تجارب ناجحة للزراعات المنزلية تؤمن دخلاً مناسباً للأسر الفقيرة

04-10-2017

تجارب ناجحة للزراعات المنزلية تؤمن دخلاً مناسباً للأسر الفقيرة

من سطح بناء مقابل يعلو على ما حوله، تبدوالحديقة التي اهتم بها أبوهاني لسنوات(في الصورة)، وأسسها تدريجياً علىفي معادلة تغيير الواقع تجارب ناجحة للزراعات المنزلية.. تعزز الاكتفاء الذاتي وتؤمن دخلاً مناسباً للأسر الفقيرة سطح البناء الذي يسكن فيه في ضاحية الأسد مثل جوهرة نفيسة، أو واحة فريدة، تتوسط مجموعة كتل وأبنية اسمنتية حولها، فتبعث على الفرح والسرور، وتثير البهجة في نفوس الناظرين إليها، لتثير تساؤلاً.. ماذا يمنع لو كانت كل الكتل والأسطح الاسمنتية تشبه سطح ذلك البناء الذي يسكن فيه الرجل صاحب الفكرة؟ ماذا لو كانت كل العمارة المحيطة بنا أبنية خضراء تؤمن موارد إضافية للدخل عبر زراعات بسيطة تتوفر في تلك الحدائق، وتعطي مظهراً حضارياً، ومنظراً جمالياً يقلل آثار التلوث البصري والصحي، منظراً نستفيق عليه حين ينتهي كابوس الحرب وسنوات دمارها المؤلمة؟ لماذا لم يتسع نطاق تلك التجربة التي بدأت مع بدايات الأزمة، وينتشر صداها على النحو الذي كان مأمولاً رغم ما أثير كثيراً عن أهمية هذه الحدائق، وتلك التجارب البسيطة التي جاءت من وحي الواقع والحاجة، لتؤمن الكثير من الاحتياجات الأساسية لساكنيها، وتغنيهم عن ارتفاع الأسعار وتقلباتها، وتمنحهم مصادر طعام صحية معروفة ومضمونة وذات قيمة غذائية عالية؟.

د.المقداد: الجدوى اﻻقتصادية من هذه الزراعة تتجاوز المفهوم المباشر والتقليدي في تقليل النفقات وتحقيق اﻻكتفاء الذاتي وعدم الخضوع ﻻستغلال التجار

خبرة ضرورية

وربما يكون الخوف، وفقدان الثقة، والغلاء المعيشي من أبرز وأهم الأسباب التي دفعت بالكثيرين إلى استثمار حدائقهم المنزلية، والتوجه إلى الاهتمام بها، خاصة مع السنوات العجاف التي رافقت الأحداث في سورية، وكل ما شهدته من ارتفاع جنوني مطّرد في أسعار الغذاء بأصنافه المختلفة من فاكهة وخضار ومنتجات حيوانية، فبات العمل على إنتاج بعض أصنافها في الحدائق أو المساحات المتوفرة أمراً مُهماً تعمل عليه الكثير من الأسر السورية، وبالعودة إلى “أبو هاني” يبدو الرجل الستيني الذي قضى سنوات طويلة من حياته في منطقة ريفية صاحب خبرة جيدة في التعامل مع حديقته، وهو ما كان ربما سبباً في النجاح الذي حققه، يتحدث مثلاً، كيف تمكن صيف العام الماضي من توفير طبخات “بامية” إلى جانب خضروات طازجة من شتلات البندورة، والخيار البلدي، والفليفلة الخضراء التي نبتت في حديقته الصغيرة على سطح منزله، موضحاً أن الاهتمام والمتابعة أمران ضروريان لأي شخص مهتم بتأسيس حديقة منزلية، وربما يحتاج الأمر القليل من الخبرة بالنسبة لنوع الشتلات، وطريقة زراعتها إلا أن هذا الأمر متاح اليوم للجميع، ويمكن الحصول على طرق زراعة هذه المنتجات المنزلية عن طريق مواقع عديدة من خلال الانترنت، وهو ما ساعدني كثيراً في حديقتي المنزلية، وعن المشاكل التي تواجه “أبو هاني” يقول: توفر المياه اللازمة للسقاية مشكلة يجب الانتباه إليها منذ البداية، وقمت بحلها باستخدام خزان إضافي مخصص للحديقة.

