تهريب الآثار السورية نظامياً عبر البريد

10-04-2007

تهريب الآثار السورية نظامياً عبر البريد

يمكن للطرود البريدية الداخلة إلى سورية والخارجة منها،أن تستخدم لتهريب الآثار أو المخدرات..وكل ما خف حمله وغلا ثمنه، دون المرور بالرسوم الجمركية النظامية، كالأدوية ومعدات أطباء الأسنان والساعات..إلخ.

كل ذلك يمكن أن يحدث في حالة واحدة فقط، وهي أن يكون الجواب الرسمي لدى الاستفسار عن مكاتب الشحن الداخلي والخارجي: إن هذه المهنة، هي «من المهن غير المنظّمة»وقاحة ‏

«أكثر من نصف المكاتب التي تعمل حالياً في شحن البضائع والبريد السريع، هي غير مرخصة وتعمل بشكل مخالف للقانون»، حسب رئيس جمعية هذه المكاتب فؤاد عاصي. و «بعد أن كانت هذه المكاتب المنتشرة في طول البلاد وعرضها، تعمل بشكل متستّر، ولا تعلن عن مهنتها الحقيقية»فقد أصبحت أكثر «وقاحة»كما يرى محمد زكريا معاون مدير المؤسسة العامة للبريد، فأصبحت كما يقول: «تعلن ممارستها لمهن نقل الطرود البريدية والشحن على لافتات مضاءة وبارزة، وربما أمام مبنى مؤسسة البريد»وفقاً لتعبيره. 
 ويصرّ معاون مدير المؤسسة العامّة للبريد على «عدم وجود ما ينظّم عمل هذه المهنة، حتى بالنسبة للمكاتب المرخّصة إدارياً والمسجّلة في جمعية مكاتب الشحن»، وهو بذلك يلتقي مع مدير التجارة الداخلية في وزارة الاقتصاد، حين أجاب على سؤال ورد إلى سجل التراخيص، بخصوص أحد المكاتب غير المرخصة في محافظة إدلب: «إن مهنة شحن البضائع، هي من المهن غير المنظّمة ولا تحتاج لقرار ترخيص من قبل وزارتنا". ‏

فماذا نتج عن هذا العمّل الخارج عن السيطرة للمكاتب التي تسمّى (شحن وحوالات وبريد سريع)؟ ‏

على الصعيد الداخلي، حذّر رئيس مجلس الوزراء في كتاب له مما تمارسه هذه المكاتب من " المخالفات والإساءة إلى المواطنين واختلاس أموالهم والنصب عليهم« وطالب في كتابه الصادر عام 2005 بإغلاق «كل مكتب شحن غير مرخّص أو غير منتسب لجمعية مكاتب الشحن» 
 أما خارجياً، فمازالت «الحوادث تتكرر»كما تقول إدارة الجمارك: «مخدرات، ساعات مزورة، أدوية مهربّة، مجوهرات، آثار، عملات ...». ‏

وكان اخر الحوادث المسجلة لدى الجمارك في /202/2007اكتشاف عملية تهريب للآثار السورية عبر طرود بريدية مرسلة في أحد المكاتب المخصصة للشحن الخارجي والبريد السريع. حيث تم ضبط عدد من هذه الطرود المفخخة بالآثار المهربة، من خلال برقية عاجلة تلقتها الجمارك السورية من جمارك بلجيكا ،لتكتشف ضابطة المكتب السري وبعد التحقيقات، أن خمسين طرداً أرسلها شخص واحد من دمشق إلى عدد من الدول الأوروبية، عبر مكتب المذكور ابتداءً من 2//4/2006وحتى العملية الأخيرة التي تم اكتشافها 2007 وكلها كانت تحتوي على قطع أثرية ذات قيمة تاريخية ودينية تعود إلى عصور قديمة، تم تهريبها تحت عنوان (طوابع وقطع نقدية للهواة) وفي إفادته يعترف المهرّب بأسماء الشخصيات الأجنبية التي يبيع لها المهرّبات الأثرية، كما يعترف بتلقي أثمان هذه الآثار عبر مكاتب البريد، وعبر إحدى شركات التحويل المالي المشهورة. ‏

وهكذا تتم عملية إرسال المهربات واستقبال أثمانها بكل يسر وسهولة عبر هذه المكاتب، مادامت جميعها تعمل في سورية تحت عنوان «لا يوجد قانون ينظمها ولا جهة مسؤولة عنها»كما يقول فؤاد عاصي رئيس جمعية مكاتب الشحن، مضيفاً: «وما يؤسفنا أن العديد من الجهات الرسمية، لا تساعدنا في إلزام جميع المكاتب بالتسجيل في الجمعية، لتشكيل جهة مرجعية وجامعة» ‏

