حلب ما بعد المعركة… كيف تستعيد “عاصمة الاقتصاد السوري” مكانتها؟

26-02-2020

حلب ما بعد المعركة… كيف تستعيد “عاصمة الاقتصاد السوري” مكانتها؟

أكثر من ثلاث سنوات انتظرتها حلب ليكتمل تأمينها، فعلى الرغم من إخراج المسلحين من المدينة في نهاية العام 2016، إلا أن الفصائل المسلحة على اختلاف "راياتها" بقيت متمركزة في محيطها، الأمر الذي جعل خاصرتها "رخوة"، وأبقى آمال إعادة إحيائها ضئيلة، بانتظار أن يكتمل الطوق الأمني. الآن، تمكن الجيش السوري من السيطرة على طوق حلب الشمالي والغربي والجنوبي، ضمن حزام أمان يمهد الأرض لإعادة إحياء "عاصمة سوريا الاقتصادية"... فماذا بعد؟

استطاع الجيش السوري خلال فترة قياسية استعادة مناطق واسعة في محيط حلب، المدينة التي تمثّل مركز ثقل الاقتصاد السوري، والتي أنهكتها الحرب، الأمر الذي يمثّل خطوة أولى على طريق طويلة من إعادة الإعمار في مختلف القطاعات، خصوصاً بعد الدمار الكبير الذي لحق بها، وفي بنيتها التحتية.

الرئيس الأسد، الذي اعتاد الظهور على شاشة التلفزيون ضمن حوارات صحافية أو أثناء إلقاء كلمة خلال تجمع أو فعالية، ظهر بشكل نادر يجلس خلف مكتبه، أمام الكاميرا، موجهاً كلمة مباشرة هنأ فيها الشعب السوري بنتائج معركة حلب، ومشدداً في الوقت ذاته على مرحلة ما بعد هذا “النصر”.

منذ استعادة السيطرة على حلب العام 2016، مثّلت استعادة المدينة مكانتها الاقتصادية تحدياً حكومياً و صناعياً وتجارياً، إذ لم تستطع حلب على مدار ثلاث سنوات أن تنمو بشكل فعلي، وأن تعود عجلة الإنتاج فيها إلى الدوران، بسبب معوقات عدة، بعضها يتعلق بقرارات حكومية ومطالب بتقديم تسهيلات مالية وضريبية، وترميم للبنى التحتية، وبعضها الآخر يتعلق بتكاليف الإنتاج، وتكاليف تصريفه، في ظل انقطاع الطرق الرئيسية وارتفاع تكاليف النقل وإغلاق الحدود أمام هذه البضائع، ناهيك عن العقوبات الاقتصادية الأميركية والأوروبية التي مثلت بدورها عقبة كبيرة امام تصريف هذه البضائع، وحالة “عدم الأمان” التي تسبب بها تمركز المسلحين على مشارف المدينة.

أرقام ما قبل الحرب

في العام 2011، ووفق تقديرات رسمية سورية، بلغت مساهمة حلب في الناتج المحلي ما يعادل ربع انتاج سوريا تقريباً (تحديداً 24 في المئة)، حيث ذكرت غرفة تجارة حلب في تقديرات لها أن حلب تعتبر المحافظة الأولى في سوريا من حيث المساهمة في الاقتصاد السوري على مختلف الأصعدة، فعلى الصعيد الصناعي بلغت نسبة حلب نحو 33 في المئة من الصناعة السورية، وعلى رأسها الصناعة النسيجية، التي اشتهرت بها المدينة تاريخياً.

ونمت الصناعة النسيجية في حلب خلال السنوات العشر التي سبقت اندلاع الحرب في سوريا بشكل كبير، حيث تم تشييد مصانع نسيج عملاقة، كانت تنتج أفخر أنواع المنسوجات، القطنية منها بشكل خاص، وتعمل على تصديرها إلى مختلف بلدان العالم.

