«أيام قرطاج السينمائية» 2017: العودة إلى الثوابت

07-11-2017

«أيام قرطاج السينمائية» 2017: العودة إلى الثوابت

 

ثمّة تأكيد دائم، أنّ الدورة الحالية من المهرجان العريق هي دورة العودة التدريجيّة إلى الجذور. تحت عنوان «العودة إلى«أيام قرطاج السينمائية» 2017: العودة إلى الثوابت سينما الجنوب»، هناك تشديد هذه السنة على البعد العربي – الأفريقي، مع الانفتاح على سينمات آسيا وأميركا الجنوبيّة. استعادة المسابقة الرسميّة للأفلام الوثائقيّة بشقّيها الطويل والقصير، بعد دمجهما مع الروائي في الدورتين السابقتين. أما الحصيلة النهائية فهي نحو 180 عملاً على البرنامج


لا يخفي سائق السيّارة التي أقلّتنا من مطار قرطاج إلى «نزل ماجستيك» حنينه إلى أيام بن علي. «كنّا نخدموا وعايشين براحة» يقول بحسرة على واقع معيشي صعب، قبل أن يؤكّد أنّ الرئيس السابق عائد للاستقرار في تونس قريباً، ليجد حشوداً في استقباله. نذكر منجزات مهمّة كالحريّات وحريّة التعبير، فيردّ بحنق: «هذي ما طعمتناش خبز».

نصل الفندق الذي يشكّل واحداً من ثلاثة مخصّصة لاستقبال ضيوف الدورة 28 من «أيام قرطاج السينمائية» (JCC)، التي انطلقت يوم 4 تشرين الثاني (نوفمبر)، وتستمر حتى 11 منه بعنوان «العودة إلى سينما الجنوب». افتتاح تزامن مع الذكرى السابعة لرحيل المؤسّس الطاهر شريعة، إذ يفتخر المدير العام للمهرجان نجيب عيّاد، بأنّ «بيت السينما العربيّة والأفريقيّة منذ عام 1966» هو أقدم المهرجانات العربيّة بعد جاره «قليبيّة» الذي سبقه بعامين. ثمّة تشديد دائم على أنّها دورة العودة التدريجيّة إلى الثوابت والجذور «رغم ضمور الصبغة النضاليّة للأيام، التي تراجعت في السنوات الأخيرة نتيجة سياسات الحدّ الأدنى من قبل الحكومات العربيّة والأفريقيّة في مجال السينما». كيف سيكون ذلك؟ التشديد على البعد العربي – الأفريقي، مع الانفتاح على سينمات آسيا وأميركا الجنوبيّة. تعزيز المسابقات. مضاعفة الجوائز الماليّة. استعادة المسابقة الرسميّة للأفلام الوثائقيّة بشقّيها الطويل والقصير، بعد دمجهما مع الروائي في الدورتين السابقتين. إرساء شبكة للفاعلين في حقل السينما، لتكون قوّة معارضة فعّالة. تمكين المجتمعات المحليّة خارج العاصمة، بإعلان إقامة 4 مهرجانات كاملة الشروط في كلّ من منزل بورقيبة والقيروان والمنستير وجربة. هذا جزء من اشتغال المهرجان على خلق بنية تحتيّة خلّاقة، كما حصل في إحياء سينما «أفريكا» المغلقة منذ 6 سنوات، بعرض أحدث أفلام محمد الأخضر حامينة «غروب الظلال» (2015). أيضاً، لا مكان للمشاهير الذين يظهرون على السجادة الحمراء، ثمّ يختفون أيّام المهرجان. «النجوم هم صنّاع الأفلام». البرمجة دسمة. تضمّ عناوين ذائعة الصيت مع جوائز وتجوال دوليّ، كما أعمال أولى لصنّاعها، وأخرى متفاوتة المستوى. أمر طبيعي بحضور 180 فيلماً موزّعاً على عدّة فئات. «المسابقة الرسميّة للأفلام الروائية الطويلة» (14 فيلماً، من بينها 3 تونسيّة). «المسابقة الرسميّة للأفلام الروائيّة القصيرة» (15 فيلماً)، إذ يتولّى ميشال خليفي رئاسة لجنة تحكيم المسابقتين. للوثائقي مسابقتان كذلك: طويلة (14 فيلماً)، وقصيرة (8 أفلام)، يترأس لجنة تحكيمهما تيري ميشال. أيضاً، يضطلع حكيم بن حمّودة برئاسة لجنة تحكيم «مسابقة العمل الأوّل جائزة الطاهر شريعة». كذلك، لدينا 8 أفلام خارج المسابقة، تنقسم بالتساوي بين الطويل والقصير. في التظاهرات، لا بدّ من «نظرة على السينما التونسيّة»، التي تشهد موجة لافتةً بعد الثورة، مع إنجازات كبيرة في أبرز المهرجانات. هذا العام، ثمّة فورة إنتاجيّة، بإنجاز 78 شريطاً (37 روائي، 41 وثائقي).

