مياه اللاذقية ثروة تهدر في البحر

21-07-2017

مياه اللاذقية ثروة تهدر في البحر

مياه اللاذقية ثروة تهدر في البحر! بين الهدر والتلوث والاستثمار في غير مكانه المناسب، يفقد حوض الساحل السوري مخزونه المائي في وقت يعاني فيه سكانه من أزمة عطش غير مبررة بسبب وفرة الموارد المائية التي لم يحن الوقت بعد أن تشهد انخفاضاً في الغزارة، فبينما يحتاج سكان حوض الساحل السوري إلى مضخات كهربائية لإيصال المياه إلى منازلهم تهدر نسبة كبيرة من المياه في البحر، حيث تقدر كميات المياه المهدرة سواء من الأنهار أم من الينابيع حسب دراسة أجرتها الهيئة العامة للموارد المائية بين عامي 2015- 2016 بنحو 1،2 مليون م3، فيما يؤكد باحثون في المياه ومتخصصون أن الأرقام الحقيقية أكثر بكثير من ذلك، إذ يتجاوز الهدر في نبع السن وحده 4 ملايين م3.

هدر على أعين الجهات المعنية
تتكون مصادر مياه الشرب في اللاذقية بالدرجة الأولى من الينابيع والآبار الارتوازية، إذ إن 80 % من مشروعات مياه الشرب في المحافظة تقوم على الينابيع وأهمها نبع السن المصدر الأساسي لمياه اللاذقية والذي يقع على بعد 50 كم جنوب المدينة، أما 20 % المتبقية من المشروعات فيعتمد على مياه الآبار.

ووفق مصادر الصحيفة فإن مياه نهر السن ما زالت تعاني من هدر عالٍ يصل إلى مئات آلاف الأمتار المكعبة من المياه إلى البحر من دون استثمار حقيقي، فالجهود الخجولة المبذولة تمكنت من إدخال نسبة ضئيلة جداً من مياه السن إلى السدود للاستفادة منها، فيما تغيب أي مخططات جادة لوقف هدر مياه نهر السن والإفادة منها في خدمات حقيقية، كما يغيب استثمار المياه الجوفية والينابيع تحت البحرية التي تضيع سدى على طول الساحل.

كما أن نبع الفوار الذي ظلت مياهه النقية لعقود من الزمن هي المصدر الوحيد لمياه الشرب في مدينة جبلة، بات اليوم رافداً أساسياً لنهر الرميلة الآسن وذلك على أعين الجهات المعنية التي تقر أن مياهه ضمن المواصفات القياسية وصالحة للشرب، عدا عن مياه عين الزرقا التي كانت تغذي تجمع الرميلة منذ سنوات حيث ما زالت مضخات مياه الشرب قائمة فيها، وتحولت اليوم إلى أشبه بخرابة تغطيها الحشائش والقصب والعوالق.

والمشهد بالنسبة للأنهار في المحافظة ليس أفضل حالاً عن الينابيع، إذ يتعرض نهرا الكبير الشمالي والصنوبر لهدر وتلوث كبيرين يهددان الأراضي الزراعية بسبب تحويل مصبات الصرف الصحي على مجرى النهرين.
معظم مياهنا إلى البحر
الدكتور أحمد محمد رئيس قسم الجيولوجيا في جامعة تشرين قال لـ”الأيام”: العجز المائي وظاهرة الجفاف اللذان بدأنا نعاني منهما في العقدين الأخيرين استدعيا البحث في استثمار مصادر المياه وتلبية الحاجات المائية وخاصة فيما يتعلق بالينابيع تحت البحرية، مشيراً إلى أن الأخيرة موجودة في كل دول العالم حيث تتم الاستفادة منها من خلال إقامة مشروعات لاستجرارها، لكننا في سورية غير قادرين حتى اليوم على استثمارها بسبب اختلاطها بمياه البحر مع العلم أنها باتت ضرورة ملحة جداً.

وأشار محمد إلى إجراء عدة دراسات حول المياه في الساحل بينت أن هناك كميات كبيرة من الجريان الجوفي لا يتم استثمارها وتذهب من دون جدوى إلى البحر، ولعل السبب في ذلك –برأيه- هو الإجماع على أنه توجد وفرة بمياه الساحل ولا سيما في نهر السن الذي هو عبارة عن 13 نبعاً تتفجر في منطقة تغذيتها جوفية ويقوم بتغذية محافظتي اللاذقية وطرطوس.

