دراسة ألمانية حول تردي الاقتصاد السوري وعلاج آثار الحرب المدمرة عليه

07-12-2019

دراسة ألمانية حول تردي الاقتصاد السوري وعلاج آثار الحرب المدمرة عليه

الاقتصاد السوري إلى أين؟


حتى اللحظة يمكن تدارك الوضع وإنقاذ الاقتصاد السوري بوضع خطة إقتصادية إصلاحية واضحة وبخبرات سورية وطنية محلية مع الاستفادة من تجربة ألمانيا واليابان وبعيدآ عن خريجي واشنطن ولندن.

بحث مختصر ومُبسّط في الاقتصاد السوري الحالي، الأسباب والحلول والتوقعات. 

تتباين تصنيفات أنواع الاقتصاديات العالمية، لكننا نعتمدُ تصنيفها بأربعة أنواع؛ النظام الاقتصادي التقليدي، النظام الاقتصادي الموجّه، نظام اقتصاد السوق، والنظام الاقتصادي المُختلط.

بمراجعتنا للاقتصاد السوري، نجد أنه ومع بداية القرن الحادي والعشرين، حاولت الدولة تحويله لاقتصاد السوق، لكن الذي حصل لاحقاً ولأسباب داخلية وخارجية هو… فقدان الهوية الاقتصادية، فترى خليطاً عجيباً من الاقتصاديات العالمية في دائرة ضيقة! وطالما لم يتمّ تحديد “الهوية الاقتصادية السورية” وإعادة تدوير عجلة الاقتصاد، ستبقى سوريا تعاني فتخرج من أزمة لتدخلَ في أخرى، يرافقها حصار اقتصادي مع نتائج الحرب الطويلة. كي نفهم ما يحدث اليوم، علينا المرور على الأسباب بدون رتوش وتبريرات، لأنه ليس وليد الساعة.

ماذا حصل بعد عام 2000 في سوريا؟

حتى عام 2000 كان الاقتصاد السوري اقتصاداً اشتركياً بشكل عام. فيما بعد ومع استلام عبد الله الدردري منصب رئيس هيئة تخطيط الدولة، ثم نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية، بدأ تطبيق الاصلاحات الاقتصادية وعملية نقل الاقتصاد السوري الاشتراكي، إلى الاقتصاد الرأسمالي “اقتصاد السوق”. حاولت الحكومة السورية “خداع” الشعب فأسمتهُ (اقتصاد السوق الاجتماعي) كي لا يظهر الانقلاب التام على ما كان قبل عام 2000.
وبدأت عملية “مُتسرّعة” لتلبية أوامر البنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية، وهو ما ذكرناه بوضوح في بحث “الربيع العربي الجزء الثاني” بمركز فيريل للدراسات. نعم، الحكومة السورية بعد عام 2003 كانت تُنفذُ أوامر البنك الدولي حرفياً في الاصلاحات ومهندس التنفيذ هو عبد الله الدردري، الذي كان يحظى بمكانة خاصة لدى القيادة السورية .

بدأت الحكومة السورية برفعِ الدعم عن المواد الأساسية، وهذا لم يحدث نهائياً قبل ذلك، كون الاقتصاد السوري اشتراكياً. بدأت الخطوة بالمازوت، وهي خطوة خطيرة! فقفز سعره عام 2006 من 9 ليرات إلى 16 ليرة بنسبة 56%. رفعُ سعر المازوت يعني رفع سعر كافة المنتوجات الزراعية والغذائية والمواصلات. ثم قفز سعرهُ عام 2008 إلى 25 ليرة سورية ودون سابق إنذار أو مصارحة المواطن السوري… المازوت الذي حافظ على سعر ثابت لأكثر من 13 عاماً، زادت الحكومة السورية سعرهُ خلال عامين أكثر من 180%!! ثم جاء رفع سعر الكهرباء والماء… ثم جاء وزير المالية، الدكتور محمد الحسين، ليرفع الضرائب من 3% إلى 14% خلال سنتين. وبدأ المواطن العادي يُعاني…

الخطوة الثانية كانت: فتح الأسواق السورية أمام البضائع المستوردة، وتقديم تسهيلات للتجار لاستيراد ما يحلو لهم، بخفض الضرائب على المستوردات… هنا تمّ القضاء على قسم كبير من الصناعات المحلية، فأفلست الكثير من المصانع. خاصة؛ مصانع وورشات صناعة الأقمشة والألبسة والأثاث، التي لا يمكنها منافسة المنتوجات الصينية والتركية.