القسم يعرض 5 عناوين روائيّة طويلة، و7 وثائقيّة طويلة، و10 قصيرة تتوزّع على النوعين، إضافةً إلى عروض خاصّة لـ «الجايدة» لسلمى بكار، و«همس الماء» للطيّب الوحيشي، و7 أعمال طلّابيّة ضمن «قرطاج السينما الواعدة»، واستعادات من السينماتيك التونسي. المجهر يجول سينمات الجزائر (12 فيلماً) التي يعمل فيها اليوم عدد كبير من الفنيّين التونسيّين، وجنوب أفريقيا (10 أفلام) والأرجنتين (10 أفلام) وكوريا الجنوبيّة (7 أفلام) في تطبيق لتوجّه المهرجان المعلن، مع مختارات أخرى من آسيا وأميركا الجنوبيّة. كذلك، يقترح «سينما العالم» عناوين دوليّة مهمّة، منها فيلم السعفة «المربع» لروبن أوستلوند، و«120 دقة في الدقيقة» لروبن كامبيلو الحائز 4 جوائز في «مهرجان كان»، الأخير منها الجائزة الكبرى والفيبرسي، و«الوجه الآخر للأمل» لآكي كوريسماكي أفضل مخرج في «البرليناله» الفائت، و«في سوريا» لفيليب فان لو صاحب جائزتين في المهرجان نفسه. العروض انطلقت بجديد رشيد مشهراوي «كتابة على الثلج» (72 د.). إنّها رغبة المهرجان بافتتاح عربيّ هذه الدورة، بعد بداية تونسيّة العام الفائت («زهرة حلب» 2016 لرضا الباهي)، على أن تكون أفريقيّة عام 2018. كذلك، تدخل جهة تونسيّة في إنتاج الشريط، الذي صُوِّر بالكامل في بلد الحبيب بورقيبة، ما ساعد في رفع أسهمه. السينمائي الفلسطيني (1962) «يغامر» برصد ساعات حرجة بين 5 أشخاص، داخل منزل في مخيّم الشجاعيّة، الذي يتعرّض لقصف وحشي من قبل الاحتلال. خيار الكاميرا المتحرّكة (hand held) ضمن فضاء محدود المساحة يزيد المهمّة صعوبةً. بنية «مسرح داخل السينما»، منذورة لتفكيك حال فلسطيني ينهشه الجميع: الفلسطينيّون المنقسمون على أنفسهم نتيجة تعصّب ديني وتاريخ شائك، والعالم الذي يقف متفرّجاً، والاحتلال نفسه بطبيعة الحال. ثمّة التماعات في بعض مفاصل الطرح والأداء، إلا أنّ الشريط ليس أفضل أعمال صاحب «عيد ميلاد ليلى» (2008) بالتأكيد. المأخذ الرئيسيّ أنّ مشهراوي عمل على توليد الحياة من المقولة المسبقة والرمز الأحادي، وليس العكس. طغى نوع من «الفبركة» في سمات وخلفيّات الشخوص على بنائها من لحم ودم، دون تطوّر أو تلوّن في الصراع الواضح منذ الدقائق الأولى، ضمن بناء سيناريستيّ لا يصل إلى نقطة اتزان. لا يكفي نبل فكرة «كتابة على الثلج» وأهميّته التي زادت راهنيّة مع توقيع اتفاق المصالحة الفلسطينيّ الأخير، لإخراجه من عباءة التقويل وانحراف المسار عن نوع العبث في الطرح.

