من يحدد هيبة الدولة

20-02-2018

من يحدد هيبة الدولة

كالعادة، طلب الرئيس حمودة الصباغ شطب أي جملة في مداخلتي (تمس هيبة الدولة) من محضر الجلسة بعد اعتراض الرفيق المكلف دوما بمقاطعتي تحت القبة، الذي رأى أن انتقادي لضعف ثقافة المسؤولين يمس بهيبة الدولة .. والواقع أني أحببت إخلاص هذا العضو في متابعتي ومقاطعتي، حتى بت أشك في نفسي بأني قد أكون عدوا للدولة دون أن أدري ! ولكني بعد التمحيص وجدت أن انتقاد نقص المسؤولين لا يمس هيبة الدولة إلا إذا كان الموظفون الزائلون هم الدولة التي لاتزول ؟!


فعلى مدار يومين، وبحضور السيد محمد الأحمد وزير الثقافة، ناقشنا مواد القانون الجديد الناظم لعمل وزارة الثقافة، نظرا لعدم تلبية القانون السابق للطموحات بعد مرور ستين عاما عليه، وقد تطرق غالبية النواب إلى أهمية دور الثقافة في مواجهة الإرهاب، وأعجبتني مداخلة النائب سامر الأيوبي الذي طالب برقابة وزارة الثقافة على مناهج المدارس والمعاهد والجامعات الشرعية في القطر بحيث لاتخرج عن البعد الروحي في الدين، خصوصا بعدما اعترف السيد وزير التربية تحت القبة أنه لايُسمح لوزارة التربية بالإشراف على مناهج المدارس الشرعية التابعة للأوقاف، وقال الأيوبي أن الحرب كشفت أن العديد من زعماء الجماعات الإرهابية قد تخرجوا من (هاذي) المعاهد . وقد ردت عليه النائبة الإسلامية ريم الساعي أن المناهج الشرعية جيدة ولايشوبها شيء ، وهي مراقبة من قبل الأوقاف والأمن، وأيدها الزميل العلماني آلان بكر فيما ذهبت إليه من جودة المناهج وعدم تطرفها .. ولفت نظري جرأة الوزير الأحمد في معرض كلامه حيث قال أن الوزارة تستطيع إقالة مدرائها ولكنها لاتسطيع تعيينهم.. كما قال أن هناك مدراء ثقافة لم يقرأوا كتابا، الأمر الذي يؤكد ماذهبت إليه في مداخلتي التالية:


مقام الرئاسة السادة النواب السادة الوزراء:


بالثقافة والمعرفة تتمايز الأمم القوية عن الأمم الضعيفة.. وبعدما تحط الحرب أوزارها يجب أن تأخذ وزارة الثقافة دور وزارة الدفاع، حيث تغدو المعرفة والتنوير سلاحنا الذي يحقق سلامنا ويمنعنا من إعادة إنتاج حربنا المجنونة، لولا أن تمويل وزارة الثقافة ما يزال في آخر قوائم مؤسساتنا الوطنية، وبحسب ميزانيتها هذا العام فإنها لا تغطي نفقات بند واحد من بنود القانون الذي نناقشه اليوم، وبالتالي فإن مسيرة تعافي المجتمج السوري ومحو أميتنا الثقافية ستبقى بطيئة، فعلى الرغم من نجاحنا النسبي في محو الأمية التعليمية فإننا نعاني من الأمية الثقافية بين طبقات المجتمع، بما فيهم طبقة موظفي الدولة وقياداتها التي تخط مصيرنا ومستقبلنا،حيث مازال أغلبهم يستخدم مصطلح (مسقف) للسخرية من أصحاب العقول التنويرية .


أقترح إضافة بندين إلى مجمل القانون المقدم ، أولهما تخصيص قروض لأصحاب المشاريع الثقافية، حيث مايزال تسويق الإنتاج الثقافي أضعف من تسويق الإنتاج الزراعي ، وتبعا لذلك فإن أوضاع الكتاب والمفكرين أكثر سوءاً من أوضاع الفلاحين .
كما أقترح إحداث دائرة للإعلام الثقافي وإصدار جريدة ثقافية يومية يديرها ويحررها نخبة من عقول هذه الأمة بدلا من بذل ميزانية الدولة على صحف رسمية ممولة بالعجز المالي والإداري.. إذ من الخطأ إهمال تسويق إنتاجنا الثقافي في الوقت الذي تخصص فيه المنابر والشاشات لمسؤولين لم يقرأوا كتابا منذ أنهوا تعليمهم المدرسي.. فالمعرفة قوة، وهي قوة شبه معطلة في بلادنا ولا يبدو أن هناك كبير اهتمام في تفعيلها!؟