تجارب واعدة

تجارب أخرى مميزة، تم رصدها ومتابعتها، تؤكد رغبة الكثير من سكان دمشق وريفها بالبحث عن مصادر بديلة للإنتاج والدخل الغذائي، فأبو منار يربي في بناء آخر دجاجاً بلدياً على سطحه بعد حصوله على موافقة جيرانه، ويصف مشروعها البسيط بالمربح جداً، فالدجاج البلدي كما يقول: غذاؤه بسيط، ويأكل بقايا الطعام المنزلي، ولا يحتاج إلى الكثير من الاهتمام، أضف إلى ذلك: إن مقاومته عالية للأمراض وعوامل الطقس والجو، ومن خلاله يؤمن احتياج أسرته من مادة البيض. تجربة أخرى مميزة يتحدث عنها أحمد شرف، وهو طالب في كلية الاقتصاد، إذ يربي الشاب طيور السمان والأرانب، وأنواعاً مختلفة من الحمام في حديقة منزله الواقعة في ضاحية قدسيا، وتتحدث أم زين الساكنة في المنطقة نفسها عن تجربة بسيطة أخرى قد تكون متاحة للكثيرين، فجزء من شرفة منزلها خصصته لمساكب مزروعة بالبقدونس والبصل الأخضر، تهتم بها شخصياً ليكون صحن تبولة ببقدونس منزلي الأكثر تفضيلاً من كل أفراد عائلتها حين تعده كما تقول.

الجدير ذكره أن المواد الأولية اللازمة لتجهيز الحديقة المنزلية، والتحول لأشكال جديدة من الإنتاج متاحة ومتوفرة، فمحلات كثيرة في منطقة البزورية ومحيطها يتواجد لديها بذور لأصناف مختلفة من الخضروات والأعشاب كالكزبرة والبقدونس والفجل والبندورة، أما الدجاج والطيور المنزلية، فلها سوقها الخاص أيضاً، الذي تتوفر فيه أنواع مختلفة تصلح للتربية المنزلية.

بدايات الانتشار

هل يمكن أن يكون المواطن العادي طرفاً فاعلاً في معادلة تغيير واقعه، بحيث يساهم في مواجهة الفقر وتضخم الأسعار، وفي الوقت نفسه يساهم في خفض معدلات التلوث، وتقليل درجات الحرارة المرتفعة؟يضع الدكتور فايز المقداد، مدير إدارة الدراسات الاقتصادية في الهيئة العامة للبحوث العلمية الزراعية هذا التساؤل مقدمة لحديثه عن مشروع “زراعة أسطح المنازل”، فهل هو حل واقعي لهذه المشكلات فعلاً، أم أن هناك مبالغات؟.. ويقول: نجحت بعض الدول فعلاً في استخدام تقنيات زراعة الأسطح والزراعة المنزلية، فحلت من خلالها مشكلات اقتصادية واجتماعية للأسر الفقيرة، كما حدث في العديد من دول أمريكا اللاتينية، وانتشرت هذه الحدائق في اليابان قبل الحرب العالمية الأولى، وسميت بحدائق اليابان المعلقة، ثم انتشرت بعد ذلك في جميع أنحاء العالم، خاصةً الدول التي تعاني من أزمات بعد الحرب العالمية الثانية، وأصبحت ركناً أساسياً من النوادي والمقاهي والشركات الكبرى ونوعاً من الالتزام لديها في أوروبا وأمريكا، وفي كوبا كانت تواجه في بداية التسعينيات عقب انهيار الاتحاد السوفيتي مشاكل في استيراد غذائها، بسبب اعتمادها السابق بشكل كبير على الاتحاد السوفيتي، ما دفعها إلى التفكير في زراعة الأماكن الفارغة بالمدن والأسطح وغيرها، وخلال 3 سنوات نجحت في تأمين ما يقرب من 40% من احتياجاتها من الخضروات الطازجة، وحالياً تخطت النسبة 70%، واليوم هناك ما أطلق عليه الحملة القومية لزراعة مليون سطح أخضر، في مصر أنشأت صفحة لها على موقع فيسبوك في شباط 2016، في دعوة لزراعة الأسطح المصرية بأبسط الأدوات وبأقل التكاليف، وكسبت نحو 22 ألف متابع خلال فترة وجيزة، ويتم من خلالها الإجابة عن كافة التساؤلات لدى المهتمين عن هذه الزراعة، ومن المتوقع أن تساعد على تحويل مساحات تقدّر بنحو 8000 هكتار من الأسطح إلى مساحات خضراء.

وفي قطاع غزة تلعب زراعة الأسطح دوراً حاسماً في تعزيز الاكتفاء الذاتي، وتأمين دخل مناسب للأسر الفقيرة مع الانخفاض الحاد في المساحات القابلة للزراعة مقارنةً بعدد السكان، وتعد زراعة الأسطح أحد المكونات الأساسية لمشروع المغرب الأخضر في دولة المغرب، وغيرها من التجارب الدولية الناجحة في هذا المجال.

