المشكلات الأخرى.
- محور الجهد: ارتفاع وتيرة ودرجة الخطر الخارجي وتعدد أنواع المخاطر الخارجية يؤديان إلى تشتيت جهد القيادة الوطنية.
- محور الفرص الضائعة: وهي الفرص التي كان يمكن الاستفادة منها، ولكن بسبب الانشغال بمواجهة الضغوط، لم يتم استثمار هذه الفرص، ومن ثم ضاعت، وضاعت معها بالتالي الفوائد التي كان من الممكن الحصول عليها.
وعموماً يمكن القول: إن القطر العربي السوري مازال قادراً على مواجهة الضغوط، وبالتأكيد سوف تتعزز القدرة السورية بمعدلات أكبر، طالما توافرت العوامل المؤهلة لذلك، والتي من أبرزها:
* القدرة على الإدراك.
* القدرة على التكيف.
كذلك، فإن الجمع بين الإدراك والتكيف يتم كما يؤكد علماء الإدارة عن طريق التخطيط السلم، الذي يؤدي إلى:
- استخدام الأساليب الوقائية قبل حدوث الخطر.
- استخدام الأساليب العلاجية عند حدوث الخطر.
إن منطقة الشرق الأوسط تمر بمرحلة أصبحت تزداد حرجاً وخطورة يوماً بعد يوم.. وبعد ظهور وتفاقم الاقتتال العراقي- العراقي، برز الاقتتال الفلسطيني- الفلسطيني، وربما غداً الاقتتال اللبناني- اللبناني.. وهو أمر سوف يترتب عليه وقوع سوريا ضمن واحد من أخطر مثلثات الاقتتال الداخلي من منطقة الشرق الأوسط، وبالتأكيد سوف تحاول إسرائيل وأمريكا بذل كل ما يمكن من أجل امتداد عدوى مثلث الموت الدامي إلى سوريا.


الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...