غلاء الألبسة والحلويات يسرق بهجة العيد من السوريين

25-06-2017

غلاء الألبسة والحلويات يسرق بهجة العيد من السوريين

حاول السوريون رغم ظل الأزمة الثقيل على حياتهم المعيشية لملمة أوجاعهم وهموهم المتراكمة وسرقة لحظة فرح يقدمها لهم العيد على طبق من فضة عبر لقاء أحبتهم وإدخال البهجة إلى قلوب أطفالهم من خلال شراء ألبسةٍ جديدةٍ وحلويات، والذهاب إلى الملاهي مع الحفاظ على طقس «العيدية» المحبب عند أغلبية الأسر، التي احتاجت شهوراً ربما إلى إجراء معادلات حسابية مطولة للموازنة بين دخلها المعدم وإنفاقها المتزايد خاصة في الأعياد، بحيث لم تنفع أي وصفة مجربة لإيجاد مخرج يقيها من الوقوع في فخ الاستدانة أو الإقراض إلا من استطاع بإدارة تقشفية ذكية تجميع بعض المال وتخصيصه لمناسبات الأعياد وإن كان حتماً شهد في أوقات سابقة بعض الغصات المعيشية لكنه قد ينساها حينما يجد نفسه مرتاح الجيب عند وجود مبلغ محدد يمكنه من شراء كسوة العيد لأسرته خاصة بعد أن فقد الأمل والرجاء من مقدرة الوزارة المعنية بحمايته على ضبط السوق ومحاسبة التجار الجشعين، الذين يجدون في فرصة الأعياد مناسبة دسمة لتحقيق أرباح إضافية تشبع كروشهم المنفوخة، مستفيدين من ترك الرقابة التموينية الأسواق على غاربها وعجزهم عن تأدية مهامها في مراقبتها ومخالفة المخالفين دون التمكن من استقاء الدروس من سنوات الحرب السابقة.

