إذا اندلعت الحرب بين الولايات المتحدة وإيران فمن غير المحتمل أن تقف روسيا على الحياد

16-06-2019

إذا اندلعت الحرب بين الولايات المتحدة وإيران فمن غير المحتمل أن تقف روسيا على الحياد

الكاتب: بيوتور كورتونوف وعبد الرسول ديفسالار- ترجمة: د. محمد عبده الإبراهيم:


أصبح العاملُ الروسيُّ أكثر أهميّة مع تصاعد التوتُّر بين الولايات المتحدة وإيران في اتجاه مواجهة عسكرية محتملة.

تتميز سياسة روسيا تجاه الشرق الأوسط بالتوازن الذي يضمن لها القيام بدورها كقوة توازن فعّالة وفاعلة. يمكن أن يؤدي سقوط الجمهورية الإسلامية الإيرانية إلى تقويض قدرة موسكو على تحقيق التوازن في منطقة الشرق الأوسط.

لدى الولايات المتحدة القدرة على شلّ السياسة الروسيّة في سورية؛ ذلك بمنح المزيد من حرية العمل للجماعات المتحالفة مع الولايات المتحدة، وبما سيزيد من إضعاف حكومة الرئيس الأسد التي تستعيد الآن عافيتها.
وضعت روسيا وإيران تقارباً أمنيّاً كبيراً للردّ على التهديدات المشتركة وتكييف الاستراتيجيات لتعزيز المكانة الدولية المطلوبة في مواجهة أحادية القطب الذي تقوده الولايات المتحدة.سيمهد الهجوم بقيادة الولايات المتحدة على إيران الطريق لترتيب الأوضاع الأمنية في الشرق الأوسط، وبما سيمنح لواشنطن اليد العليا. توفر كل هذه التطورات أرضية للتكهنات حول درجة انخراط موسكو في مواجهة عسكرية محتملة بين إيران والولايات المتحدة.

هذا، ورغم أنَّ موسكو يمكن أن تستفيد مالياً من إيران معزولة سياسياً وأقل تنافسية من الناحية الاقتصادية، فإنَّ التأثيرات الجيوسياسية الناتجة عن تغيير النظام في طهران سوف تفوق الفوائد الاقتصادية المحتملة بشكل كبير.

يمكن للمواجهة المباشرة بين طهران وواشنطن أن تعيد القوة العسكريّة الأمريكيّة الرئيسة لتشكل تحدياً جيوسياسياً يهدد مصالح روسيا في الشرق الأوسط.

لقد ألقت موسكو باللائمة فعلاً على الولايات المتحدة لاستفزازها لإيران، وأظهرت معارضتها لتشديد الولايات المتحدة الضغط على طهران، نظراً لاعترافها بمصالح إيران الدفاعيّة المشروعة.إنَّ مشاركة روسيا الفاعلة في السياسة الدوليّة التي تجلت في السنوات الأخيرة هي بعيدة كل البعد عن السلبية النسبية التي ميزت ردَّ فعل موسكو على الحرب اليوغوسلافية أو الغزو الأمريكي للعراق.

لذلك، لن يكون الأمرُ مفاجأةً إذا قررت روسيا اتخاذ خطوة تتجاوز مجرد الدّعم الدبلوماسيّ لحماية مصالحها في الشَّرق الأوسط، بما في ذلك مساعدة إيران عسكريّاً.

قامت موسكو وطهران طوال السنوات المنصرمة بإضفاء الطابع المؤسساتي على تنسيقهما العسكريّ، عبر كمية غير مسبوقة من الاتصالات العسكرية والاستخباراتية رفيعة المستوى. ويمكن أن يسهم ذلك في استعداد موسكو لتوسيع مساعدتها لإيران، بما يتجاوز التدابير الدبلوماسية.

علاوة على هذا، يفترض الطموح الدوليّ الذي تعمل عليه روسيا اليوم بأن تقوم موسكو بالرد المناسب على أي سياسة أمريكية راديكالية تجاه إيران. من بين تطلعات بوتين الرئيسة في ما يتعلق بالسياسة الخارجية التأكيد على روسيا كقوة عظمى معترف بها عالميّاً. هذا، ومن أجل تحقيق ذلك، يتعين على موسكو أن تظهر مقدار التأثير الذي تتمتع به على الصعيد العالميّ، وبخاصّة عندما تكون هناك أزمة أمنية دولية كبيرة.

