الأحزاب السياسية المرخصة حديثاً... ألف مواطـن وألف سؤال!

19-04-2017

الأحزاب السياسية المرخصة حديثاً... ألف مواطـن وألف سؤال!

 ما أكثر الأحزاب التي رُخصت في سورية فور صدور القانون الناظم لعملها عام 2011، وما أقل حضورها في المجتمع السوري، إن لم نقل غيابها شبه الكامل عن ساحة الفعل والتأثير الجماهيري، في بلد يخوض أشرس حرب في تاريخه، وأكثر ما يحتاج في مثل هذه الظروف، إلى تكاتف شعبي عام حول مسائل تمس الوطن وسلامة أراضيه.
لماذا غابت هذه الأحزاب طوال السنوات الست من عمر تأسيس غالبيتها الساحقة عن ساحة العمل السياسي الحقيقي، ولماذا تفتقر غالبيتها إلى الشعبية في المجتمع السوري؟ وما الصعوبات التي تواجهها لممارسة نشاطها بحرية بين الناس؟ وهل لروتين الدولة دور في شلِّ حركتها، أم إن هناك أسباباً أخرى؟
أليس استبعادها من المفاوضات هو نتيجة لغيابها عن ساحة الفعل السياسي الذي تأسست من أجله، واقتصار وجودها في سجلات وزارة الداخلية فقط؟
أسئلة طرحتها "الأيام" على بعض قادة هذه الأحزاب الوطنية المرخصة في الداخل السوري، وعلى باحثين من المهتمين في الشأن العام.

الامتيازات لأحزاب الجبهة فقط
يرى الدكتور سليم الخراط، الأمين العام لحزب "التضامن الوطني الديمقراطي" المعارض، أن الشارع السوري مرتاح لهذه التعددية في الحياة السياسية، وهو غير غافل عنها، لكنه غمز من قناة العتب على الدولة التي لم تقدم لهذه الأحزاب الناشئة جزءاً يسيراً من التسهيلات والامتيازات التي تمنحها لأحزاب الجبهة الوطنية التقدمية، والتي نعرف جميعاً أن البعض منها عبارة عن تجمعات حول شخص لا يزيد عددهم على مئة عضو، أو بضع مئات من المنتسبين، في حين أن الحد الأدنى المفترض من عدد المنتسبين للأحزاب الجديدة، يجب ألّا يقل عن ألف عضو، طبقاً للفقرة "أ" المادة 12 من قانون الأحزاب الصادر في شهر آب لعام 2011.
ويتساءل عن سبب عدم انضواء هذه الأحزاب الجديدة تحت مظلة الجبهة الوطنية التقدمية، والاستفادة مما حققته على الساحة الوطنية حتى اليوم، بدلاً من محاولة تشويه صورة بعض قيادات هذه الأحزاب الجديدة في الظل، وتحجيمها، والإسراع في محاسبة أي من قياداتها أصولاً وقانوناً، لدى أول مخالفة، هذا فضلاً عن كيل الاتهامات لهم من هنا وهناك.
ويقول: كيف لهذه الأحزاب أن تنال ترخيصاً نظامياً بعد التأكد من نظافة قياداتها المؤسسة، ثم تكون عرضة لاتهامات باطلة من الطابور الخامس؟
أما لماذا تم تجاهل كل هذه الأحزاب في مفاوضات السلام، فيجيب السيد الخراط بالقول: هنا العقدة، ففي الإقصاء الذي تعاني منه هذه الأحزاب الجديدة واليافعة، لم يقف الوطن معها، ولم يعينها في المواقف الحاسمة، بل على العكس، فقد تم تعميق شرذمتها، وإدخالها في متاهات القيل والقال، والاتهامات لبعضها في الخفاء بشتى الأوصاف، واللعب عليها كقوى وطنية ناشئة، ومنعها من أن تتلاحم، وتوحد قواها في جبهة عريضة إلى جانب الجبهة الوطنية التقدمية، والعمل عليها لجعلها قوى وطنية تمثل معارضة الداخل السلمية، كما حصل في السنة الأولى من الأزمة، حيث أطلقت هذه القوى مجموعة مؤتمرات، كان أولها التغيير السلمي من دمشق، وثانيها في طهران، ملتقى القوى الوطنية السورية موالاة ومستقلين ومعارضة وطنية، أنتجت في ذلك الحين بيانها المشترك في طهران، الذي استند إليه الأصدقاء الروس في استخدام أول حق نقض "فيتو" في مجلس الأمن، للوقوف إلى جانب سورية في عدالة قضيتها، والدفاع عن أرضها، وشعبها، وثالثها مؤتمر ملتقى الحوار الوطني، الذي جمع كافة القوى مرة أخرى، ومعها قوى وطنية عالمية سورية من كافة بقاع الأرض، من أميركا اللاتينية إلى الولايات المتحدة، وكندا، مروراً بفرنسا، وإسبانيا، وألمانيا، وروسيا، وإيطاليا، وألبانيا، وصولاً إلى الصين.. جميعهم مواطنون سوريون، أتوا ليؤكدوا وحدة موقفهم إلى جانب وطنهم سورية الغالية.. ولكن للأسف، لم تستمر الأمور على هذا النحو.
ويضيف السيد سليم الخراط قائلاً: بدأ التلاعب بهذه القوى من كل حدب وصوب، فضلاً عن تفجر نزعة الأنا أولاً، وتغذية هذه النرجسية بالبحث عن المنصات، ما أدى إلى ما وصلت إليه هذه القوى اليوم، والتي لن يجمعها إلّا طاولة مستديرة برئاسة شخص محايد مستقل، يكون كبيراً بالعمر، ومشهوداً له بالحكمة، كما هو معهود في إدارة حوارات من هذا النوع الخاص.
أما السبب في استبعاد هذه القوى السلمية التي تمارس النشاط الحزبي السياسي والاجتماعي في ظل القانون، وتحت سقف الوطن من مفاوضات السلام في جنيف أو من أي طاولة حوار دولية، فلأنها اتُهمت بهتاناً بأنها وليدة "النظام"، وبالتالي هي الوجه الآخر منه، فما نجحت في أول حضور لها في مؤتمر جنيف، رغم قوة ماحملته من أفكار، حين ذهب وفد يمثل كل التيارات السياسية المعارضة في الداخل السوري، إلى جانب وفد الحكومة الرسمي.
والسبب حسب السيد الخراط، هو ما تكشف عن واقعها المزري أمام كافة المتحاورين معها، وما ظهر من سلوكيات غير منضبطة لبعض رموزها في جنيف، ما انعكس بشكل عام على كيانها كله، وأدى إلى تحجيمها في المفاوضات، وتهميشها، وبالتالي فشلها في إثبات وجودها كقوى تمثل الشعب السوري، ولن يكون لها مكان في قطار المفاوضات، ما لم تتوحد بأسرع وقت ممكن، وتثبت أنها الأفضل في المطلق، والأكثر تمثيلاً للشعب السوري، والأجدر بمقعد الندية مقابل وفد الحكومة السورية الرسمي، ومواجهته المباشرة بواقعها المعهود داخلياً، والمعروف بصوتها المرتفع في المطالب الشعبية، وقد أكدت بياناتها على ذلك خلال سنوات الأزمة، وأثبتت وطنيتها، وتمسكها بأرضها وشعبها، والوقوف إلى جانب قائدها وجيشها في مواجهة الإرهاب، والمؤامرة الإمبريالية الرجعية على سورية.