وتتوزع في حلب تجمعات صناعية عدة، تختلف بين الصناعات الصغيرة والمتوسطة والكبيرة، أبرزها المدينة الصناعية في الشيخ نجار، والتي بلغ حجم الاستثمارات فيها العام 2011 حوالي 166 مليار ليرة سورية (3.3 مليارات دولار تقريباً، حيث كان يبلغ سعر الصرف حينها حوالي 50 ليرة سورية)، كما أمنت ما يزيد على 36 ألف فرصة عمل. وبسبب ازدهار الصناعات الصغيرة والمتوسطة والكبيرة في المدينة بلغت حصة حلب نحو 50 في المئة من العمالة في القطاع الصناعي في سوريا.

وعلى صعيد التجارة، ساهمت حلب في تنمية الصادرات للمنتجات السورية إلى مختلف دول العالم، حيث بلغت قيمة الصادرات من مختلف المنتجات السورية العام 2011 حوالي 452 مليون دولار، وفق إحصاءات غرفة تجارة حلب. كذلك مثلت الصادرات الصناعية ما يعادل نحو 50 في المئة من حجم الصادرات الصناعية في سوريا. وتوزعت الصادرات من حلب بين عشرة أنواع رئيسية، تصدرتها المواشي والأغنام بنسبة 28% تلتها الأدوية البشرية بنسبة 11% من إجمالي صادرات الغرفة العام 2011، إضافة إلى الأقمشة والخيوط والألبسة الجاهزة، وغيرها.  وكانت حينها تركيا تتصدر قائمة البلدان التي تستورد من حلب، تلتها العراق ودول الخليج وعلى رأسها السعودية.

وتتمتع حلب بموقع استراتيجي على طريق التجارة، حيث تتوسط المنطقة الواصلة بين المرافئ البحرية والمنافذ الحدودية البرية إلى دول أوروبا كما تتمتع بمناخ وتربة مناسبين لمختلف أنواع الزراعات، اذ تقبع المدينة في منطقة تحيط بها سهول زراعية، وتتوفر فيها المياه بعد إقامة مشاريع عدة لجر مياه نهر الفرات ساهمت بدورها في تنشيط الزراعة بشكل كبير في ريف حلب الشرقي، والشرقي الجنوبي بشكل خاص، والذي يمثّل أحد أهم مراكز تربية المواشي والاتجار بها، إضافة إلى ما يقدمه على صعيد الإنتاج الزراعي المتنوع.

كذلك، تتمتع حلب تاريخياً بتوافر اليد العاملة الماهرة، وانتشار عدد كبير من الحرف والصناعات، وهي مهارات تطورت بشكل تدريجي مع تطور وسائل الصناعة، الأمر الذي ساهم بدوره في تحسين نوعية الإنتاج، وتخفيف تكاليفه خصوصاً أن الأجور كانت منخفضة.

وكان توافر المواد الأولية اللازمة للتصنيع مثل القطن، والحبوب، والزيوت، وغيرها من المنتجات الزراعية يساهم في تنشيط عمليات الصناعة القائمة على الزراعة، وتخفيف تكاليفها، وزيادة الأرباح الناجمة عن تصدير مواد مصنعة بدلاً من تصديرها كمواد خام.

الحرب وما خلّفته

منذ اقتحام الفصائل المسلحة مدينة حلب العام 2012، عانت المدينة من مختلف أنواع التخريب والسرقة، التي طالت المصانع والأسواق والبنى التحتية والمناطق الأثرية وغيرها، حيث تم تفكيك ونقل عدد كبير من المصانع إلى تركيا، كما تم تخريب وحرق وتفجير مناطق أثرية وتاريخية عدة، إضافة إلى حركات النزوح والهجرة المتواصلة التي تسببت بفقدان المدينة أحد أهم مميزاتها، حيث انخفضت نسبة اليد العاملة الخبيرة بشكل كبير.

كذلك، عانت المدينة من انقطاع الطرق، والأضرار الكبيرة في المساحات المزروعة في الريف، وهجرة رؤوس الأموال، سواء نحو لبنان ومصر بشكل خاص، إضافة إلى تركيا التي أنشأ السوريون فيها أكثر من 10 آلاف شركة بحسب إحصاءات رسمية تركية تم نشرها في العام 2015 (أي بعد نحو ثلاثة أعوام فقط على دخول الحرب أحياء حلب)، جميعها ساهمت بخسائر متلاحقة للمدينة، التي نزفت على مدار ثمان سنوات، ونزف معها الاقتصاد السوري.