إنَّ الإخفاق في إظهار درجة كبيرة من المشاركة في الأزمة الناشئة سوف يضرّ بشكل كبير بمكانة روسيا، ويقوِّض وضعها كقوة عظمى، تدّعي روسيا، أنّها تمثّلها بالفعل، لقد بعث بوتين برسالة واضحة مُفادها أنّه يجب على إيران ألا تزيد من توقعاتها بشأن المساعدة الروسيّة المحتملة. على أيّة حال، يمكن التكهن بأنَّ رد فعل بوتين في أعقاب نزاع واسع النطاق بين إيران والولايات المتحدة قد يكون مختلفاً. كما أنَّ تورط روسيا المباشر في الصراع الأمريكيّ الإيرانيّ، في حالة حدوث مثل هذه المواجهة، أمر غير محتمل إلى حدٍّ كبير.

وقد تتخذ موسكو خطوات حذرة من أجل تعزيز قدرات الردع الإيرانية. من المشكوك فيه أن تجري موسكو أي تغييرات جذرية في سياستها المتمثلة في عدم تزويد طهران بالأسلحة الهجومية، لكن هذا لا يعني أن روسيا لا يمكنها تعزيز قدرات إيران الدفاعية.

يمكن أن توفر العلاقات العسكريّة الثنائية بين طهران وموسكو في السنوات الأخيرة صورة للخطوات العمليّة التي قد تتخذها موسكو لمساعدة طهران. منذ عام 2011، تطور التعاون الروسيّ الإيرانيّ حول ثلاث فئات رئيسة: مبيعات الأسلحة، أبرزها تسليم أنظمة S-300PMU2 ؛ تبادل المعلومات الاستخباراتية التي تركز على "داعش" والمعارك في سورية؛ والتعاون العملياتي في شكل تنسيق المعركة والعمليات العسكرية المشتركة في سورية. هذه الركائز الفريدة للتفاعل بين البلدين، مصحوبة باللجان المشتركة لتسهيلها، قد أضفت الطابع المؤسساتي على التعاون العسكري بين موسكو وطهران خارج سورية.

ويُرجّح أن تكون المشاركة الروسية في النزاع الأمريكي الإيراني مستندةً إلى هذا النمط الثلاثيّ.قد يكون الخيار الأول لموسكو في الردّ على التصعيد بين إيران والولايات المتحدة هو تعزيز قدرات نظام الدّفاع الجويّ الإيرانيّ للحدّ من التفوق الجويّ الأمريكيّ. أظهرت المشاركة الروسيّة في سورية أنَّ الكرملين واثق من استخدام أنظمة الدفاع الجوي المتقدمة لتغيير ميزان القوى وسط المعارك المستمرة.

إنَّ قرار موسكو بتزويد الجيش السوري بمنظومة S-300 في سورية ردّاً على إسقاط طائرة استطلاع روسية أسقطها الجيش السوري خطأً هو مَثَلٌ واضح على ذلك، إذ أظهر استعداد روسيا لتعديل التوازن العسكريّ بوساطة الإمداد السريع بالأسلحة.

وهكذا، تُبقي موسكو لنفسها خيار تطوير قدرات إيران الدّفاعية؛ ذلك عن طريق تزويدها بوحدات أكثر تقدّماً، هذا في حال أن دعت ضرورة من هذا القبيل إلى ذلك. كما أنَّ توفيرها لبطاريات S-400 أو أنظمة الحرب الإلكترونيّة الأرضيّة، بما يشمل Borisoglebsk-2 و Krasukha-4Sمن حيث كونها جميعها قادرة على عرقلة التفوّق الجويّ للولايات المتحدة، يمكن أن يشكِّلَ جزءاً من ردّة فعل روسيا في هذا الاتجاه.

إنَّ أحد الأشكال الأخرى لردّ الفعل الروسيّ الممكن اتخاذه هو نشر وحدات عسكريّة روسية في إيران. لقد أثبتت روسيا مؤخراً، أنها مستعدة لنشر وحدات عسكرية محدودة في البلدان المتنازع عليها، من أجل مكافحة التهديدات التي تواجه مصالحها.

وتعدّ حالة توبوليف 160 وانتشار القوّة المحدودة في فنزويلا لردع التهديد الأمريكيّ دعماً لحكومة الرئيس مادورو المَثَل الأخير، حيث وضعت عمليات النشر العسكرية الاستراتيجية كخيار ممكن. هذا، ويُرجَّح أن تدعم طهران القوات الروسية المتمركزة على الأراضي الإيرانية.

