تأثيرات كوفيد 19 في الديناميات الاستراتيجية للشرق الأوسط

09-04-2020

تأثيرات كوفيد 19 في الديناميات الاستراتيجية للشرق الأوسط

الكاتب: داليا داسا كاي - ترجمة : لينا جبور

يظهر أنَّ الأزمة العالميّة الأكثر أهمية في جيلنا ستولد تأثيرات تحويلية في كلّ دولة ومجتمع على مستوى العالم، والشرق الأوسط ليس استثناء. ولكن من غير المرجح أن تؤدي أزمة (COVID-19) إلى ديناميكيات استراتيجية إقليمية جديدة إن لم تكن فعلياً قد بدأت من قبل. ويحتمل أن تعزز هذه الأزمة وتقوّي خطوط الاتجاهات القائمة والسلبية إلى حدٍ كبير.

تشمل الديناميكيات الاستراتيجيّة الأكثر أهمية التي يمكن أن تسوء أكثر مع ظهور فيروس كورونا المحاور الآتية:

•التصعيد بين الولايات المتحدة وإيران. قد يميل كلا الجانبين إلى استغلال الأزمة كفرصة لمضاعفة الإجراءات السَّابقة التي تسهم في الصِّراع. تواصل إدارة ترامب اتباع نهج الضغط الأقصى الخاصّ بها رغم عدم وجود نتائج استراتيجية ورغم التصدعات التي خلقتها مع أوروبا والحلفاء الآخرين. وتشير التقارير إلى سعي بعضهم في الإدارة الأمريكية إلى استخدام أزمة كوفيد-19 للاستفادة من ضعف إيران المتزايد، ولإجبارها على الجلوس إلى طاولة المفاوضات. من جانبهم، تخلّى القادة الإيرانيون عن "الصبر الاستراتيجي" بعد عام من التمسك بالاتفاق النووي الإيراني بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاقية في أيار/مايو 2018، ووجدوا أن الاستراتيجية جلبت القليل جداً من الانتعاش الاقتصادي من قبل أوروبا أو آسيا.
وعوضاً عن ذلك، بدأت إيران في فرض تكلفة مقابل سياسات الضغط الأقصى التي تمارسها الولايات المتحدة وذلك باستهداف ناقلات النفط والمنشآت، فضلاً عن الأصول العسكرية الأمريكية والأفراد. قد ترى إيران ووكلاؤها مع استمرار التصعيد في الأشهر التي تلت مقتل الجنرال قاسم سليماني، أزمة كوفيد-19 فرصة لمهاجمة القوات الأمريكية مع وجود خطر انتقام أقل في محاولة لطرد الولايات المتحدة من العراق. وبالنتيجة قد يرى كلا الجانبين فرصاً للتصعيد، ما يؤدي إلى معضلة أمنية كلاسيكية تخاطر بحدوث صراع عسكري أكبر مما يريده أي من الجانبين. إن الانشغال عن جهود مكافحة الإرهاب في ظل استمرار توتر العلاقات مع الحكومة العراقية، هو توجه من المرجح استمراره نظراً للانشغال في أزمة الوباء العالمي الذي أدى إلى تغير الأولويات.

•مشاركة صينية وروسيّة أكبر في المنطقة. تُعَدُّ زيادة المشاركة الروسية في المنطقة انتهازية إلى حدٍ كبيرٍ، ومن غير المحتمل أن تتغير أو تتقلص نتيجة للأزمة الحالية، كما تشير التطورات في سورية. ولكن ما ينبغي رصده هو دور الصّين في الشرق الأوسط فهو الأهم في المشهد من حيث اللعبة على المدى الطويل. لقد قامت الصين بالفعل باستثمار وبناء البنية التحتية بقوة في المنطقة عن طريق مبادرة الحزام والطريق. في حين كانت المصالح الاقتصادية هي الدافع وراء هذه الاستراتيجية إلى حدٍ كبيرٍ، فليس من الصعب تصور نمو تأثير الصين في الساحتين السياسية والاستراتيجية بمرور الوقت. يرى بعضُ المحللين بالفعل أن أزمة فيروس كورونا تعمل على ترسيخ صعود الصين، بحجة أن المتطلبات العالمية تتغير تدريجياً في البداية ثم "كلها في وقت واحد"، مع تأخر الولايات المتحدة في اتخاذ الإجراءات. تضع الصين مكانتها كرائدة عالمية في هذا الوباء مستفيدة من الأخطاء الأمريكية، وترسل فرقها الطبية للمساعدة وترسل، تمثيلاً لا حصراً، 250 ألف كمامة إلى إيران.

•الاستبداد الراسخ والديمقراطيات الضعيفة. شهدت المنطقة قمعاً للاضطرابات الإقليمية عل نحو متزايد وذلك قبل ظهور كوفيد-19. يستمر الحكم السيء والفساد المستشري والأزمات الاقتصادية في إثارة احتجاجات إقليمية واسعة النطاق بعد قرابة عقد من ما يسمى "الربيع العربي". مع ضعف الحكومات الإقليمية بشكل خاص في أعقاب هذا الوباء، يمكن توقع أن يستغل القادة الفرصة لتقويض الاحتجاجات والخطابات الشرعية تحت غطاء الأمن والصحة العامة. 