اتهامات بالجملة
الدكتور هاني خوري، رئيس المكتب السياسي لحزب السلام العربي السوري "حزب علماني"، يرى أن تهميش هذه القوى السياسية الناشئة، يعود إلى رغبة سياسية لدى المجتمع الدولي في استبعاد القوى السياسية في الداخل، مع أنه من المفترض أن تكون الأهم في معادلة التمثيل السياسي، لأنها تمثل القوى الحية السلمية من كافة أطياف المجتمع السوري.
لذا فقد تم تغييب هذا الصوت، أملاً في الحصول على حجم كبير من السلطة، بحجة طبيعة الأزمة، وارتباط العديد من الشخصيات المحسوبة على المعارضة في الخارج، بأجندات إقليمية، ودولية، وتعاملها مع أفكار شعبوية في إطلاق أنفسها، وفي تحشيد جماهيري على أساس الحقد المذهبي، وليس على أساس السياسة والمشروعات ومخاطبة البنية الوطنية، إضافة إلى وجود تخوفات لديهم من كونهم قوى وليدة غير ناضجة، ويمكن السيطرة عليها من الدولة بشكل سهل.
مشروعات تبحث عن دور
يعزو الدكتور هاني الخوري، هذا الحراك السلمي الجديد الذي نشأ مع التغيرات التي عصفت بسورية منذ شهر آذار 2011 حتى الآن، إلى انغلاق الحياة السياسية في سورية في السابق، وتصحرها، وعدم انفتاحها على تعدد الآراء، والحوار، وقوننة الأحزاب، ما أضعف الشعور بالانتماء للوطن.
ويؤكد أن الأحزاب الجديدة، هي مشروعات أحزاب تبحث لها عن دور، وأثر، وقيمة، بينما يفتقر العديد منها في الواقع إلى الخبرة والإمكانات، والتمايز بالبرامج والأفكار، والرؤية في إنضاج العمل السياسي الوطني.
فهي عموماً تشبه بعضها، وترتبط شخصياً برؤسائها، ما جعلها تفتقد للمصداقية.


