الأسد في روسيا :تحفيز التسوية السياسية

18-05-2018

الأسد في روسيا :تحفيز التسوية السياسية

تراهن روسيا اليوم على قدرتها، بالتعاون مع كل من تركيا وإيران، على تقديم صيغة «تسوية سياسية» في سوريا، تتوافق مع القرارات الدولية المعنية بهذا الشأن، وتحرص على تنسيق هذه الخطوات مع الجانب الحكومي السوري ضمن أطر «الشرعية». زيارات الرئيس السوري إلى روسيا، حملت عناوين المراحل الانتقالية في مسار الحرب والتسوية، ويبدو عنوان هذه الزيارة، هو إحياء المسار السياسي انطلاقاً من «اللجنة الدستورية» التي ولدت في سوتشي.

بعد يوم واحد على انحسار الوجود المسلّح عن وسط سوريا، وصل الرئيس بشار الأسد في زيارة غير معلن عنها إلى مدينة سوتشي الروسية، حيث استقبله نظيره فلاديمير بوتين، ووزيرا الخارجية والدفاع الروسيين. اللقاء الثالث من نوعه في الشكل والمكان، يتقاطع مع سابقيه في المضمون أيضاً، فقد جاء في توقيت لافت تتطلع فيه أنظار العالم إلى دمشق وحلفائها لبيان خطوتهم المقبلة، بعدما حملت الأشهر الأخيرة تغيّرات جذرية في مجريات الميدان. وكما كانت الزيارة الماضية تتويجاً لإنهاء نفوذ «داعش» في سوريا، وممرّاً لمسار سياسي جديد ولد في سوتشي، يشير لقاء أمس إلى نهاية مرحلة على الأرض، من شأنها تحفيز «التسوية السياسية» وفق آليات «سوتشي» نفسه. الحرص الروسي على التحرك ضمن إطار «الشرعية الدولية»، انعكس تنسيقاً مع الحكومة السورية في الخطوات التي يجري العمل عليها مع الدول المعنية بالتسوية. وكما دعمت دمشق مسبقاً جهود المحادثات في أستانا وسوتشي، أكد الأسد أمس استعداد بلاده للخطوة المقبلة على المسار نفسه، وهي تشكيل «اللجنة الدستورية»، في موازاة الإصرار على ربط التسوية بمنجزات «سوتشي» و«أستانا» فقط. إذ أكد أن حكومته سوف ترسل إلى الجانب الروسي «في أقرب فرصة» قائمة الأسماء التي ترشحها لتمثيلها في «اللجنة الدستورية»، والتي «ستبدأ أعمالها بمشاركة من الأمم المتحدة». النقطة اللافتة في حديث الرئيس السوري، كانت إشارته إلى أن «اللجنة» ستعمل على «مناقشة الدستور الحالي»، لا العمل على دستور جديد، وهو تفصيل كان سبق وأحدث خلافاً بين الجانبين الحكومي والمعارض، قبل تبني الرئيسين الروسي والأميركي (دونالد ترامب)، صيغة «التعديل الدستوري، والانتخابات الحرة والعادلة تحت إشراف الأمم المتحدة... من خلال مسار جنيف وفق القرار 2254»، وذلك في بيان مشترك صدر عنهما من فييتنام، منتصف تشرين الثاني الماضي. وبحث لقاء أمس، على ما نشرته الرئاستان السورية والروسية، جانباً هاماً يخص إعادة الإعمار ودفع الاقتصاد وتسوية الملفات الإنسانية، وأكد بوتين أن ما سبق يعد شرطاً مهماً لنجاح العملية السياسية، مشيراً إلى أن بلاده تعوّل على «مساعدة من الأمم المتحدة والدول المعنية» لحل هذه القضايا. الرئيس الروسي لفت أيضاً، إلى أن العمليات العسكرية خلال الفترة الماضية مكّنت من «استعادة مناطق هامة... وتحييد الخطر عن العاصمة دمشق»، مضيفاً أنه «مع بداية العملية السياسية في مرحلتها الأكثر نشاطاً... نفترض أنه سيتم سحب القوات المسلحة الأجنبية من أراضي الجمهورية العربية السورية».

ما جاء في الزيارة من توجه نحو دفع عمل «اللجنة الدستورية» سوف يستجلب نشاطاً ديبلوماسياً نشطاً لحلحلة الملفات العالقة منذ آخر جولة محادثات عقدت في جنيف. وتشير المعطيات إلى أن العمل الأهم، حتى انعقاد اجتماع سوتشي المقبل (في تموز) ــ إلا إذا أعلن عن جولة جديدة من محادثات جنيف قبله، سوف يكون على الجانب المعارض، الذي لا يبدو في أفضل حالاته الآن، خصوصاً أن الخلاف حول تمثيل منصات المعارضة التي غابت عن «سوتشي» في «اللجنة الدستورية» لا يزال قائماً حتى الآن. ويفترض أن تلعب جهود «الدول الضامنة» في أستانا، دوراً هاماً في التحضير لتفاعل «إيجابي» من الجانبين الحكومي والمعارض، في مرحلة تشكيل «اللجنة». 
وهو دور يمكنه أن يكون منفصلاً عن مسار المحادثات في جنيف، في حال تعثّر هناك، على ما أشارت تصريحات متكررة من مسؤولي تلك البلدان الثلاثة. وآخر تلك التصريحات جاء أمس، على لسان وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، الذي أشار إلى أن «الدول الغربية لا تبدو متحمسة لإحياء مسار جنيف... وأخشى أنه في حال لم يتطور هذا الأمر (المحادثات) في جنيف، ولم تتخذ خطوات، فيمكن التوجه نحو منصة أخرى، قد تكون أستانا على سبيل المثال»، وفق ما نقلت عنه وكالة «الأناضول».

التطورات الأخيرة ترافقت مع استمرار العمليات العسكرية للجيش السوري في محيط العاصمة دمشق، ضد تنظيم «داعش» المحاصر في مخيم اليرموك وأجزاء من الحجر الأسود. وعلى رغم الاستهداف الجوي والمدفعي المكثف لنقاط التنظيم داخل الحيّين، فقد تمكن مسلحو التنظيم من إبطاء تقدم الجيش مستفيدين من طبيعة المنطقة السكنية، وشبكة الأنفاق التي تربط الخطوط الدفاعية مع عمق المخيم. وعلى رغم ضراوة المعارك على أطراف المخيم، سقطت قذائف صاروخية عدة على حيي الزاهرة القديمة والشيخ محي الدين، وتسببت بإصابة عدد من المدنيين ووقوع أضرار مادية. وبالتوازي، استكملت قوات الأمن الداخلي دخولها عدداً من البلدات في ريفي حمص وحماة، عقب انتهاء عمليات ترحيل عدد من المدنيين والمسلحين نحو الشمال السوري. وبعد مدينة الرستن وتلبيسة، دخلت القوات الحكومية ناحية حر بنفسه في ريف حماة، برفقة ورشات تابعة لشركة كهرباء حماة ومؤسسة المياه والخدمات الفنية، إلى جانب الفرق الطبية، كما تم إنشاء مكاتب خاصة بإجراء عمليات «التسوية» للمسلحين الذي بقوا في تلك البلدات.

 


الأخبار

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...