"اللاذقية" تستعيد مسرحها.. النيات الطيبة لا تخلق فنًّا

26-11-2016

"اللاذقية" تستعيد مسرحها.. النيات الطيبة لا تخلق فنًّا

بعد ست سنوات على انقطاعه، عاد "مهرجان نقابة الفنانين المسرحي" في اللاذقية بنسخة جديدة هي الرابعة له، منطلقاً في "يوم الثقافة السوري"، بدون أن يحمل أي عرض جديد وبدون أن يترك بصمته المتوقعة في ظل دعم ورعاية رسمية من "وزارة الثقافة".مشهد من مسرحية "وجوه": استغلال من دون ابتذال
شاركت في المهرجان الذي استمر أسبوعاً كاملاً، ست فرق سورية من حماه والسويداء والحسكة وفرقتا "نقابة الفنانين" في اللاذقية و "المسرح الجامعي" و "فرقة أليسار المسرحية" التي تشارك خارج جسم النقابة الرسمي، فيما وجهت الدعوات ـ كما يقول مدير المهرجان الفنان "حسين عباس"  ـ إلى كثيرين «لكن بعضهم لم يلب الدعوة فيما قدم آخرون مشاريعَ لم تلق القبول لأسباب فنية ولوجستية».
لم يكن الانقطاع بسبب الحرب فقط، فهي أحد الأسباب، كما يقول صاحب (الجاكيت)، والمعروف بدور «حسان» في مسلسل «ضيعة ضايعة»، بل إن ما مرّت به النقابة من ضائقة مالية في السنوات الفائتة وصلت إلى مرحلة عدم القدرة على دفع رواتب المتقاعدين كان أحد أهم الأسباب، والنقابة بالأصل نقابة خدمية لا إنتاجية، إلا أن تحسن الوضع مؤخراً وبدعم من "وزارة الثقافة" أدى لعودة الحياة إلى روحه مع الأمل أن لا تكون العودة مؤقتة وهو وعد أطلقه مدير المهرجان مضيفاً: «على أن يكون بالمستوى الذي يليق بالجمهور».
الحراك المسرحي
 يعترف نقيب فناني اللاذقية بوجود تفاوت في المستوى مرده إلى تنوع التجارب وخبراتها، وكون غالبيتها من الفرق المسرحية الشابة، فمن الواجب، كما يقول عباس، إعطاء فرص لها لأنها سوف ترفد الحراك المسرحي في المستقبل، إلا أن بعض العروض فنياً كانت دون المأمول.
غياب العروض الجديدة للنقابة لم يمنع الجمهور من التدفق إلى مسرح ثقافي اللاذقية الجديد أملاً أن تكون العروض القادمة من المحافظات الأخرى مختلفة، وأملاً بمشاهدة عروض مسرح اللاذقية لمن لم يفعل، فشهد يوم العرض الأول الفعلي (بعد الافتتاح الرسمي الذي كرم عدداً من المسرحيين) تقديم «أوركسترا الوجع» (للعراقي عدي المختار) وإخراج هاشم غزال الذي لم يتمكن من تحريك النص كثيراً خارج السرد الثنائي فظهر ضياع واضح في فهم قصة العمل باستثناء اللحظات الأخيرة التي لعب فيها على الحضور الرمزي للجيش السوري وتفاعل معها الجمهور.
غالبية الأعمال عانت من مشاكل مختلفة، من السينوغرافيا التي استخدمت نفسها تقريباً لثلاثة عروض، وصولاً إلى ضعف أداء ممثليها وعدم إقناعهم للجمهور بأدوارهم، ففيما تنوعت مصادر الحكايات (نصفها غير محلي) فإن النصوص المحلية بقيت أسيرة توجهات غاب عنها الراهن السوري بمعناه الإنساني عنها رغم ظهور الحرب والموت كإطار دون قدرة على النفاذ الحقيقي إلى روحها، باستثناء عرض «درجة ثالثة» لفرقة أليسار المسرحية (أحمد حاتم، وإخراج نضال عديرة) الذي تناول معاناة المواطن السوري الراهنة ولاقى تصفيقاً جماهيرياً كبيراً.
هيمنة ذكورية
 التجارب الشابة حضرت وهو ما يحسب للمهرجان عموماً، لكن تفاوت الأداء بدا واضحاً بين العروض، فنجح بعضها في إحداث فارق بصري كما في عرض المونودراما الوحيد (وجوه أحن لرؤيتها) لإسماعيل الخلف القادم من الحسكة في ختام المهرجان بتمثيل الشاب «باسل حريب» الذي نجح في استقطاب الجمهور رغم الطول الزائد في نوع مسرحي لا يحتمل كل هذا الطول الزمني، وعرض «وجوه» لفرقة المسرح الجامعي في اللاذقية (ديمتري ديموف، إخراج جماعي وإشراف رغداء جديد) الذي نجح بإطلاق صرخة ضد الهيمنة الذكورية واستغلال المرأة جنسياً من دون ابتذال.
فيما أخفقت عروض أخرى في بناء حالة درامية ومسرحية لنصوص معروفة مسرحياً، كما في عرض «كافيه سكن الليل» لجون بريستلي بإخراج ليال الهادي الذي كان عرضاً بطيئاً في حركته المسرحية وفي تصاعده الدرامي وفي المشهدية الزائدة، فلا يعرف الجمهور ماذا يجري على الخشبة قبل مضي ثلاثة أرباع الساعة، فيما أضافت المخرجة نفوراً إضافياً بإعادتها مشهداً مسرحياً غير ضروري لمدة ثماني دقائق أمام جمهور بدا عليه التململ واضحاً.
كان المشهد الأقسى والأسوأ بصرياً في المهرجان مشهد قطع يد طفل حديث الولادة قدمته فرقة نقابة حماه في عرضها «الجيل الرابع» (نص علي الزيدي وإخراج نبيل جاكيش) من دون التفكير بإمكانية تنفيذه إيمائياً بدل استخدام سكين حقيقي أمام جمهور فيه عشرات الأطفال، قد يكون للمشهد ما يبرره مسرحياً لكن تقديمه بهذه الصورة خلق نفوراً وخوفاً جعل أحد النقاد يصفه بداعشية بصرية متسائلاً: أين هي لجان المشاهدة؟
 مهرجان النقابة هو المهرجان الثاني في المدينة الذي عاد إلى الحياة بعد مهرجان المسرح الجامعي الذي نال هو الآخر نصيبه من النقد لضعف غالبية العروض التي قدمها، وعلى ما يبدو أن الأزمة التي يُتحدث عنها للمسرح السوري لا تتعلق فيه كإطار عملي بقدر ما ترتبط بخيارات المخرجين ورؤيتهم للحال السورية، سواء كان ذلك في القطاع الخاص أم العام.

كمال شاهين

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...