وأوضح محمد أن أهم مصادر المياه في حوض الساحل هي الينابيع التي تعد مخارج طبيعية للمياه الجوفية، بالإضافة إلى المخارج الاصطناعية التي تتمثل بحفر الآبار لقطف المياه الجوفية من باطن الأرض قبل وصولها إلى البحر.
وإذ أشار محمد إلى أن أغلب المياه في الساحل تصرف في البحر ضمن صادر ووارد مائي فإنه أكد أن أحواض المياه غير مستقرة حيث تتجدد سنوياً، وأضاف: خلال السنوات الخمس الأخيرة كان حجم الضخ أكثر من حجم المياه ولذلك فإننا نسير نحو الاستنزاف، وللحيلولة دون ذلك فإن الحل يكمن بحفر الآبار والقيام بمشروعات لاستثمار كل قطرة ماء والحيلولة دون ذهابها هدراً باتجاه البحر.

المشكلة في الإدارة
الدكتور حسين جنيدي رئيس قسم هندسة النظم البيئية في المعهد العالي لبحوث البيئة في جامعة تشرين قال لـ”الأيام”: المشكلة برأيي ليست في كمية المياه وإنما في إدارة هذه المياه والمحافظة عليها، إذ إنه مهما بلغت كميات المياه فإن غياب الإدارة والاستراتيجية الخاصة بها سيجعل هذه الكميات غير كافية، مضيفاً: هناك العديد من الأسباب التي تقف وراء العجز المائي الحاصل وأولها يتمثل بعدم الاستثمار الحقيقي والجاد للموارد المائية التي يذهب قسم كبير منها هدراً باتجاه البحر بالإضافة إلى التعديات على شبكات مياه الشرب واستجرارها من دون حسيب أو رقيب واستخدامها للأغراض الشخصية، ناهيك عن الهدر في شبكات توزيع المياه نفسها حيث إن الانقطاع المتكرر للمياه في الشبكة انعكس سلباً على العمر التصميمي لشبكة التوزيع وساهم بشكل فعال في تآكل تلك القساطل ما أدى بشكل أو بآخر إلى تسرب المياه بشكل كبير إلى الوسط الخارجي أثناء وجود المياه فيها ودخول الملوثات إليها.

وأكد جنيدي أن هدر المياه باتجاه البحر مرفوض والدراسة الجادة والعلمية هي الأساس في وضع الأمور في نصابها وحتى ذلك الوقت الذي يقتنع فيه الكثيرون بضرورة قيام دراسات جادة وتطبيق الإدارة والممارسات الجيدة في العمل سوف يمضي زمن ليس بالقليل، عندها يكون الوقت قد تأخر وأخاف أن أجد اليوم الذي نضطر فيه لتحلية مياه البحر أقرب بكثير مما هو مفروض علينا زمنياً.

تعددت الأسباب والهدر مستمر
بدوره، أكد عضو مجلس محافظة اللاذقية محمد الجهني لـ”الأيام” أن هناك كميات كبيرة جداً من المياه المهدورة في حوض الساحل بشكل عام، مشيراً إلى أنه في نبع السن وحده هناك هدر ما يقارب 4 مليون م3، مدللاً على أن الغزارة الوسطية لنبع السن بين فصلي الصيف والشتاء تبلغ 13،5 م3/ثا فيما تصل غزارته في الشتاء ما بين 22 إلى 24م3/ثا ، إلّا أن المستثمر فعلياً منه 6م3/ثا فقط.

ولفت الجهني إلى أن هناك هدراً كبيراً في الحوض الجوفي للسن بقسميه الشمالي والجنوبي والتي تبلغ مساحتهما 400 كيلو متر مربع حيث يغذي الحوض الشمالي نبع السن ليصار إلى ضخه باتجاه اللاذقية وبانياس وجبلة وطرطوس لمصلحة مياه الشرب وإرواء الأراضي الزراعية بما يقدر بين 30 إلى 50 مليون م3 سنوياً أما الحوض الجنوبي فليس مستثمراً منه سوى 10 %.

وقال الجهني: أؤكد أنه يوجد لدينا وفرة كبيرة بالموارد المائية إلّا أن هناك سوء إدارة لهذه المياه، فعلى سبيل المثال في كل محطات الضخ حول العالم يوجد مضخات عاملة ومحطات احتياطية، وبالعادة إذا كان هناك ثلاث محطات عاملة يكون هناك محطة احتياط إلّا في نبع السن يوجد 12 محطة عاملة ولا محطة احتياطية.وشدد على أن هناك 80 % مياهاً مهدورة في المحافظة مستثمر منها فقط 10 % مشيراً إلى أن هناك هدراً كبيراً في المياه سواء الصالحة لمياه الشرب أم تلك المخصصة لأغراض الري، مبيناً أن الهدر يكون إما بعدم الاستثمار الجيد للموارد المائية وإما بالتعديات على خطوط الجر والسرقات والتأخر بعمليات إصلاح الأعطال محملاً المسؤولية في ذلك إلى مؤسسة المياه.