الخطوة الثالثة كانت: الخصخصة. تم تعديل قوانين الاستثمار الأجنبي، القانون 8، وأنشأت بورصة دمشق، وفتحت بنوك وشركات أجنبية وجامعات خاصّة، وتمت زخرفة الوضع للشعب السوري بالمزيد من الملاهي والمطاعم و “الانترنت”، وظنّ الناس أنهم في “بحبوحة” غير دارين بالقادم… وقلائل هم الذين يعرفون ماذا كان يحدث في سوريا…

تدمير الاقتصاد السوري

أذكرُ وخلال زياراتي الدورية لسوريا والإقامة لشهور هناك قبل الحرب وخلالها، أنّني وجدتُ قسماً واسعاً من الشعب السوري “مبهوراً” بما يحدث. نعم، استطاعت الحكومة السورية ومعها الطبقة المخملية، إشغال الناس بالقشور، بينما كان يصعد أثرياءٌ على حساب الاقتصاد السوري الذي يتم تدميره عن قصد.

وتغيّرت الحياة في سوريا… باتَت بائعة البقدونس، مع احترامي لكافة المهن، تحملُ الموبايل وتتحدث عن سعر الدولار! المرأة لم تعد تطهو في المنزل، فالمطعم يقوم بإيصال الوجبات للمنزل، قضاء إجازة الصيف أصبح في تركيا “الشقيقة” بجانب قصور أبطال المسلسلات التركية… وبقروض مُيسرة من البنوك! بالمقابل؛ ارتفعت نسبة البطالة، وزاد عدد الفقراء تدريجياً مع ارتفاع الأسعار، وبدأت الطبقة الوسطى تتلاشى.

الحكومات السورية المتعاقبة، أمّنت الموبايل بثمنه طبعاً، لبائعة البقدونس، لكنها أهملت عن قصد المشاريع التنموية والإنتاجية… هل سألت الحكومة السورية بائعة البقدونس أين تسكن، وهل مسكنها صالح للعيش؟ لم تقم الحكومات السورية بأيّ مشروع وطني كبير ذو جدوى اقتصادية إنتاجية منذ عام 2003، اللهم سوى افتتاح صالات البلياردو والمراكز السياحية والتسوق. معظم ما ترونهُ من مشاريع كبرى ومساكن ومؤسسات بُنيت منذ عشرات السنين…

الحكومات السورية المتعاقبة، بنت ورممت مئات المساجد وعدة كنائس، لكنها لم تسأل هل يستطيعُ المواطن السوري، الذي تدعوهُ للصلاة، تأمين خبز أطفالهِ؟ والحجة “الكاذبة” دوماً وأبداً: “التكاليف هي تبرعاتٌ من فلان وعلتان”، وكأنّ فلان، التقي الورع، يتبرّعُ لسواد عيون الدولة.

أيام “الرفاهية” الزائفة كانت قصيرة… فالشركات الأجنبية التي سمحت لها الحكومة السورية بالدخول ومعها البنوك، واستيراد البضائع الأجنبية، وفتح الأسواق وإبهار الناس بكل جديد، كل هذا أدّى لسحب السيولة من يد الشعب، وخسارة الخزينة للعملات الصعبة… ازداد الفقر ومعه التضخم الاقتصادي وبدأ الانهيار… مع بدء الانهيار بدأت النقمة لدى شريحة واسعة من الشعب الفقير، تمت تغذية هذه النقمة من قِبل “فلان” نفسهُ الذي تبرع لبناء المساجد!!

وتضاعف الفساد!!

