مصطلح «أهل الذمة» لغم ثقافي يجب إلغاءه

18-05-2006

مصطلح «أهل الذمة» لغم ثقافي يجب إلغاءه

مصطلح أهل الذمة من القضايا التي تثير جدلاً بين المسلمين وأهل الكتب السماوية الأخرى، فالأقباط في مصر على سبيل المثال يرون أن مفهوم أهل الذمة فيه انتقاص من قدرهم ومكانتهم ويفرض وصاية المسلمين عليهم وكأنهم رعايا ويقولون إن هذا المفهوم يتعارض مع حقوق المواطنة ويتضمن تمييزاً وتفرقة بين المصريين على أساس الدين، في حين يرى المسلمون أن هذا المفهوم لا يتضمن في معناه كل هذه الاتهامات، وهو يستخدم فقط للإشارة إلى أهل الأديان السماوية الأخرى المسيحية واليهودية، وأن الإسلام أوصى بأهل الذمة خيراً فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: «من آذى ذمياً فأنا خصمه يوم القيامة»، ويقول: «استوصوا بأهل مصر ـ وفي رواية بأقباط مصر ـ خيراً فإن لهم عهداً وذمة»، ولا يعول علماء المسلمين على المصطلحات والمسميات ويرون أن تطورات العصر تجاوزت كل هذا، خاصة مع مشاركة غير المسلمين في الجيوش الإسلامية وفي الدفاع عن الأوطان وتحملهم عبء دفع الضرائب مثل المسلمين، ويؤكدون أن غير المسلمين في المجتمعات الإسلامية هم مواطنون شأنهم شأن المسلمين، لهم نفس الحقوق وعليهم نفس الواجبات. في هذا التحقيق استجلاء لهذا المصطلح.
* تعصب وانحراف

* بداية يرى المفكر الإسلامي جمال البنا أن مصطلح أهل الذمة كان صالحاً لحقبة مضت، وانتهت هذه الحقبة وطويت صفحاتها شأنها في ذلك شأن الرق والغنائم وما إلى ذلك مما كان مطبقاً في عهود مضت ومما كان سارياً في العالم أجمع، وكانت الأوضاع الإسلامية فيها أفضل من مثيلاتها في المجتمعات الأخرى، ولكن التطور جاوزها ومن ثم لا داعي للأخذ بها ولا الإشارة إليها.

ويضيف لقد كانت هذه المصطلحات مجرد اجتهادات للفقهاء في فترة معينة ولا تدخل في العقيدة أو الشريعة المحددة، مشيراً إلى أن هذه الاجتهادات يجب ألا نعنى بها في الوقت الحاضر ولا ينبغي أن تلفتنا عن التطور الذي حدث في المجتمع لأن الإسلام دعوة متجددة ومنفتحة ولا يمكن أن يتأتى هذا إذا تمسكنا بكلام الفقهاء القدامى.

ويؤكد البنا أن مثل هذه المصطلحات لم تعد مطروحة في الوقت الحاضر وحلت محلها حقوق الإنسان التي كان الإسلام أول من نادى بها، فالنبي صلى الله عليه وسلم عندما دخل المدينة وضع وثيقة المدينة التي يطلق عليها في الكتب التراثية «وثيقة كتاب الموادعة»، وفيها قرر الرسول أن الأنصار، وهم أهل المدينة، والمهاجرين، وهم الذين هاجروا من مكة إلى المدينة، واليهود المتحالفين مع الأنصار، أمة واحدة يتكافلون بالمعروف ويدافعون عن المدينة وأن لليهود دينهم وللمسلمين دينهم.