أشبه بمغامرة
يبدو ذهاب الأسرة للتسوق في أحد أسواق دمشق الحديثة والشعبية أشبه بمغامرة حقيقية حتى مع رصد مبلغ محدد لشراء كسوة العيد، إذا ارتفعت أسعار الألبسة وخاصة ألبسة الأطفال على نحو جنوني تفوق قدرتها على التحمل بحيث تحتاج الأسرة المؤلفة من 4 أفراد إلى أكثر من 200 ألف ليرة لشراء ألبسة جيدة المواصفة والنوعية، فاليوم في سوق الحمرا يسعر بنطال الولادي بين 4-8 آلاف ليرة والقميص الصبياني يتراوح بين 3-7 آلاف ليرة والفستان البناتي بين 8-15 ألف ليرة، أما البنطال النسائي فبين 4-10 آلاف ليرة والرجالي بين 4-8 آلاف ليرة، والكنزة النسائية بـ3،5 إلى 8 آلاف ليرة والفستان بين 6-15 ألف ليرة والقميص الرجالي بين 4-10 آلاف ليرة، وهذه الأسعار طبعاً تعد وسطية وتتشابه في معظم أسواق دمشق لدرجة أن الأسواق الشعبية لم تعد تحمل من اسمها نصيب، لكن في مطلق الأحوال يصعب إيجاد أسعار بأقل من ذلك مع وجود أسعار أعلى بكثير وخاصة في الماركات، التي يمكن أن ترى فيها العجب العجاب بحيث تجاوز سعر القميص الرجالي حدود الــ 20 ألفاً والفستان النسائي 30 ألفاً والبنطال الولادي بحدود 10 آلاف وأكثر والفستان البناتي بـ20 ألف ليرة، وهذه الأسعار تزداد بطبيعة الحال في المولات التي تحلق أسعارها إلى حدود خيالية لدرجة تجد تعتقد نفسك أنك في بلدٍ آخر وليس في سورية، وهذه المولات بطبيعة الحال لها روداها وزبائنها بينما يتجه أصحاب الدخول المحدودة إلى الأسواق الشعبية كالحميدية والحريقة أو الحديثة كالصالحية والحمرا والبالة التي باتت الخيار الأنسب لأسر بات دخلها لا يكفي لشراء قطعة ثياب واحدة.
لا طاقة لنا
غلاء أسعار الألبسة اشتكى منه مواطنون كثر التقيناهم في أسواق الحمرا والصالحية، فتقول نسرين أحمد أم لثلاثة أطفال: لم تعد هذه الأسواق لنا، فنظرة واحدة على أسعارها الكاوية تجعلنا نشمع الخيط ونعود أدراجنا، لكن لإدخال البهجة إلى قلوب أطفالي حاولت ارتياد أكثر من سوق والبحث عن ألبسة بأسعار مقبولة تناسب ما رصدته لشراء كسوة العيد، حيث تحتاج الأسرة إن اشترت ألبسة «من قريبه» أكثر من 200 ألف ليرة، وهذا لا طاقة لنا به، لذا اكتفيت بشراء قطعة واحدة للأطفال فقط، أما الكبار فتتم كسوتهم بوقت آخر مع جزء من المبلغ استدنته من صديقتي لي وضعها المالي أفضل من وضعي.
نُحمل التموين المسؤولية
على مقربة منها نشاهد سيدة أربعينة ترصد واجهات المحال وتقرأ التسعيرة المعلقة على كل قطعة ثياب نسألها عن أسعار الألبسة ومدى قدرتها على الشراء بهذه الأسعار النارية: حتماً لا مقدرة لنا على الشراء، فراتبي الذي لا يتجاوز 35 ألف ليرة هو ثمن كسوة طفل واحد، فإذا اشترينا خلال فترة العيد فماذا سنفعل بقية الشهر، هل نفتح أفواهنا للهواء لنأكل ونشرب، هذا الأمر بات لا يطاق ويجب على الجهات المعنية إيجاد حلول تضمن تحسين وضع المعيشة وإلا فإن الأسر مقبلة على أوضاع أكثر سوءاً» متسائلاً أين الجهات الرقابية من قيام التجار برفع أسعار الملابس إلى هذا الحد الجنوني، هل يعقل مثلاً أن يقارب سعر الحذاء راتبي؟ ، هل يعتقد هؤلاء التجار أننا «نقطف» المصاري عن الشجر، إلا يعيشون في هذا البلد ليعرفوا أن دخل الموظف لم يعد يكفيه لسد قوت يومه، فما بالهم يرفعون أسعارهم دون رحمة، لكن عموماً المسؤولية تقع على الرقابة التموينية، التي يتوجب أن تفرض عقوبات مشددة على كل مخالف يتلاعب بالتسعيرة من أجل زيادة أرباحه على حساب الفقراء.
حركة بلا شراء
