أصل اسم مار جرجس - الخضر . الحارث الاوغاريتي

03-02-2019

أصل اسم مار جرجس - الخضر . الحارث الاوغاريتي

الجمل - د. فايز مقدسي

معظم الناس في بلادنا  يعتقدون أن اسم جرجس أو جورج كما دخل إلى اللغات الاوروبية هو اسم أجنبي أوروبي يستعمله المسيحيون فقط

لأنه اسم قديس معروف باسم القديس مار جرجس الذي قاتل التنين و دحره و أنقذ العروس التي كان التنين يستعد  لافتراسها.


و لقد شاعت هذه الحكاية حتى أننا صرنا نرى في الكنائس في الشرق و الغرب ايقونات تمثل مار جرجس يطعن التنين برمحه و ينقذ الفتاة منه و يحررها


و اعتقد الكثيرون أن هذه الحكاية دخلت إلى أوروبا عن طريق الاغريق و فاتهم أن اسم جرجس هو اسم سوري قديم  و أنه دخل عن طريق اللغة السورية القديمة إلى اليونانية في صيغة/ خرخيوس/ و عن هذه الصيغة اليونانية انتقل إلى أوروبا في العصر المسيحي في صيغة/جورج/ و هو اسم لا يزال يكتب إلى اليوم بالفرنسية مع حرف السين و لكن دون لفط حرف السين. و  لقد حل حرف الجيم محل حرف الخاء اليوناني  الذي نقل حرف الحاء السوري القديم  و الموجود في الأسم السوري القديم . اما صيغة جرجس فقد استعارها السوريون  من الصيغة اليونانية/خورخيوس/ و هم لا يعلمون أن اليونانية استعارت هذا الاسم منهم.


و لو رجعنا إلى السجلات التاريخية اللغوية المدونة بالسورية القديمة ( اللغة الامورية -الكنعانية )  و كما تبينها مدونات /اوغاريت -موقع رأس الشمرا  على الساحل السوري فأننا نعثر على اسم جرجس كما كان يلفظ بالسورية القديمة في  جذر / ح ر ث / أي الذي يحرث الأرض أو الحارث  و الذي كان لقبا يطلق على السيد البعل باعتباره سيد الخصب و الزراعة و  هو  ، و من الناحية الرمزية ، الذي يحرث الحقول و يجعلها صالحة للزراعة  و يتعهدها بالسقاية عن طريق المطر و لذلك كان يلقب بسيد المطر .

البرق يعلن مجيئه و الرعد صوته و الغيوم مركبته أو حصانه كما نقرأ في قصائد اوغاريت الاسطوريةاسم الحارث دخل إلى اليونانية في صيغة / خارث / لعدم وجود حرف الحاء في اليونانية .و لما كانت اللغة اليونانية تقتضي الحاق كل اسم علم مذكر بحرف السين فقد أصبح اسم خارث / خارخوس/ و عن هذه الصيغة دخل إلى اللغات الأوروبية في صيغة جورج ثم عاد الينا في صيغة جرجس منقولا عن اللفظ اليوناني و لما كان لهذا الاسم صفة قدسية فقد جعلته التقاليد اسما لقديس و اطلقت على هذا القديس اسم جرجس الذي يحارب التنين  .

و لا شك ان الذاكرة الشعبية السورية قد احتفظت بهذه الحكاية شفهيا  و تم تغيير الاسماء  و أصولها وتاريخها الحقيقي . اما اليوم ، و بعد اكتشاف نصوص اوغاريت ،  فأننا  اصبحنا نعرف من تلك النصوص ان البعل - الحارث يتصدي للتنين و يحاربه و يتغلب عليه لينقذ بني البشر من شروره و ليعود الخصب الى الارض فتصير / السماوات تمطر سمنا و السواقي تسيل عسلاكما نقرأ في قصيدة البعل و الموت. و لذلك اطلق اجدادنا السوريون  على البعل أو الحارث لقب / نعمان/ يعني الذي يفيض بالنعم على بني الإنسان