أساليب مختلفة وفوائد

ويتحدث د. المقداد عن العديد من الأشكال والنماذج التي يمكن زراعة الأسطح من خلالها، وتتدرج من الأساليب البسيطة بالأصص وعبوات الفلين، وغيرها إلى الأساليب الحديثة كالزراعة المائية من دون تربة وطرق الري والتسميد الحديثة، ويقول: لكي تبدأ زراعتك المنزلية، فأنت بحاجة إلى معلومات عن هذه الزراعة وأنواعها وتكلفتها، وما هي المنتجات المناسبة التي يمكن إنتاجها وغيرها، وهنا يجب أن تلعب وزارة الزراعة الدور الأساسي في التدريب والتأهيل المهني اللازم والدعم الفني، وتوفير الشتول والبذور، وتخصيص أرقام أو لقاءات للاستفسارات، وتفعيل دور الإرشاد في ذلك، كما يجب أن يلعب المصرف الزراعي دوراً في قضايا التمويل الجماعي أو الفردي بضمان المشروع، كما يجب توجيه المؤسسات والمنظمات التي تقوم بمساعدة اﻷسر على بدء زراعتها المنزلية، عبر تقديم قروض ميسرة لمزارع الأسطح ضمن نشاطاتها الإغاثية في مجال تعزيز سبل العيش والأمن الغذائي، ويتحدث المقداد عن فوائد صحية عديدة يمكن أن تحققها الحديقة المنزلية، إذ يمكن لزراعة الأسطح أن تستهلك كميات كبيرة من المخلفات العضوية الناتجة من المنازل مثل مخلفات المطابخ، وذلك عبر تحويلها إلى سماد عضوي يُستخدم في الزراعة، ووهذا يعني يمكن أن تحد من انتشار تلك المخلفات بالبيئة، وما ينتج عنها من آثار ضارة على البيئة وصحة الناس، وتخفض تكاليف نقلها، والتخلص منها بالنسبة للبلديات، ويمكن أيضاً عبر تقنيات بسيطة للغاية تدوير مياه المطابخ- المياه الرمادية- وإعادة استخدامها في ري زراعات الأسطح، حيث كشفت دراسات لمنظمة الصحة العالمية أن هذه المياه سليمة من الناحية الصحية، ويمكن أن تُستخدم لري الخضروات بأمان، كما يمكن لهذه الزراعة توفير 90% من احتياجات الري عند استخدام الطرق الحديثة في الزراعة، ومن جهة أخرى فالأسطح المزروعة بالنباتات تعمل كحاجز طبيعي لأشعة الشمس التي تسقط على المنازل، ما يخفض درجات الحرارة داخل المنازل، أي تقل الحاجة إلى استعمال الطاقة للتدفئة والتبريد، إضافة إلى عمل الأجهزة بشكل أكثر كفاءة، وفي حال انتشار زراعات اﻷسطح ستقل درجة حرارة المدن بشكل عام خلال فترة زمنية قصيرة، ما يعطي مؤشرات عن الفوائد البيئية الكبيرة، إضافة إلى الجوانب الجمالية لأسطع المنازل وشرفاتها.

جدوى اقتصادية

من الناحية الاقتصادية يوضح الدكتور مقداد أنه يمكن من خلال زراعة الأسطح تعزيز مستوى الأمن الغذائي للأسرة، ويمكن لكثير من الأسر تأمين جزء كبير من احتياجاتها من الخضروات الطازجة، وبعض الأعشاب الطبية والعطرية، وحتى الفاكهة من خلال زراعة بعض الأمتار على اﻷسطح أو الشرفات، ويقول: إن الزراعة المنزلية بإمكانها أن توفر فرص عمل ومصدراً للدخل، وتعزيز سبل العيش، وخاصة للأسر الفقيرة، إذ يمكن إنشاء مزارع تعتمد على تقنيات الزراعة من دون تربة، ويمكن إنشاء بيوت بلاستيكية صغيرة فوق الأسطح تزرع بالخضروات مثل البندورة والخيار والفليفلة والفراولة وغيرها وفق هذه الطريقة، فاﻷسرة التي تقوم بالزراعة المنزلية يمكنها أن تحقق اكتفاءً نسبياً كبيراً من الخضروات والفاكهة واﻷعشاب اﻷساسية، وكلما زاد عدد اﻷسر التي تمارس هذا النوع من الزراعة، فإن الجدوى اﻻقتصادية ستكون أكبر، وسيكون بإمكان الأسر مواجهة ارتفاع أسعار الخضروات والفاكهة في اﻷسواق، بل والمنافسة في حال وجود فائض في الإنتاج، ويكمل: إن الجدوى اﻻقتصادية من هذه الزراعة تتجاوز المفهوم المباشر والتقليدي في تقليل النفقات، وتحقيق اﻻكتفاء الذاتي، وعدم الخضوع ﻻستغلال التجار، إذ إن هناك جانباً اقتصادياً آخر غير مباشر، يتمثل في توفير طعام تمت زراعته منزلياً دون استخدام كيماويات، وهو توفير لنفقات على الصحة كان من الممكن إنفاقها على اﻷدوية مثلاً، واستغلال المخلفات العضوية الموجودة في المنزل كأسمدة هو توفير لنفقات التخلص منها، واستخدام المياه المستعملة هو إعادة تدوير لها، ويقلل من استهلاك المياه المستخدمة في الزراعة، وتقليل نسبة التلوث في الهواء بسبب انتشار المساحات الخضراء في المدن هو تقليل لخطر التلوث واﻹصابة باﻷمراض، ووهذا يعني توفير لنفقات أخرى على الجوانب الصحية والنظافة العامة.