تبدو حركة الشراء رغم ارتفاع أسعار الألبسة مقبولة قياساً بالعام الفائت مع أن الأكثرية تراهم يرصدون الأسعار جيئة وذهاباً دون شراء أي قطعة نظراً لعدم قدرة دخلهم المحدود على تغطية تكاليفها الكثيرة، نرصد عائلة مؤلفة من الأم والأب وطفليهما في سوق الحمرا وقد اشتريا بعض مستلزمات العيد مع لحظ فرحة جميلة ظاهرة على وجوه الصغار نسألهم عن واقع الأسعار في سوق الحمرا تحديداً لكونهم اشتروا كسوة العيد منه، وهنا يبادر الأب الثلاثيني إلى الإجابة فوراً وعلائم الحنق بادية على وجهه: استغل التجار قدوم العيد إلى رفع أسعار الألبسة المرتفعة أصلا ًوالتي لا تنسجم أسعارها مع رواتبنا المعدمة، فأين التموين من هذا الواقع الفوضوي الذي يدفع ضريبته المواطن الفقير فقط، فميسورو الحال لن تشكل هذه الأسعار رقماً لديهم لكن «العترة» علينا، الذين بقيت رواتبنا على حالها بينما زادت الأسعار أضعافاً مضاعفة، فاليوم شراء الألبسة لأطفالي قارب 100 ألف، استطعت تأمينها من خلال جمعية مع أصدقائي في العمل لمدة عام كامل، حرمت عائلتي من أمور كثيرة للحصول عليها بهذا الوقت» مطالباً الحكومة بالتدخل لمعالجة هذا الواقع المعيشي وضع حدٍ لجور التجار المخالفين ومحاسبتهم بأقصى العقوبات منعاً لاستغلال ظروف المواطنين وحاجتهم تحت حجج وذرائع واهية.
عيدية محرزة
ولا يختلف حال الحلويات عن حال الألبسة بعد غلائها الكبير مقارنة بالعام الفائت، إذا لم يكن تواجد عدنان عيسى في أحد محال الحلويات الشعبية بغرض الشراء، فما إن طرحنا عليه سؤالاً ما إذا كانت أسعار الحلويات مناسبة حتى رد بحسرة أنه يخجل من النظر إلى تلك الأصناف المفرودة قبل أن يفكر بالاستفسار عن سعرها، ليتبين إنه عامل نظافة جاء ليأخذ من صاحب ذلك المحل ما زاد من فتات تصنيع حلوياته ويعتبرها «عيدية محرزة» لأولاده في العيد.
لها ناسها
أسعار الحلويات في السوق تبدأ من 1500 ليرة لتصل إلى 15 ألف ليرة للكيلو الواحد من بعض الأصناف ذات النوع الممتاز، علماً أن الأصناف الأولى لا تتجاوز عدد أصابع اليد كالبرازق والبقلاوة والعجوة، و ماعرف «بكول وشكور» وتلك مخصصة للدراويش – على لسان أحد أصحاب المنشآت – لتشجيعهم على الشراء فقط لا غير، أما باقي الأصناف فلها ناسها وزبائنها، بعد أن وصل سعر كيلو الحلو من النوع الممتاز إلى 14 ألف ليرة، وعليه فإن واقع الأسعار المذكور يفرض حكما ًضعفاً في حركة الإقبال والشراء، فمعظم الوجوه تمر أمام المحلات دون أدنى التفات إلى محتوياتها.
كيلو يتيم
أحد المواطنين أكد أن حلويات العيد بالنسبة له باتت من الرفاهيات، ويعتمد شراؤه لها على ربحه ورقة يانصيب، لا سيما أنه «مجرد موظف» على حد تعبيره، وتلك الكلمة كفيلة بأن تختصر كل ما يمكن أن يقال عن حكايته المريرة مع الأسعار عموماً والحلويات خصوصاً، في حين تبدو الحال أفضل بقليل بالنسبة إلى «أبو علاء» الزبون الوحيد الذي داخل حرم أحد المحلات وبيده كيلو يتيم من البقلاوة اشتراه لعائلته المؤلفة من 5 أفراد.
أصحاب المنشآت لهم أوجاعهم
يبدو أن لسان السوق لا يفصح عن حال المواطنين المستهلكين، بل أيضاً أصحاب المنشآت لهم أوجاعهم، إذ يؤكد صاحب منشأة حلويات  ضعف الحركة الشرائية بالمقارنة مع فترة العيد خلال السنوات السابقة رغم اضطراره لبيع بعض الأصناف بسعر التكلفة وبأقل من التسعيرة المخصصة من قبل وزارة التجارة الداخلية و حماية المستهلك، بغية تشجيع المواطنين على الشراء وزيادة حجم المبيعات عبر تضييق هامش الربح المشروع كوسيلة للخروج بأقل الخسائر الممكنة، وذلك يؤكده صاحب منشأة حلويات آخر بقوله: غلاء أسعار الحلويات ناجم عن ارتفاع أسعار المواد الداخلة في تصنيعها من جهة وعدم استقرارها من جهة أخرى فسعر كيس السكر وصل إلى 20 ألف ليرة بعد أن كان منذ أيام قليلة بـ 16 ألف ليرة، بينما يتراوح سعر كيلو الفستق الحلبي بين ( 8 – 13 ) ألف ليرة بعد أن كان بـ 350 ليرة قبل الحرب.
