فيروس كورونا: زلزال جيوسياسي

07-04-2020

فيروس كورونا: زلزال جيوسياسي

الكاتب: جافي لوبيز  - ترجمة لينا جبور

يبدو عام 2020 من أصعب الأعوام التي تمرُّ علينا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، إذ يواجه العالم اليوم تهديداً يتزايد باطّراد ويعرّضُ معظمَ القاطنين فيه للخطر. هذه حربٌ عالميةٌ ضد عدوٍّ غير مرئيّ ووباء له عواقب اجتماعية واقتصادية وسياسية هائلة لم تكن متوقعة.

ستشكل أزمة الفيروس التاجي-كورونا بلا شك لحظةً حاسمةً في التاريخ المعاصر. سيتعين علينا تغيير طريقة معيشتنا عما عهدناه مدّة طويلة سابقة. ستغلق المصانع، وتحط الطائرات، وتفرغ مكاتب ناطحات السحاب، بينما نغلق الحدود ونتحمّل الانتظار وقتاً طويلاً في محلات السوبر ماركت، والمستشفيات المكتظة، والعديد من الاجتماعات عبر الإنترنت. سنعاني خسارة كبيرة في الأرواح، بينما تختفي العادات الاجتماعية مثل المعانقة أو المصافحة مؤقتاً من عاداتنا. ليس هناك شك في أننا سنتغلب في نهاية المطاف على هذه الأزمة، ولكن ستبقى تأثيراتها مثلما بقيت تأثيرات 11/9، والركود العظيم، ووباء إيبولا. ستنمو العديد من الانقسامات الجيوسياسية بعد أن نعود إلى شكل من أشكال الحياة الطبيعية، وسيكون لدينا جميعاً شعورٌ عميقٌ بعدم الثبات والاستقرار.

يبدو كوفيد 19 المرآة التي عكست لنا –نحن الدول الغربية– صورتنا المشوّهة، وجعلتنا ندرك حقيقة أنفسنا الزائفة. ستكون الأزمة بمثابة اختبار صعب لمدى فعاليتنا في إدارتها، الأمر الذي سيمكّن لتسريع أو تحجيم عملية اجتياح الغرب للعالم. على أيّة حال، سوف يتحدى كورونا العولمة، ويعيد ترتيب النظام العالمي.تعالج أوروبا –وهي مركز الوباء حالياً– الأزمة بطريقة هشّةٍ. تبدو انقساماتها أكثر وضوحاً من أيِّ وقت مضى، ويبدو أنَّ سكانَها المُسنّين نسبياً معرّضون بشكلٍ كبيرٍ لخطر الإصابة بفيروس كورونا. ومع ذلك، لا ينبغي للمرء أن يقلل من أهمية القارّة العجوز. تمتلك أوروبا الأدوات اللازمة لإعادة إثبات نفسها وإعادة تأكيدِ وضعها في العالم في مواجهة هذه الأزمة. تُعَدُّ الدول الأوروبية آلات سياسة عامة قوية. فهي تملك أفضل أنظمة رعاية صحية عالمية على هذا الكوكب؛ إذ قامت ببناء أكبر إطار للعمل عبر الحدود عرفه العالم على الإطلاق: الاتحاد الأوروبي. تتطلب مقاومة هذا الوباء العالمي القدرة على التنسيق والعمل المشترك –نحن نمتلك المهارات المناسبة في جميع المجالات.

لقد استيقظت القوميات القديمة في القارّة، وبدأت ببطء ولكن بلا رحمة بتخصيص حزم التحفيز المالي الضخمة. من جانبه، قرّر البنك المركزي الأوروبي، بعد بداية هشة ومليئة بالأحداث، أداء دوره عن طريق تنفيذ خطة شاملة لشراء الأصول التي من شأنها حماية الدَّين العام وتوفير السيولة. هناك حاجة ملحة الآن للتحفيز على مستوى المجتمع والأدوات المالية الأوروبية الحقيقية. نحن نواجه خطر الوقوع في الهواجس المعتادة الليبرالية التي ستسلط الضوء مرة أخرى على أوجه القصور في التصميم المؤسساتيّ الخاص بالعملة الموحدة. لذلك دعونا نأمل أن نتمكن من تطبيق دروس الركود الطويل والمؤلم الذي أعقب الأزمة المالية لعام 2008.

