المسلخ البشري، أم مسلخ العفو الدولية؟

24-02-2017

المسلخ البشري، أم مسلخ العفو الدولية؟

الجمل ـ بسام حكيم: في أواخر عام 1990 وبعد الاحتلال العراقي للكويت بعدة أيام، نشرت منظمة العفو الدولية تقريراً لها يتحدث عن سرقة الجنود العراقيين لحاضنات الأطفال من مشافي الكويت وترك الأطفال ليموتوا على الأرض، ومن ثم تبنى هذه الراوية الكونغرس الأميركي وجلب شهوداً لرواية هذه الحادثة في إحدى جلساته، من بينهم كانت طفلة في الخامسة عشر من عمرها جذبت إهتمام السامعين وأثرت فيهم كثيراً، حيث تحدثت بالتفصيل عن رؤيتها للجنود العراقيين وهم يرمون الأطفال على الأرض ويسرقون الحاضنات، بعد عدة سنوات اعترف العالم أجمع بأن هذه الحادثة كانت ملفقة بالكامل، وأن شركة العلاقات العامة الأمريكية هيل اند نولتنون هي من تولت الترويج لهذه القصة مقابل 11 مليون دولار تلقتها من الحكومة الكويتية، والمفاجأة أن الطفلة الذي أبكت الكونغرس الأمريكي لم تكن سوى ابنة السفير الكويتي في واشطن نيرة سعود الصباح
هذه المقدمة ضرورية قبل الحديث عن التقرير الذي نشرته قبل أيام منظمة العفو الدولية ذاتها، والذي تدعي فيه أنها تكشف جرائم النظام السوري وتجاوزاته التي يرتكبها في سجن صيدنايا العسكري بريف دمشق والذي أطلقت عليه اسم "المسلخ البشري" وبدأته بجملة الحكومة السورية "تذبح" شعبها بهدوء، لنبحث ضمن صفحات التقرير والتي بلغت 52 صفحة فلا نجد سوى اتهامات بتنفيذ أحكام إعدام "شنقاً" بسجناء بدون محاكمة، فليس هناك سلخ ولا من يذبحون، ولكن مهنية وحرفية القائمين على إعداد التقرير في تلك المنظمة الدولية اقتضت هذه الإضافات زيادة في سياسة شيطنة النظام السوري المستمرة منذ ست سنوات
تدعي المنظمة أنها اعتمدت في تقريرها على شهادات 31 شخصا من الذين كانوا محتجزين في السجن بالإضافة إلى ثلاثة قضاة سابقين وثلاثة أطباء كانوا يعملون في مشفى تشرين العسكري و22 شخصاً من عائلات المحتجزين في السجن بالإضافة إلى 17 خبير دولي في السجون السورية!!! وأخيراً 4 موظفين سابقين كانوا يعملون في السجن، وباستثناء هؤلاء الأربعة نتسائل كيف للسجناء الذين كرس التقرير معظم صفحاته ليحكي لنا كيف يعصب الحراس أعينهم دائماً ويمنعون عنهم كل شيء باستثناء الهواء ويضربونهم ويعذبونهم، وكذلك الأمر بالنسبة للأطباء والقضاة وعائلات المحتجزين الذين هم بطبيعة الحال لم يدخلوا السجن أبداً، أن يعرفوا خبايا وتفاصيل ما يدور في أروقة السجن من أوامر وقرارات وصفها التقرير نفسه أنها كانت حكراً على رئيس الدولة ووزير الدفاع ورئيس الأركان ومفتي الجمهورية!!! اللهم إلا إذا كانت كل الأسرار والخبايا التي كشفها التقرير كانت ببركة أولئك الخبراء الدوليين في السجون السورية والذين تكتمت المنظمة على اسم الجامعة التي منحتهم شهادة الخبرة الدولية هذه!!!
احترت كثيراً في بادئ الأمر عند ملاحظتي لزجّ منصب المفتي مع رئيس الجمهورية وكبار ضباطه في تنفيذ أحكام الإعدام السرية والتي تنفذها الدولة بعيداً عن أعين محاكمها ووزارة عدلها؟؟ خصوصاً أن القانون السوري لا يحتاج لرأي المفتي أو فتاويه عند تنفيذ أحكام الإعدام لا في المحاكم العسكرية ولا المدنية ! في الحقيقة الجواب الوحيد الذي وصلت إليه هو أن المنظمة الدولية أو من اعتمدت عليهم في إعداد التقرير هم من المتأثرين جداً والمتابعين لأفلام العربي المصرية والتي تحفل بالعبارة الشهيرة للقضاة المصريين والتي تقول حكمت المحكمة بإحالة أوراق المتهم إلى المفتي !
اللافت للنظر أيضاً أن التقرير يقول أن معظم المقابلات التي تمت مع هؤلاء الشهود كانت في جنوب تركيا ! لا في شمالها ولا شرقها ولا غربها، بل في الجنوب حيث تسرح جبهة النصرة ويمرح داعش وباقي المتأسلمين والأخونجية وحثالات الكرة الأرضية.