في المسابقات، نترقّب مجموعةً من العناوين التي تسبقها سمعة دوليّة أو جدل سابق. «ضربة في الرأس» لهشام العسري الآتي من بانوراما برلين، عن مغرب الثمانينيات في عيني شرطيّ يتعرّض للعقاب بسبب تجاوزاته. «شيخ جاكسون» لعمرو سلامة، الذي يصل من تورونتو والجونة وغيرهما بشريط حاد عن النضج والتغيّر وخيارات الفرد الجوهريّة. جود سعيد يشارك في «مطر حمص»، الذي أثار جدلاً بسبب قيام السوريّ سامر عجّوري بسحب فيلمه «الولد والبحر» (أنيماشن قصير) من المهرجان، احتجاجاً على مشاركة الشريط المنتج من قبل المؤسسة العامة للسينما التابعة لوزارة الثقافة السوريّة، بالشراكة مع «آدامز برودكشن». الشريط يرافق مجموعة من الشخصيات تعيش أزمة حمص القديمة خلال الفترة ما بين شباط (فبراير) وأيار (مايو) 2014، حين خرج المسلّحون وانتهى القتال. «يوسف» و«هدى» يحاولان النجاة وخلق الحياة وسط الموت والدمار، برفقة طفلين وعدّة شخصيات. هي حكاية خيالية تستند إلى واقع الحرب، وتنطلق عبر الزمان والجغرافيا لرواية الأحداث السوريّة وفق مستويات متعدّدة. عجّوري رأى أنّه بروباغندا «منتجة من قبل النظام السوريّ، تروّج عن طريقه لفكرة المؤامرة الخارجيّة وتتّهم جهات إسلاميّة مختلفة أو غيرها بقتل أبناء حمص وتشريدهم وتدمير بيوتهم وحرقها، بل إنّ وجود الفيلم على قائمة أفلام المهرجان هو تصريح من إدارة مهرجان قرطاج بدعمهم لرواية النظام السوريّ». لعجوري الحريّة الكاملة في تبنّي الموقف الذي يراه مناسباً، ولكن أعتقد أنّ انفتاح قرطاج على جميع السوريّين بادرة تحسب له، وفرصة يمكن استغلالها والبناء عليها في المشهد السينمائي.

هنا، نذكر مشاركة الوثائقي التجريبي «83 قشرة برتقال» للسوريّة كلارا حمّود، الذي يضع بطله صلاح شعّار أمام العدسة، ليقدّم مكاشفات حول «الثورة» والسعي إلى الحريّة والكرامة. كذلك، يحطّ المهنّد كلثوم بالروائي القصير «على سطح دمشق»، ويُعرَض «ماريه نوستروم» (2016) لأنس خلف ورنا كزكز. من لبنان، يشارك زياد دويري بفيلمه المثير للجدل «قضيّة رقم 23». الشريط صمد ضمن برمجة المهرجان، رغم مطالبات «الحملة التونسية لمقاطعة ومناهضة التطبيع مع الكيان الصهيوني» بمنع عرضه أسوةً بدول أخرى، بسبب قيام مخرجه بتصوير جزء من عمله السابق «الصدمة» (2012) في كيان الاحتلال الإسرائيلي. تكتمل المشاركة اللبنانيّة في مسابقة الوثائقي الطويل بـ «شعور أكبر من الحب» لماري جيرمانوس سابا. ضمن منافسة الروائي القصير، لدينا «شحن» لكريم الرحباني، و«صدع» لمعتز سلّوم. «لا مرافئ للقوارب الصغيرة» لجويل أبو شبكة يمثّل لبنان في مسابقة الوثائقي القصير. أيضاً، ننتظر شريطين عربيّين شاركا في مهرجان كان الفائت: «على كف عفريت» للتونسيّة كوثر بن هنيّة، و«طبيعة الحال» لكريم موسوي. يبقى الجمهور التونسي المحتشد على أبواب الصالات إحدى أهم ركائز ونقاط قوّة JCC. أكثر من 200 ألف متفرّج يشكّلون فاكهة المهرجان وعصبه الأساس. كذلك، لم تحل حتى الآن مسألة ترجمة الأفلام إلى الإنكليزيّة، فليس كل ضيوف المهرجان يجيدون الفرنسيّة.

«أيام قرطاج السينمائية 2017»: حتى 11 تشرين الثاني (نوفمبر)

علي وجيه - الأخبار

 

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...