هنا بدأ الفساد يضرب سوريا بشكل غير مسبوق، فتضاعفت نسبته ثلاث مرات منذ عام 2003؟ يومها احتلت المرتبة 69 عالمياً، وفق مقياس الشفافية العالمي، ثم بدأ التراجع لتصل عام 2010 إلى المرتبة 127. دخلت سوريا عام 2013 ضمن قائمة أسوأ 20 دولة في الفساد، واحتلت المرتبة 168. في العام 2014 تحسن الوضع قليلاً فاحتلت المرتبة 159 عالمياً، لكنها بقيت ضمن قائمة العشرين.

عام 2016 تراجع الوضع إلى أسوأ مرتبة تحتلها سوريا، فلم يقتصر على قائمة أكثر عشرين دولة بالفساد، بل احتلت المركز 173 وجاءت بعدها ثلاثة دول فقط، اليوم ونحنُ نكتبُ هذا البحث في مركز فيريل للدراسات بقي وراء سوريا الصومال فقط لتحتل سوريا المرتبة 178 عالمياً!!

مَن المسؤول عمّا حدث قبل 2011؟

لا يمكن تحميل مسؤولية ما حدث لشخص واحد هو عبد الله الدردري، صحيح أنه كان يملك كاريزما “عددية” يُبهرُ فيها المسؤولين قليلي الخبرة، وكان مُروّجاً لسياسة الانفتاح “الأميركية” حيث درس الاقتصاد، لكنه لم يكن لوحده، فرئيس الوزراء آنذاك محمد ناجي عطري، ضخّم الوضع قبل التغييرات “المتسرعة” بالقول: (الدولة السورية غير قادرة على التحمل، ولن تستطيعَ أن تبقى أباً للجميع.)، ثم تحدّثَ عن عهد اقتصادي جديد سيتم الانتقال إليه. أي كانت هناك مجموعة كاملة من كبار المسؤولين والأثرياء تسحبُ سوريا نحو الحافة… بعض هؤلاء مازال على كرسيه ملتصقاً!
فيما بعد، بدأ تطبيق القسم الثاني من التدمير، وكلكلم تعرفون ما حدث، بتدخّل تركيا وقطر والسعودية اللواتي كان لهنّ صدر البيت، والعتبة للسوريين الوطنيين.

اقتصاد سوريا 2019

باقتصاد متوسط القوة ظاهرياً وإعلامياً، ضعيف حقيقةً، رغم أن الدين الخارجي كان قريباً من الصفر، دخلت سوريا حرباً لم تنتهِ بعد، والحرب كفيلة بالقضاء على ما تبقى فيه، وهذا الذي حصل.

بدأ استجرار خزينة الدولة من العملات الصعبة، ومعها زادت مصروفات العمليات القتالية، مقابل تراجع المدخول القومي بشكل كبير جداً بخسارة الكثير من مصادره الزراعية والصناعية والباطنية. الأرقام الرسمية لا يُمكنُ أن نعتمدها في مركز فيريل للدراسات، وأقصوصة “خلصت وفشلت” لم نثق بها يوماً، والحديث عن انتعاش هنا أو هناك لبث التفاؤل السلبي في نفوس الشعب، جاءت بنتائج عكسية. معلوماتنا تقول: خسرت سوريا 363% من الناتج المحلي الإجمالي حتى عام 2016، مقارنة بناتجها لعام 2010. توقّف التدهور عام 2018، لكن الخسارة عام 2019… عادت وتضاعفت. بالمقابل، لا نؤمن بأرقام مراكز البحث الاقتصادي المعادية لسوريا والتي تجعلُ الصورة قاتمة جداً، بالحديث عن ترليون دولار كخسائر، هذا رقم فلكي. لهذا نقول:
يمكن تعويض خسائر الحرب في سوريا بين 6 إلى 10 سنوات من انتهاء الحرب، إذا كان التخطيط والتنفيذ الاقتصادي صحيحاً… إذا.
سبق ونشرنا في كانون الأول لعام 2016، بحثاً عنوانه “سوريا ستشهد أفضل نمو اقتصادي خلال سنتين من انتهاء الحرب”. الحرب لم تنتهِ بعد. وضعنا شروطاً لحدوث هذا النمو، لا نرى تطبيقاً فعلياً سوى لخطوات خجولة على أرض الواقع. بينما معاناة المواطن السوري تتفاقم، والمطلوب ظهور الدولة أنها لا حول لها ولا قوة… فإلى أين يمضي الاقتصاد السوري… تابعوا القراءة إن وددتم…

التضخم الاقتصادي في سوريا مقبول!

