العلوم 2017: مسار تصاعدي .. الإنسان «أعتق» مما كان يُعتقد

05-01-2018

العلوم 2017: مسار تصاعدي .. الإنسان «أعتق» مما كان يُعتقد

 

العلم في مسار تصاعديّ، ويحمل معه كل عام اكتشافات كبرى في مجالات الفضاء والفيزياء والطب والكيمياء والبيولوجيا. في 2017 حصلت خروقات مهمة على أكثر من صعيد، وهي في معظمها تؤسس لنجاحات مستقبليّة وتفتح الباب أما مزيد من التقدّم. بعض من هذه الاكتشافات كان لها الأثر الأكبر خلال العام المنصرم نذكر منها:

الـ«هوموسابيان» أقدم ممّا كان يُعتقد

اكتشف العلماء جمجمةً في كهف قديم في المغرب تعود للإنسان القديم الذي ينحدر منه الجنس البشري كلّه. أظهرت الدراسات أنّ عمر الجمجمة نحو 300 ألف سنة، ممّا يشير إلى أنّ الإنسان القديم ظهر قبل وقت أطول ممّا كان يعتقد سابقاً، وهو 200 ألف سنة بحسب بقايا عظميّة وجدت سابقاً في أثيوبيا واعتبرت في حينه أقدم أدلّة على تاريخ الجنس البشري.

ومن المثير للاهتمام أن جمجمةً كانت قد وجدت في الكهف نفسه في المغرب عام 1961، واعتبر العلماء في حينه أنّها تعود إلى الـ«نياندرتال» الذي سبق ظهور الجنس البشري الحديث. غير أن علماء ألماناً كانوا يقومون بدراستها حديثاً قدّروا أن شكلها ومكان تواجد الدماغ فيها يشير إلى أنّها أقرب إلى الـ«هوموسابيان». وقد زاروا الكهف نفسه على أمل العثور على مزيد من الأدلّة، فوجدوا بقايا عظميّة وأسناناً وعظام رأس كلّها أشارت إلى أنّها بقايا إنسانيّة قديمة، وأنّها تعود إلى حقبة تاريخية تتراوح بين 280 ألفاً و350 ألف سنةً. ولعلّ هذا الاكتشاف سيثير المزيد من البحث حول الفترة الزمنية التي ظهر فيها الـ«هوموسابيان» ومسار تطوّره إلى حين اكتمال نشوء الإنسان الحديث كما نعرفه اليوم.

تعديل جيني بالغ الدقّة

أكثر من 60 ألف نوع من التشوّهات الجينية مسؤولة عن العديد من الأمراض البشرية المعروفة، وأكثر من نصفها ينجم عن خطأ واحد صغير في تركيبة الحمض النووي DNA عبر استبدال حرف واحد من مكوناته بآخر. في العام المنصرم، تمكّن العلماء من تطوير تقنيّة معروفة تسمى «التعديل القاعدي» base editing لتتمكّن من إصلاح هذه التشوهات في تركيبات DNA والحمض النووي الريبي RNA. ومن الطبيعي أن تكون لهذا الاكتشاف تطبيقات طبيّة واسعة محتملة خلال السنوات المقبلة. إذ يمكن أن نصل قريباً إلى القضاء على الكثير من الأمراض التي تعود إلى أسباب جينيّة واضحة عبر إدخال تعديلات بسيطة على جيناتها. في الأعوام الماضية تمكنت تقنية «كريسبر» المختبرية من قطع جزيئات DNA في أماكن محددة وإدخال مكونات جديدة عليها، غير أنها لم تكن قادرة على إدخال تعديل على مكون محدّد من مكوّناتها المشكلة من 4 أنواع تسمى A, C, T, G. أما اليوم، فيمكن عبر التقنية الجديدة التي تشبه الجراحة الموضعيّة لكن من خلال «جراحة كيميائيّة»، تعديل الحرف المشوه في تركيبة الحمض النووي وحده دون أية آثار أخرى.

مشاهدة تفاعلات الجزيئيات البيولوجيّة

خطا العلم خطوةً كبيرة في فهم تفاعلات الجزيئات البيولوجيّة القاعديّة عبر مشاهدتها مباشرة خلال حدوثها بواسطة المجهر الالكتروني الجديد (Cryo-electron microscope) الذي ترك بصمةً مميزةً مع دخوله الخدمة العام المنصرم. فعلى سبيل المثال، يسمح هذا الميكروسكوب بالتقاط صورٍ حيّة حقيقيّة لتفاعل جزيئين مع بعضهما البعض، مثل جزيئات البروتين المعقّدة. وقد أتاح الاكتشاف لبعض روّاد هذا الفرع العلمي من الحصول على جائزة نوبل في الكيمياء.


يستند الميكروسكوب الجديد في عمله على تجميد هذه الجزيئات عبر تبريدها بالإيثان السائل خلال حركتها في الماء. وخلال هذه المرحلة يقوم الباحثون بالتقاط صور بالغة الدقة للتفاعل، ثمّ يجري تحليلها وتنظيمها من خلال برمجيّات متطوّرة تقوم بإظهار الصورة النهائيّة المتناسقة. ورغم أنّ فكرة التقنيّة تعود إلى عقود خلت، غير أنّ تنفيذها لم يصبح متوفّراً إلا هذا العام، مع تطور المعدّات والتكنولوجيا والبرمجيات القوية القادرة على معالجة كل البيانات الواردة وإعادة إظهارها بوضوح.