وبالعودة إلى قصة تهريب الآثار بواسطة الطرود البريدية، فإن اللافت، كان النشاط المكثّف للمهرّب المذكور في إرسال خمسين إرسالية خلال عام. وإذا افترضنا أن الإرسالية الواحدة، كانت تتضمن طرداً واحداً فقط، فإن الرجل كان يهرب آثار البلد، بمعدّل أربع مرات في الشهر وطوال عام كامل، دون أن يثير اشتباه أحد. ‏

مكتب البريد السريع الذي تولّى الشحن الخارجي للآثار، لم نتمكن من لقاء مسؤوليه رغم محاولتنا ذلك، لكن محققي الجمارك أفادونا أن المكتب المذكور: «تبرّأ من أية مسؤولية حيال نقله للمهرّبات، وأنّه سيأخذ صفة الادعاء ضد التاجر المهرّب» ‏

لكن هل يعفيه ذلك من المسؤولية؟ يقول مدير الجمارك د.باسل صنوفة:«رغم التزام الجمارك وأجهزة المطار بمراقبة الطرود البريدية المرسلة للخارج، عبر تمريرها ضمن أجهزة متخصصة بكشف المواد الممنوعة« إلاّ أن »المسؤولية الأساسية، تبقى على مكاتب الطرود والشحن، في عدم استلام أية بضاعة أو مواد مخالفة للقانون». ‏

وتقول خلود حلبي وكيلة (دي إتش إل( العالمية للبريد السريع: «نحن ملزمون باحترام نوعين من القوانين في إرسال واستقبال الطرود، أولها القوانين السورية في المسموح والممنوح، وثانيها قوانين البلد الذي ترسل إليه الطرود« مضيفة: «لأن ما قد يعتبره بلد ما ممنوعاً قد يراه الآخر مسموحاً» ‏

لكن وكيلة (دي إتش إل)، تميل إلى عدم تحميل مكاتب الشحن أية مسؤولية على الممنوعات التي قد تتسرّب عبر الطرود، لأنها ترى أنّ «المكاتب تقوم بجهودها في مراقبة الطرود قبل استلامها، ولكننا في النهاية نعوّل على أجهزة الرقابة التي تمتلكها سلطات المطار» ‏

لكن السؤال الذي لم تتضح إجاباته من قبل الجميع: هو هل هنالك من يفتح هذه العلب المسماة شحناً أو طروداً بريدية، قبل شحنها سواءً من المكاتب أو من سلطات المطار؟. ‏

ربما تتردد سلطات المطار بفتح ما يسمى «طرد بريدي» حسبما فهمنا، لكن ما رأيكم أن الطرد البريدي قد يصل وزنه إلى «50»كغ بحسب القانون البريدي. لكن ما يحصل هو أن «معظم المكاتب لا تلتزم بهذا الوزن ، وتشحن طروداً قد تزن 100 كغ تحت اسم طرود بريدية»كما يقول محمد زكريا معاون مؤسسة البريد ، الذي يضيف:«عندما نسألهم عن الترخيص، يقولون نحن مكاتب شحن ، لكي لايدفعوا أية رسوم، وفي الوقت ذاته فإن كافة عمليات الشحن التي يشحنونها يسمونها طروداً بريدية، وبذلك فهم يهربون من الرسوم الجمركية، عندما يسمّون البضائع المستوردة أو المصدرة، مجرد طرود بريدية». ‏

واللافت أن المؤسسة العامة للبريد، التي تنافسها هذه المكاتب في استقبال وإرسال الطرود البريدية الداخلية والخارجية، تخضع دوناً عن سواها، لرقابة مباشرة من إدارة الجمارك، عبر وجود أمانة جمارك، يداوم أفرادها ضمن مبنى مؤسسة البريد، لضمان (نظافة)الطرود واستيفاء حق الدولة كرسوم على البضاعة. ‏

لكن الواقع، «يشير إلى تفلت المكاتب الخاصة التي تسيطر على نسبة كبيرة من حركة الطرود الداخلية والخارجية، من مثل هذا الإشراف المباشر»كما يقول معاون مدير البريد. ‏

