الطرافة والغرابة في تسمية حارات وأزقة دمشق القديمة التي أطلقت لاعتبارات منطقية

12-12-2016

الطرافة والغرابة في تسمية حارات وأزقة دمشق القديمة التي أطلقت لاعتبارات منطقية

الطرافة في تسمية الأماكن الدمشقية نابعة من قصص وحكايا وأساطير تجنح إلى الخيال حيناً وإلى الواقع حيناً آخر.
الدخول في عالم اشتقاق تسميات بعض الحارات الدمشقية قد يكون مفتاحاً واسعاً لتاريخ غني بالروايات الطريفة والتخيلات البعيدة عن الواقع، ويمنح دمشق خصوصية روحية وإنسانية ويخلق هالة من الغرائبية، مثلت رافداً مهماً من روافد الخيال الشعبي والأدبي الذي حوّم في أجواء دمشق كمدينة حقيقية وخيالية وأسطورية.
المدن والأماكن من أبنية وحارات وشوارع وأزقة.. هي كالإنسان لها تفاصيلها الخاصة من جدران وأسقف وأبواب ونوافذ… تنثر عبقاً ينفذ داخل مسام أجسادنا.. لتصبح محملة بذاكرة المكان والزمان، وبدلاً من أن نسكن نحن الأماكن.. تصبح هي من تسكننا.
دمشق وحاراتها وأبنيتها.. سكنت فينا، وساهمت أماكنها إلى حد كبير في خلق هالة خاصة تسكن في وجداننا وعقولنا، وتمنح الخيال الشعبي رافداً مهماً من روافده.
الغرابة والطرافة في حارات دمشق كما يصفها قاطنوها، أنها مدخلجة، فيها فوتات وطلعات وزواريب وزوابيق، والغرابة والطرافة أيضاً في بعض التسميات التي أطلقت قديماً على حاراتها وحدائقها.

ونشير أيضاً إلى أن أهل دمشق مختلفو اللهجة، لذا يغيرون التسميات لهذه الأماكن، فعلى سبيل المثال سوق صاروجا، قلبوا الصاد إلى سين فأصبح سوق ساروجا، وأحياناً يقلبون حرف الشين فيصبح سين، فيقولون السمس بدل الشمس وحتى كلمة زقاق، يقولونها زآء! فأهل الشاغور والميدان بشكل عام يحبون تفخيم الرقيق من الكلمات فيقولون الرصول بدلاً من الرسول وقطعة صلاح بدلاً من سلاح، على حين أهالي الصالحية وما جاورها يحبون الِّرقة في الكلمات فيقولون السمس بدلاً من الشمس والزوزة بدل الجوزة وأعل بدلاً من عقل وزواز بدلاً من زواج، وطبعاً هذا الأمر ليس عاماً، إنما يؤدي إلى تغيير بعضٍ من تسميات الحارات في دمشق.
على الرغم من أن دمشق عُرفت على مر العصور بمدينة الياسمين وأنجبت أروع أنواع الورود ألا وهي الوردة الدمشقية، إلا أن هناك بعضاً من حاراتها وأزقتها وزواريبها يحمل تسميات مازال متعارفاً عليها حتى يومنا هذا، فيها التشبيهات والكنايات الغريبة التي تشكل جزءاً لا يتجزأ من طرافة الإنسان.. ولكن بعض هذه التسميات لاتليق أحياناً بمدينة الياسمين.
ومن تسميات بعض حارات وأزقة دمشق: عين الكرش، بستان القط أو القط، السبع طوالع، الجردون، الطنابر، الكلبة، جوزة الحدبا، المزابل، حديقة الثلاث عنزات، فكتوريا، زقاق الجن، الجزماتية، النانرجة، شاويش بصملة، المنكلانة، ستي رابعة، النقاشات، نهر قليط، زقاق حبس الأموات، برج الروس، بير التوتة، زقاق مطرح ما ضوع القرد ابنه، أبو رمانة، القيمرية.

حارة الكلبة
تقع حارة الكلبة داخل حارة المفتي بسوق ساروجا. وسبب التسمية كما تذكر العامة من الناس أن كلبة ولدت جرواً فيها قبل أن تصبح مأهولة بالسكان، وعندما بدأ العمران يدخل لهذه الحارة كان العامة من الناس يشيرون إليها « محل ما ولدت الكلبة» ومع الأيام اختصر الاسم إلى «الكلبة»، وهنالك الآن العديد من أبناء ساروجا لا يعرفون أين تقع حارة الكلبة.

حارة القط
إن «حارة القط» الواقعة جنوبي حي الأمين بمحاذاة سور دمشق من الداخل كانت تسمى قديماً «بستان القط» واستمر وجود هذا البستان إلى بدايات القرن العشرين وتعود هذه التسمية بحسب بعض سكانها إلى اسم عائلة أو لقب شخص ولا علاقة لها بالقطط.

