موسيقيون يغنون للعودة بين آثار مدمرة على مسرح مدينة تدمر

06-03-2017

موسيقيون يغنون للعودة بين آثار مدمرة على مسرح مدينة تدمر

فوق أنقاض واجهة المسرح الروماني في مدينة تدمر الأثرية، تجلس الشابة انجل ديوب لتغني «راجعين يا هوى، راجعين» بعد ثلاثة أيام على استعادة الجيش العربي السوري والقوى الحليفة والرديفة على المدينة من تنظيم داعش الإرهابي.
إلى جانب انجل، يعزف موسيقيون آخرون على آلات القانون والعود والكمان والدف على حين يمر قربهن جنود سوريون وعسكريون من روسيا، ومن بعيد تسمع أصوات انفجارات بعضها ناجم عن تفجير ألغام وأخرى لغارات ما زالت تستهدف نقاط «الجهاديين» خارج المدينة.
وتقول انجل، التي لم تتجاوز الخامسة عشرة من العمر، لوكالة «فرانس برس» للأنباء «قليل من الدمار لا يعيقنا عن المجيء والعزف والغناء على هذا المسرح رغم ما لحق به».
وتضيف الفتاة، إحدى أعضاء فرقة «شام» الموسيقية، «أتمنى أن أغني وأعزف في كل مكان يخرج منه التنظيم (داعش) الذي يكره الغناء ويحرّم العزف». وفوق حجارة سقطت من واجهة المسرح الروماني، تغني انجل الأغنية تلو الأخرى ويعلو صوتها مع أغنية «راجعين يا هوى».
وتقول: «غنينا «راجعين» لأننا سنعود أقوى مما كنّا لنعمّر سورية»، مضيفة: «كلّ منا يعيد إعمارها بطريقته، ونحن نريد إعمارها بالموسيقا والغناء». ويعود تاريخ مدينة تدمر الملقبة أيضاً «عروس البادية» إلى أكثر من ألفي عام وهي مدرجة على قائمة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونيسكو) للتراث العالمي الإنساني نظرا لآثارها القيمة. ومباشرة بعد استعادة الجيش السيطرة عليها، سارعت الفرق الموسيقية إلى زيارة المدينة كجزء من جولة إعلامية نظمتها محافظة حمص نهاية الأسبوع الماضي. وعند أحد أطراف المسرح الروماني تعزف ميساء النقري على آلة العود وتدعو الموجودين إلى التجمع حولها والغناء معها. تناديهم للصعود إلى المسرح وسط الحجارة الأثرية المتناثرة حولها.
وتقول المرأة وهي في الثلاثينيات من عمرها لـ«فرانس برس»: «أراد تنظيم داعش أن يحرمنا من هذا المسرح، وأن يمنع عنا الغناء، وأردتُ أن أتحداه، وها أنا أتغلّب عليه».
تدعو النقري، بمعطفها الجلدي الأسود وشعرها الأجعد المصبوغ باللون الأحمر الداكن، الموسيقيين الآخرين للانضمام إليها والعزف معاً.
وتقول: «داعش فكرة ظلامية، والموسيقا نور»، مضيفة: «نحن هنا لنوصل صوت المرأة السورية المتحدرة من زنوبيا ملكة تدمر» في إشارة إلى ملكة تدمر الشهيرة التي شهدت المدينة في ظل حكمها أوج ازدهارها في القرن الثالث بعد الميلاد.
ورد اسم مدينة تدمر للمرة الأولى في مخطوطات مملكة ماري في الألفية الثانية قبل الميلاد حسب موقع (اليونيسكو)، عندما كانت واحة لعبور القوافل وإحدى محطات طريق الحرير بعد سقوطها تحت سيطرة الرومان في النصف الأول من القرن الأول الميلادي وإعلانها ولاية رومانية.
وأصبحت تدمر مدينة مزدهرة على الطريق التي تربط بلاد فارس بالهند والصين والإمبراطورية الرومانية بفضل تجارة التوابل والعطور والحرير والعاج من الشرق والتماثيل وصناعة الزجاج الفينيقية.
وقبل بدء الأزمة في سورية العام 2011 كان أكثر من 150 ألف سائح يقصدون «عروس البادية» الواقعة في قلب بادية الشام.
وتكمن المهمة الصعبة اليوم في تقييم حجم الدمار الذي ألحقه داعش مجددا في المدينة، وهذا ما يقوم به رئيس قسم الهندسة في مديرية آثار حمص وائل الحفيان (40 عاماً).
يتجنب الحفيان الدوس على الحجارة المنقوشة والتيجان مما تبقى من أعمدة دمرها «الجهاديون». ويقول لـ«فرانس برس»: «لا يمكن لأحد يملك ذرة إنسانية ألا يحزن لهذا المشهد»، مضيفا «سأبقى حزينا حتى تعود تدمر كما كانت». لم يتمكن الحفيان من إخفاء دموعه، المرة الأولى حين شاهد التترابليون المدمر، المعلم المكون من 16 عمودا ويعود إلى القرن الثالث، والمرة الثانية حين شاهد الأضرار التي لحقت بالمسرح الروماني الذي يعود إلى القرن الثاني الميلادي.
ورغم الدمار من حوله، يؤكد الحفيان أن ترميم ما خلفه «الجهاديون» من دمار ممكن.
ويقول «هذا ليس صعبا، يمكننا إعادة الترميم (… ) هناك تواصل دائم مع (اليونيسكو) ومع منظمات دولية أخرى للمساعدة على إعادة ترميم تدمر».
يسجل الحفيان على دفتر صغير مشاهداته ويلتقط الصور بهاتفه الخليوي.
وحين سؤاله عما بقي من المدينة، يعض مهندس الآثار على شفتيه ويصمت للحظات ثم يقول بنبرة قوية: «بقيت كل تدمر، بقي تاريخ تدمر».
ويضيف: «لا يمكن أن تشوه خدوش صغيرة جمالها. رغم فداحة ما فعله داعش، كل هذا الإجرام لا يعدو مجرد خدوش على وجه هذه الجميلة التي اسمها تدمر».


ا ف ب

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...