مرافعة «ترامبية» عن ابن سلمان: بقاؤه يحفظ أمن إسرائيل

29-11-2018

مرافعة «ترامبية» عن ابن سلمان: بقاؤه يحفظ أمن إسرائيل

حشد وزيرا الدفاع والخارجية الأميركيان، جيمس ماتيس ومايك بومبيو، كل أدواتهما الكلامية للدفاع عن السعودية بمواجهة السخط المتنامي عليها داخل الكونغرس. وضوح بالغ لم يسبقهما إليه إلا الرئيس دونالد ترامب، تحدثا به في معرض تبرئتهما ولي عهد المملكة محمد بن سلمان من دم جمال خاشقجي، والتنظير لضرورة استبقاء العلاقات معه لما تمثّله من أهمية بالنسبة إلى الخطط الأميركية في الشرق الأوسط. إسرائيل، وكما كان ترامب نفسه قد أعلن صُراحاً، على رأس الأولويات. من دون السعودية، سيكون الإسرائيليون في خطر. هذا ما نبّه إليه ماتيس وبومبيو، رافعَين إيران إلى رأس قائمة التهديدات، التي لا يمكن المضيّ في مواجهتها من دون الرياض. وفي ما يتصل بالحرب على اليمن، أظهر الوزيران حرص إدارتهما على عدم التشويش على تكتيكاتها في هذا الملف، بعدما بدا أن ثمة إمكانية كبيرة لتمرير قرار داخل مجلس الشيوخ بوقف الدعم الأميركي لـ«التحالف».


 خلافاً لرئيسهما، لم يتطرّق ماتيس وبومبيو، في إفادتَيهما أمس أمام مجلس الشيوخ، إلى الصفقات القائمة بين واشنطن والرياض. إذ إن حديث ترامب الدائم عن تلك الصفقات هو ما يزيد تشكّك أعضاء الكونغرس ووسائل الإعلام إزاء الأسباب التي تدفعه إلى التستّر على ابن سلمان. ومن هنا، لجأ وزيرا الدفاع والخارجية إلى وضع إطار دفاعي يحاكي تشديد النخبة الأميركية الدائم على ضرورة حفظ مصالح الولايات المتحدة، وليس مصالح البيت الأبيض. إطار لخّصه بومبيو بقوله إن «خفض مستوى العلاقات مع السعودية سيكون خطأ تجاه الأمن القومي الأميركي». أما مبرّرات ذلك فتتركّز في نقطتين: أولاهما أن «السعودية تلعب دوراً جوهرياً في الحفاظ على أمن المنطقة وأمن إسرائيل»، على حدّ تعبير ماتيس، الذي يعيد إلى الأذهان قول ترامب قبل أيام إنه «لولا السعودية، لكانت إسرائيل في ورطة كبيرة». تدرك واشنطن أهمية وجود ابن سلمان على رأس السلطة في المملكة لتمرير خطتها لتصفية القضية الفلسطينية، والمعروفة بـ«صفقة القرن»، التي أعلن السفير الإسرائيلي لدى الأمم المتحدة، داني دانون، أمس، أن بنودها ستُطرح في بداية العام المقبل. وبالتالي، لا تريد إدارة ترامب أن ينقطع الحبل بها في منتصف الطريق، بعدما قطعت السعودية أشواطاً كبيرة في التقارب مع إسرائيل، وباتت مستعدة لفعل أي شيء لتسهيل تطبيق «صفقة القرن».

ولأن العمل على إتمام «الصفقة» الموعودة يلازمه السعي إلى رصّ صفوف الإسرائيليين و«العرب» في مواجهة إيران، تحضر الأخيرة مباشرة لدى تعداد «فوائد» بقاء ابن سلمان. «السعودية مثل الولايات المتحدة ـــ وخلافاً للمنتقدين ـــ تدرك الخطر الجسيم الذي تمثّله الجمهورية الإسلامية الإيرانية على العالم»، وفق ما أكد بومبيو. إدراك ما فتئت السعودية تشدد عليه منذ اعتلاء ولي عهدها الجديد سدّة منصبه، توازياً مع إبدائها الودّ تجاه إسرائيل، والذي تكثّفت إشاراته عقب الأزمة الأخيرة أملاً في أن تشكّل «قشة النجاة» لابن سلمان من ورطة اغتيال خاشقجي. انطلاقاً من ذلك، وتأسيساً على حقيقة طموح ابن سلمان إلى «تقليم أظافر» طهران، تبدو «السعودية حليفاً مهماً يجب الحفاظ عليه»، من أجل «احتواء إيران في المنطقة، والحفاظ على الديموقراطية في العراق، ومحاربة تنظيم الدولة وغيره من التنظيمات المتشددة»، على حدّ تعبير وزير الخارجية الأميركي، الذي أراد إفهام المشرّعين أن إدارة ترامب لا تحبّذ أن يصرفها أي طارئ عن هدف تركيز الجهود على إضعاف إيران، ومحاربة نفوذها في مناطق الصراع.