والواقع أن القانون الجديد متوازن في أغلبه، غير أن اعتراضي كان على بندين أولهما في المادة الثالثة حيث يقول البند الثاني بتعميم المعرفة والثقافة بين الجماهير، والتعريف بالحضارة العربية ونشر رسالتها، وتوفير إمكانات تفاعلها مع الثقافات العالمية الأخرى.. وقد طالبت الإكتفاء بالجملة الأولى وشطب الباقي لأن الثقافة العربية تشكل جزءاً من الثقافات السورية وليست كلها، وأن المطالبة بنشر الرسالة هنا يحيلنا إلى موضوع" الرسالة الخالدة" في النظام الداخلي للحزب.. وهنا قاطعني الرئيس معتبرا كلامي نوعا من التسلل خارج السياق .. ولم أتمكن من الإستمرار كما لم أتمكن من سماعه نظرا لأننا كنا نتكلم في الوقت نفسه بصوت عال..على الطريقة السورية..


والبند الثاني عشر في المادة 4 والذي يقول بمراقبة المسرحيات والأفلام السينمائية (العرض والإخراج) والتسجيلات الصوتية ومختلف أنواع الأشرطة والإسطوانات المستوردة والمعدة للإذاعة العلنية، ومنح رخص عرضها وتداولها، وتنظم هذه المراقبة وعمل ضابطتها العدلية التي تشكل من العاملين المختصين في الوزارة بقرارات من الوزير وفق الأسس المحددة في القانون 25 تاريخ 14/ 9/ 1977


فقد رأيت أن تعدد الرقابات يقيد الإبداع ولامبرر له في زمن الإنترنت سوى هدر المزيد من الرواتب على موظفي الرقابة لعرقلة حرية التعبير، وأن القوانين المدنية كافية لردع كل من يسيء إلى المجتمع والدولة السورية.. وفي الواقع فقد مر شريط حياتي أمامي وأنا أتكلم عن الرقباء حيث عانيت لربع قرن مضى من كل أنواع الرقابات ومنعوني من نشر آلاف الصفحات من دون مبرر .. ولهذا أشفق اليوم على الكتاب الذين سيأتون بعدي، من الخذلان والإرتكاس ومن ثم الهجرة، فيما لو لم تتوفر لهم تناحتي وصبري وزهدي وعنادي.

 

نبيل صالح

التعليقات

في راي ليس هناك حل ثاني سوى ان تشرف وزارة التربية و التعليم عن كل مناهج المدارس الشرعية التابعة لاوقاف و الشؤون الاسلامية ،و ان تشرف على كل مواردها البشرية و اللوجيستيكية ،و ان تدمج كل اطرها الدينية بين الاطر التعليمية ،و الا فان السلطة السياسوية الحاكمة تدافع عن مبدء ،استمرارية الصراعات الدينية من اجل ضمان استمرارية الاسنبداد و الاستعمار و الاستيطان ،و من اجل دلك فهي تدافع عن بقاء المستنقعات الاجتماعية العربية المتخصصة في فبركة موارد بشلاير متطرفة ارهابية جاهزة للاستعمال في الحروب الوطنية و الاقليمية و الدولية حتى يستفرد المستبد و المستوطن و المستعمر بكعكة انتصارات الاقتصاد السياسي العسكري الاسلحتي المخابراتي الغير المتخلق ....

حياك الله وبياك يا أ.نبيل:لقد أفرحتنا بهذه المداخلة الراقية ،شاء من شاء ،وأبى من أبى،ونحن واثقون بتطلعك الحضاري،وإني أطالب بإلغاء وزارة الأوقاف،وإنشاء دار الفتوى لكل المذاهب بدلا عنها،وإلغاء معظم المساجد ،ومعاهد تحفيظ القرآن التي فرخت لنا الوهابية والإخوانجيةنوأنا مع إشراف وزارة الثقافة على الوزرات الأخرى ،ولكن قبل ذلك يجب أن نبدأبتحضير الشعب لهذه النقلة النوعية،فسورية لديها من المساجد ما يكفي لعدة دول إسلامية،لماذا لا نحولها إلى مدارس ،ومعاهد؟أومشافي،أو دور للأيتام ،ودور العجزة مثلا،كل ذلك ونحن ندعي بإننا دولة علمانية.

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...