حزب الكرتونة
يلتقي حول هذه الأفكار، ولكن برؤية أكثر جرأة، عضو مجلس الشعب المستقل، الإعلامينبيل صالح نبيل صالح، الذي حصل على ثقة ناخبيه في محافظة اللاذقية من دون المرور عبر قناة الأحزاب، مشيراً إلى تشابه هذه الأحزاب الجديدة مع بعضها في شعاراتها وأطروحاتها بقوله: "نلاحظ أن الأحزاب الجديدة شديدة التشابه في برامجها الإصلاحية والتنموية، وشبه السياسية، أضف إلى ذلك افتقادها إلى أيديولوجيا تميز توجهها، كما كان عليه الحال مع الأحزاب السورية في أربعينيات القرن الماضي".
لكنه يقسوا عليهم نوعاً ما، حين يشبههم بشركات مساهمة، لم يرتقِ مديروها إلى مستوى القادة بعد.
ويرى أن الأحزاب القديمة "أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية"، قد شاخت وترهلت، وهي تخشى التجدد، أما الجديدة منها، فما زالت في طور الحضانة، حيث تتم معاملتها كمجهولي النسب في الميتم، رغم أنهم لا يقلون في وطنيتهم شأناً عن رواد الأحزاب القديمة، بل قد يكونون أقل سوءاً، من حيث أنهم لم يراكموا تاريخاً طويلاً من الأخطاء بعد.
ويضيف النائب الأستاذ نبيل صالح: لا يمكننا المفاضلة بين الأحزاب قبل دخولها في سباق التنافس العادل على الجمهور، وهذا لم يحصل بعد، حيث إن هناك حزباً واحداً، مازالت تغدق عليه السلطة الامتيازات، رغم غيابه عن الساحة في أول عامين من الحرب، ثم ظهوره بعد انطلاق انتصارات الجيش.
وأعتقد أن هذه الأحزاب بحاجة الآن إلى عصبيات جديدة، غير تلك القديمة، التي باتت عامل تفريق أكثر منها توحيد للمجتمع السوري، المملوء بالعصبيات الدينية، والقومية، والقبلية، والمناطقية.
ويؤكد عضو مجلس الشعب، بفكاهة لاذعة أن هذا واقع؛ فالناس في سورية مشغولون عن الأحزاب بهموم المعيشة يوماً بيوم.
ولو أنشأنا حزب الكرتونة "كرتونة المعونات" لصار الحزب الأكثر شعبية في البلاد.
ويختتم السيد صالح بالتلميح إلى فكرة في غاية الأهمية، حيث يرى أن إعادة هيكلة الأحزاب العلمانية القديمة "البعث، الشيوعي، القومي السوري" قد تكون أكثر فاعلية في مواجهة جماعة الإخوان المسلمين وتفرعاتها.

نضوج فكرة الديمقراطية ومفهوم تداول السلطة
أما الدكتور عصام التكروري، أستاذ القانون العام في كلية الحقوق بجامعة دمشق فقد رأى من وجهة نظره كرجل قانون، ومحلل استراتيجي، أن ديناميكية العمل الحزبي تتعلق بشكل أساسي في مدى النضج الذي وصلت إليه المجتمعات في تعاطيها مع فكرة الديمقراطية، بوصفها مدخلاً أساسياً لمفهوم تداول السلطة.
هذا الفهم، تم التعبير عنه في قانون أحزاب يسمح بمأسسة العمل السياسي الحزبي، ويتيح للأحزاب المرخصة فرصة التعبير عن نفسها، من خلال برامج تسعى إلى استقطاب قاعدة جماهيرية واسعة، تكون ظهيراً لها في الانتخابات العامة.
ويضيف أستاذ القانون في جامعة دمشق: من هنا، فإن البرامج التي تعبر عن هموم المواطن، هي التي تستقطبه حزبياً، وخارج هذا المنظور يصبح العمل الحزبي ترفاً لاطائل من ورائه؛ من هنا أيضاً، اعتقد أن الأحزاب السياسية التي ظهرت في ظل القانون رقم 100 الصادر في شهر آب من عام 2011 نشأت في مرحلة سياسية صعبة، قد تكون فرصة لها لكي تثبت نفسها، لكن علينا أن نعترف أن ثمة عزوفاً من شريحة من السوريين عن التعاطي بالسياسة بشكلها الحزبي، وهذا عائد بتقديري إلى شراسة الحرب التي تشهدها البلاد، والتي جعلت مسألة المعيشة هي الهم الأكبر للسوريين، وربما يكون هذا فرصة للأحزاب الناشئة، لكي تطرح برامج اقتصادية طموحة، تدخل على أساسها الانتخابات التشريعية، لكن الحاصل اليوم أن برامج الأحزاب كلها متشابهة، إضافة إلى أن العمل التشريعي ليس بالمستوى المطلوب، حتى بالنسبة للأحزاب التي حجزت مقاعد لها في مجلس الشعب.ويختتم بالقول: لقد أثرت الحرب على العمل السياسي المؤسساتي بشكله الحزبي، لكن هذا لن يمنع الأحزاب في أن تقدم نفسها بالمضمون، والفاعلية التي يطمح إليها المواطن السوري في المرحلة المقبلة، مرحلة الأمن والسلم المجتمعي وإعادة الاعمار.

سعيد هلال الشريفي: جريدة الأيام

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...