ويوضح أن هذه الوثيقة أعطت حق المواطنة لكل الذين يعيشون على أرض واحدة بصرف النظر عن اختلاف الأديان، مشيراً إلى أن الإسلام منذ أكثر من 14 قرناً أعطى حق المواطنة للمهاجرين الذين هاجروا من مكة إلى المدينة، وكذلك أعطى هذا الحق لليهود الذين هم من جنس ودين مختلف، فكيف نتحدث من جديد عن مصطلح أهل الذمة بعد كل هذه السنوات الطويلة؟

وحول سؤال عن أن مفهوم أهل الذمة جاء في التطبيق العملي بعد وثيقة المدينة بسنوات، خاصة مع اتساع حركة الفتوحات الإسلامية وطبقه الخلفاء، قال جمال البنا يجب أن نأخذ بالأفضل لأنه لا يعقل أن نأخذ بالذي هو أدنى ونترك الذي هو خير، موضحاً أن مفهوم أهل الذمة يثير حساسيات لدى غير المسلمين ولهم الحق، وهو في نفس الوقت يثير التعصب والتعالي عند المسلمين.

* وثيقة المدينة

* بينما يرى المستشار إدوار غالي الدهبي، المفكر القبطي وعضو البرلمان المصري، أنه لا توجد مشكلة في الإسلام في ما يتعلق بقضية المواطنة، مشيراً إلى أن وثيقة المدينة التي حررها النبي صلى الله عليه وسلم وهو يرسي أسس المجتمع الإسلامي في المدينة والتي عرفت باسم «الصحيفة»، تضمنت نصاً اعتبر اليهود مع المسلمين أمة واحدة، وبناء على هذا عومل اليهود كمواطنين في الدولة الإسلامية الوليدة ولم يعاملوا كأجانب أو رعايا من الدرجة الثانية.

ويضيف أن وثيقة المدينة جعلت غير المسلمين المقيمين في دولة المدينة مواطنين فيها، لهم من الحقوق مثل ما للمسلمين، وعليهم من الواجبات مثل ما على المسلمين، مؤكداً أن هذه الوثيقة تعد مفخرة من مفاخر الإسلام لأنها سبقت المواثيق العالمية والدساتير الوطنية بقرون في مجال تطبيق مبدأ الحرية الدينية في ظل ظرف الأمن والسلام الاجتماعي القائم على مبدأ الوحدة الوطنية بين ذوي العقائد الدينية المختلفة.

ويشير المستشار الذهبي إلى أن اعتراف «الصحيفة» بجماعة المختلفين ثم وصفهم بالأمة الواحدة، يؤكد أن الألفة بين الجماعات على أرض واحدة هي حجر الأساس في بناء الوطن، وأن الإسلام ينكر التصنيفات العرقية، وأنه صاحب مبدأ الوحدة الوطنية بين الأكثرية والأقلية.

ويوضح أن ما أعلنته «صحيفة المدينة» هو تأكيد لمبدأ راسخ في الإسلام ويتمثل في أنه يساوي في ما هو دنيوي بين المسلمين وغيرهم وبذلك تقوم العلاقة بين المسلمين وغيرهم وفق القاعدة الذهبية التي تقول: «لهم ما لنا وعليهم ما علينا» التي لم تكن مجرد شعار يرفع وإنما وضعها الرسول صلى الله عليه وسلم موضع التطبيق في جميع معاملاته مع أهل الذمة.

* ليس سيئاً

* ويشير الدكتور محمد شامة، مستشار وزير الأوقاف المصري، إلى أن مصطلح أهل الذمة معناه أنهم في ذمتنا وحمايتنا، موضحاً أنه في العصور القديمة لم تكن أقلية دينية تستطيع أن تعيش بين أغلبية تعتنق ديناً آخر، فجاء الإسلام وقال إن الأقليات الدينية في ذمتنا لهم ما لنا وعليهم ما علينا أي المساواة في المواطنة.