وهي مناطق ليس اليمن مستثنىً منها، إذ إن «من مصلحة أميركا إنهاء الحرب الأهلية والتصدّي لنفوذ إيران» في هذا البلد، وفق إفادة ماتيس. تصريح ملتبس يجمع بين إرادة وقف الحرب وإرادة المضيّ فيها، ما يعني أن لدى إدارة ترامب تكتيكات خاصة لتنسيق عملية الانسحاب من المستنقع اليمني، تنافي التعجّل الذي يظهره الكونغرس. وهو الأمر الذي يؤكده حديث وزيرَي الخارجية والدفاع عن أن «التوقيت سيء لإصدار أي تشريع في مجلس الشيوخ بشأن السعودية».

يُقرأ في استخدام عبارة «التوقيت سيء» أن الإدارة إنما هي في طور ترتيب مخرج يحفظ للسعودية الحدّ الأدنى من المكاسب، ولا يشكّل هزيمة كاملة لها. ولذا، فإن ترامب ومستشاريه لا يريدون أي خطوات من شأنها أن تزيد موقف المملكة ضعفاً قبيل الجلوس إلى طاولة المشاورات المنتظرة مطلع الشهر المقبل في السويد. ولعلّ هذا ما يمكن فهمه من دفاع ماتيس وبومبيو بشراسة عن الدعم الأميركي لـ«التحالف»، والذي لولاه لكان الوضع «أسوأ من ذلك»، واعتبارهما أن أي قرار بوقفه سيكون «مجانباً للصواب». كذلك، لا يمثّل طلب الأميركيين إلى مجلس الأمن تأجيل التصويت على مشروع القرار البريطاني بشأن اليمن إلا خطوة في الاتجاه نفسه. إذ إن صدور القرار المذكور قبيل مفاوضات استوكهولم سيُعدّ نقطة لمصلحة «أنصار الله»، وسيطوي عملياً صفحة القرار 2216 الذي تصرّ الحكومة الموالية للرياض على اعتباره مرجعية للتفاوض والحل السياسي.

هل ستنجح إدارة ترامب في صرف نظر الكونغرس عن مسألة معاقبة السعودية، حتى تتفرّغ لإعادة ضبط السياسات «السلمانية» بما يعود بالفائدة على مشروعَي «صفقة القرن» و«الناتو العربي»؟ إلى الآن، لا توحي ردود الفعل الأولية على إفادتَي ماتيس وبومبيو، اللذين كرّرا ادعاء رئيسهما بأن «لا دليل دامغاً» على ضلوع ابن سلمان في واقعة اغتيال خاشقجي، بأن الوزيرين تمكّنا من إحداث التأثير المطلوب. ومن شأن تلك الردود، إذا ما اتّسعت دائرتها في الساعات والأيام المقبلة توازياً مع التصويت المحتمل لمصلحة وقف الدعم الأميركي لـ«التحالف»، أن تضع مزيداً من العقبات أمام سعي الإدارة إلى «حفظ رأس» ابن سلمان، خصوصاً أن سردية ترامب ومستشاريه لا تزال تعاني من ثغرة متصلة بعدم إيمان كثيرين بأن مصالح الولايات المتحدة مرتبطة بشخص ولي العهد. وما يزيد جهود البيت الأبيض والدوائر المساندة له تعقيداً استمرار السخط العالمي على ابن سلمان، والذي تجلّت آخر مظاهره أمس في إعلان الادعاء العام الأرجنتيني تحريك قضية ضد الرجل على خلفية الجرائم المرتكبة في اليمن، استجابة لطلب من منظمة «هيومن رايتس ووتش».

 

 

الأخبار

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...