اختبار ديمقراطية مجلس الشعب

11-06-2019

اختبار ديمقراطية مجلس الشعب

 لليوم التالي يرفض رئيس المجلس الأذن لي بالكلام للدفاع عن اتهامي بلائحة جرائم لم أعرف أني ارتكبتها ، لهذا أعطي نفسي أذنا بالمرافعة عني أمامكم اليوم:

سيدي الرئيس:

يوم الأحد الماضي وفي الوقت الذي تنشغل فيه القيادة والجيش بتحرير إدلب، وجه أربعون عضوا بعثيا في المجلس اتهاماتهم ضد بعض ما أكتبه، اعتمادا على التأويل، بأني أتعرض للدين الإسلامي ولحزب البعث .. وقد استهلكوا ساعتين ونصف الساعة من وقت الجلسة في هجوم مبيت وغير مسبوق بتاريخ مجلس الشعب السوري، وقد كان بإمكانهم توقيع مذكرة اتهام من دون تضييع وقت المجلس الكريم فيما لاينفع الأمة أو يضرها.. وعلى أية حال أشكر البعثيين الآخرين الذين لم يوافقوا على المشاركة في طعن المرتد نبيل صالح ،وأعرف أنهم قد يتضرروا لعدم إذعانهم للقرار الإرتجالي الذي اتخذ برعونة وعدم تدبير تحت عنوان (الدفاع عن الإسلام) لأن هذه التهمة وردت في مداخلات الجميع..

بالطبع شعرت بالخيبة مما آل إليه حالنا، ومن ثم شعرت بالتهديد مساء اليوم نفسه، بعد وصول معلومات مؤكدة تقول أن وزارة الأوقاف وجهت بعض موظفيها الدينيين بمهاجمتي باعتباري عدوا للإسلام على صفحاتهم المباركة وتأليب جمهورهم ضدي .. لهذا فأنا اليوم لم أعد آمنا في وطني الذي دافعت عنه ضد الإرهاب والتكفير طوال سنوات الحرب، وسأضع وزر دمي المباح  في ذمة وضمير كل من ساهم بهذه النهاية البائسة، وأطالب باستجواب وزير الأوقاف بتهمة استخدام سلطاته للتحريض على نائب له حصانته بحيث يعرض حياته للخطر..

سيدي الرئيس، جواباً على اتهامات زملائي بالأمس أقول:

1- (تهمة الرغبة بتجميع اللايكات):قبل انتشار الفيسبوك واتهامي بجمع الإعجابات بربع قرن، كنت ومازلت كاتبا محترفاً يتابعني غالبية السوريين الذين أمثل مصالحهم وتوجهاتهم الوطنية، ومن ثم فرضت علينا الحرب قوانينها فوجهت نشاطي للدفاع عن شرعية الدولة وكنت أول منشق عن المعارضة في مؤتمر سميراميس  عام 2011 لأقف مع جيشي وشعبي ورئيسي. وأنا لا أفهم سبب التحامل الرسمي ضد الفيسبوك وأهله الذين وقفوا مع الدولة وغطوا الجزء الناقص في إعلامها الرسمي ، كما لا أفهم كيف يشن الرسميون هجومهم على جمهور الفيس في الوقت الذي نجد فيه صفحات فيسبوكية لكل مؤسسات الدولة ووزاراتها من أجل تحسين صورتها وكسب رضى الشعب وإعجابه .. يجب احترام اللايك السوري بوصفه صوتاً نمثله في المجلس، كما يجب الاعتراف بأهمية وسائل التواصل الاجتماعي في إيصال صوت الهامشيين إلينا وتخفيف تغول محاكم الجرائم الإلكترونية على حرية الناس في التعبير التي كفلها الدستور.