وأكد أن أهل الذمة ليس مصطلحاً سيئاً كما يتصور البعض، وإذا كان غير المسلمين يرفضونه فهذا أمر ليس بالمهم عندنا لكن ما يهمنا أنهم مواطنون مثلنا وأنهم أهل ذمة لأننا كنا ندافع عنهم وعن البلد وهم لا يدافعون، وإذا كانوا الآن يشاركون في الجيوش وفي الدفاع عن الأوطان فهم مواطنون مثلنا لهم نفس الحقوق وعليهم نفس الواجبات.ويرى الدكتور شامة أن القضية ليست قضية مصطلحات أو مسميات وإنما قضية واقع يقول «لهم ما لنا وعليهم ما علينا»، فهم متساوون معنا في الحقوق والواجبات وبمعيار المفاهيم الحديثة كحقوق الإنسان والمواطنة والديمقراطية وحق الانتخاب وحق الترشيح، فهذه حقوق لهم كما هي لنا بدون تفرقة، ولكن الأغلبية في الانتخابات سوف تختار المسلم سواء بالنسبة لمنصب الرئيس أو في الانتخابات البرلمانية، وحتى لو تم اختيار حاكم مسيحي فإنه لن يستطيع تغيير أحكام الإسلام أو مواد الدستور التي تنص على أن الإسلام هو الدين الرسمي للدولة وأن الإسلام هو المصدر الرئيسي للتشريع.

ويؤكد أن اللغط الذي يثار حول هذه القضية لا معنى له وأن الذين يطالبون بإلغاء المادة الثانية من الدستور لا يحترمون الأغلبية التي تريد هذا، بالإضافة إلى أنه لو تم إجراء استفتاء فسوف تؤيد الأغلبية بقاء هذه المادة، وهذه هي قواعد الديمقراطية التي ينادون بها، معرباً عن أسفه لأن وسائل الإعلام عاجزة ولا تستطيع طرح هذه القضية بوضوح وشفافية حتى يعرف كل فريق حقوقه وواجباته.

* قضية نفسية

* ويرى الدكتور حسن الشافعي، عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، أن هذه ترجع إلى نواح نفسية أكثر منها نواحي موضوعية أو قانونية، فبعض الناس يستشعرون حساسية من هذا المصطلح ويعتبرونه نوعاً من التمييز والتفرقة، وهذه مسألة نفسية أكثر منها موضوعية لأن مؤرخي الأقباط ومفكريهم أنصفوا التاريخ حينما قرروا أن الجزية كانت ضريبة يدفعها غير المسلمين، وأن الذمة تعنى تعهد المسلمين بحماية حقوق غير المسلمين في المجتمع الإسلامي، والذمة هنا ليست ذمة المسلمين وإنما ذمة الله ورسوله، فالمقصود بالذمة من الناحية الدينية الحماية وليس الإساءة، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: «من آذى ذمياً فأنا خصمه يوم القيامة».

ويؤكد أن الذمة لو أخذت بمعناها الصحيح فلن تحدث مثل هذه الحساسية، لكن لأن أناساً من الطرفين يفهمونها بطريقة خاطئة حيث يستشعر بعض الأقباط أن فيها تمييزاً، كما أن بعض العناصر المتطرفة والمتشددة من المسلمين تفهم المصطلح فهماً منحرفاً، داعياً إلى ضرورة تذكير الجميع بما يقرره مؤرخو ومفكرو الأقباط بأن «الذمة» ليس فيها تمييز لكن الكلام وحده لا يكفي لأن المشاعر من الصعب تغييرها.

ويوضح الدكتور الشافعي أن التسمية ليست ضرورية وأن المسلمين لا يذكرون مصطلح الذمة إلا ليدفعوا عنه من الناحية التاريخية الاتهامات التي توجه إليه بأنه تمييز وظلم، مشيراً إلى أن بعض الأطراف الخارجية هي التي تثير هذه القضية وفي غيبة التفسير الصحيح تثبت في الأذهان ثم تظهر داخل بلادنا رغم أننا كمسلمين لا نثيرها إلا بقصد تصحيح المفهوم التاريخي.

ويخلص إلى أن المسلمين وغير المسلمين ليسوا في حاجة في الوقت الحاضر إلى هذه المصطلحات لأن المسلمين وغيرهم من أعضاء المجتمع المعاصر يجب أن يكونوا أكثر وعياً وألا يكونوا طعماً للتوجهات الخارجية التي توحي لهم بوجود تفرقة وتمييز.