كلامنا يصلح الآن، وليس بعد شهور، وحديثنا عن الاقتصاد السوري هنا هو حتى شهر أيلول 2019، ماذا سيأتي بعد، لا يمكن الجزم به… تتعدّد تعريفات مصطلح التضخم الاقتصادي، نعتمدُ في مركز فيريل للدراسات تعريفاً مُبسطاً يفهمه القارئ العادي. 

التضخم: هو ارتفاع أسعار السلع والخدمات الرئيسية في الدولة، المواصلات. الغذاء. السكن. الوقود. التعليم. الصحة، ويؤخذ معدله شهرياً وسنوياً. ارتفاع سعر سلعة ما لا يعني تضخماً.

هل حدث هذا في سوريا؟ 

طبعاً. ازدادت الأسعار بشكل عام بين عام 2011 و2019 حوالي 14 ضعفاً، أي 1400% على مدى 8 سنوات بمعدل وسطي 175% سنوياً و14,5% شهرياً، لكن زيادة الأسعار كانت متباينةً بشدة بين سنة وأخرى وشهر وآخر، وهي لا تُعبّر بدقة عن نسبة التضخم في سوريا لأنّ النسبة أقل من ذلك بكثير. فحسب مؤشر CEIC Data العالمي، ارتفع مؤشر أسعار المستهلك في سوريا بنسبة 4,8% في كانون الثاني 2019 ، مقارنة بمعدل 3,9% لكانون الأول 2018.  الارتفاع السنوي بلغ 31,2%.  

أعلى ارتفاع للأسعار كان في أيلول 2016 وبلغ 52,8%، حسب المركز العالمي، وهو أقل من ربع ما يحدث فعلياً في الأسواق السورية… إذاً، ارتفاع الأسعار الجنوني للسلع الأساسية المتوفرة في سوريا يأتي من: احتكار التجار وتراجع سعر الليرة وضعف الرقابة الحكومية.
شهد عام 2018 تحسناً بسيطاً في الاقتصاد السوري، فسجّل شهر نيسان تراجعاً في الأسعار بنسبة 0,5%، وكان هذا مؤقتاً.

كي نُدركَ ما يحدث، وبالمقارنة مع “الشقيقة” تركيا، حسب معهد الإحصاء التركي (TurkStat) قبل أيام: (ارتفعت الأسعار بنسبة 15,01% في تركيا خلال شهر آب 2019). حسب مركز فيريل للدراسات: (ارتفعت الأسعار بنسبة 7,9% في سوريا خلال شهر آب 2019). إذاً مُعدّل التضخم في سوريا أقل من تركيا. لا تتفاجؤوا… فنزويلا هي أعلى دولة بالتضخم بمعدل تجاوز 200000%، إيران تحتل المرتبة الخامسة بـ31,2%، تركيا المرتبة التاسعة بـ15,5%. سوريا ليست بين قائمة أسوأ الدول من ناحية التضخم، حتى اللحظة، وهذا أمر يدعو للتفاؤل.


تركيا لا تعاني من حرب لمدة 8 سنوات، ولا من عقوبات اقتصادية، رغم ذلك هذا ما حصل مع الليرة التركية

مقابل زيادة الأسعار، قامت الحكومة برفع الرواتب لكن بشكل لا يتناسب إطلاقاً مع الزيادة، وباتت العائلة السورية، المكونة من 6 أفراد، بحاجة لدخل شهري يُقارب 300 ألف ليرة سورية في صيف 2019.
التضخم جزء، يأتي معهُ الناتج القومي وهذا يمكن تحسينه ورفعه بسرعة، والدين العام لا توجد أرقام وتصريحات رسمية يمكن اعتمادها لمعرفة حجم الدين العام في سوريا، لكن معلوماتنا تقول أنه مازال في حدود مقبولة.
حتى اللحظة، أيلول 2019، يُمكن تدارك الوضع في سوريا وإنقاذ الاقتصاد السوري وإلا…
يُعتبرُ عام 2013 أسوأ الأعوام من ناحية التضخم الاقتصادي الذي بلغ 82,3%. عام 2014 تراجع إلى 22,6%، عام 2015 ارتفع إلى 38,4%، ثم 47,7% عام 2016، و 18,1% عام 2017، وكان عام 2018 الأفضل بنسبة 0,94% فقط…