2-  (تهمة نشر وقائع جلسات مجلس الشعب أمام الجمهور): أنا إعلامي بالأصل وأنشر ما يحصل داخل المجلس على صفحات جريدتي الإلكترونية (الجمل) و على صفحة الفيس، من باب تحسين صورة الديموقراطية والدعاية لنشاط النواب الجيدين الذين يتجاهلهم الإعلام الحكومي، ولا أظن بأني أخالف القوانين البرلمانية في ذلك..

3- (تهمة أني دخلت المجلس بفضل الحزب): أنا لم أطلب الدخول إلى مجلس الشعب ولم أفكر بذلك يوما، وكنت أنتقد آلية عمله في مقالاتي ، وبسبب حالة الحرب التي تتعرض لها البلاد وافقت على طلب القيادة القطرية بالمشاركة في قائمة الوحدة الوطنية مع كوكبة من الشخصيات السورية المميزة بهدف تفعيل المجلس ومتابعة نهجنا الإصلاحي والتنويري، وهذا مافعلته خلال السنوات الثلاث المنصرمة من عملي البرلماني ..

4 -  (تهمة معاداة الثورة) بقولي: أن ثورة البعث عام 1963 قد وقفت عند أبواب وزارة الأوقاف دون دخولها وتغيير آليه عملها: فإذا لم يكن كلامي صحيحاً أعطوني تغييرا إيجابيا واحداً طرأ على هذه الوزارة التي استحدثها حسني الزعيم؟ لقد بقيت وزارة الأوقاف مؤسسة شبه مستقلة عن سياسة الحكومة ومستغلة للأموال الوقفية، وكنت نشرت العديد من التحقيقات على صفحات جريدة "تشرين" الرسمية قبل 17 عاماً عن الاختلاسات والارتكابات في الأموال والعقارات الوقفية مع ذكر الجملة الواردة أعلاه عن ثورة البعث ولم يحتج أحد آنذاك في قيادة الحزب على وصفي هذا، فما الذي استجد اليوم ؟

5 - (استخدام تعبير تأميم القرآن الكريم ): كل الفرق والجماعات الإسلامية المتناحرة عبر التاريخ، كان يدعى كل فريق أنه يمتلك التأويل الصحيح للقرآن وأنه يمثل الإسلام الصحيح وأن غيره مهرطق ومارق حتى بات لدينا إسلامات كثيرة بدلا من إسلام واحد.. وقد سُفكت الكثير من دماء المسلمين بسبب ذلك ومازالت، نظراً لأن آيات القرآن الكريم حسب توصيف الإمام علي "حمالة أوجه" .. وأنا لم ولن أهاجم دينا يدين به قسم من شعبي الذي أدافع عن حريته في الإعتقاد، وإنما كنت ومازلت أدعو إلى اعتماد العقل بدلاً من النقل في فهم الدين الإسلامي والمسيحي، حيث مازال سيف جماعة النقل على رقاب أهل العقل، وحربنا السورية شاهد على ذلك.

6 - أما في شبهة (مساسي بالدين) في مقالتي التي أرفض فيها عودة حماس إلى الحضن السوري، والذي جاء قرار القيادة موافقاً لهوى الشعب الرافض لعودة حماس، فقد حاول المتضررون من ذلك استغلال تفسير الجملة الأخيرة في المنشور والتي رأيت فيها أن دعوة البعض لعودة حماس إلى حضننا تشبه عملية تجحيش الزوجة .. والواقع أن كلمة التجحيش مستخدمة في البيئة الشامية ولم أخترعها، وأنا لم أخرج في معناها عما قاله رسول الله لأصحابه: (هل أنبئكم بالتيس المستعار؟ قالوا من هو يا رسول الله ؟ فقال هو المحلل. لعن الله المحلل والمحلل له) رواه الإمام أحمد في مسنده.

7 -  بخصوص تعبير (النفاق السياسي الديني) الوارد في أحد منشوراتي فيظهر جلياً في كثير من الممارسات الرسمية والتي كان آخرها عدم التجرؤ على تعديل قانون الأحوال الشخصية بما يكفل المساواة التامة بين المرأة والرجل، فجاء التعديل موافقا للشرع ومخالفاً للدستور .

