تحت القبة شيخ: هل تُكبّل المقامات سلطة الدولة؟

02-09-2019

تحت القبة شيخ: هل تُكبّل المقامات سلطة الدولة؟

يتعلق أغلب المصريين روحياً – بدرجات مختلفة- بفكرة أولياء الله الصالحين ومقاماتهم، التي دائماً ما يسعون إليها من مختلف المناطق والمستويات لنيل البركات. فتلجأ إليها من تحلم بالإنجاب، ومن ترغب بالزواج، ومن يرغب في الشفاء، ومن يأس من الحياة، حتى من يرغب في نيل الرضا والفوز بقلب حبيبه.

وعادةً فإن هذا التعلق الروحي لا يحظى بزخم كبير ولا يتم تسليط الضوء عليه كثيراً، سوى في المناسبات الاجتماعية والموالد الشهيرة كمولد سيدنا الحسين، وسيدي جابر، والسيد البدوي وغيرهما. إلا أن الأيام الماضية كشفت عن مدى الحب الذي تحظى به المقامات والأضرحة في نفوس المصريين.

قوة الأموات VS سلطة الدولة

في الـ17 من أغسطس/آب الجاري 2019، وخلال افتتاحه أحد المشروعات بقاعدة محمد نجيب، طالب الرئيس عبدالفتاح السيسي بنقل ضريح أبوالإخلاص الزرقاني بالإسكندرية على أساس أنه يعيق مشروع محور المحمودية بالمحافظة، قائلا:

هناك مسجد بمقام كبير يعيق الحركة في طريق محور المحمودية… مفيش أسهل من إني أقول لمدير الأمن والجيش يخلصونا من الموضوع ده، لكن إحنا بنتكلم عن مصلحة عامة… والله والله النبي محمد، صلى الله عليه وسلم، ما يرضى بكده، ولا يرضى إن الطريق والكوبري يقف… شوفوا مكان جديد، ونعمل مسجد طبق الأصل من المسجد ده.

—الرئيس عبدالفتاح السيسي

بالفعل تمت الاستجابة لقرار الرئيس، وخلال يومين فقط، تم هدم المسجد ونقل الضريح بشكل مؤقت لميدان المساجد بجوار مسجد أبوالعباس المرسي. كما توالت المواقف المؤيدة للقرار من مختلف أتباع ومشايخ الطرق الصوفية وعلى رأسها الشيخ محمد صفوت فودة، وكيل مشيخة الطرق الصوفية بالإسكندرية، الذي أكد ترحيب المشيخة بقرار السيسي. والشيخ علاء أبوالعزائم رئيس المجلس الأعلى للطرق الصوفية، الذي صرح بأن المجلس لا يمانع نقل الضريح.

لم يكن هذا الترحيب أمراً غريباً أو غير متوقع من قبل قيادات الصوفية، فدائماً ما سعت لتقديم نفسها كقوى وسطية قادرة على حشد وتأييد المصريين لدعم الرئيس السيسي، كما عُرفت بتأييدها وتوافقها معه. وسبق أن ظهر هذا في مواقف عدة مثل تأييدها إعلانه الترشح للرئاسة عام 2014، وإعادة انتخابه فترة رئاسية ثانية في 2018.

ففي هذه الانتخابات أخذت على عاتقها مهمة تنظيم المؤتمرات الداعمة للرئيس، وأكدت على لسان علاء الدين ماضي رئيس الاتحاد العالمي للطرق الصوفية أن أي مرشح سيخوض الانتخابات الرئاسية أمام السيسي سيخسر.

كما تكرر الأمر في التعديلات الدستورية الأخيرة التي سمحت بمد فترة الرئاسة لـ6 سنوات بدلاً من 4 سنوات، كما أتاحت للرئيس السيسي الترشح عقب انتهاء مدته الحالية. حيث خرج عبدالهادي القصبي، رئيس المجلس الأعلى للطرق الصوفية ورئيس ائتلاف دعم مصر بالبرلمان، وأعلن صراحة تأييد الصوفية للتعديلات.