حارة الجردون
تقع حارة الجردون «الجرذ» بالقرب من جامع الورد في سوق ساروجة، ولم يذكر سبب تسميتها بهذا الاسم سوى ما يتبادر إلى الذهن من أنه كان هنالك جردون أعيا أهل الحارة، أو كانت هذه الحارة ملأى بالجرذان.
سوق قملة

يقع سوق قملة وهو في الأصل اسمه سوق قميلة، ولكن العامة من الناس أسمته قملة، بالقرب من الجامع الأموي في أحد تفرعات سوق الحميدية، وقد يظن للوهلة الأولى أن الاسم مشتق من القمل، ولكن ليس هذا سبب تسميته، فهو سوق قديم يعود إلى العصر المملوكي وأطلق عليه على مر العصور عدة أسماء فهو سوق البيمارستان أو سوق برا أو سوق قميلة وقملة، وفي أيامنا هذه أطلق عليه العامة من الناس اسم «ميلة أو أبو ميلة» والاسم الرسمي له سوق الأمل، ويبدو أن الاسم مشتق من اسم بانيه.
حارة المزابل

تقع بحي العمارة الجوانية التي حملت هذا الاسم في الفترة التي أقام فيها الأمير عبد القادر الجزائري قصراً في العمارة الجوانية أوائل القرن التاسع عشر، وكان لهذا القصر جسر خشبي على فرع نهر العقباني يصل بين زقاق النقيب وحي الشرف الأعلى حيث كانت بقرب الجسر أرض خلاء استخدمت فضلات «لمزابل» القصر.
وفي أواخر القرن التاسع عشر امتدت يد العمران لهذه الأرض وأقامت فيها المتنزهات على طرفي النهر والأبنية السكنية وأخذت اسم حارة المزابل، في حين اسمها الرسمي الآن حارة الشرف الأعلى.
حي الطنابر

يقع هذا الحي في محلة الشيخ محي الدين في الصالحية الذي كان أغلب سكانه من أصحاب الطنابر «الطنبرجية» فسمي الحي باسمهم، والطنبر كان وسيلة نقل للأمتعة في الأماكن المتعرجة والصعبة جغرافياً.

زقاق حبس الأموات
زقاق حبس الأموات من أغرب أسماء الحارات بدمشق، وهو أحد الأزقة في العمارة الجوانية، وقد أطلقت التسمية في بادئ الأمر على المدرسة الناصرية الجوانية، وشاع لقب حبس الأموات على هذه المدرسة في عصر الشيخ عبد القادر بن أحمد، الملقّب بابن بدران وهو من فقهاء عصره وعلامة الشام، وكان يحبس بالمدرسة جثمان من يموت وعليه دين حتى يتطوع أهله أو أحد المحسنين لسداد دينه.

زقاق الولاويل أو الزعاويط
يعتقد أنه كان في حي الميدان، ولم يعرف تحديداً مكانه أو سبب تسميته.

شاويش بصملة
حارة من الحارات العشر الرئيسة في حي القيمرية، لم يعرف على وجه الدقة سبب تسميتها بهذا الاسم، وإن قيل إنها أخذت اسمها من أحد عساكر العثمانيين الذي كان يسكن في تلك الحارة، وكان برتبة شاويش، كما كان فيها فرن خبز يحمل الاسم نفسه «فرن الشاويش» وهو الآن مطعم «عالبال»، وهنالك عائلة عريقة تحمل كنية شاويش موطنها حي الميدان والصالحية.

السبع طوالع
الطالع هو باختصار الخزان الذي يوزع المياه على الأحياء والبيوتات الدمشقية، وسمي طالع لأن المياه تطلع منه، ويتألف الطالع من حوض مياه تتوسطه فوهة القسطل الموصل للمياه، وفي جوانب هذا الحوض فتحات تؤدي إلى أقنية ثانوية تحدد حصص المياه المخصصة لأصحابها.
فقبل أن تجر مياه عين الفيجة لإرواء مدينة دمشق كانت دمشق تسد احتياجاتها من المياه من مياه فرعي نهر بردى: قنوات وبانياس التي كانت تتغلغل في أزقة وحارات دمشق عبر شبكة من الأقنية تصل مياهها إلى كل بيت.
كانت هذه المياه تصل إلى البيوتات والمرافق العامة عبر مجموعات من القساطل إلى ما عرف بالطالع… وفي هذا الطالع (تطلع) ترتفع المياه إلى مستوى يضمن توزيع المياه إلى الدور التي تتغذى بالمياه بوساطة ذلك الطالع عبر ما يعرف باسم موزع المياه في الطالع.
وكان في دمشق آلاف الطوالع التي توزع المياه على البيوتات، ويعود تاريخها إلى أكثر من ألف عام، وكانت هذه الطوالع تتغذى بالمياة من نهر بردى عبر ست قنوات رئيسة.
بقيت دمشق تشرب من مياه الطوالع حتى الثلاثينيات من القرن الماضي، إلى أن بدأ توزيع مياه الفيجة بأسلوب آخر وانتهى دور الطوالع.
ومن هنا جاء اسم حارة السبع طوالع بحي العمارة الجوانية، خلف المكتبة الظاهرية، وفي حارة السبع طوالع هنالك قصر قديم جداً يقال إنه قصر يزيد بن معاوية أو هو قصر جيرون.

شمس الدين العجلاني

المصدر: الوطن

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...