و لقد تجذر هذا الاسم في الذاكرة السورية فاطلقوا اسم النعمان على الزهر الأحمر اللون  و سموه شقائق النعمان يعني الجروح التي أصيب بها البعل اثناء قتاله مع التنين.  و لما جاءت المسيحية نرى أن الأشياء لم تتغير  فقد أخذ البعل الحارث اسم مار جرجس أي الحارث العظيم كما يعني اسم مار جرجس.و لما كان البعل يعتلي صهوة الغيوم  و كأنها حصانه حين يأتي فقد تم اعطاء صفة الفارس ايضا لمار جرجس  و اطلقوا عليه اسم  مار جرجس الخيال أو الفارس


نقرأ في قصيدة البعل و الموت السورية القديمة 1500 على الأقل قبل الميلاد  أن الناس كانوا في الاحتفالات الطقسية يخاطبون الرب البعل فيقولون له :


هوذا عدوك أيها البعل هوذا

عدوك فاضربه هوذا

عدوك التنين الذي يناهض

كفاصرعه و اقض عليه


أنت أيها البعل -السيدتضرب التنين الأفعى المنسلة

أنت تسحق رأس هذا الثعبان الهارب

أنت ترض رؤوس التنين السبعة


فإذا انتقلنا إلى الأدب السوري الشعبي في  المسيحية فأننا نقرأ في قصيدة فيها نفس الكلام و لكن حول مار جرجس
لما كان في ذاك الحينفي بيروت ظهر تنين ريحتو تهلك العالمين و يعرف باسم الثعبان


أسرع مار جرجس و تقدم اليه و رفع رمحه ، و هجم عليه و ضرب و ضربة بين عينيه و الرمح من خلفه داني


و من يقرأ هذا النص الشعبي يقرأ في الحقيقة النص الشعري القديم كما هو في مدونات أوغاريت و لا يزال الناس في بلادنا يحتفلون إلى اليوم بعيد مار جرجس و هو يقع في الربيع / عودة الخصوبة الى الطبيعة /  و لما جاء الإسلام إلى سوريا فقدتم اطلاق اسم ( الخضر) على مار جرجس ظنا منهم أن اسم جرجس اسم أوروبي.

و لما كان اسم الخضر يأتي من اللون الأخضر الذي يدل على الطبيعة المزدهرة فإننا نلاحظ أن اللفظ تغير غير أن الدلالة بقيت كما هي


و نستطيع ان نلاحظ أن الصلوات و التضرعات لانزال المطر كان يرفعها الملك بنفسه إلى السيد- البعل لاستنزال المطر مما يجعلنا نلاحظ الأصل السوري القديم لما نسميه اليوم بصلاة الاستسقاء و التي نعتقد أنها إسلامية الطابع و جاءت من الجزيرة العربية كما نفعل بكل تراثنا السوري

و إليكم هذا المقطع الذي يمثل صلاة الاستسقاء السورية 1500 سنة قبل الميلاد كما يرفعها الملك السوري / دانيل/ او دينونة الله و كما هي في مدونات اوغاريت


يقول النص

إن الجفاف ضرب الحقول و غطتها أسراب الجرادفرقع الملك /دانيل /صوته الى الله متضرعا و قال


ربي أجعل المطر يهطل في فصل الجفاف

أرسل السحب و فيها رذاذ مياه الخريف و ليهطل الندى و يسقي عناقيد العنب في الكروم


و هكذا نرى أن مار جرجس الخضر ليس سوى البعل السوري نفسه الحارث الأكبر،و يجب أن نشير أن  الملوك السوريين  الأنباط الذين جعلوا مدينة البتراء في الأردن اليوم عاصمة لمملكتهم قد اطلقوا على أنفسهم لقب الحارث فكان هناك الحارث الاول و الحارث الثاني و هكذا و لقد امتد حكمهم في فترة القوة الى دمشق. و كان نائب الملك الحارث يحكم دمشقعندما دخلها بولس بعد الرؤيا التي حدثت له على أبواب دمشق و التي غيرت تاريخ العالم فيما بعد   


اما اسم الحارث السوري فقد دخل كما رأينا و بصيغته اليونانية إلى كل لغات العالم و اصبح اسما عالميا في صيغة جورج . 

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...