«بي بي سي» تسوّق لـ«التعايش» في جيش الاحتلال

11-11-2016

«بي بي سي» تسوّق لـ«التعايش» في جيش الاحتلال

عرضت قناة «بي بي سي عربي» التابعة لهيئة الإذاعة البريطانية يوم الاثنين الماضي، فيلماً وثائقيّاً حمل عنوان «جنود إسرائيل العرب»، سلّط الضوء على وحدة صغيرة في الجيش الإسرائيلي قوامها من عرب 48 أو «عرب إسرائيل» كما أطلق عليهم الوثائقي محاولاً البحث في كل ما يتعلق بهذه الوحدة العسكرية وطريقة تشكيلها، وأسباب انتساب الفلسطينيين إلى جيش يحتل أرضهم.
على الرغم من محاولته إظهار التوازن والموضوعية في الطرح، ظهر الوثائقي (49 د) كمادة تسويقية للوحدة العربية في جيش الاحتلال، فركز على الجانب الإنساني في شخوص عدد من الجنود العرب، أمام عدوانية مجتمعية فلسطينية، وضياع للقضية ذاتها في ظل غياب أي فرصة لإقامة دولة فلسطينية.
يسرد الوثائقي بشكل درامي حكاية عدد من العرب (العرب هم المسلمون أو المسيحيون في فلسطين على اعتبار اسرائيل دولة يهودية)، ينتقل بين حكاية وأخرى ويخوض في تفاصيل كل شخصية من شخوص الفيلم. يعتمد في بنيته الدرامية على حبكة واحدة تتعدد منها خيوط ومفردات الأحداث. ينطلق من حكاية الشاب محمود المسلم الذي تطوع في وحدة «غادسار» المخصصة لـ «الأقلية العربية» في الجيش الإسرائيلي، وينتهي بالشخصية نفسها.
يعتمد الوثائقي في بنائه على فرضية بحثية أساسية عن أسباب وجود هذه الوحدة، ويجيب عن هذا التساؤل بشكل غير مباشر من جهتين، الأولى تتعلق بالجهة العربية والأخرى بالجهة الإسرائيلية. من الجهة الإسرائيلية يأتي الجواب بأن الوحدة «تهدف إلى دمج العرب وإعطائهم الثقة ليكونوا أفراداً فاعلين في دولة إسرائيل»، إضافة إلى التركيز على جانب «العرب كأقلية سيعملون بجهد أكبر لإثبات أنفسهم».
من الجهة الأخرى، تتعدد أسباب إقبال مئات العرب على هذه الوحدة، إلا أن أبرز هذه الأسباب هو «داعش»، فالخوف من هذا التنظيم يدفع الشباب للانتساب إلى «جيش الدولة التي يعيشون فيها» وفق الفيلم. بتواتر مستمر يعود الوثائقي ويذكّر بهذه الفكرة «الإرهاب المتمثل بداعش»، ويقول صراحة في بداية الفيلم: «لم تعد حماس أو الميليشيات الإسلامية تمثل الخطر الأكبر على إسرائيل مقارنة بـ «داعش» حيث «ارتفع عدد هؤلاء المجندين 10 أضعاف خلال السنوات الثلاث الماضية». كذلك ينقل عن والد محمود كاشو أحد العرب المتطوعين في جيش الاحتلال أنه ساهم بالتحاق ابنه إلى الجيش خوفاً من انحرافه نحو تعاطي المخدرات أو الانتماء إلى الجماعات «الجهادية».
يبحر الوثائقي في تفاصيل المجندين العرب الذين اختارهم أبطالاً للفيلم، ويبحث في ظروف معيشتهم وفي مدى تقبل المجتمع لهم، كما يجري لقاءات مع عائلاتهم «الفخورة بهم» رغم نفور المجتمع منهم.
يمر الوثائقي بشكل سريع على أسباب أخرى تدفع هؤلاء الشبان إلى الانضمام إلى جيش الاحتلال، من تلك الأسباب وفق النائبة العربية في الكنيست الإسرائيلي حنين الزعبي «الفقر ومعدّل البطالة الذي يتجاوز 52 %، بالإضافة إلى تدني مستويات التعليم فلا تتجاوز نسبة من أكمل تعليمه الجامعيّ في فلسطين الـ 10 %».
يتطرّق الوثائقي أيضاً لحكاية القس المسيحي جبرائيل نداف الذي ينظم حملة لتجنيد المسيحيين في صفوف جيش الاحتلال، ويفسح له المجال لسوق مبررات ذلك «فدولة نعيش فيها علينا أن نقدم لها كما تقدم لنا»، وفق تعبيره، بالإضافة إلى أن «هؤلاء الجنود سيحموننا من داعش».
يحاول الوثائقي جاهداً إبراز قضية حفاظ المنتسبين العرب إلى جيش الاحتلال على هويتهم الدينية، فالمسلم يقسم على القرآن ويصلي خلال فترة التدريبات في الجيش، كذلك يحافظ المسيحي على شعائره، الأمر الذي يظهر إسرائيل كدولة تحفظ حقوق مواطنيها، من دون أن الخوض في قضية «يهودية الدولة» وهي ركيزة بنيت عليها إسرائيل ذاتها، والموجودة أصلاً في النشيد الإسرائيلي «طالما في أعماق القلب توجد روح يهودية تواقة... وللأمام نحو الشرق، عين تنظر إلى صهيون». على أنغام النشيد تمرّ لقطات لأحد الاحتفالات داخل الكنيسة التي يخدم فيها القس نداف (د 20)، كما يختتم الوثائقي به أيضاً.
بشكل غير مباشر يسلّط الوثائقي الضوء على حقيقة الواقع الذي بات يعيشه عرب الـ 48 الذين تركوا عرضة للاضطهاد الاسرائيلي والاحتلال والاعتقال لتضيع قضيتهم. كذلك تظهر ردة فعل المجتمع الفلسطيني على انضمام العرب إلى جيش الاحتلال أن الشعب الفلسطيني ما يزال يتمسك بانتمائه لأرضه ورفضه للاحتلال، فانضمام 1% من الفلسطينيين إلى جيش الاحتلال هو الاستثناء حتى الآن، إلا أنه يتحول مع مرور الوقت إلى قاعدة مقبولة اجتماعياً مع استمرار عمليات الترويج والاختراق المتواصل لمجتمع التّهم بشكل متدرج.
يتزامن الوثائقي مع الذكرى المئوية لوعد بلفور المشؤوم، الأمر الذي يؤكد أهدافه التسويقية، وكأنه جاء ليقول: «ها هي دولة إسرائيل بعد مئة عام على تأسيسها باتت تعيش حياة مدنية كاملة وينخرط الجميع في جيشـــــها من يهـــود ومسلمين ومسيحيين، يقسمون على الدفاع عنها وينشدون نشيدها الوطني».

علاء حلبي

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...