رواج منتجات التنحيف: عقل مخدوع أم مقامرة يائس؟

04-08-2018

رواج منتجات التنحيف: عقل مخدوع أم مقامرة يائس؟

من منا لا يحلم بالرشاقة وفقدان بعض من الكيلوجرامات الزائدة من وزنه، من منا لم يحاول اتباع أنظمة التنحيف المختلفة… ولكن ما الحل عندما تبوء جميع محاولات إنقاص الوزن، واتباع الحميات الغذائية، بالفشل؟ حينها يبدأ الحلم بالحبة السحرية التي نبتلعها مع جرعة من الماء لنتحول بعدها إلى الوزن المثالي.


بهذا المنطق انتشرت مثل هذه الحبوب «السحرية»… أُتيحت إعلاناتها على الفضائيات… وامتلأت بها مواقع التواصل الاجتماعي. وعلى الرغم من تزايد الوعي المجتمعي اليوم بعدم جدوها، إلا أنها لم تفقد قدرتها على الانتشار واستقطاب المزيد من الجمهور.

الطريق الأقرب إلى الموت

مثلها مثل أي فتاة تبحث عن الرشاقة وفقدان الوزن، لجأت «منى» ذات الـ 23 عامًا لتناول أحد أدوية التنحيف، قامت بشرائها عبر إحدى الفضائيات، ظنت أن هذا الدواء سيكون فيه الحل السحري لإنقاص وزنها، إلا أنها تفاجأت عقب تناوله بآلام شديدة بالمعدة استدعت نقلها للمستشفى، حيث تبين إصابتها بقرحة في المعدة وتسمم بالأمعاء، مما تطلب عمل غسيل لمعدتها وتناول علاجات وأدوية كثيرة فضلًا عن تحذير من الأطباء بعدم استعمال هذه الأدوية مرة ثانية، إذ إنها غير صالحة للاستخدام الآدمي.

أصيبت «أم ريماس» كذلك وهي ثلاثينية متزوجة، باكتئاب حاد ناتج عن تناولها الحبوب الخاصة بالتنحيف، حيث تروي: «كنت أبحث بشكل مستمر عن منتج يساعدني على فقد كيلوجرامات من وزني، وتعرفت على تاجرة عن طريق إنستجرام تروج لمنتج جديد وتدعي أنها تجلبه من دولة آسيوية وليست لديه أضرار». وتضيف «بعد أن تناولت تلك الحبوب مدة ثلاثة أشهر أحسست بخفقان في القلب وهبوط في الضغط من أدنى مجهود، مما دفعني إلى تركها، وبعد مرور 3 أسابيع بدأت أشعر باكتئاب حاد، مما أفقدني حياتي الطبيعية، ودفعني للذهاب إلى العيادة النفسية وأخضع حاليًا إلى علاج مكثف للتخلص من تلك المادة».

أما «محمود» فقد أمضى نحو شهر، وهو يتناول هذه الأقراص العشبية لتخفيض الوزن، وخلال شهر تحقق هدفه بالفعل وانخفض وزنه بصورة سريعة، مما أثار سعادته الشديدة بهذا المنتج السحري، وما هو إلا وقت قصير، حتى بدأ الشاب العشريني يتعرض لاضطرابات في ضربات القلب، وإصابته بدوار مستمر، وبمراجعة طبيبه، اكتشف أن ما يتناوله من حبوب للنحافة، عبارة عن عبوة من السموم المخلوطة، كادت تصيبه بسكتة دماغية.

لحسن حظه اكتشف محمود الأمر مبكرًا، إلا أن الحظ الأسوأ كان من نصيب سماح (اسم مستعار) التي اشترت دواء التنحيف من إحدى الفضائيات، لتحقيق حلم الوصول للوزن المثالي، وسرعان ما تحول الحلم إلى كابوس بعد أن توقف قلبها بسكتة قلبية، عقب تناول 10 أقراص من الدواء. شعرت سماح بوخزة في قلبها، وبدأ الألم يزداد تدريجيًا حتى سقطت على إثره مغشيًا عليها، ولفظت أنفاسها الأخيرة متأثرة بسكتة قلبية.