في الصفحة الخامسة من التقرير تقول المنظمة أن عدد السجناء الذين يموتون تحت التعذيب هو 300 سجين يومياً، ثم تتراجع في الصفحة 12 لتقول أن هؤلاء الـ300 سجين يموتون شهرياً وليس يومياً ! هذه الأرقام تقول المنظمة أنها أخذتها عن منظمة تحليل بيانات حقوق الإنسان، وعلى الرغم من وصفها لهذه المنظمة في تقريرها بأنها تعتمد على الأساليب العلمية في تحليلاتها إلا أنها تسارع إلى التشكيك بأرقامها فتضيف من عندها أن هذه الأرقام متواضعة وأن العدد الفعلي لابد وأن يكون أكبر من ذلك بكثير !
قناة الجزيرة القطرية وضمن حملتها المستعرة لشيطنة النظام في سوريا، كانت قد بثت برنامجاً وثائقيا عن سجن صيدنايا في نيسان من عام 2015، هذا الفيلم بالإمكان مشاهدته على الرابط (https://www.youtube.com/watch?v=gn9-OXukULQ&t=409s) وفيه يقول معد الفيلم في الدقيقة 14 وضمن محاولة للتهويل بأعداد المعتقلين داخل سجن صيدنايا بأنه وصل إلى 1200 معتقل، ولكن تقرير منظمة العفو الدولية إرتأى أن السجن يتسع بل فيه بين 10 آلاف و20 ألف معتقل!! أي بهامش خطأ يبلغ 100% فقط لاغير!! ما دفع السفير البريطاني السابق في دمشق بيتر فورد لوصف التقرير بالكاذب والتأكيد على أنه زار السجن عدة مرات وهو لا يمكن أن يتسع ولا بأي شكل من الأشكال سوى لـ10% مما ذكره التقرير.. مقابلة السفير تجدونها على الرابط (https://sputniknews.com/…/201702151050686212-amnesty-inter…/)
يصف التقرير أيضاً بأن المحتجزين في السجن هم "أطباء ومهندسين ومتظاهرين"!!! وكأن التظاهر مهنة أو أن الطب والهندسة من أعمال المعارضة حتى استخدم واو العطف بينهم ! ويضيف التقرير أن الرابط بين هؤلاء كان أنهم اعترفوا جميعاً بقتل عناصر من الجيش السوري، ولكن لسبب لا يعرفه سوى معدّي التقرير افترضوا أن اعترافاتهم قد انتزعت تحت التعذيب بناءً على شهادتهم هم فقط بحق أنفسهم !
في الصفحة السادسة يقول التقرير أن عدد من تم إعدامهم ما بين عام 2011 وعام 2015 هو ما بين 5 آلاف و13 ألف سجين، ثم يتراجع في الصفحة 17 ليقول أن عددهم في الفترة نفسها يتراوح ما بين 5 آلاف و10 آلاف سجين ! فالآلاف تتضاعف مرة وأكثر وتخفض بنفس النسبة وكأن هذا التقرير من إعداد بسطاطي بسوق الحميدية يريد تسويق بضاعته لأحد السياح!!!
والآن نعود لأولئك الأربعة الذين كانوا يعملون في السجن والذي من المفترض أنهم من كشفوا أسراره للمنظمة لنجد أن واحدهم قال أن القائمين على السجن استبعدوه من نقل السجناء الذين سيقوم النظام بإعدامهم لأنه سني ! وأن الأمر كان يقتصر على الحراس العلويين فقط، وهو بفطنته وذكائه كان يعرف أنه سيتم إعدام السجناء حتى ولو تم استبعاده من مجمل العملية ! وحارس آخر أفطن من ذاك وأذكى فيقول أن الأوامر كانت تأتي بالإفراج عن أسماء معينة للسجناء فيقوم هو بتجميعهم وتسليمهم عند باب السجن، وعلى الرغم من اعترافه بأن مهمته تنتهي عند باب السجن إلا أنه يعود ليؤكد أن هؤلاء كانوا يعدمون بعد خروجهم !!
ما يثير الريبة في التقرير أيضاً حشوه لفقرة من عدة أسطر لا تمت بأي صلة للتقرير عنونها بجرائم المجموعات المسلحة، لا لشيء إلا ليقول فيها أن هذه المجموعات حتى وإن قامت بعمليات خطف وتعذيب وقتل إلا أن غالبية الجرائم كان النظام هو من يقوم فيها!!
يستشهد التقرير بصور فضائية لمقبرة نجها المعروفة بمقبرة الشهداء والواقعة في ريف دمشق، فيتهم النظام بأنه يقوم بدفن ضحاياه فيها فقط لأنه لاحظ ارتفاعاً في عدد القبور فيها وأظهرت إحدى الصور أن هناك سيارة تقف بالقرب من المقبرة!! وعلى الرغم من تناقض أقواله حول هذا الأمر إذ مرة يقول أن إرتفاع عدد القبور بدأ منذ آب عام 2013 ومرة يقول أنه بدأ منذ أيلول عام 2014، إلا أن ما غاب تماماً عن تقرير المنظمة أن قبور تلك المقبرة وغيرها من مقابر سوريا قد تضاعفت فعلاً ولا حاجة للاستدلال على ذلك لا بصور فضائية ولا أرضية، ولكن ذلك فقط بسبب تقاريرها الكاذبة هي وأمثالها والتي توفر الرعاية والحماية لأعتى مجرمي العالم الذين يسلخون ويذبحون ويقطعون الرؤوس ويأكلون القلوب فعلاً لا على صفحات تقارير منظمات تدعي حماية حقوق الإنسان والإنسانية جمعاء منها براء.

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...