مع بداية عام 2019 الحالي توقعت Economist Intelligence Unit البريطانية  أن يصلَ معدل النمو الاقتصادي في سوريا خلال العام 2019 إلى 9,9%… هذا الكلام صحيحٌ وكان ممكناً، إذا أخذنا المقياس معدل النمو خلال سنوات الحرب، أمّا إذا قارنا بعام 2010 فيحتاج لأكثر من معجزة. رغم ذلك، لم يتمّ تحقيق الحد الأدنى من النمو الاقتصادي في سوريا.

بجميع الأحوال؛ نسبة التضخم الاقتصادي في سوريا مازالت ضمن الحدود التي يمكن السيطرة عليها، إن تصرفت الحكومة بصورة صحيحة وبمعالجة إسعافية.
الاقتصاديات القوية لا تتأثر بسعر صرف الدولار ومنها اليورو الذي مازال متفوقاً عليه.

ماذا يحدثُ مع الليرة السورية مقابل الدولار؟!


صمتٌ حكوميّ مُطبق


 أثناء إعداد هذا البحث في مركز فيريل للدراسات تراجعت الليرة السورية عدة مرات، بحيث كنّا نُجدد قيمتها كل عدة ساعات. هذه اللحظة ولا أدري إن كنّا سنعيد تغيير الرقم، بيع الدولار بـ 692 ليرة سورية في السوق السوداء بدمشق… ثم انخفض بعد ساعة إلى 690 ليرة!! السوق السوداء تعني عملية غير قانونية تتم في قلب العاصمة! هل يحتاجُ الأمر لتوضيح؟. الارتفاع السريع لسعر صرف الدولار تمّ إرجاعهُ لعدة أسباب، والحقيقة هم يبحثون عن الشماعة…

كانت الحرب هي السبب ثم الحصار الاقتصادي ثم المؤامرة الكونية، وآخر الأسباب هو اكتشافٌ “مفاجئ” لتهريب المليارات خارج البلاد، وكأن ذلك حصل البارحة، فجاءت مركبة فضائية سحبت عشرات المليارات وهربتها إلى لبنان وتركيا ومصر والأردن ووو. ثم اتهِمَ “اتحاد المصدرين السوريين” بغش الحكومة ببياناتٍ وهمية عن حجم الصادرات وذلك بالتنسيق مع مسؤولين كبار. الاتحاد تأسس عام 2009… التجار يشترون الدولار بالسعر الرسمي حوالي 430 ليرة بحجة الاستيراد، ثم يبيعونهُ في السوق السوداء بسعر 650 ليرة… أين هي الرقابة؟ أين هي عيون الدولة؟ أم أنّ الجميع مشترك في الجريمة الاقتصادية؟ والمجرم هو موظف أخذ 50 ليرة ثمن تقرير طبّي، تسبب بانهيار الاقتصاد؟!! شائعاتٌ كثيرة، دون وجود تصريحٍ رسمي… بل صمتٌ مطبق يجعل المواطن يثور أكثر، وهو المطلوب… بانتظار عام 2021…


