موسيقانا العربية :أسئلة كثيرة، ولا جواب!

31-10-2018

موسيقانا العربية :أسئلة كثيرة، ولا جواب!

قبل أن تكون تساؤلات تحتاج إلى توضيح وأجوبة مقنعة وافية، هي في حقيقة الأمر سفر وترحال في محيط هذا الفن، ومحاولة قراءة واستبصار للتجربة الموسيقية العربية الحداثية التي شابها الكثير من الانتكاسات ولم تستطع إلا في حدود أن تكون امتداد لماهو ناجز حداثيا بدايات ومنتصف القرن الماضي.

ولهذه الانتكاسات أسباب متفرقة تتعلق بمفهوم هذا الموسيقي أو ذاك لمغزى ومسير الحداثة، فهناك كما هو معلوم اختلافات بينة وجوهرية حدثت بين تيارات ومدارس فكرية بتأثيرات لاتخفى من الموسيقات الغربية وحتى المشرقية على حد سواء، كرست واقعا موسيقيا عربيا مأزوما على أكثر من صعيد، وهي صراعات أيديولوجية وثقافية لم تستطع إلى يومنا هذا من الأجابة عن أسئلة الأصالة والحداثة في الحياة الموسيقية العربية المعاصرة، فبقيت موسيقانا عرضة على الدوام لتجاذبات ومعارك وهمية دونكيشوتية من دون الغوص في مسببات هذه الأزمات المستدامة الموروثة منذ حوالي القرن، صحيح أن هناك من أجاب عن هذه الأسئلة معرفيا وأكاديميا، لكن ذلك لم يمنع من صعود لغة الاستهلاك المريض في المشهد الموسيقي العربي وكأن الحداثة هنا أصبحت بحسب هؤلاء عقبة في وجه التجديد الذي يزعمون وهو أقرب إلى التغريب والتقليد المريض الذي ينم عن قصور معرفي بمسرى وسفر الحداثة في موسيقات الشعوب التي تبقى بمثابة رسالة نزوع نحو تخصيب الهوية الموسيقية الوطنية بعناصر ومفردات متقدمة من دون أن يعني ذلك تغييب وتهميش اللغة القديمة التي كانت في وقتها حداثية بكل ماتحمل الكلمة من معنى ودلالات وإلا لإنطفأت جذوتها الإبداعية ولما تناقلتها الأجيال بكل محبة وتقدير.

ولذلك وجب القول هنا أن ثمة فروق كبيرة بين الحداثة المعرفية المنشودة في كل الأزمنة ومابين حداثة العولمة ببعدها ونسقها الثقافي العابر ولونها الموسيقي الكئيب والمريض على المستوى الحياتي والإبداعي الذي لايعترف بخصوبة وتنوع التقاليد الموسيقية في موسيقات العالم. بل يريد بما يملك ويتملك من مقدرات إنتاجية وإعلامية ضخمة جدا في فرض بعده التجاري الاستهلاكي على الجميع وهو مع الأسف استطاع وبذكاء وخداع ماكر مقنع من التأثير على الأجيال وبالتالي تغريبها وإبعادها عن كل مايمس تاريخها وهويتها الوطنية المائزة،. لقد طرح العديد من الباحثين العرب أسئلة مهمة حبروها في العديد من المؤلفات والدراسات والبحوث وغيرها فندوا من خلالها عقم التجربة الحداثية المبنية على عناصر ومفردات الآخر المغاير التي بقيت على أهميتها قاصرة لوحدها عن خلق واجتراح نهضة موسيقية عربية متكاملة يندمج فيها الأصيل مع الوافد والتراث مع التجديد بشكل معرفي عقلاني

كما فعل أولئك الفرسان الكبار ممن أسس وبنى أركان الحداثة في موسيقانا العربية بعد أن تفهموا جيدا وأدركوا معنى ومغزى الحداثة انطلاقا من الداخل مماهو منجز ومكرس في تربة هذا الفن كما بطبيعة الحال في الذاكرة الجمعية العربية، إلى أن دخلت التقانات والأدوات الغربية قلب المشهد الموسيقي العربي خاصة نهايات القرن الماضي حيث شهدت انقلابات فكرية وثقافية أدت إلى تحولات عميقة في بنية وطرق الكتابة و التأليف والممارسة وشيئا فشيئا بدأت موسيقانا تخسر الكثير من عناصرها الإبداعية من مقامات وايقاعات وغياب الارتجال أحد أهم مفردات الهوية الموسيقية العربية على مر التاريخ ليستعاض عن كل ذلك بتقانات غربية ساهمت فيها التكنولوجيا والبرامج الذكية والوسائط المتعددة في تعميق الفجوة بين الأجيال وتغريبها، والنتيجة كانت كارثية على أكثر من صعيد. فهل مايقدم اليوم من نتاجات موسيقية بائسة وكئيبة وفقيرة على مستويات التعبير والمضامين الجمالية والذوقية، ينتمي بشكل أو بآخر لموسيقانا العربية وهويتها الأصيلة المعبرة؟ سؤال نضيفه إلى قائمة تلك الأسئلة المتراكمة التي ستبقى بلا أجوبة إلى أن "يحدث الله أمرا كان مفعولا "!!

 


علي الأحمد 

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...