عن استطلاعات الرأي

15-11-2016

عن استطلاعات الرأي

كل وسائل الإعلام/ التضليل، أو أغلبها، بما فيها تلك التي تعد جزءاً لا يتجزأ من المؤسسة الحاكمة، أي رأس المال ومختلف أجهزة الاستخبارات، تتحدث عن مفاجأة في نتائج انتخابات الرئاسة الأميركية، لأن استطلاعات الرأي حسمت بأن المرشحة هيلاري كلينتون ستفوز بأغلبية ساحقة، تقارب التسعين في المئة وفق بعضها.

لكن ما صحة كل هذه الدعاية! هل حقاً استطلاعات الرأي أكدت فوز كلينتون؟
لنبدأ من حيث وجب، أي من البداية. معظم مؤسسات استطلاعات الرأي المستقلة عن الدولة، مشاريع تجارية هدفها الأول والأخير الربح، وهذا يتم، ضمن أساليب أخرى، إرضاء الزبائن ووضع نتائج تناسب آراءهم. هذا صحيح بالدرجة الأولى عندما يتعلق الأمر بمسألة حساسة مثل السياسة والحرب والاقتصاد، وما إلى ذلك من القضايا الحيوية. ومن هذا المنطلق وجب النظر إلى نتائج استطلاعات الرأي المنشورة قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية.
في الوقت الذي أكدت فيه كافة وسائل تضليل الغرب، وليس في الولايات المتحدة الأميركية وحدها، أن فوز هيلاري كلينتون أمر منتهى منه، كانت تشن حملة تشنيع لا سابق لها بحق المرشح الجمهوري دونالد ترامب، وكأن تصريحاته وآراءه الشعبوية ولغته الفاحشة ليست بكافية... بل إنها جعلت منه عميلاً لموسكو. في الوقت نفسه فإنها أصيبت بالعميان تجاه سياسات المرشحة الديمقراطية التي تهدد باندلاع حرب عالمية ثالثة، نووية هذه المرة، تدمّر ما تبقى من الكوكب الأرضي. بل إنها تجاهلت كافة التقارير عن فسادها هي وزوجها واستخدامهما الأموال العامة المتبرع بها لصندوق عام باسمهما لتغطية مصاريف خاصة ومنها، على سبيل المثال، حفل عيد ميلاد ابنتيهما. بل إن وسائل التضليل في القارة العجوز كانت أقل تغطية لهذه وغيرها من التجاوزات اللاأخلاقية من رديفاتها في الولايات المتحدة، وأقل انتقاداً أيضاً، بل شبه عدم ورود أي نقد لها ولسياساتها العدوانية وأنها مرشحة وول ستريت والاحتكارات الكبرى، في الوقت الذي كان واضحاً فيه أن دونالد ترامب يمثّل العمالة البيضاء، والتي هي في حقيقتها عنصرية متعالية، وعلى العكس من رديفاتها في أوروبا الغربية، تفتقر إلى الحد الأدنى من التهذيب وما إلى ذلك. الغرب الأوروبي لم يقبل الاعتراف بحقيقة طبيعة الطبقة العاملة الأميركية وجوهرها.
لنقل، ربما قلة قليلة من المشرفين على سياسات مختلف وسائل التضليل في الغرب الأطلسي توهمت بإمكانية فوز هيلاري، لكن الأغلبية العظمى، كانت، في ظني، تعلم علم اليقين النتيجة مسبقاً، ولذا حاولت التأثير في الناخبين عبر استطلاعات رأي مزورة.
لننظر إلى ما تقوله الإحصاءات التي يمكن الاطلاع على تفاصيلها في صفحة The American Presidency Project, APP/ مشروع الرئاسة الأميركية.
المرشح الجمهوري ترامب حصل على تأييد صحيفتين وطنيتين يبلغ مقدار توزيعهما اليومي أقل من 320000 نسخة، وهو أقل مما حصل عليه المرشح الثالث غري جونسون (أربع صحف توزع أكثر من 700000 نسخة يومية). أما كلينتون فقد حظيت بدعم 57 صحيفة وطنية أميركية توزع أكثر من 13000000 نسخة يومياً، إضافة إلى أصوات الأميركيين اليهود. للعلم، فإن عدد الصحف التي دعمت انتخاب أوباما للفترة الرئاسية الثانية عام 2012 بلغ 40 صحيفة.
كنا عرضنا سابقاً في منبر آخر انعدام ثقة البشر في الغرب بوسائل الإعلام الوطنية حيث استحدث لها، في ألمانيا على سبيل المثال، عدة أسماء منها «صحافة الكذب» و«صحافة الحملات» و«صحافة الثغرات» وما إلى ذلك.
التحريض كله لم يجد نفعاً مع ناخب سدت أذنيه ولم يعد يثق بالمؤسسات الحاكمة التي لا تتذكره سوى في مناسبات الانتخابات، فأدار لها ظهره، تماماً كما حدث في بريطانيا وما سيندلع في دول أوروبية أخرى، وعندها لا ينفع الندم.

زياد منى

المصدر: الأخبار

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...