8 ـ لم أقل يوما أن المشكلة في الأديان بقدر ما هي في الرؤوس التي تحملها، وأن أسوأها هي العقول السلفية المتشددة، وبالتالي أنا أنتقد الفهم والتأويل الخاطئ للإسلام وليس الإسلام ذاته، وهذا مافعله أغلب الباحثين الإسلاميين في تاريخنا الحديث.

9 ـ (تهمة التهجم على تنظيم القبيسيات العالمي – فرع سورية) لم أقل كلمة سيئة أبدا بحقهن وإنما كنت أتساءل: هل لديهن ترخيص بالاجتماعات السرية، وهل نعلم ما هو برنامجهن الديني، ولماذا تقتصر جماعتهن على النساء المتدينات فقط، وهل هذا مخالف للدستور السوري..

10 ـ بخصوص الاستشهاد بحديث السيد رئيس الجمهورية الأخير عن أن العلمانية لاتتعارض مع الإيمان، فهو يتوافق تماما بالخطوط العريضة مع برنامج التحالف السوري العلماني فيما لو أردتم مراجعته.

11 ـ أما عن استفساركم حول ماهية التحالف السوري العلماني الذي أعلنا عنه في 21أذار الماضي وانضم إليه بضعة آلاف من المواطنين السوريين خلال أيام معدودة، فهو ليس حزباً ولا تنظيماً وإنما تحالف وطني اجتماعي ثقافي لديه برنامج قابل للتغيير والتطوير بما يتوافق مع البيئات التي ينتمي إليها المنضمون إليه. وهو لا يعتمد أيديولوجية ثابتة  قد تشكل بمرور الزمن  عصبية مضافة إلى العصبيات السورية. وقد وعدنا بالعمل تحت مظلة مجلس الشعب وقوانينه وبالتعاون مع نوابه المنضمين إليه  في المحافظات، لأجل تفعيل العلاقة بين النائب وناخبيه بحيث نحقق مقولة (حكم الشعب نفسه بنفسه) وجعل المواطن شريكا في إنتاج السياسات الداخلية وحريصاً على حمايتها لأنها ستكون جزءاً من إنتاجه. ويمكنكم الاطلاع على برنامجنا عبر صفحة التحالف السوري العلماني على الفيسبوك، وهو يتوافق مع البرامج الإجتماعية للأحزاب العلمانية ومكمل لها، ونأمل التعامل مع التحالف العلماني كما يتم التعامل مع الفرق والمجموعات الدينية الناشطة في مجتمعنا بموافقة السلطات الرسمية.

ختاما أقول : أنا أدعم حزب البعث بانتقاد أخطاء بعض قياداته من باب الغيرة عليه، وسبق أن ألفت كتبا عن مجموعة الآباء المؤسسين لحزب البعث وسائر الأحزاب العلمانية السورية لتذكير الأجيال الجديدة بأعمالهم وأفكارهم المؤسسة، كما أحترم الثقافة الإسلامية وواجهت المحرضين على الفتنة بين طوائفنا في مئات المقالات والعديد من الكتب والمؤتمرات المهتمة بالتقريب بين المذاهب والأديان، وأنا مستمر في مشروعي التنويري لأني أرى أن بذرة السلام المجتمعي تبدأ بالأفكار التي تتفاعل داخل العقول قبل أن تنمو خضرتها في قلوب الناس.. وأعلم أن الصراع سيكون طويلا ومريرا ضد التعصب والإستبداد..

 أنا أكتب للناس منذ ثلاثة عقود ولن أعتذر عما كتبت، لأن الإعتراف بخطأ لم يحدث يخالف طبعي ومبادئي، وإذا كنت عقبة في خلاص الوطن فاصلبوني وارتاحوا .. سورية المبتدى وسدرة المنتهى.

 

 

نبيل صالح

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...