اندماج نجمين نيوترونيّين

في آب الماضي، شاهد العلماء حول العالم ما لم يشاهدوه من قبل. فعلى بعد 130 مليون سنة ضوئية، اندمج نجمان نيوترونيان إثر سقوطهما على بعضيهما في حركة دوّارة انتهت بانفجار هائل أطلق كميّات من الإشعاعات والموجات التي التقطتها المجسّات العاملة بأشعة «غاما» والتيليسكوبات الراديوية. وبعد دراسة مستفيضة لقاعدة البيانات التي جرى تجميعها، أكّد هذا الانفجار عدة نظريات علمية متداولة في علم الفلك منها تلك التي تتناول منشأ العناصر والمواد الثقيلة، أو نظريات الجاذبية التي توقّعتها نظرية النسبية العامة.
ولعلّ أبرز ما نتج عن عمليات الرصد تلك، الاختبار الذي يرصد موجات الجاذبية المعروفة بإسم الموجات الثقالية التي تطلقها الأجسام الكبيرة الدوّارة عند اصطدامها في الفضاء وتؤدي إلى حدوث تموجات في بنية المكان نفسه، وهو ما توقّعه أينشتاين قبل مائة وعامين في نظرية النسبية العامة. وعلى رغم أنّ الظاهرة نفسها تحدث عند الاصطدام المشابه لثقبين أسودين، غير أنّ ما يميّز هذا النوع من التصادم هو أنّه يطلق، إلى جانب موجات الجاذبية، كميات غير مسبوقة من الأشعّة الألكترومغناطيسيّة على تردّدات مختلفة ما يتيح رصدها وجمع بياناتها في مراصد أخرى منتشرة حول العالم وتعطي فكرة أشمل عن خصائص الاصطدام. هذا الكم من المعلومات المرصودة يتيح أيضاً مقارنة وربط أرصاد الأمواج الثقالية مع المعطيات الأخرى فتأتي الصورة أكثر تكاملاً من رصد اصطدام ثقبين أسودين لا يبثان تلك الإشعاعات.

مكشاف يرصد أصغر الجسيمات

لطالما حيّر الـ«نيوترينو» neutrino العلماء، إذ يعتبر رصده من أصعب الاختبارات الفيزيائيّة لأنه لا يتفاعل مع مكوّنات المادة الأخرى بل يمر من خلالها دون أثر محسوس. لذا كانت مهمة رصد اصطدامه بنواة الذرّة مثلاً عملاً أقرب إلى الخيال العلمي منذ بضعة عقود. غير أنّ عملاً مضنياً على مدى أربعة عقود أدّى إلى تطوير مكشاف جديد يستطيع رصد ذلك التفاعل، والأهمّ أنّ تلك الآلة المتفوّقة لا يتخطى وزنها 15 كيلوغراماً، ويمكن حملها ونقلها بسهولة من موقع إلى آخر. منذ بضع سنوات فقط، كان رصد الـ«نيوترينو» يستلزم اختبارات تدخل فيها عشرات الأطنان من المواد والمعدّات، وبكفاءة أقلّ.
إنّ ندرة التفاعل بين الـ«نيوترينو» والمادّة العادية تسمح للسواد الأعظم من هذه الجسيمات الآتية إلينا من الفضاء أن تخترق كوكب الأرض من جهة إلى الجهة المعاكسة وتكمل طريقها في الفضاء من دون أي أثر أو تفاعل، وهو ما عنى سابقاً وضع مراصد كبيرة تقوم بمراقبةٍ دائمة على مدى زمني طويل حتى تحظى ببضعة جسيمات تقوم بالتفاعل خلال مرورها. لذلك، استند هذا الجهاز على خصائص أخرى، ومنها تحديداً أنّ الخصائص الموجيّة لهذه الجسيمات تؤدي عند اصطدامها بنواة الذرة إلى حصول ارتداد مجهري صغير في النواة. قام العلماء بتطوير جهاز دقيق يقوم برصد حركة النواة عند ارتدادها فيعرفون أن تفاعلاً قد حصل بالفعل مع نيوترينو ويحصل الرصد بطريقة غير مباشرة.

علاجات جديدة لبعض أنواع السرطان

السرطان مرض العصر وأصعب تحديات الطب الحديث. في العام المنصرم تمّ تطوير علاج للسرطان لا يقوم باستهداف الأعضاء المريضة في الجسم، بل يغوص عميقاً إلى حمضها النووي DNA. دخل هذا الدواء الاستخدام الفعلي في معالجة الميلانوما ومجموعة من الأورام الأخرى وبدأ وصفه لمكافحة الأورام المتقدّمة سواء عند البالغين أو عند الأطفال. غير أنّ هذا الدواء لا ينفع في كل الحالات، بل يختص في جزء معين منها وهي تلك الناجمة عن خلل جيني محدّد في تركيبة الحمض النووي بغض النظر إذا كان العضو المريض هو البانكرياس أو القولون أو الغدة الدرقية أو غيرها. في الفترة الأولى لاختباره أظهر هذا العلاج نسبة نجاح وصلت إلى 53% وهو في تطوّر مستمرّ، مما يعني أنّ هناك أملاً كبيراً بالنجاح في القضاء على هذا النوع المحدد من الأورام السرطانية في المستقبل القريب.
الأخبار

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...