حينما بلغت الحرب في سورية ذروتها في عام 2016، سرت أنباء عن أنَّ قاذفات طراز توبوليف 22M3 الروسيّة استخدمت قاعدة جوية إيرانية في مدينة همدان لشنّ هجمات على أهداف في سورية. هذا، ورغم شعار "لا شرقيّة ولا غربيّة "No East, No West"  [جمهوريّة إسلاميّة]"*، فقد كشف الحادث أن الجمهورية الإسلامية أصبحت واقعية بدرجة كافية لتغيير سياستها عندما تكون قضايا الأمن القومي في خطر.

تثير هذه التطورات احتمال أن تكون روسيا مستعدة لتطبيق النموذج نفسه لدعم الحكومة الإيرانية. سيكون لهذه الخطوة قيمة عملياتية محدودة.لا يمكن أن تعمل هذه السياسة، إلا كأداة للوقاية، ما يثني الخصم المحتمل عن المشاركة في نزاع عسكريّ. في اللحظة التي يتصاعد فيها العنف، لن يكون إرسال القوات خياراً لروسيا.

أخيراً، قد تزود روسيا إيران بمعلومات استخباراتية عملية قبل أو أثناء اندلاع الحرب مع الولايات المتحدة.لن تكون هذه هي المرة الأولى التي توفر فيها روسيا لحلفائها هذا النوع من المساعدة. في عام 2003، زعم تقرير البنتاغون أن روسيا نقلت معلومات استخبارية عن تحركات القوات الأمريكية في العراق إلى صدام حسين في الأيام الأولى من الحرب.

عندما يتعلق الأمر بإيران وروسيا، فإنَّ تجربة البلدين في تبادل المعلومات الحساسة حول مكافحة الإرهاب عن "داعش" في أفغانستان، وإنشاء مركز استخبارات مشترك في عام 2015 قد سهّلت تبادل المعلومات بشكل منهجي.

ورغم أنَّ مدى هذا التعاون لم يتضح بعد، فإن الزيارات المتكررة لمسؤولي الأمن في البلدان تعني أنهم أنشأوا قنوات موثوقة لدعمه.يصعب أن نفترض أن روسيا ستوفر بيانات مراقبة واستطلاع مكثفة لإيران. ومع ذلك، فحتى الوصول المحدود إلى المعلومات حول نشر القوات والمعدات والمواقع الأمريكية يمكن أن يلعب دوراً مهماً في تحسين قدرات إيران الدفاعية.

يتضح أن موسكو لا تنوي الوقوع في صراع عسكري بين إيران والولايات المتحدة، وتبعا لذلك ستستخدم كلّ التدابير الممكنة لتقليل مخاطر المواجهة المباشرة بين القوتين.

وهذا لا يعني أن روسيا ليس لديها خيارات أخرى عدا البقاء خارج مثل تلك المواجهة أو الحدّ من دعمها لمجرد المساعدة الدبلوماسية. على العكس من ذلك، ليس لدى موسكو رغبة في حدوث تحول كبير في القوة في الشرق الأوسط لصالح الولايات المتحدة. وذلك على عكس ما ترغب الإدارة فيه الأمريكية، فمن غير المرجح أن تتخذ موسكو موقفاً محايداً تماماً من الأزمة التي تلوح في الأفق.

لا تزال روسيا تحتفظ بعدد كبير من الخيارات للتأثير في توازن القدرات العسكرية بين إيران والولايات المتحدة. إنهم بعيدون عن أن يكونوا قادرين على تغيير قواعد اللعبة، أو هم بعيدون عن أن يكونوا بالضرورة قادرين على قلب مجريات الحرب، لكن يمكنهم بالتأكيد خلق عقبات كبيرة أمام جهود واشنطن الحربية.

تجعل هذه الخيارات مغامرة الولايات المتحدة في إيران أكثر تعقيداً.
* قام قائد الثورة الإسلامية في إيران آية الله الخميني برفع شعار "لا شرقية ولا غربية" للدلالة على السياسة الإيرانية، وقد استوحى هذا الشعار من الآية القرآنية: "اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ ۖ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ ۖ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ ۚ نُّورٌ عَلَىٰ نُورٍ ۗ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ ۗ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ" (سورة النور: آية 35)

 



الجمل بالتعاون مع مركز دمشق للدراسات

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...