تحذيرات دولية ومكاسب خيالية

تتعدد الحالات التي تُصاب بأمراض وأعراض عدة تصل إلى الموت أحيانًا عقب تناولها لمنتجات إنقاص الوزن، التي يتم الترويج لها عبر الفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعي. ولا يقتصر الأمر على مصر أو المنطقة العربية، بل يمتد إلى الدول الغربية، حيث سبق بالفعل أن تسببت أدوية التنحيف عبر الإنترنت في وفاة شابة من المكسيك عقب تناولها لها.

وعلى الرغم مما هو شائع بين الناس عن تلك الأدوية من أنها منتجات مغشوشه وليست لها جدوى حقيقية في تخفيض الوزن أو زيادته، إلا أن الاتجار بها ما زال مزدهرًا بشكل واضح. حيث أوضحت منظمة الصحة العالمية في تقرير لها أن الأدوية المزيفة ما زالت ظاهرة منتشرة في جميع البلدان، وتمثّل 10% من تجارة الأدوية على الصعيد العالمي.

وأشارت المنظمة كذلك إلى أن تجارة هذه الأدوية في مصر بلغت قيمتها عام 2015 نحو 10 مليارات جنيه، وهو ما يمثل 10% من حجم مبيعات الدواء بها. بينما أكد تقرير نشر عبر موقع «The Christian Science Monitor»، في العام ذاته أن مصر تعتبر اللاعب الرئيسي في تجارة تلك الأدوية، وأنها الدولة التنظيمية لبيعها بين شرق آسيا وغرب أفريقيا.

وعلى هذا النحو، توقعت دراسة بحثية أصدرتها شركة «تكنافيو» Technavio لأبحاث الصحة، أن تصل عائدات السوق العالمية لأدوية التنحيف إلى ما يقارب 4.79 مليار دولار بحلول عام 2020، حيث وضح «باراث بالادا»، أحد المحللين الرئيسيين بالشركة، أنه على الرغم من زيادة الوعي بهذه المنتجات إلا أن العروض المتزايدة من الشركات المنتجة والرغبة في الحصول على اللياقة البدنية في وقت قصير تقود إلى نمو هذا السوق.

تصدير الوهم:

جوانب نفسية وأخرى تقنيةتثير تلك الإحصائيات تساؤلًا هامًا حول أسباب ازدهار تجارة منتجات التنحيف والسمنة برغم من زيادة الوعي المجتمعي بكونها منتجات مزيفة عديمة الجدوى.

لعل الإجابة على هذا التساؤل تكمن إلى حد كبير في تقنية الإعلانات التي تروج لهذه المنتجات، فتلك الإعلانات تصور هدف فقدان الوزن أو زيادته على أنه أمر بعيد المنال ولكنه فجأة يصبح متاحا وسهل الوصول إليه، إذا ما أخذت خطوات قليلة… خطوات قليلة فقط تمكنك من الوصول لهدفك.

بشكل أكثر تحديدًا، يتم تصميم إعلانات إنقاص الوزن وزيادته عن طريق خدعة العقل، والعاطفة، ويكون هناك ثلاث تقنيات مقنعة لبيع هذه المنتجات:

مخاطبة العقل:

وذلك عبر تزويد المتابع بالمعلومات والتي عادةً ما تكون في شكل أرقام وإحصاءات، مثل هل تعلم أن دواء X قد ساعد أكثر من مليون شخص مثلك على فقدان الوزن. هذا فضلاً عن التأكيد أن الدواء مصرح به من وزارة الصحة، وهذه حيلة أخرى كثيرًا ما تلجأ إليها الإعلانات، فغالبية الأدوية التي يعلن عنها أنها للتخسيس تم التصريح بتداولها بالفعل من قبل وزارة الصحة، لكن كمكمل غذائي وليس كدواء لتخفيف الوزن. فالدواء يكون عليه تدقيق أكثر، وبعد ذلك يتم الترويج لها على أنها أدوية مصرح بها للتخسيس.