وبحسب بحث أجراه معهد الأمم المتحدة للبحث والتدريب (UNITAR) ونشرت نتائجه العام الماضي (2019)، فقد شهدت محافظة حلب أكبر نسبة دمار في سوريا، بوجود 4773 مبنى مدمراً كلياً، و14680 مبنى مدمراً بشكل بالغ، و16269 مدمراً بشكل جزئي، ليبلغ مجموع المباني المتضررة 35722.

وفي العام 2018، قدرت الحكومة السورية تكاليف إعادة إعمار حلب بنحو خمسة مليارات دولار كمرحلة أولى، لإعادة الكهرباء والمياه وشبكة الاتصالات، وفق ما ذكره رئيس الوزراء السوري عماد خميس، وهي أرقام تخص بعض البنى التحتية، دون التطرق إلى حجم الأضرار الأخرى التي طالت القطاعات الصناعية والزراعية والتجارية.

16 شباط وما بعده

في السادس عشر من شهر شباط الحالي، أعلنت مدينة حلب آمنة بالكامل، بعد سيطرة الجيش السوري على كامل طوق المدينة، وذلك بعد أيام قليلة من السيطرة على طريق حلب – دمشق الدولي، الأمر الذي أزال بدوره واحدة من أكبر العقبات التي كانت تواجه الإنتاج في المدينة.

كذلك، جاء تأمين المدينة وفتح الطريق الدولي إليها بعد السيطرة على الحدود مع الأردن وفتح معبر نصيب الحدودي، والسيطرة على مناطق حدودية مع العراق أبرزها معبر البوكمال – القائم الذي يمثّل أحد أهم معابر السلع والمنتجات السورية نحو دول الجوار.

ومن شأن فتح الطريق الدولي نحو حلب تسهيل مرور البضائع لتصديرها إلى العراق ودول الخليج، إضافة إلى سهولة نقل البضائع وتسويقها داخلياً أيضاً، الأمر الذي ينتظر أن تظهر نتائجه بشكل متتابع مع إعادة إحياء حلب بشكل تدريجي.

كذلك، أعلنت وزارة النقل السورية عن إعادة تشغيل مطار حلب الدولي بعد نحو سبع سنوات على توقفه، حيث ستبدأ أولى الرحلات من دمشق إلى حلب، يتبعها رحلات من مصر، وبلدان أخرى بشكل تدريجي. ولتشغيل مطار حلب الدولي أهمية سياسية إضافة إلى الأهمية الاقتصادية، وهو ما شدد عليه مندوب سوريا الدائم في الأمم المتحدة بشار الجعفري في كلمة له الشهر الماضي في مجلس الأمن الدولي، حيث ربط بين فتح الطرق نحو حلب وتشغيل مطارها، وإلغاء الحاجة إلى العمليات الإنسانية عبر الحدود، ما يعني وضع حد للتدخل الخارجي في الشمال السوري.

وعلى الرغم من توافر الأسس المبدئية لإعادة إحياء حلب وما تمثله من ثقل اقتصادي، إلا أن ثمة معوقات كبيرة تحتاج إلى عمل حكومي كبير ومتواصل لتجاوزها، أهمها تأمين الطاقة (الكهرباء والوقود)، وتنشيط دور المعابر الحدودية التي لم تعمل بشكل حقيقي حتى الآن (معبرا البوكمال مع العراق ونصيب مع الأردن)، خصوصاً في ظل الأزمة التي تفتعلها الولايات المتحدة في الشمال الشرقي من سوريا، والضغوط المتواصلة على العراق، وعدم فتح دول الخليج أسواقها بشكل فعلي للمنتجات السورية.

كذلك، يقع على عاتق الحكومة السورية، وغرف الصناعة والتجارة، العمل على تسهيل عودة المستثمرين السوريين إلى بلدهم، وتقديم القروض الميسرة، وتقسيط الديون السابقة وتسويتها، إضافة إلى العمل على ترميم البنية التحتية وتأهيلها بما يتناسب مع المرحلة القادمة.

 

 


180bost-  علاء حلبي

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...