كما أعرب الجهني عن استغرابه من أن تعاني اللاذقية من العطش علماً أن مؤسسة المياه تستجر 3،8 م3/ثا مياه مكلورة ومصفاة ومعدل استهلاك الفرد 120 ليتراً ما يعني أن كمية الضخ بالمقارنة مع المعدل الوسطي تكفي لـ 4 ملايين فرد ورغم ذلك هناك أزمة في المياه فالمشكلة في إدارة المياه وليس في نقص المياه والسؤال أين تذهب المياه؟.
وأشار الجهني إلى أن هناك هدراً في جريان نهر الصنوبر عند سد الثورة، وهدراً وتلوثاً كبيرين في نهر الكبير الشمالي الذي يعاني من مشكلة كبيرة تتمثل في تحويل مصبات الصرف الصحي على مجرى النهر ما يشكل خطراً كبيراً على المزروعات، ناهيك عن خطورة أن قسما من هذه المياه يتسرب إلى المياه الجوفية، مطالباً بالعمل على تسريع إنشاء محطات معالجة.

إقرار بالهدر
الدكتور المهندس سامر أحمد المدير العام للهيئة العامة للموارد المائية أكد لـ”الأيام” أن الموارد المائية السطحية في محافظة اللاذقية قليلة نسبياً ويعتبر نبع السن أهم هذه المصادر إذ تستثمر مياهه في تأمين الجزء الأساسي من مياه الشرب للاذقية وجزء من طرطوس ومصفاة بانياس.

وأوضح أحمد أنه يتم تأمين 4 م3/ثا لمياه شرب اللاذقية، و0.82 م3/ثا لمياه شرب طرطوس، و0.4 م3/ثا لمصفاة بانياس، و4.5 م3/ثا لشبكات الري، وتوزع هذه النسب عند توفر الغزارة الكافية من نبع السن، وعند انخفاض الغزارة إلى ما دون 9 م3/ثا يتم تخفيض الضخ عن مياه الري.

ولفت أحمد إلى أنه سعياً من الهيئة لتدارك النقص في موارد المياه في نهاية فصل الصيف عملت ضمن مشروع متكامل يهدف إلى إنشاء مجموعة من أحواض لتخزين المياه الفائضة أثناء فصل الشتاء وأثناء انقطاع التيار الكهربائي فتم تجهيز الحوض الأول شرق أوتوستراد اللاذقية – طرطوس بحجم تخزين حوالي 75 ألف م3 وتم استخدامه في تأمين مياه شرب للاذقية خلال العام الماضي، ويتم تجهيز الحوض التجميعي الثاني غرب الأوتوستراد.

وقال أحمد: مياه نبع الفوار تخضع لتحاليل دورية من قبلنا كأحد المصادر المائية وهي ضمن المواصفات القياسية السورية من الناحية الكيميائية ويمكن استخدامها للشرب بعد إجراء عملية التعقيم، مشدداً على أن أزمة المياه التي تعاني منها جبلة هي نتيجة عدم استثمار نبع الفوار.

وأوضح أحمد أن المياه المهدورة في حوض الساحل هي مياه غير مستثمرة وينابيع تحت بحرية لا يمكن الاستفادة منها وليست ذات جدوى اقتصادية، مشدداً على أن الموارد المائية في المحافظة تكفي احتياجاتها من ناحية مياه الشرب وري الأراضي الزراعية، وما يتم ضخه من نبع السن يغرق المحافظة بالمياه الصالحة للشرب.

ولفت أحمد إلى أن الموارد المائية قامت بعدة إجراءات للتخفيف من هدر المياه باتجاه البحر إذ وضعت الآبار المحفورة ضمن مشروع تأمين جزء من احتياجات مياه الشرب لدمشق وريفها من فائض مياه الساحل السوري، والمشروع تحت تصرف مؤسستي مياه الشرب في اللاذقية وطرطوس، مبيناً أن الحكومة أولت اهتماماً كبيراً لموضوع حصاد المياه حيث تم إعداد الدراسات الفنية لمجموعة من السدات في محافظتي اللاذقية وطرطوس.


صحيفة الأيام السورية

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...