كورونا وصورة كورونا، كورونا والذعر منه!

06-04-2020

كورونا وصورة كورونا، كورونا والذعر منه!

 علي عامر: في مقال للفيلسوف الإيطالي، جورجيو أغامبين[1]، يشير إلى التناقض بين بيان المجلس القومي الإيطالي للبحوث NRC، الذي ينفي وجود وباء كورونا في إيطاليا، ويخفف من خطورة المرض وأعراضه من جهة، ودور السلطات الرسميّة والإعلام في خلق حالة ذعر في إيطاليا وفي العالم، بحيث وخلال فترة قصيرة جداً، نجح الذعر متعاضداً مع التدبيرات الحكوميّة (الإغلاقات والحجر وتعليق الحياة اليومية) في تخليق تغيّرات جذريّة على أنماط حياة ملايين من البشر حول الكوكب. وينظر أغامبين إلى هذه التناقض، من خلال سياق سلطوي مستمر، يحاول تعزيز حالات الاستثناء والطوارئ، ودفعها من هامش الاستثناء إلى مركز العادي واليومي، شارحاً علاقة ذلك بتبرير العسكرة، فالاشتباه في حالة واحدة موجودة في مبنى ضخم، كفيلة بتوفير كافّة التبريرات لأذرع الدولة لأمننة البناء وعسكرته، آخذاً بعين الاعتبار الطبيعة المعولمة لانتشار المرض، ونشر الذعر، والتدابير الوقائيّة والعلاجيّة، فنحن نتحدث إذاً عن تعميق مستويات أمننة حياة البشر وعسكرتها، بعد أن فقد الإرهاب قدرته على تخليق الذعر المعولم، ومنح التبريرات الكافية للقبول بكل أشكال تقييد الحريّة والرقابة والضبط والسيطرة. يمكن وصف الحالة على أنّها مقايضة بين الأنظمة والشعوب، إذ توفّر الأنظمة السلامة، وتصادر مقابلها الحريّات. ولتقديم عروض السلامة تضطر الدولة دائماً إلى اصطناع الخوف والذعر.

يمكن أن نحاول قراءة أطروحة أغامبين وتصوّره، من خلال عدّة مناظير، أو باراديغمات نظريّة مختلفة.
فإذا ما استعرنا باراديغم ميشيل فوكو[2]، الذي سبر آليّات السلطة لتعزيز الضبط والرقابة، وتعميق أنظمة التأديب والإخضاع ضد الشعوب، والتي تأتي على شكل ممارسات فيزيائيّة، مثل العسكرة، والأمن، والسجون، والإبادة، وممارسات أيديولوجيّة بأدوات مختلفة، مثل الإعلام، والكتابة، والسينما، والتعليم الرسمي، والتي تساهم في إعادة إنتاج الجماهير المنضطبة والخاضعة، بل تصل إلى مستوى استعمار اللاوعي الفردي والجماعي، بحيث يذهب الفرد، أو الجماعة، نحو الخضوع والانضباط بكامل إرادته ورغبته، بعد إخضاع إرادة الأفراد الأصيلة بالحريّة والانعتاق لمجموعة معقدة من عمليات التزييف والتزوير؛ يمكن النظر من خلال هذا الباراديغم إلى تعظيم الذعر من كورونا على أنّه محاولة سلطوية لإعادة إنتاج وعي - ولا وعي خائف يرتمي في حضن الأنظمة مستجدياً الحماية الصحيّة والجسديّة.
نرى ضرورة فهم أطروحات ميشيل فوكو حول هيمنة السلطة الأيديولوجيّة، وأطروحة غامبين حول حالة الاستثناء[3]، وتطبيقاتها في معالجة ظاهرة كورونا، من خلال المقدمّة النظريّة لهذه المقال. باختصار شديد: تطوّر الاحتكار والتمركز أدّى إلى تطوّر الفائض الذي أدّى إلى تطوّر القطاع الثالث، الذي منح الدولة قدرات وموارد أعلى لإعادة إنتاج الهيمنة الاجتماعيّة، كما رآها فوكو، وتعميق حالة الاستثناء ودفعها من الهامش إلى المركز اليومي والعادي، كما رآها أغامبين. ومن الجهة الثانية، ما كانت الفجوة بين الذعر من كورونا، وحقيقة المرض وآثاره، لتكون بهذا الحجم الفائق، قبل أن نلج في عصر الصورة وموت الواقع، وانتقال مصدر الحقيقة من الواقع إلى الصورة، فالذعر صنع الإعلام، أي الصورة، وهو يتفوّق بمستويات عالية جداً عن ظاهرة كورونا، كما هي على أرض الواقع، كمرض ذي أعراض متوسّطة، لا تزيد أعداد ضحاياه خلال عدّة أشهر عن عدّة آلاف على مستوى كوكب الأرض، وهذا رقم بسيط جداً.
يتوقّع هذا الإطار النظري أن تساهم الأزمة البيولوجيّة المعولمة "كورونا" في تعزيز التدابير الأمنية والتفتيشيّة والرقابيّة، وتقييد الحركة والحريّات، ودفعها إلى مستويات تفوق تلك المستويات التي تبعت أحداث الحادي عشر من سبتمبر. كما يتوقّع إعادة إنتاج شرعيّة الأنظمة المحليّة المهترئة وشرعية النظام العالمي، تلك الشرعية التي تزعزعت تحت وقع سلسلة من الاحتجاجات والاضرابات والمسيرات والحراكات منذ انفجار الأزمة الماليّة العالميّة لعام 2008. ويتوقّع أخيراً أن تساهم هذه الأزمة في تعميق الخوف الفردي والجماعي، وتطفيل البشريّة (من طفل) في محاولة لتشكيل أيديولوجيا تخترق الفرد والجماعات، والوعي واللاوعي، مفادها أنّ الطريق الوحيد لحماية الجسد والصحّة هو الاتباع الحريص لتعليمات النظام!

هوامش:

[1] Agamben, Giorgio. 26, Feb, 2020. The state of exception provoked by an unmotivated emergency. Translated by: positions. http://positionswebsite.org/giorgio-agamben-the-state-of-…/…
[2] فوكو، ميشيل. 1994. المعرفة والسلطة. ترجمة: عبد العزيز العيادي. المؤسسة الجامعيّة للدراسات والنشر والتوزيع. بيروت، لبنان.
[3] أغامبين، جورجيو. يناير 2015. حالة الاستثناء؛ الإنسان الحرام. ترجمة: د. ناصر إسماعيل. مدارات للأبحاث والنشر.

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...