أكثر من ذلك فإن «الكثير من المكاتب غير المرخصة ترسل البضائع وتستقبلها،على أساس أنها أمتعة شخصية، وذلك للتهرب من مراقبتها ودفع رسومها النظامية»هكذا تقول وكيلة دي إتش إل خلود حلبي، وهو التحليل الذي قد يفسر ضبط الكثير من المهربات التجارية، ضمن الأمتعة الشخصية لركاب الطائرة. وربما يكون آخر الضبوط المكتشفة في هذا المجال:(قصة الساعات المزورة)حيث تفيد إدارة الجمارك بأنها ضبطت في /153/2007 كمية كبيرة من الساعات والمجوهرات والحلي المزوّرة التي دخلت القطر على أساس أنها أصلية. ومحل الشاهد هنا أن ناقلها قام بتوزيعها على حقائب بعض المسافرين الآخرين. ‏

ويقول د. باسل صنوفة مدير عام الجمارك: "عملنا على تفعيل التعاون الدولي مع الجمارك العالمية، لضبط مثل هذه العمليات المخالفة للقانون. وقد كان من نتائج تفعيل هذا التعاون مؤخراً، اكتشاف تهريب الآثار بالتعاون مع الجمارك البلجيكية، وتهريب الساعات الذي تم بالتعاون مع الجمارك السعودية والإماراتية". ‏

في اتفاق مشترك بين المديرية العامة للجمارك والمؤسسة العامة للبريد، قرر الطرفان مؤخراً اعتماد مبدأ الكشف المسبق على الطرود البريدية المستوردة، كمرحلة أولى في أمانة جمارك الطرود البريدية في مدينة دمشق، ليصار إلى تعميم هذه الطريقة على أمانات جمارك الطرود البريدية في المحافظات. وهذا بالطبع يخص الطرود التي تأتي عبر المؤسسة العامة للبريد، فيما تبقى المكاتب الأخرى المنتشرة في طول البلاد وعرضها خارج الرقابة والسيطرة. ‏

القانون رقم 42 للعام 2005 الخاص بتحصيل الرسوم الجمركية والموحدة على محتويات الطرود المستوردة برا وبحرا أو بطريق البريد أو الطائرات، حددها على أساس معدل 25 بالمئة من قيمتها، وذلك بدلاً من معدلات الرسوم المفروضة على محتويات الطرود في التعرفة الجمركية المتناسقة، على أن تحتسب مصاريف النقل بالطائرات وفق الفئات المقررة لطرود البريد. ‏

كما نصّ على «ألا يحتوي الطرد على تبغ أو سجائر أو مواد كحولية وألا يحتوي على بضائع ممنوع استيرادها زائدة على الحد المسموح به؟» ‏

ولأن «مؤسسة البريد تعتبر الوكيل الحصري للبريد في سورية ـ حسب معاون مديرها العام ـ فإن هذه المؤسسة تكتفي بتقاضي 10% من صافي الواردات على المكاتب الداخلية، و250 ألف ليرة سورية مقطوعة سنوياً على الخارجية. وهذا ينطبق طبعاً فقط على المكاتب المرخصة إدارياً والمسجّلة في جمعية مكاتب الشحن كما يوضح محدثنا. ‏

ورغم أنّ الجميع، يقر بانفلات مكاتب الشحن والبريد من أية رقابة أو تابعية، إلاّ أنّ ما يعتبر طريفاً في قصة هذه المكاتب، هو أنّ الرقابة الوحيدة والواضحة التي تمارس على الطرود، هي أولاً الرقابة على المتفجرات والمخدرات، وغيرها مما قد تكشفه الأجهزة الكترونية..، ثم الرقابة على الأقراص الليزرية (سي دي)، حيث "تخضع بشكل محدد لرقابة من قبل وزارة الثقافة" كما يقول معاون مدير البريد، علماً أنّ "مراقبة هذه الأقراص لم تعد مجدية، في ضوء تقنيات الكمبيوتر والانترنت المفتوحة، وإمكانية تحميل أي فيديو مباشرة من الإنترنت دون المرور بالرقابة" كما يقول أحد مستوردي البرمجيات في شكوى نشرتها إحدى الصحف المحلية. ‏

وما تكشفه مراقبة الأقراص الليزرية ـ رغم انتقادها ـ هو أن الجهات الرسمية عندما تريد أن تراقب، فإنها تفعل ذلك بدقة ودون أن يفلت منها أي طرد، حتى ولو كانت هذه الطرود، عائدة لمكاتب غير خاضعة لأي قانون أو تابعة لأي جهة رسمية!! ‏

حمود المحمود

المصدر: تشرين

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...