* مصدر فخار

* وأوضح الداعية الإسلامي المعروف الشيخ يوسف البدري مفهوم أهل الذمة فيقول إن النبي صلى الله عليه وسلم قال عن الذين بقوا على دينهم ولم يسلموا وعاشوا في ديار الإسلام ناهياً المسلمين عن إيذائهم: «إنهم في ذمة الله ورسوله إلى يوم القيامة»، أي في عهد عهده الله ورسوله للمسلمين بألا يؤذيهم مسلم فهم في عهد الله وأمانه، وفي هذا السياق قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من آذى ذمياً فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله»، أي من آذى غير مسلم مسالم للمسلمين، وقال أيضاً: «من ظلم معاهداً أو انتقصه أو كلفه ما لا يطيق أو أخذ منه شيئاً بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة»، أي المدافع عنه. ويرى أن كلمة أهل الذمة في حقيقتها كلمة عظيمة، فهي تعنى الذين وجب علينا في ذمة الله ورسوله أن نعدل بينهم وأن نعاملهم معاملة المسلمين، وألا نظلمهم أو نجبرهم على شيء، وأن يتمتعوا بكافة حقوق المسلمين في ما لا يمس الإسلام، ولا يجوز انتقاصهم، يقول الإمام علي رضي الله عنه: «إنما أخذنا أموالهم لتكون دماؤهم كدمائنا وأموالهم كأموالنا»، ويسمح لهم باعتبارهم أهل الذمة أن يتقاضوا بشريعتهم وأن يدقوا ناقوسهم وأن يحملوا صلبانهم وأن يحتفلوا بأعيادهم لا يرغمون على تركها حتى لو كانت زوجة لمسلم في بيت مسلم، ولا يمنعون من شيء كشرب خمر أو أكل خنزير إلا من شيئين الربا والزنى، وكل شيء بعد ذلك مباح لهم. ويؤكد الشيخ البدري أن لفظ أهل الذمة كان مصدر فخار لغير المسلمين لأن معناه أنهم في كنف الله تعالى وليسوا في كنف الحاكم، وفي ذمة النبي لا ذمة المسلمين. ومعنى ذمته أي أن ذلك شيء يجب الحفاظ عليه ورعايته، لذلك كان أول معاش في الإسلام لذمي يهودي كان يتسول، فلقيه عمر رضي الله عنه، فسأله عن السبب فقال: «لثلاث الشيبة والجزية والحاجة»، قال عمر: «ما أنصفناك إذا كنا أكلناك في شبيبتك وضيعناك في شيخوختك، خذوه إلى بيت المال فحطوا عنه الجزية وافرضوا ما يكفيه ويكفي عياله وافعلوا ذلك بأمثاله». ويضيف الجزية التي كان يدفعها غير المسلمين يدفعها المسلمون الآن وتسمى ضريبة الدفاع، وقد أجمع الفقهاء على أن الذمي لو اشترك في القتال والجيش حطت عنه الجزية لأن دمه بذل مع دماء المسلمين، مشيراً إلى أن الجزية لا تفرض إلا على القادر على الجهاد أي خلال العمر من 20 إلى 30 سنة، ثم تحط عنه، وإذا انخرط في سلك الجيش فلا جزية عليه.

ويشير الشيخ البدري إلى أنه لم يلحق بمصطلح أهل الذمة ما يثيره الآن من اشمئزاز لدى غير المسلمين إلا بفعل الاستعمار الذي شوه هذا اللفظ وأظهره على أنه استعباد ورسخ الاشمئزاز في نفوس غير المسلمين بتشجيع من الإمبريالية، ولكن اللفظ في الواقع لا يثير إلا الفخر لأن معناه أن الله هو الحافظ والضامن لغير المسلمين إذا عاشوا بين المسلمين، كذلك فإن الرسول صلى الله عليه وسلم أيضاً هو الحافظ والضامن لسلامتهم مع الله تبارك وتعالى.

 

أحمد عبد الله

المصدر : الشرق الأوسط

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...