المسؤول الضائع
اللافت أثناء رصدنا لآراء المواطنين وأصحاب المحلات تسليم معظمهم بعدم وجود حل لداء ارتفاع الأسعار، وهو مؤشر ملموس على فقدان الأمل بالنسبة لهم في إيجاد حل ما أو حتى مجرد الاقتراح، وكأن الكل اعتاد على إشباع حاجاته من تلك المواد بالنظر إليها فقط «شم ولا تدوق»، والأخطر من ذلك ضياع البوصلة في تحديد من المسؤول عن ارتفاع الأسعار؟ فضياع المسؤول يعني حكماً ضياع الحل، فأين يجد المواطن ضالته في خضم كل تلك المعطيات؟، لربما يجب أن يشعر المسؤول الضائع بذات نظرة عدنان عيسى موظف النظافة أمام طبق الحلويات قبيل العيد، لعل دمه يتحرك ويبادر لاتخاذ إجراءات تسهم في تخفيض الأسعار.
موسم انتهاز
ولم تكن ألعاب العيد بمنأى عن ارتفاع أسهم أسعار ركوبها ولاسيما البسيطة منها التي لا تزال تعتمد على «الدفش» يدوياً، فأيام العيد تشكل موسماً لأصحابها عليهم انتهاز كل لحظة فيه، فمن 50 ليرة ارتفعت أجرة الركوب للشخص الواحد على الأرجوحة الى 300 ليرة ويمكن أن يرتفع ذلك المبلغ ليصل إلى 600 ليرة في صالات الألعاب الخاصة والمولات، هذا ينطبق على الأراجيح البسيطة فقط فما بالك عند الحديث عن «السفينة» أو «القلابة» فهذه لها تسعيرة خاصة في فلك الحسابات، وكل تلك الأسعار لقاء 7 دقائق تضبط آلياً، فلا يلبث الطفل أن يجلس في اللعبة حتى يعاود النزول و دموعه على خديه بسبب قصر المدة.
مصروف خاص
تقول أم سمير: باتت ألعاب العيد بحاجة لميزانية خاصة كما كل مستلزمات العيد من حلويات وملابس فلا اكتمال لعيد الأطفال إلا بها، مشيرة الى أنها أنفقت العيد الماضي أكثر من 10 آلاف ليرة على ألعاب الملاهي لطفلتيها. بينما تحرص أم مجد على إدخار ميزانية خاصة لألعاب العيد فهي برأيها أهم من شراء ملابس العيد بالنسبة لأطفالها الذين يدخرون كل مصروفهم لينفقوه على ألعاب العيد.
لا رقابة
وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك قدمت عذراً لم نستطع تبريره أثناء سؤالنا المعنيين هناك عن سبب ارتفاع أسعار الألعاب بقولها: إنها لا تقوم بتسعير الألعاب لأن القصة «لا تستاهل» لكونها مقتصرة على أيام العيد فقط، ومهمة الوزارة تقتصر على إلزام أصحابها عن الإعلان عن سعرها أو تنظيم الضبوط في حال الشكوى وأما مهمة التسعير فتترك للمكاتب التنفيذية في المحافظة.
أما فيما يخص مراقبة أسعار الألبسة والحلويات والسلع الأخرى، فكما المعتاد حضرت لغة التسويف وعرض العضلات وتكرار سيناريو نفسه حول استنفار دوريات حماية المستهلك طوال العيد دون مقدرة على ضبط السوق وأسعاره الكاوية، حيث يؤكد مدير الأسعار في مديرية التجارة الداخلية وحماية المستهلك عبد المنعم رحال أن المديرية ستستنفر دورياتها طوال أيام العيد على كافة السلع والمواد، وخاصة أفران الخبز ووسائل النقل بسبب الاستغلال الكبير الذي يحدث نتيجة جشع بعض ضعاف النفوس تحت مسمى «العيدية»، إضافة للتدقيق على حيازة المفرقعات النارية ومخالفة أصحابها، علماً أنه لن يكون هناك عطلة للمراقبين التموينيين خلال العيد.

رحاب الإبراهيم- أروى شاهين- دانية الدوس

المصدر: تشرين

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...