كما تعرّضت العلاقات عبر الأطلسي لضربة جديدة في الأزمة. مع إنكار الرئيس دونالد ترامب لخطورة الأزمة حتى وقت قريب، وحظره من جانب واحد للرحلات الجوية التجارية مع الاتحاد الأوروبي، كشفت الولايات المتحدة مرة أخرى عن عزلتها العدوانية. يجب أن نراقب عن كثب الأحداث التي ستتكشف داخل القوة العظمى: تفتقر الولايات المتحدة إلى نظام رعاية صحية شامل، ولديها سوق عمل متقلّبة للغاية، وتديرها إدارة تظهر عجزاً عميقاً مع ازدراء مستمر للعلماء والخبراء الآخرين. يحدث كل هذا في عام الانتخابات. ومع ذلك، فإنَّ الولايات المتحدة لديها أصول لا تقدّر بثمن للاحتياطي الفيدرالي وقوة الدولار العالمية.

وتبدو الصين بدورها عازمةً على تجسيد بعض القيم التي عرفها الغرب تاريخيّاً: التضامن والتعاون. لم يكن قرار الصين بإرسال أطقم ومعدّات طبية إلى أوروبا لمكافحة الفيروس التاجي عملاً تضامنياً فحسب، بل تمريناً جيوسياسياً: فقد مدّت هذه البلاد يد المساعدة للغرب الذي يواجه مشاكل خطيرة معها. لا يبدو هذا مجرد إيثار؛ إنما هو دليل على إرادة الصين للقيام بدور الهيمنة الصاعدة والاستفادة من الفراغ المتزايد الذي خلّفته المشاكل الأمريكية الجادة.

تبدو القوة الآسيوية عازمة على اكتساب مركزية جديدة في نظام عالميٍّ منظمٍ تقليدياً يلتف حول حلف الأطلسي. يمثل هذا تحدياً كبيراً للنظام العالمي، إذ إنّ النموذج الصيني يختلف مع رؤيتنا الديمقراطية للحكم. ومع ذلك، يمكن أن تفتح الأزمة الباب لعلاقة جديدة بين أوروبا والصين.

في الوقت نفسه، تتعرض العولمة لضغوط، ومن المؤكد أنَّ كلَّ ما يأتي بعد ذلك سيعدل بشكل منطقي توجه السوق العالمية الذي رأيناه حتى الآن. ستعيد هذه الأزمة رسم الحدود بين الدولة والسوق في الديمقراطيات، وربما تدفعنا نحو مستوى معين من إعادة التموضع الصناعيّ لحماية خطوط الإمدادات والإنتاج، والتأكيد على المبادرات الوطنية على حساب التنسيق الدوليّ. ولكن هل يمكن أن يدفعنا هذا بالمقابل إلى مزيد من الحوكمة عن طريق المؤسسات الدولية، في مواجهة المخاطر الواضحة للبشرية ككل؟

لقد وضعنا الفيروسُ التاجيُّ على المحك. ومع ذلك، يجب أن نواصل الدعوة إلى عالم قائم على القواعد ومنفتح ومتّصل، مع الحفاظ على التعددية، والسعي لتحقيق عولمة داعمة ومسؤولة حقاً، وإنشاء آليات للرقابة والتعويض تخلق استجابة مشتركة لحالات الطوارئ. ستحدّد الطريقة التي سنتخطى بها هذه الأزمة إلى حدٍّ كبيرٍ قدرتنا على مواجهة الأزمة التالية.

 

 


الجمل بالتعاون مع مركز دمشق للدراسات 

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...