لماذا سترضخ تركيا وتتراجع في الشمال السوري؟

16-08-2018

لماذا سترضخ تركيا وتتراجع في الشمال السوري؟

 لا صوت يعلو في سوريا اليوم على صوت هدير دبابات جيشها نحو الشمال، في عملية مرتقبة هادفة إلى تحرير منطقة إدلب الكبرى ( إدلب وما هو غير محرر من أرياف حلب وحماه واللاذقية)، والتي تعتبر آخر منطقة سورية ما زالت خارج سيطرة الدولة، بعد أن اكتمل تحرير الجنوب والسويداء ضمناً، هذا اذا استثنينا الشرق السوري، حيث المفاوضات الجدية بين الحكومة وقوات سوريا الديمقراطية تجري على قدم وساق، ونتيجتها بالمبدأ ستكون لصالح الشرعية والقانون وسلطة الدولة.

من هنا، نجد أن ميدان إدلب الكبرى يغلي، في داخله: صراعاً قاتلاً بين الفصائل الإرهابية وغيرها وتصفيات متبادلة، إضافة لاستهدافات جوية ومدفعية موضعية ومركزة، وعلى حدوده: حشود وانتشار وتوزيع لوحدات الجيش العربي السوري ولحلفائه، وتثبيتا لوحدات الاختراق والوحدات الخاصة، لاتخاذ التشكيلة النهائية قبل المهاجمة الرئيسية وتحرير تلك المناطق.
بالمقابل، وضمن المناورة التركية في محاولة تأخير اندفاعة الجيش العربي السوري، نجد أن أنقرة تعمل جاهدة على خطين متوازيين، الاول مع الروس والايرانيين لاعادة تأكيد التزاماتها بمقتضيات اتفاقات استانة وخفض التصعيد، في محاولة تبدو يائسة، لتقديم شيء ملموس على عكس السابق، والثاني مع المجموعات المسلحة الإرهابية وغيرها، من خلال عملية خلط غريبة، فيها الفصل والدمج والصقل والتذويب، وكأن تلك المجموعات اشبه بمواد عضوية أو كيمياوية جاهزة للتركيب، وذلك في محاولة تبدو يائسة أيضا، للإبقاء على المناسب من تلك المجموعات، كأوراق تفاوضية، هي الآن بأمسّ الحاجة لها.

عمليا، لا يبدو أن هذه المناورة التركية سوف يُكتب لها النجاح، وهي في النهاية سترضخ وتتراجع في الشمال السوري وذلك للاسباب التالية:

* ميدانيا

جميع المؤشرات الميدانية والعسكرية تذهب باتجاه قدرة الجيش العربي السوري على تنفيذ اختراق واسع وناجح داخل ما يسمى بمنطقة ادلب الكبرر:

– إمكانياته مع حلفائه اصبحت متفوقة ومناسبة للعملية، بعد أن تحرر القسم الأكبر منها استنادا للانتهاء من أغلب عمليات التحرير وسطا وجنوبا وشرقا (حتى الفرات حاليا).

– هناك العشرات من المحاور المناسبة لتنفيذ عمليات اختراق ومهاجمة ناجحة، جنوبا وشرقا وغربا، وعلى الرغم من تواجد عدد من نقاط المراقبة التركية على بعض محاور التقدم، فيمكن تجاوزها بسهولة، اذا كان هناك من قرار بعدم التصادم معها، والا ، فموضوع تحييدها او توقيفها بسيط وغير قابل للبحث عسكريا.

– المساحة الواسعة للبقعة الهدف، مع وجود العديد من الطرق الدولية والمحاور المتوازية معها، يعطي الوحدات المهاجمة هامشا واسعا من المناورة الميدانية، للاهداف العملانية في تحرير البلدات والمدن، وفي نفس الوقت للاهداف الانسانية عبر تحييد المدنيين، وذلك من خلال فصل مناطق عن بعضها، وتنفيذ عمليات الضغط بشكل متدرج ومتوازٍ أو مستقل في المكان والتوقيت، تبعا لتطور مقاومة الإرهابيين او استسلامهم .

لناحية المجموعات المسلحة:

حتى الآن، ورغم رعايتها لاغلب تلك المجموعات الإرهابية وغيرها، لا تزال تركيا تفشل في إيجاد طريقة تقنع فيها تلك المجموعات بالتوحّد ضمن “جيش وطني”، كما تسميه، لمواجهة الجيش العربي السوري ، فأهداف هذه المجموعات مختلفة بالكامل، وولاءاتها ومصارد تمويلها وأسلحتها ايضا، وبرهنت خلال كامل فترة الحرب على سوريا بانه لا يجمعها الا العداء للدولة و التشدد والفوضى والإرهاب ، إضافة إلى أن تركيا قد ضاعت بين التزاماتها باتفاق استانة، وبين مصلحتها الحقيقية في الابقاء على تلك المجموعات كاوراق ضغط وتفاوض، فخسرت ثقة روسيا وايران في قدرتها على تنفيذ الاتفاق، وفي نفس الوقت خسرت ثقة الإرهابيين الذين اصبحوا لا يأمنون لها، وهم على حق في ذلك.

* استراتيجيا:

 
استراتيجياً، ربما يبدو الوضع الديبلوماسي الدولي المتوتر لناحية تركيا، إضافة للوضع الاقتصادي الضاغط عليها اليوم، من أكثر العوامل المؤثرة في سياستها الانهزامية المفترضة في سوريا، والتي سوف تدفعها للتراجع هناك وعدم مواجهة الجيش العربي السوري، وعدم معاكسة أو مشاكسة الروس والايرانيين، والذين برهنوا لاردوغان، للمرة الثانية اليوم، بعد وقوفهم معه في محاولة الانقلاب الشهير عليه، انه يمكن له الاعتماد عليهم في السياسة والديبلوماسية وفي الاقتصاد، ليس محبة به طبعا كون تاريخه في التآمر ضدهم معروف، ولكن تجمع الثلاثة اليوم مشكلة الهجمة الاميركية الشرسة عليهم .
صحيح أن الموضوع الاستراتيجي الضاغط على تركيا اليوم، هو من العوامل المؤثرة بقوة لكي ترضخ وتتراجع في الشمال السوري، كما ويمكن اعتبار موضوع الفلتان والضياع والفوضى لدى مجموعاتها الإرهابية، ايضا عاملا مؤثرا في ذلك، ولكن …
يبقى الموضوع الاساس – والذي بسببه أُرغِمت تركيا على التقرب من روسيا وايران ونتج عن ذلك استانة ومتفرعاته، وبسببه ايضا ضعُفت وتشرذمت المجموعات الإرهابية وفقدت قدرتها في الميدان السوري – هو صمود وبسالة الجيش العربي السوري وقدرته الغريبة على المواجهة، خلال كامل الحرب الكونية التي شنت ضده، مدعوما من حلفاء اوفياء واقوياء ومخلصين، هو اليوم على الطريق الصحيح لتحرير ما تبقى من الجغرافيا السورية واعادة التوازن والقانون وسلطة الدولة إلى كامل سوريا ضمن حدودها الدولية.

 



العهد - شارل أبي نادر 

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...