«ست سنوات» لنزار صابور.. نعوات لكل السوريين!

14-12-2016

«ست سنوات» لنزار صابور.. نعوات لكل السوريين!

أخيراً جاء معرض نزار صابور «ستّ سنوات» (خان أسعد باشا ـ7ـ 20 كانون الأول) عنواناً يتلو فيه الفنان منمنماته اللونية العميقة عن الحرب السورية، نحو ما يشبه مدوّنة تشكيلية لبلاد غابت عن وعيها طيلة الأعوام الفائتة من زمن الكارثة، فعبر (120 لوحة - أحجام مختلفة) يلتفتُ صابور إلى مفردة الموت العبثي محاولاً عبر مجموعاته الست التي اشتغل عليها منذ عام 2011 أن يجد قواسم مشتركة بين أبناء البلد الواحد، سواء في مجموعته «صحن الزيتون» والتي عمل فيها على تصنيع عجائنه اللونية الخاصة من مادة العرجون مع مواد مختلفة، أو حتى عبر مجموعته «نعوات سورية» والتي يصدرها الفنان إلى المتلقي بعبارات ساخرة ومريرة على نحو: «قذائف الهاون أكثر من عصافير الدوري في دمشق».الحصار لنزار صابور
مفارقات لا تخلو من قسوة وتشاؤم عبر مزاوجة بين اللون الأسود والفواتح (الوردي والسماوي والأصفر)، محققاً بذلك شخصية متفردة على صعيد معالجته للضوء والظل، وطريقة تعامله مع سطح اللوحة وإطارها الممحو مع فضاء العرض، فالإطار هنا ليس حداً من حدود اللوحة أو قفصاً لها، ولا عتبة من عتباتها النهائية، بل هو جزء من جدارية ضخمة ممتدة على مساحة أكثر من لوحة، قد يكون فيها التجاور أسلوباً من تتابعها في المخيلة الجماعية، ونهجاً فنياً يصرّ فيها (صابور) على تداعياته اللافتة في صياغة الحركة والسكون بين ثنائيات لونية قوامها الداكن والساطع، الهادئ والصاخب، المائي والترابي.
حبكة بصرية
 من هنا يمكن التماس تلك الحبكة البصرية إن جاز التعبير بين مجموعته «القلمون» وبين مجموعته التي حملت عنوان «حصار»، حيث يتكاثف عمل الفنان وشغفه المضني بتحقيق وحدة الموضوع ودسامته على مستوى توزيع عناصر التوازن البصري، والذهاب عميقاً في (نهر الدم) السوري، عمله الذي أراده هنا عنصراً من عناصر كثيفة ومتشابكة لطالما كان لصابور قصب السبق في إغنائها من جمل شعبية وحضارية استمدّها من الذاكرة البصرية الوطنية، مازجاً إياها مع مستويات سحرية في مجموعته «الأيقونة» والتي جعلها هي الأخرى متشعبة وغامضة في أتون استحضار سؤال الهوية، وعبث اللعب بالديني والمذهبي والطائفي والعرقي، على حساب آلة الخراب والقتل اليومي.
من كل هذا وذاك يبدو المعرض الذي أقامته وزارة الثقافة السورية لأستاذ الرسم والتصوير في كلية الفنون الجميلة بدمشق، علامة فارقة في الأرشيف التشكيلي الجديد الصاعد من أتون الحرب، حيث يبدو هذا الحدث بمثابة توقيع شخصي وخاص عما يجري في البلاد منذ آذار 2011، لا من جهة تصنيفه أو ضبطه أو محاولة الهيمنة على مجرياته، بل من باب محاولة الفنان بأن يُدلي بدلوه بعد صمت طال انتظاره. صرخة في وجه العماء والتزوير البصري الذي تمارسه اللوحة التزيينية في غياب اللوحة ـ الوثيقة، واشتباك مباشر مع الواقع الكالح للسوريين في هجراتهم الداخلية والخارجية وتركهم نهباً لآلة الإرهاب الدولي.
رافق المعرض توقيع كتاب «نزار صابور ـ الإنسان اللوحة - هيئة الكتاب السورية» لمؤلفه سعد القاسم، وفيه قدّم الناقد السوري إضاءة مكثفة عن تجربة صابور مشيراً إلى مجموعتيه «أشلاء سورية» و «صمت هس» اللتين كانتا من أبرز الأعمال المقدّمة في المعرض، إذ تجلّت في اللوحة تلك المسحة الشبحية الخافتة للرمزي والتجريدي في خصوصية تشكيلية حملت لوحة الحامل من بنيتها التقليدية إلى ما يشبه جُنازاً فائقاً في طاقته التعبيرية، وخلاصة جمالية حاول ابن مدينة اللاذقية تضمينها في أعماله المتفردة، منحازاً في ذلك من جديد إلى لوحة النخبة، وما يمكن قراءته من جديد في كل مرة يعود المتلقي إلى أعمال صابور الرهيفة والصادمة في آنٍ معاً.

سامر محمد اسماعيل

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...