ورغم هذا التأييد، فإنه لم يكن لنظام الرئيس السيسي فقط، بل يمكن اعتباره تأييداً لمختلف الأنظمة التي حكمت مصر بدءاً من الرئيس الراحل جمال عبدالناصر إلى الرئيس السيسي، باستثناء النظام السابق برئاسة محمد مرسي، نظراً للخلافات بينهم وبين جماعة الإخوان المسلمين، وكذلك السلفيين.

اعتراضات واتهامات

دون الخوض في تفاصيل هذه الخلافات أو دوافع الصوفية لأن تدور في فلك الأنظمة الحاكمة، أو توظيف تلك الأنظمة لها كأداة في مواجهة الجماعات المعارضة خاصة جماعات الإسلام السياسي، فهذه المواقف المؤيدة من قبل القيادات، لم تكن المواقف الحقيقية أو الوحيدة. إذ شهدت الأوساط الصوفية (من غير القيادات)، والدراويش (محبي الحضرات الذين ينتمون بشكل أو آخر لإحدى فرق الصوفية)، حالة من الغضب على خلفية قرار هدم المسجد والضريح.

حالة الغضب هذه لم تكن الأولى، بل سادت أوساط الصوفية مرات عديدة مع عمليات هدم المقامات السابقة، كما كان الحال بعد إزالة ضريح القطب الصوفي سيدى زغلول من مسجده بمدينة رشيد، وهدم ضريحي المغازي بزفتى، والكيكي بكفر الشيخ.

فمع عمليات الإزالة هذه، خرجت الأوساط الصوفية ومحبو الحضرات، لتتهم السلفيين باتباعهم مخططات لإزالة تراث الصوفية، كما طالت الاتهامات وزارة الأوقاف، مؤكدين أنها تضم مجموعة من أصحاب الفكر السلفي، يعتنقون أفكاراً ضد الصوفية، ويرفضون فكرة وجود أضرحة بالمساجد، وأنه لهذا السبب يتم هدم ضريح كل فترة، خلال تجديدات المساجد.

أما في الحالة الحالية المتعلقة بمقام أبوالإخلاص الزرقاني، فقد امتد الأمر إلى الشارع، حيث تجمع مئات المريدين اعتراضاً على القرار، مؤكدين أن أبوالإخلاص الزرقاني من أولياء الصوفية المعروفين بالعالم الإسلامي، وهدم مقامه سيُولد حالة غضب بين أتباعه في كافة أنحاء العالم.

وبطبيعة الحال، كان لمواقع التواصل الاجتماعي نصيب كبير من هذه الاعتراضات، حيث وصلتها حالة الغضب وانتشرت التدوينات الرافضة للقرار، حتى وصل الحال بها إلى التساؤل عن الأهداف وراء هدم المسجد فقط، على الرغم من وجود كنيسة على نفس الخط المقام عليه المسجد لم يصدر أمر بهدمها.

وبصرف النظر عن التفاصيل المتعلقة بجغرافيا المنطقة، إلا أن صدور قرار الهدم من الرئيس السيسي ذاته، يكشف عن مدى صعوبة الأمر ومدى تعلق المصريين بالأضرحة والمقامات. فلو كان الأمر سهلاً، لصدر القرار مباشرة من محافظ الإسكندرية أو الجهات المسؤولة عن مشروع محور المحمودية أو غيرها من الجهات المحلية المختصة بالأمر.


المقامات: ملجأ كل مهموم

التعلق المصري بالمقامات وزيارة القبور، لم يكن أمراً جديداً أو مستحدثاً، بل يمتد إلى آلاف السنين، حيث المصريون القدماء الذين حرصوا على زيارة المقابر الخاصة بالملوك، فكانت بمثابة أضرحة مصر الفرعونية. وظهر الأمر بصورة أكثر وضوحاً في العصر الفاطمي الذي شكّل البداية الحقيقية لبناء الأضرحة لنيل البركة، كما تكرر في العصر الأيوبي، حيث أراد الأيوبيون أن ينافسوا الفاطميين والشيعة بنفس الأسلوب الذي اتبعوه، فقاموا بتشييد بعض القباب لأهل السنة وعلى رأسها قبة «الإمام الشافعي».