نُدركُ جميعاً أنّ رئيس مجلس الوزراء ومعه وزير المالية وغيرهم، لا يمكنهم فعل شيء دون الرجوع للسلطات الأعلى، بما في ذلك الظهور على الإعلام. لكن المطلوب منهم عندما يظهرون على الشاشات، أن يكون حديثهم مقبولاً شعبياً على الأقل. لا نعتقد أنّ سيف المخابرات السورية وُضِعَ على رقبة مسؤولين أدلوا بتصريحات “مضحكة”، وكلمة مضحكة جاءت لتخفيف الوصف. حاكم مصرف سوريا المركزي، حازم قرفول، قال في منتصف حزيران 2019: (ارتفاع الدولار وهمي وليس له أية مبررات اقتصادية وليس له أي مستند على الأرض إطلاقاً، وإنما بعض المضاعية والصناعية والخدمية التي أمنت من 80 إلى 90% من فرص العمل، إلا إذا كانت السياسة الألمانية بنظركم فاشلة!. المواد اللازمة يمكن تأمين جزء كبير منها من سوريا، والناتج سيتم تصريفه في السوق المحلية وبالتالي ستخفّ الحاجة للاستيراد أي للدولار.

سادساً: رفع أجور ورواتب العاملين بالتدريج، والدولة قادرة على ذلك، سيؤدي هذا الرفع لزيادة القوة الشرائية ويسهل التناغم مع ارتفاع مستوى الحياة، مما يحمي البلد من التأثر بتذبذبات الاقتصاد العالمي. الموظف الذي يستلم راتبه، أين سيصرفهُ؟ في شواطئ فلوريدا مثلاً؟ هي عجلة أموال تدور بين جيب الموظف وخرينة الدولة.

سابعاً: إعادة بناء البنية التحتية اللازمة، وهنا نذكر بمشروع طريق الحرير الذي يمكن لسوريا أن تكون من أهم عقد الوصل به لموقعها الجغرافي الاستراتيجي بين الغرب والشرق، الذي إن تمّ بشكل صحيح، لأصبحت سوريا أهم من سنغافورة ودبي.

ثامناً: الإسراع بإعادة تأهيل المصانع المدمرة وآبار البترول والغاز قبل الشتاء، والأهم تسليط الضوء إعلامياً بطريقة واسعة غير خشبية. وبما أنّ ارتفاع الدولار “وهمي” لكنه يرتفع، فالإعلان عن أنّ انتاج حوض بترول أو غاز يتجاوز مئات الآلاف من البراميل، وهو حقيقة وليس وهمياً، سيحسّنُ من وضع الليرة السورية ويقضي على الوهم…

تاسعاً: مع تنفيذ ما سبق، ستكون البيئة الجاذبة للاستثمارات جاهزة، فتتوسع أشكالها لتأمين فرص عمل لليد السورية العاملة التي تتألف من الجيل الشاب بمعظمها. التركيز على الصناعة هام، والمهم أيضاً هو توجيه القطاع الخدمي-الصناعي نحو الصناعات الرقمية وأنصاف النواقل والسيليكون والبرمجيات بكافة أنواعها، هنا يصحّ التوجه شرقاً نحو الصين.

عاشراً: وضع نظام ضريبي تصاعدي تبعاً للدخل، وهو المعمول به في ألمانيا، فالأثرياء وأصحاب الدخل العالي، يدفعون نسبة ضرائب أعلى من أصحاب الدخل المحدود. أصحابُ رؤوس الأموال السوريّون الذين فروا بأموالهم، وافتتحوا معامل في مكان إقامتهم الجديد، كانوا يتباهون بالتهرّب الضريبي في سوريا بسبب “الفساد”. هنا في ألمانيا يدفعون الضرائب شاؤوا أم أبوا.

هذا ما كان لدينا بعجالة. الوضع الاقتصادي سيء، لكنه لم يصل إلى الأسوأ بعد، والعلاج ممكن وليس مستحيلاً. إن اتخذت القيادة السورية، حزمة إجراءات وإصلاحات اقتصادية سريعة ودائمة وحاسمة، يمكن إنقاذ الاقتصاد بل تحسينه بفترة وجيزة، وإلا فالأمور تسير وبسرعة نحو الانهيار. نتمنى أن يكون ما قدمناهُ هنا مفيداً.

 

مركز فيريل للدراسات:  شارك في البحث المهندس نقولا فيّاض، هامبورغ ألمانيا، والخبيرة الاقتصادية Natalie Hoffmann من جامعة  OVGU – Die Otto-von-Guericke-Universität Magdeburg ألمانيا. بإشراف الدكتور جميل م. شاهين. Firil Center

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...