ما وجه الترابط بين النظام العالمي والنظام العسكري الأمريكي

23-03-2007

ما وجه الترابط بين النظام العالمي والنظام العسكري الأمريكي

الجمل:     يتضمن الجانب غير المنظور في محفزات السياسة العسكرية الأمريكية الدور الوظيفي المؤثر الذي يقوم به كبار المسؤولين، وأصحاب الاستثمارات والشركات. وقد تطور هذا الدور الوظيفي في الفترات الأخيرة المعاصرة، وأصبح أكثر تعقيداً وعلمية في استخدام تقنية التأثيرات التي تقوم بها عناصر اللوبيات التي أصبحت أكثر نشاطاً وفعالية في التأثير على عملية صنع واتخاذ القرار الأمريكي منذ مراحلها التمهيدية الأولى.
نمو مفهوم وعملية (التجارة الحرة) داخل النظام الدولي الجديد:
ركزت بنود النظام الدولي الجديد، على جعل مبدأ التجارة الحرة نظرية اقتصادية ووسيلة سياسية، على النحو الذي يؤدي ببساطة إلى إلغاء وإزالة كل حواجز حركة تدفق التجارة بين بلدان وأمم العالم. وقد تبين أن سياسات النظام الدولي الجديد أكثر عمقاً من مجرد تحرير التجارة، وذلك لأن للأمر جانباً آخر يتعلق بنظام الأولويات العسكرية.
نشأت في الولايات المتحدة الأمريكية ظاهرة المجمع الصناعي- العسكري، وهي ظاهرة صناعية- عسكرية- تجارية- مالية شديدة التعقيد، يرتبط فيها رأس المال الصناعي برأس المال التجاري والمالي، بحيث أصبحت مجاميع الشركات تتكون من شركة قابضة، تشرف على شركات فرعية تعمل في الصناعة، والمال، والتجارة، والإنتاج العسكري..
• توجيه العملية السياسية:
أدركت مجاميع المجمع الصناعي- العسكري أهمية الفرصة التي يمكن أن تنتج من عملية توجيه عملية صنع واتخاذ القرار السياسي، وبالذات في الجوانب المتعلقة بتحرير المبادلات التجارية وتنفيذ الصفقات والتعاقدات، وتحويلات رأس المال المباشرة وغير المباشرة.. واستطاعت هذه المجاميع الصناعية- العسكرية الاستعانة بمنظمات اللوبي إما عن طريق إنشائها، أو باختراق اللوبيات الموجودة مثل اللوبي الإسرائيلي، عن طريق التبرعات والدعم، وأيضاً عن طريق شراء المسؤولين وأعضاء الكونغرس الأمريكي بالمال والتسهيلات المختلفة.
وقد أصبحت الشركات النفطية تستخدم اللوبيات من أجل الضغط على الكونغرس الأمريكي والإدارة الأمريكية من أجل السيطرة على مناطق إنتاج النفط وقنوات توزيعه وأسعاره.
كذلك أصبحت شركات إنتاج السلاح تستخدم اللوبيات من أجل الضغط على الكونغرس والإدارة الأمريكية من أجل الحصول على التعاقدات التي تمكنها من تصريف إنتاجها، وقد نجحت هذه الشركات نجاحاً باهراً في تزويد القوات الأمريكية باحتياجاتها في حربي العراق وأفغانستان، كذلك نجحت هذه الشركات في اختراق أجهزة المعونة الأمريكية، والفوز بعقود تقديم العتاد العسكري للإدارة الأمريكية، والتي سوف تقوم بدورها بتوزيعه على الدول المتحالفة مع أمريكا  والتي تخصص لها الحكومة الأمريكية نصيباً في برامج المعونة العسكرية الأمريكية.
ولم تكتف هذه الشركات بالتأثير على المناقصات من أجل الحصول على التعاقدات، بل أصبحت تقوم باستباق الأحداث، وذلك عن طريق التأثير على الخارجية الأمريكية بما يؤدي لجعل وزارة الخارجية الأمريكية ترفع التقارير للإدارة الأمريكية والكونغرس مطالبة بالمزيد من المعونات العسكرية لدول العالم الحليفة للولايات المتحدة.
• النظام العالمي والنظام العسكري:
أصبح النظام العالمي السائد حالياً يستند على نظام عسكري، بشكل يقوم فيه النظام العسكري بتوجيه النظام العالمي، وعلى سبيل المثال تشير إلى الترابط المتسلسل الآتي:
قامت عناصر المجمع الصناعي- العسكري بالضغط على الإدارة الأمريكية والكونغرس من أجل تبني المزيد من التدخلات السياسية والعسكرية في دول العالم الأخرى، وبالفعل تبنت الإدارة الأمريكية هذه التوجهات، الأمر الذي أدى إلى نشوء حالة من سباق التسلح وتزايد الطلب في الأسواق العالمية للأسلحة والعتاد العسكري، ولكي يتم تنشيط عملية الإنتاج الصناعي العسكري، قامت البنوك الأمريكية برفع أسعار الفائدة، الأمر الذي أدى إلى تدفق رؤوس الأموال والودائع إلى البنوك والمصارف الأمريكية، والتي قامت بدورها بإقراض شركات المجمع الصناعي- العسكري، على النحو الذي رفع إنتاجها، ولكي تستمر هذه الحلقة بشكل دائم أصبحت شركات المجمع الصناعي العسكري تمارس ضغوطاً متزايدة داخل الكونغرس والإدارة الأمريكية من أجل توسيع دائرة الحرب، وعدم الخروج لا من العراق ولا أفغانستان، ودفع إسرائيل لكي تشن المزيد من الحروب، ورفع منسوب معدلات المعونة العسكرية للحكومات الصديقة مثل حكومة السنيورة، وعاهل الأردن، وحسني مبارك، والسعودية، والخليج.... والهدف من ذلك واضح، وهو المزيد من تسويق الأسلحة والعتاد العسكري مقابل استغلال النفط وعائداته.
• أبرز الاختراقات:
استطاعت شركات المجمع الصناعي- العسكري، التغلغل داخل البنتاغون (وزارة الدفاع الأمريكية)، والتأثير على بنود استراتيجية الأمن القومي الأمريكي، وذلك عن طريق وضع بنود يؤدي الالتزام بها إلى دعم مبيعات إنتاج شركات المجمع الصناعي- العسكرية.
من أبرز البنود التي تؤكد ذلك والتي وردت في استراتيجية البنتاغون:
- ضرورة الحاجة إلى إحداث تغيير دراماتيكي في الاستراتيجية العسكرية الأمريكية، وفي استراتيجية الأمن القومي الأمريكي.
- استبدال مبدأ الاحتواء الذي كان مطبقاً في فترة الحرب الباردة بمبدأ العمل العسكري الاستباقي.
- ضرورة القيام بإجراء تحالفات عسكرية متعددة بما يؤدي إلى تعزيز قدرة أمريكا في تغطية سائر أنحاء العالم.
- الاعتماد على تحرير الأسواق وتحرير التجارة كأولويات رئيسية يتوجب أن تهدف إلى تحقيقها استراتيجية الأمن القومي الأمريكي.
وعموماً نقول: البند الأول يشير بوضوح إلى ضرورة أن تقوم أمريكا بتغيير استراتيجيتها العسكرية والأمنية وفقاً للظروف الجديدة، هو بند تمهيدي يأتي بعده البند الثاني الذي يقول بضرورة التخلي عن استراتيجية الاحتواء (التي لا تتطلب المزيد من الأسلحة والعتاد) والتحول إلى (استراتيجية العمل العسكري الاستباقي (والتي تتطلب المزيد من السلاح والعتاد لشن الحروب العدوانية دون سابق إنذار أو ذريعة قانونية). ثم يأتي البند الثالث والذي يشير إلى ضرورة الدخول في عدد أكبر من الأحلاف العسكرية (أي رفع معدلات المعونات العسكرية للدول وحكومات العالم التي سوف تتحالف معها أمريكا).. أما البند الرابع، فيشير إلى جوهر المقصود، وهو أن الأسواق الحرة والتجارة الحرة، ضرورية لا للاقتصاد الأمريكي، وإنما للأمن الأمريكي، أي لتجارة السلاح مقابل أعلى الأسعار واستيراد الخامات مثل النفط، بأقل الأسعار، بحيث تستفيد شركات أمريكا من الأرباح، وذلك لأنه كلما حصل حلفاء أمريكا (مثل حكومة السنيورة والأردن وغيرهما..) على المعونات العسكرية كانت أمريكا مضطرة للبقاء فترة أطول في العراق، من أجل الحصول على تكاليف معوناتها العسكرية بأضعاف مضاعفة من عائدات النفط العراقي.

 

الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...