«كيوبيد» يطوف فوق دمشق

14-12-2016

«كيوبيد» يطوف فوق دمشق

حسب الميثولوجيا الرومانية، «كيوبيد» هو ابن فينوس، إلهة الحب والجمال لدى الرومان، أو أفروديت كما سمّاها اليونانيّون. تقول الأسطورة إنّ «كيوبيد» كان طفلاً قليل الحظّ، جرى تصويره في الرسوم على هيئة ملاكٍ بجناحين، يحمل في يده قوساً وسهماً، وكلّما أصابَ إنساناً جعله يقع في الحبّ الذي لا ردّة عنه. التشكيلي السوري بطرس «كيوبيد» الدمشقي للتشكيلي السوري بطرس المعرّيالمعرّي (1986) أعاد تدوير الأسطورة الرومانية وقدّم نسخةً دمشقية من كيوبيد، تظهره مجنّحاً حاملاً فاكهة الكبّاد، يطوف فيها فوق بيوت الشام القديمة، وعندما يذهبُ أهل الفتاة في زيارةِ الأقاربِ مساءً، يقوم كيوبيد الدمشقيّ برميِ الثمرة في «البحرة» ليبعثر الضوء الساكن فيها ويحوّله إلى ياسمينٍ يتناثر في صحنِ الدّار، فتفهمُ الصبيّة أنّ جارها يحبّها كثيراً.
سيف الإله
 لم يستورد المعري عوالمَ كيوبيده من أدبيات غريبة، فدمشق، أقدمُ حاضرةٍ مأهولةٍ في التاريخ، مرتبطةٌ بميثولوجيات ما زال التداول فيها جارياً حتى يومنا هذا. نصبُ السّيف الدمشقيّ في ساحة الأمويّين يُحيلنا على الأساطير التي رُويت عن هذا السّلاح. بعض الأقاصيص الشعبية تقول إنّ للسيف حدّةً ومرونة ترجعان إلى مكوّنات معدنه الذي يصفه الصناع بـ «الأسطوريّ». يعتقد بعضُ الدمشقيين بـ «ألوهية السّيف» مستندين إلى روايةٍ تقول إنّ الإله «حدد» كان يرسل برقاً يضرب قاسيون، فيترك في ترابه آثاراً هي عبارة عن نترات يقوم «السّيوفيون» باستخراجها وخلطها مع حديد السلاح الذي يعود تاريخ صناعته إلى القرن الثامن الميلاديّ.
«عيد الحبّ السوري»
المُعمَّرون الدمشقيّون، يزينون شرفات بيوتهم، في الحادي عشر من شهر نيسان، بوردةٍ بيضاء تُدعى «وردة عشتار»، هي الزهرة الرمز لآلهة الحب والجنس والجمال والتضحية في الحرب عند البابليين القدماء. تقولُ الميثولوجيا إنّه، في هذا اليوم، نزلت عشتار من العالم العُلويّ إلى العالمِ الأدنى، وقاتلت ﻷجل إنقاذ حبيبها «ديموزيه» (تموز)، فخلصته وبُعث إلى العلياء حيّاً، وصار تبادلُ زهرة النرجس، على سبيل الاحتفال بعيد الحبّ السوري، طقساً يلحظه زوّار دمشق القديمة، على وجه الخصوص، حين يطوفون ضمن المدينة العتيقة في اليومِ إيّاه.
الأشهرُ السورية
 مكوّنات سوريا الكبرى، والحديث هنا عن دول بلاد الشّام، هي وحدها التي لا زالت تستعمل الألفاظ المستمدّة من الحضارات السورية القديمة للتعامل مع أشهر السنة الميلادية. تختلفُ التفسيراتُ والترجمات حول معاني تلك التسميات التي تحيلنا على مزيدٍ من الأساطير وحكايا الآلهة.
أغلب الروايات الشعبية تشير إلى أنّ لفظة «كانون» مشتقّة من الثبات والاستقرار، وهي تدلّل على فصل الشتاء الذي يرافقه سكونٌ ناتجٌ عن ركود الزّراعة حتى انجلاء البرد. «شباط» كلمة بابلية تقود اشتقاقاتها نحو معاني الجلد والضرب، ويعودُ أصل التسمية إلى شدّة الرياح في هذا الوقت من السنة. «نيسان» مفردةٌ بابلية تعني البدء والتحرّك والشروع بالشيء، وكان هذا الشهر بداية السنة الدينية لدى البابليين.
«إيّار» لفظٌ بابليّ أيضاً، يحيل على الضياء أو النور، وفي تفسيرات أخرى هو «فصل الورد» وأوج الربيع. أمّا «حزيران» فهو تسميةٌ سريانية تعني «الحنطة» ويرافق مواعيد الجني وحصاد القمح.
«تمّوز» هو اسم اشتقّه البابليون من لفظٍ سومريّ يعني «ابن الحياة» وهو كنية إله عبده السومريون والأكاديون، عشقته عشتار وردّته إلى دنيا الآلهة بعيد مواته. «أيلول» كان شهراً يبكي فيه الكون كله على «ديموزيه» الميْت، حسب الموروث الشعبي، وأصل اللفظة بابليّ وتعني «النواح».
الكواكب السبعة
 يقول صاحب كتاب «تاريخ دمشق»، الحافظ بن عساكر، «بنيت أبواب دمشق السبعة على الكواكب السبعة، وصُوّر على كلّ باب صورةٌ للكوكب المصرود له، فباب كيسان الذي يرمز لزحل بقيت الصورة عليه حتى الآن، بينما خُرّبت على الأبواب الأخرى». ملاحظاتٌ كثيرة يُمكن أن تسجّل على ما ورد في المؤلفات التي رصدت تواريخ المدن، لكنّ التأمل في ماضيات دمشق التي لا زالت محروسة بسورها على الرغم من كل أقاصيص الحرب والنار والدم، قد سهل تحويل الأسطورة إلى فعل مضارعٍ على شكل «مدينة».
يقول المخرج السوري محمد عبد العزيز، على لسان واحدةٍ من شخصياته في فيلمه الجميل «الرابعة بتوقيت الفردوس»، «إذا بتمشي تحت قوس باب شرقي بالشام القديمة سبع مرّات لمّا بتكون الشمس تحت طالع فينوس، بتجيكي إشارة، إذا مسكتيها لهالإشارة، رح يكون عندك تلات شغلات بتتحق: الخلود، الانبعاث، الحب». جميلةٌ اللغة الشعرية في الفيلم، والأكيد أن بعض جمهوره من عشّاق المدينة يؤمنون بأنّ في هذا الاستشراف بعض حقيقة، ويؤمنون بأنّ سهم كيوبيد قد أصاب طيفاً واسعاً من سكّان الشام فجعلهم يقعون في حبّها الذي لا ردّة عنه.

رامي كوسا

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...