يستخدم المسؤولون في لبنان وسائل التواصل الاجتماعي لتتبع واستهداف المتظاهرين والمعارضين السياسيين، الذين يعتمدون أكثر من أي وقت مضى على وسائل التواصل الاجتماعيّ لتنسيق الجهود حيث تصبح الاحتجاجات الشخصية صعبة خلال الوباء. ألغت السلطات في مصر أوراق الاعتماد الصحافية لمراسل غربي حاول تغطية الفيروس التاجي في بيئة من الرقابة المتزايدة. حتى في الديمقراطيات الراسخة، يخشى المراقبون الإسرائيليون من أن ما أسماه البعض "انقلاب كورونا" الذي قد يسمح لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بتأجيل محاكمته بتهم الفساد والاحتفاظ بالسلطة رغم فشله في الحصول على تفويض لتشكيل ائتلاف حاكم.

•الكوارث الإنسانية. يستضيف الشَّرق الأوسط بعض أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم مع استمرار الصراعات في ليبيا واليمن وسورية، ما خلق أكبر أزمة نزوح منذ الحرب العالمية الثانية. يكون اللاجئون والنازحون داخلياً عرضة بشكل خاص لعدوى فيروس كورونا.  تواجه المنطقة الآن كارثة صحية تتربع فوق دمار صنعه الإنسان على مدار عقد من الحروب الإقليمية.

يسهل في الشرق الأوسط دائماً التنبؤ بأن التطورات ستسير من سيء إلى أسوأ. ولكن قد تظهر بضع منافذ دبلوماسية. وتشمل:

-التقارب الخليجي (مجلس التعاون الخليجي) - الإيراني. منذ هجمات الناقلات التي بدأت في الصيف الماضي، بدأت دول مجلس التعاون الخليجي الرئيسة مثل الإمارات في إجراء محادثات أمنية بحرية مع الإيرانيين حيث انعكست نتائج المواجهة الأمريكية الإيرانية على البلاد. لم يُهدِّئ قتل الولايات المتحدة لسليماني وعواقبه الأعصاب أو يغرس الثقة في النهج الأمريكي. قد يرغب السعوديون والإماراتيون في الاستمرار في احتواء إيران، ولكن كما قال أحد المحللين الخليجيين، فإنهم لا يريدون أيضاً مواجهة نظام متفجر ومواطنين يائسين. وبالتالي، ليس من المستغرب أن تستجيب الإمارات وتهب لمساعدة إيران في مواجهة أزمة فيروس كورونا على وجه الخصوص عن طريق تسهيل شحنات الإمدادات الطبية.
 تؤكد جائحة فيروس كورونا على حقيقة أنه "في العدوى ليس هناك فائز".

-الإفراج عن السجناء. يتزايد الضغط من أجل إطلاق سراح السجناء السياسيين في جميع أنحاء المنطقة، في إيران خاصةً، نظراً لدرء خطر انتشار العدوى في ظروف مزدحمة مع سوء الصرف الصحي. أفرجت إيران مؤقتاً عن 85000 سجين، بما يشمل المعتقلين السياسيين، درءاً للوباء. ويدعو مسؤولو الأمم المتحدة لمزيد من الإفراج. أطلقت البحرين سراح ما يقرب من 1500 معتقل "لأسباب إنسانية"، وهو أكبر إطلاق سراح للسجناء منذ انتفاضة 2011. ومع ذلك، لا تزال الإفراجات انتقائية ويمكن عكسها.

-تعاون إسرائيلي فلسطيني. تعبر الأوبئة الحدود السياسيّة والجغرافيّة. في حين لا تعمل "إسرائيل" بالتنسيق مع المنطقة على نطاق أوسع استجابةً للوباء، يبدو أن هناك تعاوناً عالي المستوى بين المسؤولين الإسرائيليين والفلسطينيين، بما في ذلك غرفة عمليات مشتركة لاحتواء انتشار الفيروس. حتى أن الرئيس الإسرائيلي ريفلين اتصل برئيس السلطة الفلسطينية عباس ليشكره على التعاون الرفيع المستوى لمواجهة الوباء. تعاني غزة أصلاً من ظروف إنسانية وصحية قاسية بسبب سنوات من الحصار تحت حكم حماس، وتُعد مصدرَ قلق خاص لتفشي الفيروس الجديد. حذرت منظمة الصحة العالمية من أن نظام الصحة في غزة لن يتمكن من التعامل مع تفشي المرض في جيب بطول 25 ميلاً يضم مليوني شخص. 

قد تمثل هذه المخاطر منافذ لتخفيف الحصار وربما تؤدي إلى وقف إطلاق النّار.ومع ذلك، قد تكون هذه النوافذ محدودة وقصيرة الأجل. في غياب تطور يغير اللعبة مثل انهيار قوة إقليمية رئيسة –والتي سيكون من الصعب نسبها إلى الوباء فقط بالنظر إلى نقاط الضعف الموجودة في العديد من دول المنطقة– من المرجح أن يبدو المسار الاستراتيجي الكئيب للشرق الأوسط كما كان قبل إصابة COVID-19.

 


الجمل بالتعاون مع مركز دمشق للدراسات 

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...