أما عن جدوى اتخاذ الزراعة المنزلية كمشروع تجاري يهدف إلى الربح، يقول المقداد: الزراعة المنزلية يمكن أن توفر دخلاً إضافياً ثانوياً للأسر وليس دخلاً أساسياً، ﻷن المساحات المزروعة تكون صغيرة جداً، إلا إذا تم تطوير المشاريع إلى مستويات أكبر.

دون المأمول

في المقابل يؤكد د.زكوان قريط، الخبير الاقتصادي والمدرس في كلية الاقتصاد بجامعة دمشق، أن مشروع الحديقة المنزلية من المشاريع الهامة اقتصادياً التي ينبغي تكريس ثقافتها، وهو مشروع يمكن تبنيه من قبل المواطنين على مراحل، فمن الضروري بداية الاقتناع بالفكرة وأهميتها، والشعور بضرورة تنفيذها من قبل السكان، ليصار إلى تطبيقها في مراحل أخرى بغرض تحقيق الاكتفاء الذاتي للأسرة، وفي المرحلة الأخيرة يمكن التفكير بالفائض أو الوفرة التي يمكن من خلالها تحقيق بعض الأرباح للعائلة، ونلاحظ اليوم أن معظم الأسر السورية طبقت أفكاراً وتجارب في الحديقة المنزلية، لكن للأسف فإن الكثيرمن هذه التجارب فشلت.

ولم تنجح النجاح المنتظر، وربما يكون التفسير مرتبطاً بقلة الخبرة المحلية، وضعف التشجيع والتوعية، في المقابل وجدنا أن هناك أفكاراً وتجارب أخرى نجحت، ويمكن أن نسميها أعمالاً زراعية رائدة، وهي للأسف تجارب فردية، لا ترتقي إلى مستوى الاقتصاد الوطني أو التأثير فيه، ودون المستوى المطلوب، أو المأمول تحقيقه بالنسبة لمثل تلك المشاريع، ويمكن أن ندرجها تحت إطار ما يسمى التدبير المنزلي، ويرى الدكتور قريط أن هناك تقصيراً في وزارة الزراعة في تشجيع هذه الزراعات، رغم حديث الجميع عنها بإيجابية، لكن المطلوب هو دعم حقيقي للمواطنين ليقوموا بزراعة حدائقهم أو شرفات منازلهم واستثمارها، فالمواد الأولية بسيطة ومتوفرة، وهي بمتناول الجميع، ويميز الدكتور قريط التجارب المحلية عن تلك التي انتشرت في بعض الدول الآسيوية، أو دول ما يسمى بالـ (النمورالسبعة)، فهذه الفكرة لديهم مطبقة لتحقيق شكل جمالي للتصميم الهندسي للبناء قبل التفكير بالجدوى الاقتصادية، ويختم د. قريط: يجب اليوم زيادة نشر هذه الثقافة، والعمل على تنظيم أبنية عمرانية في المرحلة التي تلي الحرب، تكون قابلة للاستثمار الزراعي المنزلي، وتتوفر فيها الحدائق التي يمكن أن تحقق جدوى اقتصادية مرتفعة خاصة إذا ما تم استثمارها بالأعشاب الطبية ذات الأسعار الجيدة والحيز القليل المطلوب لزراعتها، حينها نتائج أكبر سوف نلمسها، وفي كل الحالات فالمسألة تتطلب وقتاً، والرصيف أو البناء يتم تشكيله حجراً حجراً.

المصدر: محمد محمود - البعث

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...