الدور الإقتصادي للأقليات في بلاد الشام عام 1830

22-04-2017

الدور الإقتصادي للأقليات في بلاد الشام عام 1830

في عام 1830 , لدى انفتاح دمشق على أوروبا و تأسيس البيوت التجارية البريطانية في بلاد الشام ,
كان في دمشق 36 بيتاً للتجارة يديرها مسلمون يتاجرون مع أوروبا , برساميل تتراوح بين 20 مليون و 25 مليون قرش , و كان رأسمال البيوت الثمانية الأولى يزيد عن مليون قرش .
و بالإضافة إلى هؤلاء , كان هناك 29 مسيحياً منخرطين في التجارة الخارجية برأسمال يتراوح بين 4.5 مليون و 5.5 مليون قرش .
كان هناك أيضاً 24 بيتاً يهودياً برأسمال يتراوح بين 16 مليوناً و 18 مليوناً من القروش .و كان رأسمال كل من البيوت التسعة يتراوح بين 1 مليون و 1.5 مليون قرش . و كانت أسرة " الفارحي " المعروفة تضم أكثر الصرافيين نفوذاً في دمشق , تسهم أيضاً في نمو هذه التجارة الكبيرة .
و لكن في عام 1879 لاحظ القنصل الانكليزي جاكو " أن ثروات المدينة و ريفها المجاور , التي كانت فيما مضى موزعة بين 50 إلى 60 شخصاً من المسلمين و المسيحيين و اليهود , أصبحت اليوم في قبضة 12 من الأسر المسلمة تشكل جزءاً من الحكومة المحلية , أو ترتبط بها على نحو ما " .
و هكذا يبدو بعد انسحاب المصريين عام 1840 , و تشكيل مجلس ولاية دمشق , أسهم تشكيل هذا المجلس , الذي أقصى عنه المسيحيون و اليهود في احتكار النشاط الاقتصادي للمدينة من قبل عائلات الأعيان ( 12 ) , التي أصبحت جزءاً من المجلس بعد الإصلاحات . و قد توصلت هذه العائلات , عن طريق المجلس , إلى إزاحة المنافسين المسيحيين و اليهود .
و هكذا فإنه كان للإصلاحات هذا التأثير المتناقض الذي أشرنا إليه فيما سبق :
فبدلاً من أن تحمي الأقليات , و تنظر إليها بصفتها مساوية لبقية رعايا الامبراطورية , وفقاً لإعلان مرسوم " غولخانه " , فإن هذه الأقليات استبعدت سياسياً في البداية ( مع العلم أنها لم تملك حقوقاً سياسية ) , ثم أقصيت اقتصادياً , مما جعلها تلتفت نحو القناصل الأوروبيين لحمايتها .
لقد نوهنا في فصل سابق بأن اقتصاد الامبراطورية له سماته الخاصة , و لا سيما المتعلقة بعمل " الأقليات " , و صلتهم بالحياة الإقتصادية بصورة عامة . و لما كان دين الدولة هو الإسلام الحنفي , فإن الأقليات في الإمبراطورية لم تكن تستطيع الدخول إلى المجال السياسي الذي كان مقصوراً على المسلمين . و هذا الغياب من مجال عام بالذات , هو الذي أتاح للمسيحيين و اليهود تحصيل وظائف اقتصادية بالغة الأهمية في التجارة , و الحرف , و الصيرفة , و إقراض الخاصة و الدولة على حد سواء .
و لكن هذه الأقليات , بالرغم من تمتعها بهذه الأهمية في المجال الإقتصادي , فإنها لم تكن تستطيع التأثير في سياسة الدولة لأنها كانت مبعدة عنها . و قد بدأ هذا الوضع في التغير في فترة الإصلاحات , حين تغير دور الأعيان المسلمين أيضاً .
ذلك أن هؤلاء أصبحوا بعد الإصلاحات موظفين لدى دولة تريد تشديد المركزية و تنظيم المجتمع على أسس جديدة , و هكذا وجدوا أنفسهم فجأة في منافسة مع أفراد الأقليات , الذين استندوا إلى مرسوم "غولخانه " 1839 , و طالبوا بنفس الحقوق السياسية – الإقتصادية التي يحصل عليها المسلمون .
حينئذ بدأ الأعيان باستخدام كل الوسائل الممكنة لإبعاد الأقليات عن المجلس , و إضعاف أهميتهم الاقتصادية تدريجياً .
هنا يكمن التناقض . ففي الوقت الذي توقفت الدولة عن النظر إلى الأقليات بصفتها طوائف ذات وضع خاص , ضعفت القدرات الاقتصادية لهذه الفئات إلى حد كبير .

إعداد نبيل الحموي :  من كتاب ( الاقتصاد السياسي لدمشق خلال القرن 19) زهير غزال , ترجمة ملكة أبيض

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...