سيدات أعمال ومثقفات ضحايا قارئات الفناجين

09-04-2007

سيدات أعمال ومثقفات ضحايا قارئات الفناجين

أجواء غريبة تحيط بالمكان, يالكثرة الأشياء القديمة المتناثرة هنا وهناك, سجاد أكل الدهر عليه وشرب, ستائر مهترئة, فوضى وأصوات غريبة, روائح تزكم الأنوف, نساء بالعشرات في كل غرف المنزل تنتظر الدور لتدخل وتشكو همها, وتعرض مشكلاتها وتريد أن تعرف المستقبل, موظف يجلس على بابها, ويتقاضى المعاينة أو (الكشفية), جواسيس بين النساء يسمعون كل شيء منهن وعنهن, والسيدة ما زالت تحضر الأجواء لاستحضار شياطينها الملهمين كما تدعي.‏

المهنة: قارئة فنجان, قارئة كف, ضاربة ودع وعرافة وربما ساحرة وبالمعنى الصريح كما يقول إخواننا المصريون (بتاعة كله) أو مسبعة الكارات.‏

الحدث: دخلت أولى النساء وهي سيدة من ذوي الدخل المحدود بصعوبة أمنت تعرفة الدخول لتدفعها وهل سيتحسن هذا الوضع السيئ فهي ترى فيها بريق أمل ربما يعطيها دفعة للأمام.‏

رمت الزبونة بثقل همومها بين يدي العرافة ذات القدرات الخارقة كما شاع بين أوساط النساء فهي تعرف الشاردة والواردة وإذ بالعرافة تخبرها بمشكلاتها وبدأت تستحضر الجان وأوحت للسيدة أن كل الأمور ستسير على ما يرام وأن المشكلات في طريقها للحل فهناك من كتب لها وأهل زوجها جزء من المشكلات ونصحتها باتباع الإرشادات التالية:‏

ادفعي مبلغ (؟) لنفك لك السحر, خذي هذا الحجاب وضعيه تحت وسادتك بخري المنزل, اقطعي علاقتك بأهل زوجك واستجابت المرأة للنصيحة وخرجت من عيادة العرافة وهي تكاد تجن, فهذه القدرات اللا بشرية في معرفة كل شيء تنبئ بأن المرأة صادقة وقالت لكل النساء اللاتي ينتظرن أن العرافة تملك دواء لكل داء.‏

دخلت التالية هي من النساء الميسورات ولكنها لا تعرف سوى كثير من الكلام وقليل من العلم وكانت المفاجأة أن العرافة أمسكت يدها وقرأت لها مسار حياتها منذ أن ولدت حتى لحظة دخولها العيادة ولم تغفل صغيرة أو كبيرة وقدمت لها جملة من النصائح تشابه ما سبق مع بعض الفروق فقد نصحتها بأن تبتعد عن إحدى أعز صديقاتها مدعية أنها سبب مشكلاتها وألا تسمح لأي من نساء الحي بدخول منزلها فقد تخطف إحداهن زوجها وقالت لها إن خبراً ساراً ستسمعه عما قريب مذكرة إياها بضرورة أن تقدم لها (الحلوان).‏

ليأتي دور الثالثة وهي موظفة وتحمل شهادة الهندسة لكن صديقاتها وزميلاتها في العمل دفعن بها لتذهب إلى هذه العرافة علها تقرأ لها خبراً ساراً (عريس قادم إليها عما قريب) وقد اختارت عرافتنا لها الفنجان فإذا بالقهوة جاهزة وعلى مزاج الزبونة وهي أولى المفاجآت, شربت الزبونة قهوتها وطلبت منها العرافة أن تتمنى ثم تقلب الفنجان على فمه (طب الفنجان) وبعدما جفت القهوة قرأت لها ما تحب أن تسمع وأخبرتها أن هناك شاباً يعمل معها سيتقدم لخطبتها ثم قالت لها (بيضي الفال) فدفعت لها مبلغاً وقدره.. وغادرت المكان والسرور باد على وجهها.‏

دخلت الرابعة وهي امرأة معروفة بين الأوساط المثقفة, سمعت الكثير عن قدرات العرافة وقيل لها إنها ستساعد في إيجاد مصاغها الذهبي المسروق بعدما عجزت الشرطة عن إيجاد الفاعل وقدمت لها العرافة مواصفات الذهب وأرشدتها إلى مكانه بعدما استخدمت ضرب الودع.‏

لم تنته قصتنا مع العرافة فالحقيقة أن ما يتبعه العرافون والدجالون هو أكثر بكثير مما ذكرنا ويدعون أنهم قادرون على كشف الحقائق ويستطيعون فعل أشياء خارقة فهل يستطيعون أن يخبرونا بعلم الغيب وكيف يعرفون الماضي؟ ولماذا تصدق النساء وهي النسبة الأكبر في المجتمع هذه الخرافات وهذا الدجل؟‏

ترجع هذه الظاهرة لعدة أسباب منها ما يتعلق بطبيعة المرأة ورغبتها الدائمة في رؤية الوضع أفضل وجنوحها إلى الخيال وعجزها أحياناً عن تحقيق ما تصبو إليه في الواقع فترى الأمل في فنجان القهوة أو قراءة الكف أو..‏

ولكننا لا نستطيع أن نجزم أن الأمية سبب لهذه الظاهرة فنحن نرى شرائح مختلفة( متعلمات - مثقفات - سيدات أعمال) يلجأن لمثل هؤلاء فهناك الشائعات المرتبطة بقدرات العرافين الخارقة وقدراتهم على كشف ما يكتم الزبائن من أسرار تلعب دوراً قوياً في وصول الأعداد الكبيرة من النساء إليهم, كما لعبت وسائل الإعلام الدور الأقوى في الترويج لهم, فأصبحت البرامج التي تتحدث عنهم تأخذ مساحات وقتية كبيرة من الشاشات وفي ذروة أوقات المشاهدة وبالتالي ساهمت وسائل الإعلام على وجه العموم في ترسيخ هذه الظواهر بدلاً من مكافحتها.‏

إن حالة الفراغ التي تعيشها المرأة ورغبتها في أن تجرب هؤلاء ومدى صدقهم تشكل سبباً قوياً أيضاً, إلا أن شريحة لا بأس بها تتعامل مع الموضوع على أنه تسلية لا أكثر وتلجأ لعرافة بالمعنى الصريح ولكن قد تجتمع النساء بالفعل على فنجان قهوة ويبدأن باستعراض قدراتهن في قراءة الفنجان, وأحياناً لا يكون العرافون من أصحاب البيوت المفتوحة لممارسة هذه المهنة فهم يتجولون ويمارسون مهنتهم حيثما تصل أقدامهم والجميع يتقاضى مبالغ ضخمة ولكن هل حقاً يعرفون كل شيء؟‏

إن التجربة أظهرت أنهم يتحدثون في العموم ويكررون كلامهم للجميع وأن مصادرهم (أصحاب الأماكن الثابتة) هم الأشخاص الموجودون بين النساء ويسمعون منهم الروايات, كما أن مدى وثوق الشخص المقابل لهم بقدراتهم ومدى اعتقاده بهم يساهم كثيراً في قراءة أفكاره والتأثير عليه.‏

أما الحقيقة أن طبيباً يداوي الناس وهو عليل فلماذا لا يساعدون أنفسهم أولاً لو كانوا صادقين؟.‏

لما المسالمة
المصدر: تشرين

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...