المصداقية:

أصبح من الشائع حالياً في إعلانات هذه المنتجات، الاستعانة بأحد المشاهير أو الخبراء لتأييد المنتج وتوضيح مميزاته وآليات عمله بالجسم، وكيف يعمل على فقدان الشهية أو التخلص من الدهون.

 

مخاطبة العاطفة:

 

هي الأداة الأكثر قوة واستخدامًا في الإعلانات، فالشركات تدرك أن المتابع غالبًا ما يتطلع بشغف لفقدان الوزن أو زيادته، وأنه في كثير من الأحيان يكون في أضعف حالاته، فتستخدم عواطفه ضده لإقناعه بالشراء. وتستغل الصوت الصغير في عقله الذي يستمر في التساؤل:

ماذا لو كان هذا المنتج جيدًا بالفعل وسيساعدني في تحقيق هدفي… لماذا أنا متشائم؟ولا يتوقف الأمر على تقنية الإعلان وحده، فما يساعد في نجاح هذه المنتجات طبيعة العصر الذي نعيش فيه، حيث يتم الترويج للجسد الرشيق بصورة لم تكن معتادة من قبل؛ في عالم السينما والأزياء وعبر مذيعات التليفزيون، وحتى الطلبات الجديدة للتوظيف، يكون فيها الجسد الرشيق هو المؤهل الأول لدخول عالم الشهرة أو الوظيفة. كما أن الكثير من حالات الزواج تكون مهددة بالفشل في حال كان أحد الطرفين يعاني من البدانة، وتبعا لذلك أصبحت السمنة تمثل عائقا نفسيًا أمام الكثيرين، وتقف حجر عثرة لتحقيق الأحلام في الوظيفة والزواج والتواصل الاجتماعي.

وهكذا تستغل الشركات هذا الجانب النفسي، وكافة الضغوط التي تسببها زيادة الوزن، من خلال إعلانات يتم صياغتها بعناية شديدة، وتأخذ مساحات طويلة من البث الفضائي، لكي تلح على كل من يعاني من زيادة الوزن بحيث لا يستطيع مقاومتها ويقوم بشرائها على الأقل من باب التجربة.

وبصفة عامة فقد أشارت دراسات وتجارب عدة إلى أن الأشخاص الذين هم في حاجة ماسة لإيجاد حلول لمشكلاتهم الصحية هم أكثر عرضة لتصديق الإعلانات وعباراتها الرنانة؛ خاصةً إذا كانت مصممة بطريقة جذابة. كما وضحت هذه الدراسات أن أسئلة معظم مُشتري هذه المنتجات تتركز حول الوقت الذي تستغرقه لتخليصهم من الوزن أو زيادته، وأن القليل منهم هو من يسأل عن مكونات المنتج.

ختاماً

يمكن الإشارة إلى أن الأمر لا يتعلق فقط بأدوية التنحيف والسمنة، بل يتعلق بمختلف الأدوية التي يتم الترويج لها عبر الإعلانات على أنها أدوية لمعالجة الأمراض المختلفة كالعظام والكبد وزيادة الرغبة الجنسية. كما يمتد الأمر أيضًا إلى منتجات معالجة الصلع والمنتجات الخاصة بتكبير أو تصغير بعض الأماكن بالجسد كما يتم الترويج لها.

فإذا كانت هذه الإعلانات تخاطب العاطفة فيجب أن تكون هناك حالة متزايدة من التشكك إزاءها خاصة إذا كانت مبالغ في الترويج لها بعبارات مثل اختراق علمي أو معجزة أو علاج قديم أو إذا أكدت إنقاص الوزن دون الحاجة إلى اتباع نظام غذائي سليم.

 

إضاءات

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...