مع مرور الزمن انتشرت تلك القباب والمقامات، حتى بلغ عددها اليوم طبقاً لوزارة الثقافة نحو 6 آلاف مقام، أشهرها مقامات سيدنا الحسين، والسيدة نفيسة، والسيدة زينب، والسيد البدوي، وغيرها الكثير من المقامات التي اعتاد المصريون زيارتها والتبرك بها. فأصبحت مكاناً يتم اللجوء إليه للعلاج من الأمراض، أو لطلب الزواج، أو لتيسير الحال، أو غيرها من الآمال التي عجز أصحابها عن تحقيقها، فلجؤوا إلى التمسح بقبر الولي، والتماس البركة عسى أن ييسر الله لهم أمورهم.

هكذا أصبح من المعتاد أن ترى حول هذه المقامات مئات الأشخاص الذين تعرضوا للظلم على يد ذويهم، فترى أبًا طرده أبناؤه، وأخًا استولى إخوته على ميراثه وماله، وامرأة عذبها زوجها فرغبت في التخلص من العذاب وتطويع زوجها.

هناك أيضاً ترى المتزوجات حديثاً أو قديماً يدعون أن يرزقهن بالذرية والأولاد، وآخريات يطلبن العون في الحفاظ على أزواجهن الذين يرغبون في الزواج من امرأة ثانية، حتى من لم يحالفهن الحظ في الزواج، فيدعينّ أن يُبعد عنهن شبح العنوسة ويرزقن بالزواج.

كذلك يمكن أن ترى المرضى خاصة المرضى النفسيين والعقليين، والذين يقيّدون بالسلاسل أحياناً عديدة، حيث تأتي بهم أسرهم إلى تلك المقامات بعد فشل الأطباء في علاجهم أو نتيجة لعدم امتلاكهم القدرة على دفع مصاريف العلاج الباهظة.

بصفة عامة، فالزائر للضريح يكون في أقصى درجات اليأس أحياناً، ويرى في صاحب المقام وسيطاً بينه وبين الله، فيطلب منه المد لكشف الغمة وإزالة الهم، ويتقدم بالنذر إذا ما زال السبب، والذي يتمثل في الماديات أو عمل موالد أمام الضريح أو إقامة ولائم يجتمع عليها عامة الناس.

أخيراً، يمكن القول إن اللجوء لتلك المقامات عادةً ما ارتبطت بقصص حول كرامات الأولياء، وسواء كانت قابلة للتصديق أم لا، فقد ترسخت في عقول بعض المصريين، فيُقال مثلًا إن هناك الشيخ العريان في قنا، وقد عاش في حفرة عارياً لمدة 60 عاماً، بعد أن حفرها بيده، لا يملك إلا بطانية يواري بها عورته، وكان يخرج من حُفرته فقط للذهاب إلى ترعة يصطاد منها السمك ويأكله نيئاً.

وهناك الشيخ المحروقي في الغربية، والذي سميت على اسمه قرية كفر المحروقي، حيث يقيم أهالي القرية له مقاماً، مؤكدين أن كراماته ظهرت في أنه عندما كان طفلًا في بطن والدته تعرضت للحرق بالنار في منطقة البطن، إلا أنه لم يصبها أذى، حيث  مد الطفل يده وأزاح عنها النار فأحرقت يده.

أما، الشيخ الزرقاني بالإسكندرية، فقد تعددت الروايات عنه من قبل مُحبيه، فيُقال إنه تنبأ بوفاة الرئيس عبدالناصر، وأنه سبق أن بشر السادات بالنصر قبل حرب أكتوبر. أما المعروف عنه فإنه كان مؤسس الطريقة الإخلاصية الصوفية بالإسكندرية.

 

 

إضاءات

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...