الهوية السورية التبشرية

03-11-2017

الهوية السورية التبشرية

رشاد أنور كامل: أجدادي ولدوا في بدات القرن الماضي، أي أنهم عاصروا الاحتلال العثماني في نهاياته، والاستعمار الفرنسي، والاستقلال، والنهضة العربية، ومن ثم الاشتراكية، وعشت مع كليهما فترة كافية لاستمع إلى قصصهم، كيف كانوا، كيف كافحوا، كيف ربوا الاولاد، وكيف نحجوا، وكليهما ناجح في مجاله ، والنكته أن جدي ابو ابي وجدي ابو أمي كانا شريكين في منشرة واحدة، رغم أن ابو ابي ريفي من جوبر، وابو أمي من الصالحية دمشقي وعتيق، معظم مارووه لي متشابه في المضمون، وكان من الممكن أن يرويه جد لحفيده، عام 1800 ، أو عام 1700 حتى، رواياتهم كانت من النمط الديني المتسامح، والاخلاقي، والعملي ، ومعظمها صالح لألف سنة مضت ... وكليهما لم يشككا لحظة... انهم سوريون ... ولدوا هنا ... هكذا ببساطة ....أما اولادهم ، ومنهم أبي وأمي ، واخوتهم واخواتهم ، فهي قصة مختلفة تماماً ...
الجيل الذي انجبوه، كان جيل شكل وعيه على مفاهيم مختلفة تماما، من شيوعية، وغربية ، واشتراكية، وعروبة، وبعث ، وموسيقا مختلفة، ولغات اجنبية، وثقافات اجنبية، ووحدة وانفصال ، ومشاريع استعمارية ، واسرائيل ، ونكبة، ونكسة، وحرب تشرين ....
هذا الجيل أي جيل أهلي ، خلال سنوات قليلة مابين الاستعمار الفرنسي والاستقلال ، الى الوحدة مع مصر، اصبح متفوقاً معرفياً على أهله بمئات السنين ...
فجدي الذي كان يحدثني متى دخلت اول بسكليت الى سوريا، كان يقابله ، كل نضالات جيل ابنائه في تشكيل سورية جديدة ، فكرياً، ثقافياً، عقائدياً ، دستورياً ..
هذه القفزة المعرفية المذهلة، اعطت جيل من ولد مابين العام 1920 و عام 1950 ، ميزة ، قد لا تتكر بتاريخ سورية، وهي أن، هذا الجيل كان يعتبر نفسه جيلا مؤسسا لسورية الحديثة ...
معظم احزابنا حتى ما اندثر منها تشكل في تلك الفترة ، ومعظم منطلقات تلك الاحزاب كانت نتيجة الاطلاع الكمي الكبير على تجارب الغرب والاتحاد السوفياتي ، ومحاولة تطويعها، كنظريات تضع المجتمع السوري على الطريق السريع للحضارة.
واتذكر سردياتهم لي عن نضالاتهم ، في تغيير المجتمع، هم حقيقة كانوا يؤمنون أن دورهم، دور طليعي ، بكل شيء ، كل شيء...
من تغييرهم لعادات الجلوس على الارض وقت الاكل ، وادخالهم ادابه المشابهة لاداب الغرب ، وصولاً الى الموسيقا التي يسمعونها، والادب الذي يقرأونه، واللوحات التي يعلقونها على جدران منازلهم، وبالتأكيد في مواقفهم السياسية ، ومعتقدهم الراسخ ، لما هو الافضل لسورية والسوريين.
هم عاشوا مرحلة، كانوا يشعرون فيها أن دورهم تبشري، وأن نعمة الاطلاع والمعرفة السريعة التي كسبوها، وبغضهم الشديد لحالة الجمود الثقافي التي خلفها الاحتلال العثماني، اعطتهم ذاك الحق، الحق في أن يعلنوا انهم التبشيريون الثوريون، وان حالة الطبقة الوسطى التي بنوها بسرعة، هي النموذج الصحيح للدولة والمجتمع... ولا الومهم.
حتى المتدينين منهم ، كانوا اميل لمفهوم الاسلام السياسي، اي اسلام يضبطه نخب قائدة مسلمة مستنيرة.
 هذه الحالة التبشرية، اسست لحالة ، (الان ادرك الفجوة التي خلفتها)،  اسست لحالة من الصراع على امتلاك اكبر رقعة من السوريين التي يستطيعون امتلاك حق التبشير لهم، وصناعة هوية تشبههم ، وهذا تم ليس بسوء نية برأيي ، انما ، بسب الظرف التاريخي ....

جيلي أنا من ولد بين 1960 والعام 1980، كان شاهداً على ثبات مرحلة التبشير تلك ، والتي كان من الممنوعات سؤالها ... وممنوع تجاوز ثقافاتها...ولكن الاجيال الجديدة التي وعت تدفق الاعلام والمعلومات ، اظنها تجاوزت المرحلة التبشرية تلك ، ومحاولة جر المجتمع الى مكمن عقائدي ، واصبح الجيل الجديد واعي لحقائق مختلفة، أهمها ببساطة .... اننا لانحتاج لثقافات مترجمة او مستوردة ليتم تعريف السوري
ببساطة عادوا الى ماكان عليه جدي وجدي ...
ببساطة نحن سوريون ... ولدنا هنا...
هكذا كنا ... وهكذا سنكون ...
وللحديث تتمة
 
 

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...